نوفمبر 2024 | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|
| | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | | اليومية |
|
|
| شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
زائر زائر
| موضوع: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 06, 2014 8:46 pm | |
| تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبى بعده وبعد
بعون الله ومدده سنتناول شرح احاديث عمدة الاحكام وذلك حسب ابواب الفقه إن شاء الله برجاء عدم الرد على الموضوعات
الباب الاول : الطهاره الحديث الأول : حديث عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه . متفق عليه .
= هذا حديث عظيم ولذا فإن العلماء يُصدّرون به مصنفاتهم كما فعل الإمام البخاري . وقيل في تعليل ذلك : لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف . قال عبد الرحمن بن مهدي : لو صنفتُ كتابا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في الأعمال بالنيات في كل باب . وقال : من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ . قال ابن رجب : وهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها ، فرُويَ عن الشافعي أنه قال : هذا الحديث ثلث العلم ، ويدخل في سبعين بابا من الفقه . وعن الإمام أحمد رضي الله عنه قال : أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث : حديث عمر " إنما الأعمال بالنيات " ، وحديث عائشة " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، وحديث النعمان بن بشير " الحلال بيّن والحرام بيّن " .
= والنيّة في اللغة هي القصد والإرادة .
= وفائدة النيّة : تمييز العبادات بعضها عن بعض وتمييز العبادات عن العادات
فالأول مثل تمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر ، وتمييز صلاة النافلة عن صلاة الفريضة . وكتمييز صوم رمضان عن صوم النافلة .
والثاني مثل تمييز غُسل الجنابة عن غُسل التطهّر والتّبرّد .
وقد قيل : بصلاح النيّات تُصبح العادات عبادات وبفساد النيّات تُصبح العبادات عادات فالعادات من أكل وشُرب ونوم ونحو ذلك إذا صلحت فيها النيّة أصبحت عبادات ، إذ الوسائل لها أحكام المقاصد . والعبادات إذا فسدت فيها النيّات أو غاب عن صاحبها استحضارها ولم يرد عليه الاحتساب كانت أعماله عادات أو كالعادات . لا قيمة لها ولا روح .
= وضابط حصول النيّة وترتّب الأجر عليها ما قاله ابن المُلقِّن حيث قال : والضابط لحصول النيّة أنه متى قصد بالعمل امتثال أمر الشرع ، وبتركه الانتهاء بنهي الشرع ، كانت حاصلة مُثاباً عليها ، وإلا فلا ، وإن لم يقصد ذلك كان عملاً بهيمياً ، ولذا قال بعض السلف : الأعمال البهيمية ما عُملت بغير نيّة . انتهى . = وضابط حصول الأجر من عدمِه أن تكون الحسنة أو السيئة همّـاً عند العبد ، كما في حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى قال : إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك ؛ فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة . متفق عليه .
= وإذا صلحت النيّة فربما بلغ العبد منازل الأبرار ، وتسنّم المراتب العُلى بحسن نيّته . ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله عز وجل مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله عز وجل فيه حقه . قال : فهذا بأفضل المنازل . قال : وعبد رزقه الله عز وجل علما ولم يرزقه مالا قال فهو يقول : لو كان لي مال عملت بعمل فلان قال فاجرهما سواء . قال : وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه عز وجل ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقه فهذا بأخبث المنازل . قال : وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو كان لي مال لعملت بعمل فلان . قال : هي نيته فوزرهما فيه سواء . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح .
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال : إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معـكم . قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة حبسهم العذر . رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه ، ورواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه .
= فائدة لا علاقة لورود هذا الحديث بحديث مهاجر أم قيس . وحديث أم قيس قال عنه الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح . وقال الذهبي - بعد أن ذكر رواية الطبراني - : إسناده صحيح . وقال ابن حجر - بعد أن ذكر رواية الطبراني - : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سِيق بسبب ذلك ، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك .
وهناك عدة مباحث في النيّة ، كدخول الرياء في العمل وتفصيل ذلك ، وكتشريك النيّة ، وتغييرها ، وكنيّة ترك ما حـرّم الله ، ونحو ذلك ، ولكني أراني أطلت . ========================= تفصيل مسألة دخول الرياء على النيّة ينقسم العمل الذي يُخالطه أو يُصاحبه الرياء بالنسبة لقبول العمل من عدمه إلى أقسام : أن يُصاحبه الرياء من أصل العمل فيحبط العمل بالكليّة . أن يطرأ عليه الرياء خلال العمل دافعه فإنه لا يضرّه ، وإن لم يُدافع الرياء فَلَهُ حالات : إن كان العمل مما يتجزأ ، كالصدقة ونحوها ، فما دَخَلَه الرياء فهو حابط ، وما لم يدخل الرياء لم يحبط . وإن كان مما لا يتجـزأ كالصلاة ونحوها فإنها تحبط ، لعـدم مُدافعته للرياء . والنيّة أصل في صلاح الأعمال ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه ، وإذا فسد أسفله فسد أعلاه . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع . والمُراد بذلك النيّة . ======== والرياء في العمل يكون وبالاً وعذاباً وحسرةً على صاحبه يوم القيامة ، يوم يُشهّر بصاحبه على رؤوس الأشهاد ، وعندها تزداد حسرته وندامته . فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به . رواه مسلم عن ابن عباس ، وروى البخاري مثله عن جندب بن عبد الله .
قال العز بن عبد السلام : الرياء أن يعمل لغير الله ، والسمعـة أن يخفي عمله لله ، ثم يحدث به الناس . قال الفضيل بن عياض : كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء ، والعمل لهم شرك . عافانا الله وإياك .
وإخلاص العمل لله سبب لسلامة القلب قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا يَـغِـلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم الجماعة ؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم . رواه أحمد وأهل السنن . قال ابن عبد البر : معناه لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلا أبـداً ، يعني لا يقوى فيه مرض ولا نفـاق إذا أخلص العمل لله ، ولزم الجماعـة ، وناصح أولي الأمر . وقال ابن رجب : هذه الثلاث الخصال تنفي الغل عن قلب المسلم . انتهى كلامه - رحمه الله - . فعدمُ الإخلاص يُورث القلبَ الأضغان والأحقاد .
ومما بقي في شرح هذا الحديث مسائل :
الأولى : ما يتعلق بألفاظ الحديث الثانية : الكلام على الهجرة الثالثة : الاحتساب في المباحات وفي التّ{وك
فالمسألة الأولى : ما يتعلق بألفاظ الحديث ، ومنها :
إفادة الحصر في قوله : إنما الأعمال بالنيات .
وتقديرها : إنما تكون الأعمال صالحة ومقبولة عند الله بالنيات الصالحة .
وقوله : وإنما لكل امرئ ما نوى . وإن أظهر غير ذلك ، فالله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية .
ولذا لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا ، ويقاتل حمية ، فرفع إليه رأسه ، فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل . رواه البخاري ومسلم .
وهذا جواب الحكيم – كما يُقال – فلم يُعدد عليه الأغراض التي لا تكون في سبيل الله لكثرتها ، وإنما حصر له الجواب في تحديد من هو في سبيل الله عز وجل .
وعند النسائي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : من غزا في سبيل الله ولم ينوِ إلا عقالاً فله ما نوى .
وقوله عليه الصلاة والسلام : فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله . أعاد الجملة الثانية معطوفة على الأولى لأهمية هذا العمل ، وهو الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
بينما في آخر الحديث قال : فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه . لم يُعد الجملة كما في الأولى لسببين : الأول : حقارة هذا الأمر الذي يُهاجر الإنسان من أجله . الثاني : لتعدد الأغراض التي يُهاجر لها الناس ، فلا تنحصر في دنيا أو زواج .
والمسألة الثانية : الكلام على الهجرة
فالهجرة في اللغة تُطلق على التّـرك
وفي الاصطلاح : الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام .
والهجرة باقية ما بقيت التوبة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : لا هجرة بعد الفتح . كما في الصحيحين ، فالمقصود به لا هجرة مِن مكة – شرّفها الله وحرسها – لأنها صارت دار الإسلام ، فلا يُهاجر منها .
والهجرة أنواع : هجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام
وهجرة من بلد البدعة إلى بلد السنة
وهجرة من بلد المعصية إلى بلد الطاعة
ومن ذلك : هَجْر ما نهى الله عنه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : والمهاجر مَنْ هَجَرَ ما نهى الله عنه . رواه البخاري .
والمسألة الثالثة : الاحتساب في المباحات وفي التّروك
عندما يحتسب المسلم في أكله وشُربه ونومه وقيامه فإنه يؤجر على نيته هذه .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم يؤجر في أخص حظوظ نفسه ، فقال : وفي بضع أحدكم صدقة . قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام . أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا . رواه مسلم .
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن ، قال لهما : يسرا ولا تعسرا ، وبشرا ولا تُنفّرا . فانطلق كل واحد منهما إلى عمله ، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه ، وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا ، فسلّم عليه ، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه ... فقال معاذ حين نزل : يا عبد الله كيف تقرأ القرآن ؟ قال : أتفوّقه تفوقاً . قال أبو موسى : فكيف تقرأ أنت يا معاذ ؟ قال : أنام أول الليل ، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم ، فأقرأ ما كَتَبَ الله لي ، فأحتسب نومتي ، كما أحتسب قومتي . رواه البخاري ومسلم .
فقوله رضي الله عنه : أحتسب نومتي ، كما أحتسب قومتي .
أي أنه يحتسب في نومته ، وينوي بها الاستعانة والتّقوّي على قيام الليل .
فالمسلم إذا استحضر النية فإنه يؤجر في سائر عمله ، حتى في المباحات .
قال عبد الله بن الإمام أحمد لأبيه : أوصني . قال : يا بُني انوِ الخير فإنك بخير ما نويت الخير .
وقال زيد الشامي : إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب . وقال : انوِ في كل شيء تريد الخير ، حتى خروجك إلى الكناسة .
وعن داود الطائي قال : رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية ، وكفاك بها خيرا وإن لم تَنْصَب . ذكره ابن رجب .
أي وإن لم تتعب فإنك تؤجر على حُسن نيتك .
وقيل لنافع بن جبير : ألا تشهد الجنازة ؟ قال : كما أنت حتى أنوي . قال : ففكر هنيهة ، ثم قال : امض !
فالمسلم بحاجة إلى تعاهد نيته ، ومراجعتها في كل عمل
قال سفيان الثوري : ما عالجت شيئا أشد عليّ من نيتي ؛ لأنها تنقلب عليّ .
هذه نتف من الفوائد المتعلقة بهذا الحديث النبوي العظيم .
وللحديث بقية عبارة عن أسئلة وردتني .
ثم وردني هذا السؤال من إحدى الأخوات السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ... الشيخ الفاضل .. جزيت خيرا على طرحك لهذا الدرس المميز .. و نسأل الله العلي العظيم ان ينفعنا و إياكم به و يجعله في ميزان حسناتكم يوم نلقاه ... شيخي الفاضل .. لقد وفيت في شرحك و بخاصة عن الرياء و كنت على وشك سؤالك عنه فمن المعروف انه الرياء هو الشرك الأصغر و هو أخفى من دبيب النمل ... و أحيانا يكون الأصل في العمل وجه الله و القرب منه فما تشعر إلا و قد خالط نفسك شئ ... تحاول جاهدا ان تدفعه ... فأحيانا تجد ان الشيطان يقول لك لا تخاشع لأن الناس يرونك و أحيانا تخاشع لن الله يراك فتحتار .. و تخاف في عملك ما الذي تفعله حينها ... و إذا كان الرياء خفيا لا يستشعر .. كما علمت انه اخفى من النملة على صخرة سوداء في ليلة دهماء فكيف ادفعه عن نفسي ؟؟؟ وهل هناك من دعاء أدعو به .. لأتقي هذا الشر و جزاك الله عني خيرا الجواب : وشكر الله لك هذه الإفادة والإضافة أما إذا جاء الشيطان ليُدخل الرياء على المسلم ، فعلى المسلم مدافعة الرياء ولا يضرّه . فإذا جاء الشيطان أو ورد الوارد لتحسين العمل فعلى المسلم أن يتذكّر : أن الناس لا يملكون له نفعا ولا ضرا ، وبالتالي فليس هناك دافع للعمل لأجلهم . وقد نقل ابن القيم - رحمه الله – عن عبد القادر الكيلاني - رحمه الله - أنه قال : كُـن مع الحق بلا خلق ، ومع الخلق بلا نفس . ثم قال ابن القيم معلِّقاً : فتأمل ما أجلّ هاتين الكلمتين مع اختصارهما ، وما أجمعهما لقواعد السلوك ، ولكل خلق جميل . فإذا قام المسلم يُصلّي – مثلاً – جاءه الشيطان ليُحبط عمله ، فيقول : له فُلان ينظر إليك وإلى عملك فأحسن العمل فلا يلتفت إلى هذا ويبقى على ما كان عليه ولا يترك العمل لأجل ذلك ، كما تقدم في كلمة الفضيل بن عياض . [ والكلام يطول في تفصيل ذلك ] من أجل ذلك كان السلف يحرصون على إخفاء العمل ، وأن يجهد الإنسان أن يُخفي العمل ما استطاع . من أجل ذلك قال عليه الصلاة والسلام : فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع . رواه البيهقي ، وقال المنذري : إسناده جيّد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب . وقال عليه الصلاة والسلام : فصلوا أيهـا الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة . متفق عليه من حديث زيد بن ثابت ورواه أبو داود بلفظ : صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة . فصلاة الرجل النافلة حيث لا يراه أحد أفضل من صلاته في مسجده صلى الله عليه وسلم .
