شرح الحديث الـ 41
في صفة التيمم عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا . ثم ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه .
في الحديث مسائل :
1 = في رواية في الصحيحين : عن شقيق قال : كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري ، فقال له أبو موسى : لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهراً أما كان يتيمم ويصلي ؟
فقال عبد الله : لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا .
فقال أبو موسى : فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة ( فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا ) ؟
فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد .
قلت : وإنما كرهتم هذا لذا ؟
قال : نعم .
فقال أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لعمر : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا ، فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله ، أو ظهر شماله بكفه ، ثم مسح بها وجهه .
فقال عبد الله : أفلم تَـرّ عمر لم يقنع بقول عمار ؟
وفي رواية له : فتمعكت . بدل فتمرّغت .
2 = جواز اجتهاد الصحابي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
إلا أنه لا يُقـرّ إذا كان على خطأ ، فإن فُرض أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطّلع عليه فقد اطّلع عليه رب العالمين ، ومحال أن يُقرّ الخطأ .
ولهذا نظائر كثيرة
روى أبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رجلان في سفر ، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ، فتيمما صعيدا طيبا فصليا ، ثم وجدا الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ، ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال للذي لم يُعد : أصبت السنة ، وأجزأتك صلاتك ، وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين .
ومن هنا قال العلماء : إن إصابة السنة أعظم ممن ضُوعف له الأجر .
3 = من فعل الأعلى أجزأه عن الأدنى
فعمّار عندما تمرّغ في التراب لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة
مع أنه لم يتيمم التيمم المشروع ، وهذا كما لو اغتسل إنسان ونوى الوضوء أجزأه ذلك ، وإن لم يُرتّب أعضاء الوضوء .
4 = من تيمم من الحدث الأكبر ثم وجد الماء وجب عليه الغسل ولا إعادة عليه لما مضى
5 = من تيمم ثم حضر الماء وهو يُصلي ، هل يقطع صلاته ويتوضأ ؟
إذا كان بذل وسعه وبحث عن الماء وغلب على ظنّه أنه لا يجد الماء حتى يخرج الوقت ثم صلى فإنه لا يقطع صلاته ؛ لأنه فعل ما أُمِر به دون تفريط .
6 = " إنما كان يكفيك أن تقول هكذا "
فيه التعليم بالفعل .
7 = صفة التيمم
يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة
ثم يمسح ظاهر يده اليمنى بباطن اليسرى ، ثم يمسح ظاهر كفه اليسرى بباطن كفه اليمنى ثم يمسح وجهه .
وإن عكس أجزأه
وإن بدأ بوجهه أجزأه
وإن ضرب ضربة لوجهه وضربة ليديه فقد جاءت السنة بذلك
فقد روى أبو داود وابن ماجه عن عمار بن ياسر أنهم حين تيمموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر المسلمين فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا ، فمسحوا بوجوههم مسحة واحدة ، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى ، فمسحوا بأيديهم .
ولا يُشرع فيه التثليث كالوضوء .
ولا يجب فيه الترتيب بين الوجه واليدين ، فإن بدأ بمسح يديه أجزأه ، وإن بدأ بمسح وجهه أجزأه .
جاء في رواية للبخاري : وضرب شعبة بيديه الأرض ، ثم أدناهما من فيه ، ثم مسح وجهه وكفيه .
8 = موضع التيمم
الوجه والكفين على الصحيح .
9 = في رواية أشرت إليها : " ثم نفضها "
وفي رواية للبخاري : " ونفخ فيهما "
وهذا لتخفيف ما علق باليد من التراب حتى لا يؤذي الوجه .
10 = يجوز التيمم لمن وجد الماء وخشي من استعماله الضرر ، كالبرد أو زيادة المرض ونحو ذلك .
روى الإمام أحمد وأبو داود عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقُل شيئا .
11 = يُشرع التيمم لتخفيف الحدث مع وجود الماء ، فقد أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل فسلّم عليه ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ، ثم رد عليه السلام . والله تعالى أعلى وأعلم .
ولا يعني هذا أن المُحدِث لا يجوز له ردّ السلام ، ولكنه الأفضل .
وقد تقدّم شرح حديث أبي هريرة " إن المؤمن لا ينجس " .