وأما ما يُذهب الرياء فأسوق إليك هذا الحديث بطوله وقد تضمّن قصة روى البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا بكر ، للشِّرك فيكم أخفى من دبيب النمل . فقال أبو بكر : وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، للشِّرك أخفى من دبيب النمل ، ألا أدلك على شيء إذا قـُـلتـه ذهب عنك قليله وكثيره ؟ قال : قل : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم . وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد .
وهذا سؤال آخر من أخت أخرى فاضلة : جزاك الله خير فضيلة الشيخ السحيم... بس عندي بعض الاستفسارات... - سمعت مرة من أحد الشيوخ ، إن لا يجب النطق بالنية، يكتفي الفعل... مثلاً: نية الصوم، القيام للسحور... فهل الأفعال تكفي عن النية اللفظية؟؟ إذا كان لا.. فهل هناك صيغة محددة أو محببة للنية؟؟ و جزاك الله خير أخوي.. و جعله في ميزان حساناتك.. الجواب : بارك الله فيك أختي الفاضلة هذه مسألة مهمة فاتني التنبيه عليها فأقول : لا يجوز التـّـلفّـظ بالنية ، إذ التـّـلفّـظ من محدثات الأمور قال ابن عمر لما سَِمع رجلا عند إحرامه يقول : اللهم إني أريد الحج والعمرة . فقال له : أتُعلّم الناس ؟ أو ليس الله يعلم ما في نفسك ؟
فلا يتلفّظ بالنية حتى عند إرادة الحج والعمرة فلا يقول عند إرادة عقد الإحرام : اللهم إني أريد الحج والعمرة . وإنما يُلبّي بالحج والعمرة معاً أو بأحدهما فيقول كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لبيك عمرة وحجة أو : لبيك عمرة وهذا ليس من التلفظ بالنية إنما هو بمنزلة التكبير عند دخول الصلاة .
وكذلك إذا أراد الصلاة فلا يقول – كما يقول بعض الجهلة : - اللهم إني أريد أصلي صلاة الظهر أربع ركعات . فإن هذا لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم .
وكذا الأمر بالنسبة لسائر العبادات ؛ لأن النيّة محلّها القلب . فيكفي فيها عقد العزم على الفعل . كما أن نيّة تبييت الصيام من الليل لصوم الفريضة تكفي من أول شهر رمضان إلا أن يقطع النية بسفر أو فطر لمرض وعذر . ويكفي في النية العزم على الفعل فإنه إذا عزم على صيام يوم غد ثم صامه أجزأته النية التي عقدها بقلبه . ويُقال نفس الكلام في نية الصلاة ، ولكن لا بد من تعيين النيّة لتلك الصلاة هل هو يُريد صلاة الظهر أو العصر مثلاً وكذلك الوضوء ، فإذا توضأ المسلم ، وهو ينوي رفع الحدث ارتفع حدثه ولو اغتسل ونوى بالغسل اندراج الوضوء تحته أجزأه
وهكذا . فالنيّة محلّها القلب ولا يجوز التلفظ بها ، بل التلفظ بها بدعة محدَثة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . والله أعلم
وهذا سؤال ثالث من أخت فاضلة ثالثة : أول كلمة اقولها في هذه الزاوية .. أستاذي الحبيب ..جزاك الله خير الدنيا والآخرة ..وكتب لك بها الرضى والعافية والأجر في الدنيا والأخرة وسدد خطاك ..وحفظك وزادك من فضله في الدنيا والأخرة الشيء الثاني ..ربي لا يحرمنا منك .. كيف أشكرك ..وكيف ارد الجميل ..كانت هذه الدروس ستفوتني ..لو لا دعوتك المباركة ..الله يحفظك عندي سؤال بعد أذنك ألا تحتاج بعض الأعمال إلى إظهارها وعملها علنا أمام الخلق طمعا في اقتداء الناس بهذا العمل..كحفظ القرآن الكريم على سبيل المثال ..اتمنى أن اعرف الإجابة .. الجواب : بورك فيك واحسن الله إليك بل أنا أشكر استجابتك وحضورك وحيّاك الله أختاً لنا مشاركة ومُفيدة في الوقت نفسه أخيّه : الأصل في الأعمال الإخفاء ( أن تُخفى ) لقوله سبحانه : ( إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ) وفي حديث السبعة الذين يُظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظلّه قال صلى الله عليه وسلم فيهم : ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه . متفق عليه . وبوّب عليه الإمام البخاري : باب صدقة السر . وعقد قبله باباً : باب صدقة العلانية ، ثم ساق قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) وقد تقدّم أن إخفاء العمل الصالح أبلغ في الإخلاص وحال السلف يدل على ذلك ، وسأذكر بعض الأمثلة بعد ذلك إن شاء الله غير أنه إذا طمِع المسلم أو المسلمة في الاقتداء به بذلك العمل فله أن يُظهره شريطة أن يُجاهد نفسه ، لأن الشيطان سيُدخل عليه الرياء . ومن هنا فقد أظهر الصحابة رضي الله عنهم بعض أعمالهم لما احتاجوا إلى ذلك
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير رضي الله عنه أنه قال : كنا ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر ، فتمعّـر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذّن وأقام فصلى ، ثم خطب فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة ) إلى آخر الآية : ( إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) والآية التي في الحشر ( اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) تصدّق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال : ولو بشق تمرة . قال : فجاء رجل من الأنصار بِصُرّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت . قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة . الحديث .
فهذا الأنصاري قد جاء بِصُرّة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت وكان هذا على مرأى ومسمع من الناس . فإذا اقتضت المصلحة إظهار العمل الصالح فإنه يُظهره لتلك المصلحة فحسب . والله أعلم .
كنتُ قد وعدت أن أسوق شيئا من أحوال السلف في إخفاء العمل وحرصهم على ذلك واجتهادهم فيه ، وهذا أوان الشروع في المقصود :
لما رأى ابن عمر رجلاً يُصلي ويُتابع قال له : ما هذا ؟ قال : إني لم أصل البارحة ، فقال ابن عمر : أتريد أن تخبرني الآن ! إنما هما ركعتان . ولما قال سعيد بن جبير لأصحابه : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ قال حصين بن عبد الرحمن : قلت : أنا ، ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت . فَذَكَرَ الحديث . رواه مسلم . فقوله – رحمه الله – : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ، لينفي عن نفسه حبّ السمعة والشهرة ، وليعلم جليسه أنه لم يكن في صلاة . وما ذلك إلا لحرصهم على الإخلاص .
وقد كان عمل الربيع بن خثيم كله سِـرّاً ؛ إن كان ليجئ الرجـل وقد نَشَـرَ المصحف ، فيغطيه بثوبه .
قال الأعمش : كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقـرأ في المصحف ، فاستأذن عليه رجل فغطّى المصحف ، وقال : لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة .
قال عبدة بن سليمان : كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البِراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ، ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ، فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو مُلَثّمٌ وجهه بكمـه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال : و أنت يا أبا عمرو ! ممن يشنع علينا .
قال محمد بن القاسم : صحبت محمد بن أسلم أكثر من عشرين سنة لم أره يصلي حيث أراه ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة ، وسمعته كذا وكذا مرة يحلف لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت خوفاً من الرياء ، وكان يدخل بيتا له ويُغلق بابه ، ولم أدرِ ما يصنع حتى سمعت ابناً لـه صغيرا يحكي بكاءه ، فنهته أمُّه ، فقلت لها : ما هذا ؟ قالت : إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه ، وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل فلا يرى عليه أثر البكاء .
وكان أيوب السختياني في مجلس فجاءته عَبْرَة ، فجعل يتمخّط ويقول : ما أشدّ الزكام .
هذا نزر يسير من حرصهم على إخفاء أعمالهم حتى لا يدخلها الرياء ، ولا يجد الشيطان مدخلا إلى نفوسهم . فرحم الله سلف هذه الأمة ما أعظم فقههم وما أدق فهمهم .
فائــدة : لقي رجل يحيى بن أكثم وهو يومئذ على قضاء القضاة فقال له : أصلح الله القاضي كم آكل ؟ قال : فوق الجوع ، ودون الشبع . قال : فكم أضحك ؟ قال : حتى يُسفر وجهك ، ولا يعلوا صوتك . قال : فكم أبكي ؟ قال : لا تمل البكاء من خشية الله . قال : فكم أخفي من عملي ؟ قال : ما استطعت . قال : فكم أظهر منه ؟ قال : ما يقتدي بك الحريص على الخير ، ويُؤمن عليك قول الناس .
وسألت أخت كريمة فاضلة ، فقالت : حديثين شيخنا الفاضل ... هل يمكن أن نعلم مدى صحتهما بارك الله فيك : ( نية المؤمن أبلغ من عمله ونية الفاجر شر من عمله ) وفي رواية ( إن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته مالايعطيه على عمله ) لأن النية لارياء فيها والعمل يخالطه الرياء .... وبارك الله فيكم الجواب : بورك فيك أختي الفاضلة ، وشكر الله سعيك وحيّاك معنا وزادك الله فقهاً وحرصا على طواعية الله ورسوله
أما الحديث الأول فهو بلفظ : نية المؤمن خير من عمله ، وعمل المنافق خير من نيته ، وكل يعمل على نيته ، فإذا عمل المؤمن عملا ، ثار في قلبه نور . فهو حديث ضعيف المعنى والمبنى وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع برقم 5977 وقد تكون نيّة المؤمن خيرٌ من عمله كما تقدم في حديث : " إنما الدنيا لأربعة نفر " وكما في قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله تعالى قد أوقع أجره على قدر نيته . وفيه قصة ، وذلك أن عبد الله بن ثابت كان قد تجهز للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات قالت ابنته : والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً ، فإنك كنت قد قضيت جهازك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح . وقد يكون العمل أبلغ ، خاصة إذا كان بعيداً عن أعين الناس ، أو كان نفعه مُتعدّياً .
وأما الرواية الثانية التي أشرتِ إليها إن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته مالا يعطيه على عمله . وهي بقية الحديث الأول ، وأشار إلى ضعفها العجلوني في كشف الخفاء ولم أرها في شيء من كتب السنة إلا في مسند الفردوس بلفظ : نية المؤمن خير من عمله وإن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله وذلك إن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء . ولا يصح . والله أعلم . ألى لقاء فى الحديث الثانى
عدل سابقا من قبل ثروت في الأحد أبريل 06, 2014 9:00 pm عدل 1 مرات |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الخميس أبريل 17, 2014 1:48 pm | |
| الحديث الـ 236
في حرمة صيد الحرم ولقطته وشوكه
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ – : لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ , وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ . وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا . وَقَالَ : يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ : إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي , وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ , وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ , وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ . فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إلاَّ الإِذْخِرَ ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ . فَقَالَ: إلاَّ الإِذْخِرَ . القَينُ : الحَدَّاد .
في الحديث مسائل :
1= قوله : " لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ " هل يتعارض هذا مع قوله عليه الصلاة والسلام : لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها . رواه الإمام أحمد وأبو داود . ومثله قوله عليه الصلاة والسلام لمجاشع بن مسعود رضي الله عنه : مَضَتِ الهجرة لأهلها . رواه البخاري . وفي رواية له : ذَهَبَ أهل الهجرة بما فيها . لا تَعارُض بينهما ، لأن الأول بخصوص مكة ، أي لا هَجرَة بعد فتح مكة . والثاني عام في بقاء حُكم الهجرة ، من بلد الكُفر إلى بلد الإسلام ، ومن بلد البدعة إلى بلد السنة ، ومن بلد المعصية إلى بلد الطاعة . قال ابن عبد البر : معناه لا هجرة تُبْتَدأ بعد الفتح مُفترضة ، لا على أهل مكة ولا على غيرهم . اهـ . وقال النووي : قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة وتأوّلوا هذا الحديث تأويلين : أحدهما : لا هجرة بعد الفتح من مكة ، لأنها صارت دار إسلام ، فلا تُتَصَوّر منها الهجرة . والثاني : - وهو الأصح - أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمّة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازا ظاهرا انقطعت بفتح مكة ، ومَضَتْ لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة ، لأن الإسلام قوي وعَزّ بعد فتح مكة عزا ظاهرا ، بخلاف ما قبله . اهـ . ويَعضد القول الثاني ما جاء في حديث مُجاشع بن مسعود رضي الله عنه ، وفيه : ذَهَبَ أهل الهجرة بما فيها .
2= قوله : " وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " وهذا موافِق لِقوله عليه الصلاة والسلام لمجاشع بن مسعود رضي الله عنه . روى البخاري من حديث مجاشع رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأخي ، فقلت : بَايِعْنَا على الهجرة . فقال : مَضَتِ الهجرة لأهلها . فقلت : عَلامَ تُبَايِعُنا ؟ قال : على الإسلام والجهاد . رواه البخاري . قال النووي : " ولكن جهاد ونية " معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ، ولكن حَصِّلُوه بالجهاد والنية الصالحة . وفى هذا الحثّ على نِيّـة الخير مُطلقا ، وأنه يثاب على الـنِّـيَّـة .
3= قوله صلى الله عليه وسلم :" وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا " معناه : إذا طلبكم الإمام للخروج إلى الجهاد فاخرجوا . وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين ، بل فرض كفاية إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سَقَطَ الْحَرَج عن الباقين ، وإن تركوه كلهم أثِمُوا كلهم . قال أصحابنا : الجهاد اليوم فرض كفاية ، إلا أن يَنْزِل الكفار بِبَلَد المسلمين ، فَيَتَعَيّن عليهم الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وَجَبَ على من يليهم تَتْمِيم الكفاية . قاله النووي .
4= في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ . وفي حديث أبي شُريحٍ السابق " الْغَد مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ " . فهل كانت خطبته صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح أو في اليوم الثاني ؟ لا تَعارُض بين الحديثين ، لأن فَتح مكة يُسمّى به اليوم الذي دَخَل فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، وتُسمّى به تلك الأيام التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد الفتح ، ويُسمّى به العام ، ومنه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَل عام الفتح وعلى رأسه المغفر . رواه البخاري ومسلم . وسيأتي شرحه . فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يَخطُب أول يود دَخَل مكة ، وإنما خَطَب في اليوم الثاني من دخوله ، فأبو شُريح رضي الله عنه قاله على وجه الدقّة ، وابن عباس على وجه الإجمال .
5= هل تحريم مكة كان في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو كان قبل ذلك ؟ تحريم مكة كان قبل ذلك – كما سيأتي – . وقد يقول قائل : ما فائدة تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها مع كونها مُحرّمة من زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ومع كون ذلك مُستَقِرّاً عند العرب قبل الإسلام ؟ فالجواب عنه : أن ذلك للتأكيد على حُرمة مكة ، وعلى حُرمة سَفك الدم فيها ، وقَطع شوكها ... - إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه - . وتضمّن ذلك إزالة شُبهة ، وهي قد يقول قائل ، أو يَحتَجّ مُحتَجّ بِقتال النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح .
6= هل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي حَرَّم مكة ؟ في الحديث : " أن إبراهيم حَرّم مكة " . وفي الحديث أيضا : " إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى , وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ " وفي التنْزِيل : (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) . كيف الجمع بينهما ؟ الجواب : مِن الأحاديث الدّالة على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرّم مكة : حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حَرّم مكة ، ودعا لها ، وحَرّمتُ المدينة كما حَرّم إبراهيم مكة ، ودعوت لها في مُدّها وصَاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة . رواه البخاري ومسلم . ومِن الأحاديث التي تدلّ على أن الله حرّم مكة : حديث أبي شريح العدوي رضي الله عنه – حديث الباب – وفي رواية للبخاري : إن الله حَرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر .
والجمع بين هذه الأحاديث ، والتوفيق بينها أن يُقال : إن الله هو الذي حرّم مكة ، وجَعَلها حراماً إلى يوم القيامة . وإبراهيم عليه الصلاة والسلام أول من بنى البيت ، كما هو معلوم ، فتكون من هذا الباب نسبة التحريم إليه، وإلاّ فمن المعلوم أن الأنبياء لا يُحرِّمون مِن قِبَل أنفسهم . ويكون إبراهيم عليه السلام هو أول من أُوحِي إليه تحريم البيت ، أي بعد بنائه للبيت . فتكون نسبة التحريم إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وأصل التحريم من الله تبارك وتعالى . فإن من المعلوم بداهة أن التحليل والتحريم تشريع ، وهو من الله ابتداءً . ويُقال مثل ذلك في اللعن . فإن في بعض الأحاديث لعن الله ، وفي بعضها لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد يكون في الشيء الواحد ، كما في حديث ابن مسعود – المتّفقِ عليه – ، وفي أوله قال : لَعَنَ الله الواشمات ، والموتشمات ، والمتنمصات ، والمتفلِّجات للحُسن ، المغيرات خلق الله . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لَعَنْتَ كَيْتَ وكَيْت ؟ فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الحديث . فالشاهد من ذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه نَسَب اللعن ابتداء إلى الله ، ثم لما رُوجِع قال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فابتداء التشريع من الله ، وقد يُنسب إلى مَن جاء به . أو يُنسب إلى أول من عمِل به . كما يُقال : فعل الأمير كذا . وقد لا يكون للأمير إلا إصدار الأمر . وهذا جائز في اللغة ، ولذا جاءت اللغة العربية بالتوكيد والمؤكِّدات . فإذا قلت : جاء الأمير فيُحتمل أنك تريد رسوله أو أمره أو بعض حاشيته ، ونحو ذلك . لكنك عندما تقول : جاء الأمير بنفسه ، فقد أكّدت قولك بأنك لا تعني سواه . فعلى هذا لا يكون هناك إشكال في إضافة تحريم مكة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه أول من جاء به وعمِل به . ولا إشكال في إضافته لله لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أمَرَ به وشَرَعه . كما تقول : ناقة الله ، وتقول : ناقة قوم صالح .
قال ابن عطية في تفسيره : ولا تعارُض بين الحديثين ، لأن الأول إخبار بسابِق علم الله فيها وقضائه وكون الْحُرْمَة مُدة آدم وأوقات عمارة القُطر بإيمان . والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور . وكل مقال من هذين الإخْبَارَين حسن في مقامه . عَظَّم الحرمة ثاني يوم الفتح على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى ، وذَكَر إبراهيم عند تحريمه المدينة مثالاً لنفسه ، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قِبَلِ الله تعالى ومْنْ نافِذ قضائه وسابِق علمه . اهـ . وقول ابن عطية " بعد الدثور " أي بعد الاندثار .
وقال القرطبي في تفسير سورة البقرة : اخْتَلَف العلماء في مكة هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم ، أو كانت قبله كذلك ؟ على قولين : أحدهما : أنها لم تزل حَرَماً من الجبابرة المسلطين ومن الخسوف والزلازل ، وسائر المثُلات التي تَحِلّ بالبلاد وجعل في النفوس المتمردة من تعظيمها والهيبة لها ما صار به أهلها متميزين بالأمن من غيرهم من أهل القرى ، ولقد جَعَل فيها سبحانه من العلامة العظيمة على توحيده ما شُوهِد من أمْرِ الصيد فيها ، فيجتمع فيها الكلب والصيد فلا يُهَيّج الكلب الصيد ، ولا يَنْفُر منه ، حتى إذا خَرَجَا من الحرم عَدا الكلب عليه ، وعاد إلى النفور والهرب . وإنما سأل إبراهيم ربه أن يجعلها أمْناً من القحط والجدب والغارات وأن يرزق أهله من الثمرات ... الثاني : أن مكة كانت حلالا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد ، وأن بدعوته صارت حَرما آمنا كما صارت المدينة بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنا بعد أن كانت حلالا . احتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : إن هذا البلد حَرّمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة ...
وقال ابن كثير رحمه الله : فإذا عُلِمَ هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حَرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم عليه السلام حَرَّمها ؛ لأن إبراهيم بَلَّغَ عن الله حُكْمَه فيها ، وتحريمه إياها ، وأنها لم تَزَل بَلداً حَراما عند الله قبل بناء إبراهيم عليه السلام لها . اهـ .
7= قوله : " فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " تحريم مكة فيما ذُكِر ، من تحريم القِتال فيه ، وقطع شوكِه وشَجَره النابت بغير فِعل الإنسان ، وتنفير صيده ، واصطياد صيده . بالإضافة إلى تعظيم الْحَرَم . وأما من قال : إن التحريم أن لا يَدخلها أحد إلا بإحرام فضعيف ، يُضعِّفَه فِعله عليه الصلاة والسلام وفِعل بعض أصحابه . فالنبي صلى الله عليه وسلم دَخَل مكة عام الفتح وعلى رأسه الْمِغْفَر ، كما سيأتي في حديث أنس . ومن أصحابه من دَخَل مكة بغير إحرام في حجة الوداع . قال تعالى : (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) قال ابن كثير : أي الذي إنما صَارَتْ حَرَاماً شَرْعاً وقَدَراً بتحريمه لها .
8= قوله : " لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ " أي لا يجوز قطع شَوك الْحَرَم ، والمقصود الشجر النابت من غير فِعل الإنسان والعضْد هو القَطْع ، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه : ليتني شجرة تُعْضَد . رواه ابن أبي شيبة . وجاء مثله عن أبي بكر رضي الله عنه وعن أبي ذرّ رضي الله عنه . قال ابن حجر : قال القرطبي : خَصّ الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما يُنبته الله تعالى من غير صنع آدمي . فأما ما يَنبت بمعالجة آدمي فاخْتُلِف فيه ، والجمهور على الجواز . وقال الشوكاني : وقد ورد الترخيص في الإذخر ، وفي عَلَف الدواب منها ، فهذان الصِّنْفَان هما المستثنيان من النبات النابت في الْحَرَم ، وأما الشجر المؤذي فلم يَرِد دليل يدل على الترخيص فيه ، لكن إذا كان نَابِتاً في الطريق مثلا على وجه لا يمكن المرور إلا بحصول ضَرر منه ، فقواعد الشريعة تَدُلّ على جواز قطع ما كان ضارا، وقد جاز قتل الحيوان لِضَرَرِه ، فكيف لا يجوز قطع النبات ؟ وما ورد في رواية بلفظ لا يُعْضَد شوكها فمحمول على ما يمكن الْمُحْرِم تَجَنّبه إلا إذا ألَحَّتْ الضرورة إلى المرور عليه والوقوف فوقه ، فإنّ قَطْعَه لدفع ضرره أوْلى من تركه مع حصول الضرر منه ، وقد أَذِنَ صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة أن يحلق رأسه لضرر ما فيه من القمل . اهـ . قال ابن حجر : وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه ، فأشبه الفَواسق ، ومَنَعَه الجمهور . اهـ .
9= قوله : " وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ " في رواية البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حَرَّمَ مكة ولم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي ، وإنما حَلّتْ لي ساعة من نهار ، لا يْخْتَلى خلاها ، ولا يُعْضَد شجرها ، ولا يُنَفَّر صيدها ، ولا يلتقط لقطتها إلا لْمُعَرِّف . وقال عباس بن عبد المطلب : إلا الإذخر لصاغتنا ولِسُقُفِ بيوتنا . فقال : إلا الإذخر . فقال عكرمة : هل تدري " ما يُنَفَّر صيدها " ؟ هو أن تُنَحِّيه من الظلّ وتَنْزِل مكانه . قال عبد الوهاب : عن خالد : لصاغتنا وقبورنا . وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي . وخالد هو الحذَّاء . قيل نَـبّـه عكرمة بذلك على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى تنبيها بالأدنى على الأعلى ، وقد خالف عكرمة عطاء ومجاهد ، فقالا : لا بأس بِطَرْدِه ما لم يُفْضِ إلى قتله . أخرجه بن أبي شيبة . وروى بن أبي شيبة أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حَمَاماً كان على البيت فَذَرَق على يَدِ عمر فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة ، فجاءت حية فأكلته ، فَحَكَم عمر على نفسه بِشَاة . وروى من طريق أخرى عن عثمان نحوه . أفاده ابن حجر . وقال في التلخيص الحبير : حديث عمر أنه أوْجَبَ في الحمامة شاة ، وعن عثمان مثله : الشافعي من طريق نافع بن عبد الحارث قال : قَدِمَ عُمر مكة فدخل دار الندوة يوم الجمعة فألقى رداءه على واقف في البيت ، فوقع عليه طير فخشي أن يَسْلَح عليه فأطاره ، فوقع عليه ، فانتهرته حية فقتلته ، فلما صلى الجمعة دَخَلْتُ عليه أنا وعثمان فقال : احْكُما عليّ في شيء صنعته اليوم - فذكر لنا الْخَبَر - قال : فقلت لعثمان : كيف ترى في عَنْز ثنية عفراء ؟ قال : أرى ذلك ، فأمر بها عمر . إسناده حسن ، ورواه بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عن شيخ من أهل مكة أن عمر - فَذَكَره مُرْسَلا مُبْهَما . اهـ . ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في السنن الكبرى .
10= وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا " قال ابن دقيق العيد : اللقطة - بإسكان القاف ، وقد يقال بِفتحها - الشيء الملتقط . وذهب الشافعي إلى أن لقطة الْحَرَم لا تُؤخذ للتملك ، وإنما تؤخذ لِتُعَرّف لا غير . وذهب مالك إلى أنها كغيرها في التعريف والتملك . ويُسْتَدَلّ للشافعي بهذا الحديث . اهـ .
11= وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ . والخلى - بفتح الخاء والقصر - الحشيش إذا كان رطبا ، واختلاؤه قطعه . قاله ابن دقيق العيد . وقال الكمال ابن الهمام في فتح القدير : فالْخَلى هو الرَّطب من الكلا ، وكذا الشجر اسم للقائم الذي بحيث ينمو ، فإذا جَفّ فهو حطب ، والشوك لا يعارضه ، لأنه أعَمّ يُقال على الرطب والجاف ، فليحمل على أحد نوعيه دفْعَاً للمعارَضة ، وأما الذي نَبَت من غير أن ينبته الناس وهو من جنس ما ينبتونه ، فلا أدرى ما المخرج له غير أن المصنف عَلّل إخراج أهل الإجماع ما يُنْبِته الناس بأن إنباتهم يقطع كَمَال النسبة إلى الْحَرَم . اهـ .
12= فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إلاَّ الإِذْخِرَ ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ . فَقَال : إلاَّ الإِذْخِرَ " قال ابن دقيق العيد : والإذخر نَبْتٌ معروف طيب الرائحة . اهـ . وقال أيضا : وقوله : " فإنه لِقَيْنِهم " الْقَين الْحَدّاد ، لأنه يحتاج إليه في عمل النار . وبيوتهم تحتاج إليه في التسقيف . وقوله عليه السلام : " إلا الإذخر " على الفور تَعَلّق به من يرى اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو تفويض الحكم إليه من أهل الأصول . وقيل : يجوز أن يكون يُوحى إليه في زمن يسير ، فإن الوحي إلقاء في خُفية ، وقد تظهر أماراته وقد لا تظهر . اهـ .
والله تعالى أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الجمعة أبريل 18, 2014 3:40 pm | |
|
الحديث الـ 237
ما يجوز قَتْلُه للمُحْرِم وفي الحرم
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ , يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ : الْغُرَابُ , وَالْحِدَأَةُ , وَالْعَقْرَبُ , وَالْفَأْرَةُ , وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ . وَلِمُسْلِمٍ : بِقَتْل خَمْس فَوَاسِق فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ . الحِدَأَةُ : بكسر الحاء وفتح الدالِ مَهْموز .
فيه مسائل :
1= لَمّا ذَكَر حُرمة مكة ، وانه لا يُسفك فيها دَم ، ولا يُقطع فيها شجر ، ولا يُنفّر صيد الْحَرَم ، عَقَد هذا الباب ، وهو باب ما يجوز قَتْله ، وهو مُستثنى مما تقدّم من التحريم ، سواء كان ذلك في الْحَرَم ، أو كان في حقّ الْمُحْرِم .
2= في رواية للبخاري : خمس فواسق يُقتلن في الحرم : الفأرة والعقرب والْحُدَيّا والغراب والكلب العقور . وفي رواية له : خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ ... وفي رواية لمسلم : خمس فواسق يُقتلن في الحلّ والحرم : الحية والغراب الأبقع والفارة والكلب العقور والحديا وفي رواية له من طريق الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قال : سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُول : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ . قَالَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مِقْسَمٍ : فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ : أَفَرَأَيْتَ الْحَيَّةَ ؟ قَالَ : تُقْتَلُ بِصُغْرٍ لَهَا . للبخاري :
3= الرواية التي ذَكَرها المصنف مُركبة من روايتين عند مسلم : الأولى : من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد قالت : أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْل خمس فواسق في الْحِلّ والْحَرَم . والثانية : من طريق يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس من الدواب كلها فواسق تُقتل في الْحَرَم : الغراب والحدأة والكلب العقور والعقرب والفارة .
4= قوله : " خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ " لا يقتضي الحصر في هذه الخمس ، ففي صحيح مسلم من طريق زيد بن جبير قال : سأل رجلٌ ابنَ عمر ما يَقْتُل الرجل من الدّواب وهو مُحْرِم ؟ قال : حدّثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمُر بِقَتْل الكَلْب العَقُور والفَأرَة والعَقْرَب والْحُدَيّا والغُرَاب والْحَيَّة . قال : وفي الصلاة أيضا . فَذَكَر سِتّا . إلاّ أن يُقال : الحية في معنى العقرب لِجَامع السُّمِّـيَّة بينهما .
5= ألْحَق بها العلماء ما اشترك معها في العِلّة ؛ لأن الْحُكم يدور مع عِلّته وُجودا وعَدَمًا . والقاعدة عند أهل العِلْم : الْمُؤذي طَبعا يُقتَل شَرْعًا .
ولذلك قال الإمام مالك : وكل شيء لا يَعْدو من السباع ، مثل الهر والثعلب والضبع وما أشبهها ، فلا يقتله الْمُحْرِم ، وإن قتله وَدَاه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في قتل السباع ، وإنما أذن في قتل الكلب العقور . قال : وصغار الذئاب لا أرى أن يقتلها الْمُحْرِم ، فإن قتلها فَدَاها ، وهي مثل فراخ الغربان أيذهب يصيدها ؟! قال الخطابي : وإنما أباح قتلهن دَفعا لعاديتهن ؛ لأنهن كلهن مِن بَين عادٍ قتّال ، أو مؤذ ضرار . وقال ابن بطال : فإذا أباح عليه السلام قتل الكلب العقور لخوف عقره وضرره ، فالسبع الذي يفترس ويقتل أعظم وأولى ؛ لأنه لا يجوز أن يمنع من قتله مع إباحة قتل ما هو دونه . اهـ .
قال ابن المنذر : أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم على أن السبع إذا بَدأ الْمُحْرِم فقتله لا شيء عليه . قال ابن قدامة : ويُحتمل أنه أراد ما كان طبعة الأذى والعدوان وإن لم يوجد منه أذى في الحال .
وقال الْخِرقي : وله أن يقتل الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور ، وكل ما عدا عليه أو آذاه ، ولا فِداء عليه . قال ابن قدامة : هذا قول أكثر أهل العلم .
وقال أيضا : يُباح لك ما فيه أذى للناس في أنفسهم أو في أموالهم مثل سباع البهائم كلها المحرَّم أكلها ، وجوارح الطير كالبازي والعقاب والصقر والشاهين ونحوها ، والحشرات المؤذية والزنبور والبقّ والبعوض والبراغيث والذباب ، وبهذا قال الشافعي ، وقال أصحاب الرأي : يقتل ما جاء في الخبر والذئب قياسًا عليه . واختار ابن قدامة " أن الخبر نَصّ من كل جنس على صورة من أدناه تنبيهًا على ما هو أعلى منها ودلالة على ما كان في معناها ، فَنَصّه على الحدأة والغراب تنبيه على البازي ونحوه ، وعلى الفأرة تنبيه على الحشرات ، وعلى العقرب تنبيه على الْحَيَّات ، وعلى الكلب العقور َتنبيه على السِّباع التي هي أعلى منه ، ولأن ما لا يُضمن بمثله ولا بِقيمته لا يُضمن كالحشرات . اهـ .
وقال النووي : وَاتَّفَقَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز قَتْلهنَّ فِي الْحِلّ وَالْحَرَم وَالإِحْرَام ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُل مَا فِي مَعْنَاهُنَّ . اهـ .
6= قوله : " كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ " مِن الفِسْق اللغوي ، وهو الخروج . قال الخطابي : أصل الفسق الخروج من الشيء ، ومنه قوله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي : خَرَج . وسُمِّي الرجل فاسقا لانْسِلاخِه من الخير . ورَجّح أن الْمُراد بالفسق هو الخروج من الحرمة . وقال القاضي عياض : أصل الفسق الخروج عن الشيء ، ومنه سُمِّي هؤلاء فواسق لخروجهم عن الانتفاع بهم ، أو السلامة منهم إلى الإضرار والأذى . وقال ابن بطال : سَمّاهن فواسق لفسقهن وخروجهن لِمَا عليه سائر الحيوان ، لِمَا فيهن من الضرر . اهـ .
7= قوله : " يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ " ، تقدّم أن في بعض روايات الصحيح : " في الْحِلّ والْحَرَم " ، والتنصيص على الْحَرَم يدل بِدلالة الأوْلَى أن يُقتَلْن في الْحِلّ ؛ لأن الْحَرَم أعظم حُرمة ، فإذا جاز قتلها في الْحَرَم فقَتْلُها في الْحِلّ أوْلى .
8= لم يأت في حديث عائشة على أنه يَقتلهن الْمُحْرِم ، وإنما جاء فيه النصّ على أنهن يُقتَلْن في الْحَرَم ، وقد جاء صَريحا في حديث ابن عمر ، فقد رواه مسلم من طريق سالم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خمس لا جناح على مَن قَتلهن في الحرم والإحرام : الفارة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور . وفي رواية له : خمس مَن قتلهن وهو حَرام فلا جناح عليه ... فقوله : وهو حرام : يعني وهو مُحرِم . ففي رواية للبخاري : خمس من الدواب مَن قَتلهن وهو مُحْرِم فلا جناح عليه ...
قوله : " الْغُرَابُ " في رواية لمسلم : والغراب الأبقع . قال القاضي عياض : وقوله : " الغراب الأبقع " كل ما فيه بياض وسواد فهو أبقع ، وأصله لون يخالف بعضه بعضا . اهـ . وفي الْمُحْكَم : وغراب أبْقَع : في صَدره بياض ... وغراب أبقع : يُخالط سَواده بياض ، وهو أخبثها ، وبه يُضْرب المثل لكل خبيث . قال ابن قدامة : والمراد بالغراب : الأبقع وغراب البين . وقال ابن قدامة عن هذه الرواية : وهذا يُقيد المطلق في الحديث الآخر ، ولا يمكن حَمْله على العموم ، بدليل أن المباح من الغربان لا يَحِلّ قَتْله . وقال العيني : الروايات الْمُطْلَقة محمولة على هذه الرواية الْمُقَيَّدة التي رواها مسلم ، وذلك لأن الغراب إنما أُبيح قتله لكونه يبتدئ بالأذى ، ولا يبتدئ بالأذى إلا الغراب الأبقع ، وأما الغراب غير الأبقع فلا يبتدئ بالأذى ، فلا يباح قتله ، كالعقعقق وغراب الزرع ، ويقال له الزاغ ، وأفتوا بجواز أكله ، فَبَقِي ما عداه من الغربان مُلْتَحِقًا بالأبقع . اهـ .
وفي معنى " الأبقع " الغراب الأسود الكبير . وفي " المجموع وتكملته " : ويَحْرم الغُراب الأسود الكبير ؛ لأنه مُستخبث يأكل الجيف ، فهو كالأبقع .
وفي رواية لأحمد وأبي داود وابن ماجه : " ويَرمي الغراب ولا يَقتله " . قال الألباني : وقوله : " يرمي الغراب و لا يقتله " مُنْكَر . اهـ . والحديث المْنَكر من أقسام الحديث الضعيف .
9= الحِدَأَةُ : - كما قال المصنف رحمه الله - : بكسر الحاء وفتح الدالِ مَهْموز . وتقدّم في بعض الروايات تسميتها : الْحُديّا . وفي حديث آخر جاء تسميتها بـ " الْحُدَيَّاة "
وهي تنقضّ من السماء وتلتقط الطيور والأشياء الحمراء تحسبها لَحْمًا ! وفي حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا ، فَكَانَتْ مَعَهُمْ ، قَالَتْ : فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ ، قَالَتْ : فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا ، فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاة وَهُوَ مُلْقًى فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ ! رواه البخاري .
10= قوله : " وَالْعَقْرَبُ " تقدّم أن في بعض الروايات جاء ذِكر الحيات ، وتقدّم قول ابن قدامة : وعلى العقرب تنبيه على الْحَيَّات ..
11= قوله : " وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ " قال الإمام مالك : الكلب العقور : ما عَقَر الناس وعدا عليهم ، مثل الأسد والنمر والفهد والذئب . وقال الإمام أحمد بن حنبل : تَقْتُل كل ما عَدا عليك وعقرك وآذاك ، ولا فدية عليك .
وتقدّم أن العلماء ألْحَقُوا به كل ما في حُكمه ومعناه . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْكَلْبِ الْعَقُور ؛ فَقِيلَ : هُوَ الْكَلْب الْمَعْرُوف . وَقِيلَ : كُلّ مَا يَفْتَرِس ؛ لأَنَّ كُلّ مُفْتَرِس مِنْ السِّبَاع يُسَمَّى كَلْبًا عَقُورًا فِي اللُّغَة . قاله النووي .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الجمعة أبريل 18, 2014 3:42 pm | |
| الحديث الـ 238
في دخول مكة من غير إحرام
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ , وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : اُقْتُلُوهُ .
فيه مسائل :
1= هذا الحديث حقّه التقديم في الباب الذي قبله ، أو ما قبله ، إلاّ أن يكون المصنف رحمه الله قصَد ما جاء في أوّل الحديث من دُخول مكة عام الفتح .
2= تبويب المصنف رحمه يُقصد به كيفية دُخول مكة ، وهل يجوز دخولها من غير إحرام ؟
3= دخول النبي صلى الله عليه وسلم لمكة وعلى رأسه المغْفَر ، هذا يعني أنه دَخَل حلالاً من غير إحرام .
4= جواز دُخول مكة من غير إحرام ، لأن العبرة بِعموم النص لا بخصوص السبب .
5= جواز قَتْل المفسد والجاني . وتقدّم ما في المسألة من كلام في حديث أبي شريح رضي الله عنه . قال ابن عبد البر : كان هذا كله من رسول الله بمكة في الساعة التي حُلّت له من ذلك النهار ، ثم هي حرام إلى يوم القيامة . اهـ .
6= سبب قَتْل ابن خَطَل ؟ كان قد أسلَم وهاجر واستكتبه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كَفَر ولَحِق بِمكة . وروى أنس أن ابن خطل كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشِّعْر . وضعّف ذلك ابن عبد البر ؛ فقال : ولو كانت العلة في قتله ... ما ترك منهم من كان يَسبه ، وما أظن أحدا منهم امتنع في حين كفره ومحاربته له مِن سَـبِّـه . وذَكَر ابن عبد البر " أن ابن خطل كان قد قَتل رجلا من الأنصار مسلما ثم ارتد كذلك . ذكر أهل السير وهذا يُبيح دَمه عند الجميع " . قال : أما قتل عبد الله بن خطل فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عَهد فيه أن يَقتل وإن وُجد مُتعلقا بأستار الكعبة ؛ لأنه ارتدّ بعد إسلامه ، وكَفر بعد إيمانه ، وبعد قراءته القرآن ، وقتل النفس التي حرّم الله ، ثم لحق بدار الكفر بمكة ، واتخذ قَينتين يُغنيانه بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ . فلهذه الأسباب أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بِقتله ولو كان مُتعلِّقا بأستار الكعبة . ونَقل عن ابن إسحاق قوله : وإنما أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ؛ لأنه بعثه مُصَّدِّقا ، وكان مسلما ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلما ، فَنَزَل ابن خطل مَنْزِلاً وأمر المولى أن يذبح له تيسًا ، ويصنع له طعاما ، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا . اهـ .
7= قُتِل ابن خَطَل وقُتِل غيره ، فقد روى النسائي من حديث سَعْدٍ بن أبِي وقّاص رضي الله عنه ، قَال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَالَ : اقْتُلُوهُمْ ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ . فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ ، فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا ، وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ ، فَقَتَلَهُ ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِى السُّوقِ ، فَقَتَلُوهُ . وَأَمَّا عِكْرِمَةُ ، فَرَكِبَ الْبَحْرَ ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ . فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ : أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْنِى عَنْكُمْ شَيْئًا هَا هُنَا . فَقَالَ عِكْرِمَةُ : واللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِى مِنَ الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ لاَ يُنَجِّينِى فِى الْبَرِّ غَيْرُهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَىَّ عَهْدًا ، إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِى مِمَّا أَنَا فِيهِ ، أَنْ آتِىَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَضَعَ يَدِى فِى يَدِهِ ، فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ ، جَاءَ بِهِ ، حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بَايِعْ عَبْدَ اللهِ . قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا ، كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى ، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ، يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِى كَفَفْتُ يَدِى عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَه ؟ فَقَالُوا : وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِى نَفْسِكَ ، هَلاَّ أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ . قَالَ : إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ .
8= فإن قيل : في حديث أنس – حديث الباب – ذَكَر ابن خطل ، وفي حديث سَعْدٍ هذا ذَكَر أربعة رجال وَامْرَأَتَيْن . فكيف يُجمع بينهما ؟ يُقال : كُلّ حدّث بِما سَمِع ، فلعل أنسًا رضي الله عنه سمِع الأمر بِقتل ابن خطل ، وسعد سمع الأمر بِقتل الأربعة المرأتين .
9= اسْتَدَلّ به من يرى حتمية قَتْل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم . ومنع منه ابن عبد البر ؛ لأن القياس لا يصح . حيث قال : وهذا لا يجوز عند أحدٍ علمته من العلماء أن يَقيس الذمي على الحربي ؛ لأن ابن خطل في دار حرب كان ولا ذِمّة له ، وقد حكم الله عز وجل في الحربي إذا قَدَر عليه بتخير الإمام فيه ، إن شاء قتله ، وإن شاء مَنّ عليه ، وإن شاء فدى به ، فلهذا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خطل وغيره ممن أراد منهم قَتله . اهـ . قال ابن عبد البر : وقد اختلف الفقهاء في الذي يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ذَكَر الخلاف ، فليُراجَع في " التمهيد " . وفي " اقتضاء الصراط المستقيم " لابن تيمية بسْط للمسألة .
10= الْمِغْفَر : ما يُلبس على الرأس لوقايته في الحرب . وتُسمّى " الْخُوذة " . قال أبو عُبيد : سمي المغْفَر لأنه يَغفر الرأس - أي : يَلبسه ويُغطيه . وقال ابن الأثير : هو ما يَلْبَسُه الدَّارِعُ على رأسه من الزَّرَدِ ونَحوه .
11= وفي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ . رواه مسلم . وفي رواية له : وعليه عمامة سوداء بغير إحرام . وَفِي رِوَايَة : خَطَبَ النَّاس وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء . فكيف الْجَمْع بينهما ؟ قَالَ الْقَاضِي : وَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا : أَنَّ أَوَّل دُخُوله كَانَ عَلَى رَأْسه الْمِغْفَر ، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ كَانَ عَلَى رَأْسه الْعِمَامَة بَعْد إِزَالَة الْمِغْفَر ، بِدَلِيلِ قَوْله : " خَطَبَ النَّاس وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء " ؛ لأَنَّ الْخُطْبَة إِنَّمَا كَانَتْ عِنْد بَاب الْكَعْبَة بَعْد تَمَام فَتْح مَكَّة . ذَكَره النووي . وقال ابن عبد البر : قد يُمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفَر ، فلا يتعارض الحديثان . اهـ . والقول الأول أقوى ، فقد جاء في حديث أنس : " وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ ..." ، فهذا يدلّ على أنه لبس المغفر أولاً ثم نَزَعه .
12= جواز التمسّك بأستار الكعبة دون التمسّح بها ، وفَرْق بين الأمرين :
أما التمسّك بأستار الكعبة ، فهو كَحَال المستجير بِمن يخافه ، فيُمسك بأطراف أثوابه ، وكان التعلّق معروفاً ، وهو يدلّ على اللجوء والاستعاذة بالله . ويدلّ عليه ما في هذا لحديث ؛ لأنه لو كان يُمنع من التمسّك بأستار الكعبة ، لبيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
وأما التمسّح بها طلبا للبركة ، فلا يصح ؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه التمسّح به ، والـتَّبَرّك دِيانة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولما كانت الكعبة بيت الله الذي يُدعى ويُذكر عنده ، فإنه سبحانه يُستجار به هناك ، وقد يُستمسك بأستار الكعبة . اهـ .
13= فَإِنْ قِيلَ : فَفِي الْحَدِيث الآخَر :" مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد فَهُوَ آمِن " ، فَكَيْف قَتَلَهُ وَهُوَ مُتَعَلِّق بِالأَسْتَارِ ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الأَمَان ، بَلْ اِسْتَثْنَاهُ هُوَ وَابْن أَبِي سَرَح وَالْقَيْنَتَيْنِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ، وَإِنْ وُجِدَ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيث أُخَر ، وَقِيلَ : لأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ ، بَلْ قَاتَلَ بَعْد ذَلِكَ . قاله النووي . |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الجمعة أبريل 18, 2014 3:44 pm | |
| الحديث الـ 239
في دخول مكة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ , مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ , وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى .
فيه مسائل :
1= قوله : " دَخَلَ مَكَّةَ " وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم لَمّا جاء إلى مكة دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية للبخاري : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ ، وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ . قال ابن عبد البر : هكذا يروون فيهما ، الأولى بالفتحة ، والثانية بالضمة . اهـ .
وكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ،ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ . رواه البخاري ومسلم .
وحديث ابن عمر – هذا – أوْلَى أن يكون حديث الباب لِعلاقته بالحج أكثر من حديث عائشة ، إذ هو في دخول النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، كما جاء مُصرَّحًا به .
2= كداء قال ابن بطال : وإذا فتحت الكاف من كَدَاء مُددت ، وإذا ضممتها قَصَرْت . وقد قيل : كدى بالضم هو أعلى مكة . وقيل : بل كَداء بفتح الكاف أعلى مكة ، وهو أصح . قال الباجي : الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ هِيَ كَدَاءٌ بِفَتْحِ الْكَافِ ، وَاَلَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ . وقال ابن الأثير : وكداء بالفتح والمد الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر ، وهو المعلا ، وكدى بالضم والقصر الثنية السفلى مما يلي باب العمرة . اهـ . وذَكَر النووي أن كَداء هي الثنية التي بأعلى مكة ، وكدى وهي التي بأسفل مكة . وقال : وَأَمَّا " كُدَيّ " بِضَمِّ الْكَاف وَتَشْدِيد الْيَاء فَهُوَ فِي طَرِيق الْخَارِج إِلَى الْيَمَن ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِي شَيْء ، هَذَا قَوْل الْجُمْهُور . وقال ابن رجب : وذو طوى : يُروى بضم الطاء وكسرها وفتحها ، وهو وادٍ معروف بمكة بين الثنيتين ، وتسمى أحداهما : ثنية المدنيين ، تشرف على مقبرة مكة ، وثنية تهبط على جبل يسمى : الحصحاص ، بحاء مهملة وصادين مهملين . اهـ . وقال الزرقاني : كَداء بفتح الكاف والدال المهملة ممدود منوّن . وقيل : لا يُصرف على إدارة البقعة للعلمية والتأنيث
3= اخْتُلِف في فعله صلى الله عليه وسلم ، هل هو مقصود ؟ وهل هو سُـنّـة ؟ قَالَت عَائِشَة : نُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ . رواه مسلم . وقَالَ أَبُو رَافِعٍ : لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى ، وَلَكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّتَهُ ، فَجَاءَ فَنَزَلَ . رواه مسلم . وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كَدَاءٍ وَكُدًا ، وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ . رواه البخاري .
ويُفهَم من تبويب البخاري أنه يَرى سُنّيّته ، فقد عقد بابًا قال فيه : بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ ؟ وقبله : بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ ؟ قال المهلب : أما دخوله عليه السلام مرّة من أعلى مكة ومرّة من أسفلها ، فإنما فَعله ليُعَلِّم الناس السَّعة في ذلك ، وأن ما يمكن لهم منه فمجزئ عنهم ، والله أعلم . قال ابن بطال : ألا ترى أن عروة كان يفعل ذلك ؟ . اهـ .
4= هل يتقصّد الحاج خاصة الْمَشَقَّـة طلبا لِزيادة الأجر ؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ : " الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ " لَيْسَ بِمُسْتَقِيمِ عَلَى الإِطْلاق ... وَلَوْ قِيلَ : " الأَجْرُ عَلَى قَدْرِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ وَفَائِدَتِهِ" ، لَكَانَ صَحِيحًا . وقال : قَدْ يَكُونُ الْعَمَلُ الْفَاضِلُ مُشِقًّا ، فَفَضْلُهُ لِمَعْنَى غَيْرِ مَشَقَّتِهِ ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَشَقَّةِ يَزِيدُ ثَوَابَهُ وَأَجْرَهُ ، فَيَزْدَادُ الثَّوَابُ بِالْمَشَقَّةِ ، كَمَا أَنَّ مَنْ كَانَ بُعْدُهُ عَنْ الْبَيْتِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَكْثَرَ : يَكُونُ أَجْرُهُ أَعْظَمَ مِنْ الْقَرِيبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ : " أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك " ؛ لأَنَّ الأَجْرَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ فِي بُعْدِ الْمَسَافَةِ ، وَبِالْبُعْدِ يَكْثُرُ النَّصَبُ ، فَيَكْثُرُ الأَجْرُ ، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ ... فَكَثِيرًا مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ ، لا لأَنَّ التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ مَقْصُودٌ مِنْ الْعَمَلِ ؛ وَلَكِنْ لأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ . اهـ .
5= " الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ " : قال القاضي عياض : الثنية هي الطريق في الجبل . قال النووي : وَأَصْل الثَّنِيَّة : الطَّرِيق بَيْن جَبَلَيْنِ . وقال النووي في شرح حديث ابن عمر : قَوْله : " الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ " هِيَ بِالْمَدِّ ، وَيُقَال لَهَا الْبَطْحَاء وَالأَبْطَح ، وَهِيَ بِجَنْبِ الْمُحَصَّب ، وَهَذِهِ الثَّنِيَّة يَنْحَدِر مِنْهَا إِلَى مَقَابِر مَكَّة . اهـ .
6= " وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى " تقدّم قول ابن الأثير : الثَّنيَّة السُّفلى ما يَلِي باب العُمْرة . وفِعله صلى الله عليه وسلم ذلك قيل : إنه وقع اتِّفاقا . وقيل : لأنه أسمح في الخروج ، كما سبق .
و " قِيلَ : إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمُخَالَفَة فِي طَرِيقه دَاخِلا وَخَارِجًا تَفَاؤُلا بِتَغَيُّرِ الْحَال إِلَى أَكْمَل مِنْهُ ، كَمَا فَعَلَ فِي الْعِيد ، وَلِيَشْهَد لَهُ الطَّرِيقَانِ ، وَلِيَتَبَرَّك بِهِ أَهْلهمَا . قاله النووي . وقال العيني : وقيل : ليتبرك به كل من في طريقته ويدعو لهم . وقيل : ليغيظ المنافقين بظهور الدين وعزّ الإسلام . وقيل : ليري السعة في ذلك . وقيل : فَعَله تفاؤلا بتغير الأحوال إلى أكمل منه ، كما فعل في العيد ، وليشهد له الطريقان . اهـ .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الجمعة أبريل 18, 2014 3:47 pm | |
| الحديث الـ 240
في الصلاة في الكعبة
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ , وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ , فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ ، فَلَمَّا فَتَحُوا : كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ ، فَلَقِيتُ بِلالاً , فَسَأَلَتْهُ : هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : نَعَمْ , بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ .
فيه مسائل :
1= المقصود بـ " البيت " هو الكعبة ، وسُمِّيَت بيت الله تشريفًا .
2= عثمان بن طلحة رضي الله عنه يُـعرف بـ " الْحَجَبِيّ " ؛ لأن مفتاح الكعبة كان بِيده ، وأقرّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه ، ويُعرفون بـ " الشَّيبِي " نسبة إلى ابنه ، وهو : شيبة بن عثمان بن طلحة . وفي " لُب اللباب " للسيوطي : الشيبي : بالفتح والسكون إلى شيبة بن عثمان بن طلحة سادن الكعبة . اهـ . ورجّح ابن كثير أن قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نَزَل في شأن طلحة بن عثمان رضي الله عنه . قال القرطبي في تفسيره : سورة النساء وهي مدنية إلاَّ آية واحدة نَزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي ، وهي قوله : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) .
3= جواز دخول الكعبة ، وصلاة النافلة فيها دون الفريضة ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى النافلة داخل الكعبة ولم يُصلّ الفريضة . ولأن استقبال الكعبة فَرْض في الفريضة ، فلم يَجُز استقبال بعضها واستدبار بعضها الآخر ! وأما في النافلة فلا يُشترط استقبال القبلة كما هو الحال في الفريضة . ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلّي النافلة في السفر على راحلته حيث توجّهت به ، وتقدّم هذا في شرح " كتاب الصلاة " ، باب استقبال القبلة .
4= عدم كراهية استدبار الكعبة ، وذلك لأن الداخل فيها لا بدّ أن يستدبر أحد جهاتها .
5= قوله : " أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ " ، يعني : أوّل من دخل بعد فتح الباب .
6= لماذا رُفِع باب الكعبة ؟ ولذلك هَمّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل للكعبة بابَيْن ؛ باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه ، وأن يُلصِق الباب بالأرض . قال عليه الصلاة والسلام : يَا عَائِشَةُ ، لَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ ، لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ : بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيم . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لهما : قَال : إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قالتْ عائشة رضي الله عنها : قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا ؟ قَالَ : فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا ! وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا ! وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ ، أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ . قال العيني : الْجَدْر : بفتح الجيم ، يعني : الْحِجْر بكسر الحاء ، ويُقال له : الحطيم أيضا .
7= الْحِجْر من الكعبة ، فمن صلّى فيه كان كمن صلّى داخل الكعبة . قالت عائشة رضي الله عنها : كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي فأدخلني الْحِجْر ، فقال : صلي في الحجر إن أردت دخول البيت ، فإنما هو قطعة من البيت ، ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخْرَجُوه من البيت . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط . وفيه : جواز دخول المرأة للكعبة . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لو وَليت من البيت شيئا لأدخلت الحجر فيه كله . رواه عبد الرزاق . قال ابن بطال : السنة إذا أراد النساء دخول البيت أن يخرج الرجال عنه .
8= سُؤال من هو أعلم دون غضاضة ، فابن عمر رضي الله عنهما بادر بِسؤال بلال رضي الله عنه ؛ لأنه أعلم بِصلاة النبي صلى الله عليه وسلم . وتقديم بلال على غيره في السؤال ، إما لكونه أوّل من لقيه ، أو لكونه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤذِّن أعرف بِحال الإمام !
9= قوله : " هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ " يعني : هل صلّى في البيت ، وهو الكعبة .
10= قوله : " قَالَ : نَعَمْ , بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ " ، هذا زيادة في الجواب لإفادة السائل ، وهي مشروعة ، جاءت بها السنة النبوية .
11= قوله : " بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ " والمراد باليمانيين : ما يلي جهة الركن اليماني . ويدل عليه - أيضا - : حديث مجاهد ، عن ابن عمر ، أنه سأل بلالا : أصلى النبي في الكعبة ؟ قال : نعم ، بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخل . قاله ابن رجب رحمه الله . |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الجمعة أبريل 18, 2014 3:50 pm | |
| الحديث الـ 241
في تقبيل الحجر الأسود
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ , فَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ : إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ , لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ , وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
فيه مسائل :
1= لماذا سُمِّي الحجر بالحجر الأسود ؟ لأنه أسود اللون ، وفي الحديث : نَزَل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، فَسَوّدته خطايا بني آدم . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني .
2= مشروعية تقبيل الحجر الأسود ، ومسّه لمن لا يستطع تقبيله ولو بواسطة ، أو الإشارة إليه لِمن بَعُد عنه . ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ . وسيأتي شرحه – إن شاء الله – . والمقصود بالرّكن هنا : الحجر الأسود . قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز الطَّوَاف رَاكِبًا ، وَاسْتِحْبَاب اِسْتِلام الْحَجَر ، وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ اِسْتِلامه بِيَدِهِ اِسْتَلَمَهُ بِعُودٍ . اهـ .
3= استلام الحجر وتقبيله من السُّـنَّـة . قال سويد بن غفلة : رأيت عمر قَـبَّل الْحَجَر والْتَزَمه ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا . رواه البخاري .
4= لا يُشرع للمرأة استلام الحجر وتقبيله إلاّ إذا لم يكن فيه مُزاحمة للرجال . قال ابن عبد البر : الاستلام للرجال دون النساء ، عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء . اهـ .
5= نفي النفع والضرّ عن الجمادات ، وإثبات النفع والضرّ لله عزَّ وَجَلّ .
6= عدم تعلّق الصحابة رضي الله عنهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كَتَعلّق الْمُتأخِّرين ، ممن انحرف عن نهجهم ، وخالف سُنّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم . روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عمران الجوني عن أنس أنهم لَمَّا فتحوا تستر قال : كانوا يستظهرون ويستمطرون به ، فكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب عمر إنّ هذا نبي من الأنبياء ، والنار لا تأكل الأنبياء ، والأرض لا تأكل الأنبياء ، فكتب : أن انظر أنت وأصحابك - يعني أصحاب أبي موسى - فادفنوه في مكان لا يعلمه أحد غيركما . قال : فذهبت أنا وأبو موسى فَدَفَنَّاه . قال ابن كثير في تفسيره : وقد رُوينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لَمَّا وَجَد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمَر أن يُخْفَى عن الناس ، وأن تُدْفَن تلك الرقعة التي وجدوها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها .
وروى ابن أبي شيبة من طريق نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها . قال : فأمر بها فَقُطِعَتْ . وهذه الشجرة التي بُويع تحتها بيعة الرضوان في غزوة الحديبية . قال الإمام أبو بكر الطرطوشي : أرْسَل عمر فَطَمَس موضع الشجرة التي بايَع تحتها أصحاب الشجرة .
وروى عبد الرزاق في " باب ما يقرأ في الصبح في السفر " من طريق المعرور بن سويد قال : كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر فقرأ (ألم تر كيف فعل ربك) و (لإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، ثم رأى أقواما يَنْزِلون فيُصَلُّون في مسجد ، فسأل عنهم ، فقالوا : مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعًا ، من مَرّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليُصَلّ ، وإلا فَلْيَمْضِ . والآثار في هذا الباب كثيرة ، وهي دالّة على عدم تعلّق الصحابة رضي الله عنهم بالآثار ، وعدم الغلو فيها ، وعدم تعظيم ما لم يُعَظِّمه الله .
7= قوة فقه الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك لأسباب منها : مُصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم . مُعايشة الـتَّنْزِيل . عدم تأثّرهم بالعُجمة والفلسفة !
8= الْتِزَام الصحابة رضي الله عنهم السُّـنَّـة ، وعدم تقديم رأي أو قول أحدٍ عليها . كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : اتَّبِعوا ولا تَبْتَدِعوا ؛ فقد كُفِيتم . رواه الدارمي . وقال رضي الله عنه : إنا نَقْتَدِي ولا نَبْتَدِي ، ونَتَّبِع ولا نبتدع ، ولن نَضِلّ ما تَمَسَّكْنا بِالأثر . رواه اللالكائي . 9= الاستسلام والانقياد ، سواء عُرِفت الحكمة أم لم تُعرَف . ودلّ على هذا قول عمر رضي الله عنه : وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
10= لا يستلزِم ذلك التهوين من السنة ، ولا من شأن شعائر الله ، ولا يجوز الاستخفاف بشعائر الله تحت تأثير بعض أفعال وتصرّفات الْجَهَلَة . كقول بعض الناس : هذه حَصَاة ! هذا حجر ! هذا جماد .. على سبيل التهوين من شأنه ، وإنما يُقال كما قال عمر رضي الله عنه .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الجمعة أبريل 18, 2014 3:52 pm | |
| الحديث الـ 241 في
تقبيل الحجر الأسود
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ , فَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ : إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ , لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ , وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
فيه مسائل :
1= لماذا سُمِّي الحجر بالحجر الأسود ؟ لأنه أسود اللون ، وفي الحديث : نَزَل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن ، فَسَوّدته خطايا بني آدم . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني .
2= مشروعية تقبيل الحجر الأسود ، ومسّه لمن لا يستطع تقبيله ولو بواسطة ، أو الإشارة إليه لِمن بَعُد عنه . ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ . وسيأتي شرحه – إن شاء الله – . والمقصود بالرّكن هنا : الحجر الأسود . قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز الطَّوَاف رَاكِبًا ، وَاسْتِحْبَاب اِسْتِلام الْحَجَر ، وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ اِسْتِلامه بِيَدِهِ اِسْتَلَمَهُ بِعُودٍ . اهـ .
3= استلام الحجر وتقبيله من السُّـنَّـة . قال سويد بن غفلة : رأيت عمر قَـبَّل الْحَجَر والْتَزَمه ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا . رواه البخاري .
4= لا يُشرع للمرأة استلام الحجر وتقبيله إلاّ إذا لم يكن فيه مُزاحمة للرجال . قال ابن عبد البر : الاستلام للرجال دون النساء ، عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء . اهـ .
5= نفي النفع والضرّ عن الجمادات ، وإثبات النفع والضرّ لله عزَّ وَجَلّ .
6= عدم تعلّق الصحابة رضي الله عنهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كَتَعلّق الْمُتأخِّرين ، ممن انحرف عن نهجهم ، وخالف سُنّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم . روى ابن أبي شيبة من طريق أبي عمران الجوني عن أنس أنهم لَمَّا فتحوا تستر قال : كانوا يستظهرون ويستمطرون به ، فكتب أبو موسى إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب عمر إنّ هذا نبي من الأنبياء ، والنار لا تأكل الأنبياء ، والأرض لا تأكل الأنبياء ، فكتب : أن انظر أنت وأصحابك - يعني أصحاب أبي موسى - فادفنوه في مكان لا يعلمه أحد غيركما . قال : فذهبت أنا وأبو موسى فَدَفَنَّاه . قال ابن كثير في تفسيره : وقد رُوينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لَمَّا وَجَد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمَر أن يُخْفَى عن الناس ، وأن تُدْفَن تلك الرقعة التي وجدوها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها .
وروى ابن أبي شيبة من طريق نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها . قال : فأمر بها فَقُطِعَتْ . وهذه الشجرة التي بُويع تحتها بيعة الرضوان في غزوة الحديبية . قال الإمام أبو بكر الطرطوشي : أرْسَل عمر فَطَمَس موضع الشجرة التي بايَع تحتها أصحاب الشجرة .
وروى عبد الرزاق في " باب ما يقرأ في الصبح في السفر " من طريق المعرور بن سويد قال : كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر فقرأ (ألم تر كيف فعل ربك) و (لإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، ثم رأى أقواما يَنْزِلون فيُصَلُّون في مسجد ، فسأل عنهم ، فقالوا : مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعًا ، من مَرّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليُصَلّ ، وإلا فَلْيَمْضِ . والآثار في هذا الباب كثيرة ، وهي دالّة على عدم تعلّق الصحابة رضي الله عنهم بالآثار ، وعدم الغلو فيها ، وعدم تعظيم ما لم يُعَظِّمه الله .
7= قوة فقه الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك لأسباب منها : مُصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم . مُعايشة الـتَّنْزِيل . عدم تأثّرهم بالعُجمة والفلسفة !
8= الْتِزَام الصحابة رضي الله عنهم السُّـنَّـة ، وعدم تقديم رأي أو قول أحدٍ عليها . كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : اتَّبِعوا ولا تَبْتَدِعوا ؛ فقد كُفِيتم . رواه الدارمي . وقال رضي الله عنه : إنا نَقْتَدِي ولا نَبْتَدِي ، ونَتَّبِع ولا نبتدع ، ولن نَضِلّ ما تَمَسَّكْنا بِالأثر . رواه اللالكائي . 9= الاستسلام والانقياد ، سواء عُرِفت الحكمة أم لم تُعرَف . ودلّ على هذا قول عمر رضي الله عنه : وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ .
10= لا يستلزِم ذلك التهوين من السنة ، ولا من شأن شعائر الله ، ولا يجوز الاستخفاف بشعائر الله تحت تأثير بعض أفعال وتصرّفات الْجَهَلَة . كقول بعض الناس : هذه حَصَاة ! هذا حجر ! هذا جماد .. على سبيل التهوين من شأنه ، وإنما يُقال كما قال عمر رضي الله عنه .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 6:02 am | |
| الحديث الـ 242
في أصل الرَّمَل
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ , وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ , وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا : إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ .
فيه مسائل :
1= قوله : " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ " في رواية لمسلم : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مكة . وفي رواية للبخاري : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ . أي : أن هذا كان في سنة 7 هـ ، وذلك في عُمرة القضاء . قال العيني : قوله : " لِعَامِه الذي استأمن " وهو عام الحديبية . اهـ . والمقصود العام الذي يليه ؛ لأنه صُدّ عن البيت عام الحديبية .
قوله : " ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ " في رواية لمسلم : قال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ، ولَقُوا منها شِدّة ، فجلسوا مما يلي الْحِجْر . وأمرهم النبي صلى الله علي وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرُّكنين ، لِيَرَى المشركون جَلَدَهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم ؟ هؤلاء أجْلَد من كذا وكذا !
2= وهَنَتْهم : أي : أضعفتهم . قال الفراء وغيره : يُقال : وَهنته الحمى وغيرها وأوهنته ، لُغَتان . نقله النووي .
3= قوله : " أَنْ يَرْمُلُوا " بضم الميم . الرَّمَل : الإسراع في المشي . قال العلماء : الرَّمَل : هو أسرع المشي مع تقارب الْخُطَا ، وهو الخبب . أفاده النووي . قال : فالرَّمَل والخبب بمعنى واحد ، وهو إسراع المشي مع تَقارب الْخُطا ، ولا يثب وثبا ، والرَّمَل مُستحب في الطوفات الثلاث الأوَل من السبع ، ولا يُسَنّ ذلك إلاَّ في طواف العمرة ، وفي طواف واحد في الحج . اهـ قال ابن حجر : بفتح الراء والميم ، هو الإسراع . وقال ابن دُريد : هو شبيه بالهرولة ، وأصله أن يُحَرِّك الماشي منكبيه في مَشيه . اهـ . ومن لم يستطع الرَّمَل من أجل الزحام فلا يُشرع له تحريك منكبيه . قال النووي : لو لم يمكنه الرَّمَل بقرب الكعبة للزحمة وأمكنه إذا تباعد عنها ، فالأَوْلى أن يتباعد ويَرْمل ؛ لأن فضيلة الرَّمل هيئة للعبادة في نفسها ، والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها ، فكان تقديم ما تَعلّق بنفسها أولى . اهـ .
4= قوله : " الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ " يعني : مِن طواف القُدُوم . وهي التي يُشرع فيه الرَّمَل . قال النووي في شرح حديث ابن عمر – الآتي – : تصريح بأن الرَّمل أوّل ما يشرع في طواف العمرة ، أو في طواف القدوم في الحج .
5= قوله " وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ " لأنهم لا يَظهرون حينئذ للمشركين ، وتقدّم أن في رواية لمسلم : فجلسوا مما يلي الْحِجْر . يعني : المشركين . وفي رواية للبخاري : وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ . وقُعيقعان جبل . والْحِجْر يقع شمال الكعبة ، وهو جُزء منها ، وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة من جهة الميزاب ، إلاّ أن الجالس في جهته لا يَرى من هو بين الركنين : الركن اليماني والحجر الأسود .
6= مشروعية إرهاب العدوّ وإخافته . قال ابن حجر : ويُؤخَذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابا لهم ، ولا يُعَدّ ذلك من الرياء المذموم . اهـ . وإظهار قوّة الأبدان مع قوّة الإيمان . ومثله مشية الخيلاء في الحرب . قال الشوكاني : واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يُحبه الله ، لِمَا في ذلك من الترهيب لأعداء الله ، والتنشيط لأوليائه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة لَمّا رآه يختال عند القتال : إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلاَّ في هذا الموطن .
7= شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته عامة ، وبأصحابه خاصة . و "الإبقاء" بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة . قاله ابن حجر .
8= هل يُشرع الرَّمَل ، وقد صارت مكة دار إسلام ؟ قال بن عباس رضي الله عنهما : إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة لِـيُري المشركين قوته . رواه البخاري ومسلم . قال عمر رضي الله عنه : مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ . رواه البخاري . فالْحُكم باقٍ وإن ارتفعت عِلّته . ومثله الهرولة بين العَلَمين في السعي بين الصفا والمروة . وأصله من سعي أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
9= قول : " يثرب " جواز حكاية أقوال الكفار ، ولا يقتضي موافقتهم عليها . |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 6:05 am | |
| الحديث الـ 243
في مشروعية الرَّمَل
عَنْ عبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاثَة " أشواط " .
فيه مسائل :
1= في رواية للبخاري : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ . وفي رواية للبخاري : سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ، ومشى أربعة في الحج والعمرة . وبوّب عليه البخاري : باب الرَّمَل في الحج والعمرة .
وفي رواية للشيخين : كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ . في رواية لمسلم : كان إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يَقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ، ثم يمشي أربعة ، ثم يصلي سجدتين ، ثم يطوف بين الصفا والمروة . 2= فروايات الصحيحين " يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ" ، ليس فيهما " ثلاثة أشواط " .
وعلى هذا إما أن تكون هذه رواية وقف عليها المصنف في واحدة من روايات الصحيح ، وإما أن يكون اعتمد على " الْجَمْع بين الصحيحين " للحُميدي ، أو يكون من باب تلفيق الروايات . والأول أرجح ؛ فإن ابن بطال ذكرها في شرحه للبخاري . والخلاف يسير .
3= قوله : " إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ " قال النووي : الاستلام هو المسح باليَدِ عليه . اهـ . وفيه تسمية الْحَجَر الأسود بـ " الرُّكْن " وبـ " الركن الأسود " ، ويُقال له مع الركن اليماني : الرُّكْنَين اليمانيين " من باب التغليب .
4= هل يُشرع الرَّمَل في جميع الأشواط الثلاثة الأولى ، أو يمشي بين الركنين ، كما في حديث ابن عباس السابق ؟ في حديث جابر في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم : " حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فَرَمَل ثلاثا ومشى أربعا " رواه مسلم . وفي رواية له : رَمَل الثلاثة أطواف مِنْ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ . وفي رواية لحديث ابن عمر هذا : رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاثًا ، وَمَشَى أَرْبَعًا . رواه مسلم . قال النووي : فيه بيان أن الرَّمَل يُشرع في جميع المطاف من الْحَجَر إلى الْحَجَر ، وأما حديث ابن عباس ... قال : " وأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يَرْمُلوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الرَّكنين " ؛ فمنسوخ بالحديث الأول ؛ لأن حديث ابن عباس كان في عُمرة القضاء سنة سبع ، قبل فتح مكة ، وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم ، وإنما رَملوا إظهارا للقوة ، واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الرَّكُنين اليمانيين ؛ لأن المشركين كانوا جلوسا في الْحِجْر ، وكانوا لا يرونهم بين هذين الركنين ، ويرونهم فيما سوى ذلك ، فلما حج النبي صلى الله عليه و سلم حجة الوداع سَنة عَشر رَمَل مِن الْحَجَر إلى الْحَجَر ، فوجب الأخذ بهذا المتأخر . اهـ .
5= قال النووي : فيه إثبات طواف القدوم ، واستحباب الرمل فيه ، وأن الرَّمَل هو الخبب .
6= قال ابن عبد البر : واختلفوا في أهل مكة إذا حَجوا هل عليهم رَمَل أم لا ؟ فكان ابن عمر لا يرى عليهم رَملا إذا طافوا بالبيت . اهـ . وقال ابن قدامة : وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ . وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَرْمُلْ . اهـ .
والسبب أنه ليس لهم طواف قُدُوم ؛ لأنهم مِن " حاضري المسجد الحرام " .
7= لا يُشرع الرَّمَل للنساء . قال النووي : اتفق العلماء على أن الرَّمَل لا يُشرع للنساء ، كما لا يُشرع لهن شِدّة السعي بين الصفا والمروة . ولو ترك الرَّجُل الرَّمَل حيث شُرع له فهو تارك سُنة ، ولا شيء عليه . اهـ .
8= ولا يُشرع الرَّمَل في طواف الإفاضة . قال الإمام النسائي : ترك الرَّمَل في طواف الإفاضة . ثم روى بإسناده إلى بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يَرمل في السبع الذي أفاض فيه . والحديث رواه أبو داود وابن ماجه . وصححه الألباني .
9= إطلاق كلّ من وصفي " الطواف والسعي " على الطواف بالبيت وعلى السعي بين الصفا والمروة ، فتقول : سعيت بين الصفا والمروة ، أو طُفت بينهما ، وبالأول جاءت السنة ، وبالثاني جاء القرآن ، في قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) .
10= هل يُشرع الرَّمَل ، وقد صارت مكة دار إسلام ؟ نعم ، ففي حديث ابن عمر في وصف حجة الوداع : " ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ , وَمَشَى أَرْبَعَةً " قال بن عباس رضي الله عنهما : إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة لِـيُري المشركين قوته . رواه البخاري ومسلم . قال عمر رضي الله عنه : مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ . رواه البخاري . فالْحُكم باقٍ وإن ارتفعت عِلّته . ومثله الهرولة بين العَلَمين في السعي بين الصفا والمروة . وأصله من سعي أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 6:10 am | |
|
الحديث الـ 244
في الطواف راكبا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ , يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ . المِحْجَنُ : عصا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ .
فيه مسائل :
1= قوله : " طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ " قد يُشعر بأنه حجّ غير هذه الحجة بعد الهجرة ، أما قبل الهجرة فقد حجّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدلّ عليه ما في الصحيحين من حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ : أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ ، فَقُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ مِنْ الْحُمْسِ ! فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا ؟ قال عُرْوَةُ بن الزبير : وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ ، وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ . رواه البخاري . وفي رواية لمسلم : وَكَانَتْ الْحُمْسُ لا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ . وزاد مسلم في رواية له : قَالَ هِشَامٌ : فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : الْحُمْسُ هُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) .
2= سبب ركوبه عليه الصلاة والسلام أثناء الطواف : لِيَرَاهُ النَّاسُ ولِيَكون بارزا ولِيسألوه ولئلا يُضرب الناس عنه ففي حديث : جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال : طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ ، وَلِيُشْرِفَ ، وَلِيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ . رواه مسلم . وفي حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ . رواه مسلم . قال النووي : قولها " كراهية أن يُضرب عنه الناس " هكذا هو في معظم النسخ " يُضْرَب " بالباء ، وفي بعضها " يُصْرَف " بالصاد المهملة والفاء ، وكلاهما صحيح . اهـ .
3= هل يُشرع الطواف راكبا من غير عِلّة ؟ أما مِن عِلّة فيجوز ، ودليله حديث أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قَالَتْ : شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ : طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة . قَالَتْ : فَطُفْتُ . رواه البخاري ومسلم . قال ابن المنذر : وأجمع أهل العلم على جواز طواف المريض على الدابة ومَحمولا . اهـ . وأما من غير عِلّة فاتّفقوا على أن المشي أفضل ؛ لأن الْخُطى تُحتَسب . واخْتَلَفوا في إجزاء الطواف للراكِب مِن غير عِلّة . فلإمام مالك يرى أن عليه الإعادة ما لم يرجع إلى بلَدِه ، فإن رجع إلى بلده لَزِمه دم . وقال الشافعي : من طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية . ولا أحب لمن طاف ماشيا أن يركب ، فإن طاف راكبا أو حاملا من عذر أو غيره فلا دم عليه . اهـ . والرواية الثَّالِثَةُ عند الحنابلة : يُجْزِئُهُ ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِ . قال ابن قدامة : وَهِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ رَاكِبًا . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لا قَوْلَ لأَحَدٍ مَعَ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ مُطْلَقًا ، فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ ، وَلا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ . اهـ .
وهو بِخلاف السعي بين الصفا والمروة . قال ابن قدامة : فَأَمَّا السَّعْيُ رَاكِبًا ، فَيُجْزِئُهُ لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ ؛ لأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ الطَّوَافَ رَاكِبًا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ . اهـ .
4= التفريق بين طواف الرجال والنساء . قال ابن عبد البر : وَأَمَّا طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ : " طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ " وَلَمْ يَكُنْ لأَجْلِ الْبَعِيرِ ، فَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ لَكِنْ مَنْ طَافَ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى بَعِيرٍ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْ خَافَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ زِحَامٌ ، وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا فَلْيَقْرُبْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَطُوفَ وَرَاءَ الرِّجَالِ ؛ لأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ ، فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ كَالصَّلاةِ .
قال المهلّب : ينبغي أن تخرج النساء إلى حواشي الطرق ، وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث طواف النساء بالبيت من وراء الرجال لِعِلّة التزاحم والتناطح . قال ابن بطال : قال غيره : طواف النساء من وراء الرجال هي السنة ؛ لأن الطواف صلاة ، ومِن سُنة النساء في الصلاة أن يَكُنّ خَلف الرجال ، فكذلك الطواف . اهـ . قال النووي : سُنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف .
5= جواز إدخال الدابة للمسجد من أجل الحاجة . قال البخاري : بَاب إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ . ثم روى بإسناده حديث ابن عباس هذا . ومِن العلماء من يَرى التفريق بين ما يُؤكَل لحمه ، وما لا يُؤكَل لحمه ، من أجل التفريق بين حُكم أرواثها وأبوالها . قال ابن رجب : وأما ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات ، فيُكْرَه إدخاله المسجد بغير خلاف . اهـ .
6= سبق معنى الاستلام . فإن لم يستطع استلمه بواسطة ، كما في استلامه عليه الصلاة والسلام الحجر بالمحجن ، فإن لم يستطع أشار إليه إشارة ، كما في رواية لحديث ابن عباس : كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ . رواه البخاري . فإن قيل : كيف يُجمَع بين هذه الرواية وبين قوله في حديث الباب " يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ " ؟ فالجواب : أنه إذا قَرُب من الحجر استلمه بالمحجن وهو على البعير ، وإن بَعُد عنه أشار إليه إشارة ، وجائز أن يكون هذا في بعض الطواف و، وذاك في بعضه .
7= هل يُقبِّل الْمِحْجَن إذا استلَم به الحجر الأسود ؟ نعم ، ففي حديث أَبي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قال : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ . رواه مسلم . قال النووي : فيه دليل على استحباب استلام الحجر الأسود ، وأنه إذا عجز عن استلامه بيده بأن كان راكبا أو غيره استلمه بعصا ونحوها ، ثم قَـبَّل ما استلم به . اهـ . روى ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله عن نافع قال : رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقَـبَّل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق ابن جريج عن عطاء قال : رأيت ابن عمر وأبا هريرة إذا استلموا الرَّكن - يعني الْحَجَر - قَـبَّلُوا أيديهم . قال : قلت لعطاء : وابن عباس ؟ قال : وابن عباس .
قال ابن حجر : وبهذا قال الجمهور : أن السنة أن يَستلم الرَّكن ويُقَـبِّل يَده ، فإن لم يستطع أن يَستلمه بِيده استلمه بشيء في يده وقَـبَّل ذلك الشيء ، فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك . اهـ .
8= في الرواية التي أوردها المصنِّف فيه طوي تقبيل المحجن ، والإشارة إليه إن بَعُد عنه ، والتكبير . ففي رواية للبخاري : كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَىْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ . قال العيني : دَلّ هذا على استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة .
9= قول المصنف : " المِحْجَنُ : عصا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ " هذا تفسير منه للمحجن . قال القاضي عياض : والمحجن : عصا مُعقفة ، يتناول بها الراكب ما سَقط له ، ويُحَرِّك بطرفها بعيره للمشي .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 1:24 pm | |
| الحديث الـ 245
الاقتصار على استلام الركنين
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : لَمْ أَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ .
فيه مسائل :
1= تقدّم معنى الاستلام ، وأنه المسح باليَدِ عليه .
2= الاستلام باليد للركنين : اليماني والحجر الأسود ، وينفرد الحجر الأسود بالتقبيل مباشرة ، أو تقبيل اليد ، أو ما يستلم به ، وتقدّم هذا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما . وأما الركن اليماني فيُقتصر فيه على المسح باليد دون مسح الوجه بها ، ودون تقبيله ، أو تقبيل اليد بعد استلامه . قال ابن عبد البر : إنما يُعرف تَقبيل الحجر الأسود ، ووضع الوجه عليه ، وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود . اهـ .
3= تسمية الركن اليماني بهذا الاسم : تقدّم أن سبب ذلك لكونه جهة اليمن ، وهو يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الكعبة . بينما يُطلق على الركنين الشماليين : الركنان الشاميان ؛ لأنهما جهة الشام .
4= مشروعية استلام الركن اليماني ، دون تقبيل أو مسح للوجه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلاَّ الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجمحيين . رواه مسلم . وروى مسلم أيضا من طريق نافع عن عبد الله ذَكَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلاَّ الحجر والركن اليماني .
وتقدّم قول ابن عبد البر : وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود .
5= سبب عدم استلام بقية الأركان : لأن بقية الأركان ليست على قواعد إبراهيم ، وسبق بيان ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة في الكعبة .
ففي الصحيحين من طريق عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا . قَالَ : وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ ؟ قَالَ : رَأَيْتُكَ لا تَمَسُّ مِنْ الأرْكَانِ إِلاّ الْيَمَانِيَّيْنِ ... قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلاّ الْيَمَانِيَّيْنِ . وروى الإمام أحمد من طريق أبي الطفيل قال : كنت مع معاوية وابن عباس وهما يطوفان حول البيت ، فكان ابن عباس يستلم الركنين ، وكان معاوية يستلم الأركان كلها ، فقال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَستلم إلاّ هَذين الركنين : اليماني والأسود ، فقال معاوية : ليس منها شيء مهجور . وفي رواية للإمام أحمد : فقال ابن عباس : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، فقال معاوية : صَدَقْتَ .
قال ابن عبد البر : قوله : " رأيتك لا تَمَسّ من الأركان إلاّ اليمانيين " فالسنة التي عليها جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار أن ذينك الركنين يُستلمان دون غيرهما . وروينا عن ابن عمر أنه قال : ترك رسول الله استلام الركنين الذين يليان الْحِجْر أن البيت لم يَتمّ على قواعد إبراهيم . اهـ . وقال أيضا : والصحيح عن ابن عباس أنه كان لا يَستلم إلاّ الركنين الأسود واليماني ، وهما المعروفان باليمانيين ، وهي السنة ، وعلى ذلك جماعة الفقهاء ، منهم : مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري ، وحجتهم حديث ابن عمر هذا ، وما كان مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . اهـ .
6= ترجيح ما وافق السنة إذا وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم . ولا يُظنّ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تقديم الأقوال أو الآراء على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يُظنّ بهم أنهم رأوا في الأمر سَعة ، أو الظنّ بالراوي أنه أتى بما قال مِن قِبَل نفسه . وفي رواية أحمد ما يقطع هذا الاحتمال ، وهو تصديق معاوية لابن عباس رضي الله عنهم .
7= اختلاف الصحابة في فهم النصّ ، وخفاء بعض المسائل على بعض الصحابة . ولابن القيم تفصيل جميل في هذه المسألة يُراجع في : " إعلام الموقعين عن رب العالمين " ، ونقله مع زيادة عليه: القاسمي في " محاسن التأويل " في تفسير قوله تعالى : (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) . ويُنظر لذلك أيضا : أضواء البيان ، للشيخ الشنقيطي في تفسير قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) في سورة " محمد " .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 1:28 pm | |
| الحديث الـ 246
في التمتع في الحج ولزوم الهدي
عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا , وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْهَدْيِ ؟ فَقَالَ : فِيهِ جَزُورٌ , أَوْ بَقَرَةٌ , أَوْ شَاةٌ , أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ . قَالَ : وَكَأنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا , فَنِمْتُ ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ : كَأَنَّ إنْسَاناً يُنَادِي : حَجٌّ مَبْرُورٌ , وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ . فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثَتْهُ . فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم .
فيه مسائل :
1= قوله : " سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ " ، إطلاق المتعة ، وتقييده بالحال ، وفهم السلف ، وسياق النص دالّ على أن المقصود بها : مُتعة الحج .
2= سبب السؤال : في رواية لمسلم : قال أبو جمرة الضبعي : تَمَتَّعْتُ فنهاني ناسٌ عن ذلك ، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها ، قال : ثم انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي فقال : عُمرة مُتَقَبّلة وحَج مبرور ، قال : فأتيت ابن عباس فأخبرته بالذي رأيت ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، سُـنّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
3= قوله : " وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْهَدْي " ، أي : عن وُجوب الهدي على المتمتِّع وصِفته .
4= الجزور : الواحدة من الإبل ، يُطلق على الذكر والأنثى . قال ابن الأثير : الجزور البعير ذَكَرًا كان أو أنثى ، إلاّ أن اللفظة مؤنثة ، تقول : هذه الجزور وإن أردت ذَكَرًا ، والْجَمْع جُزر وجزائر .
قوله : " أوْ شاة " قال الفيروز آبادي : والشَّاةُ : الواحِدَةُ من الغَنَمِ ، للذَّكَرِ والأُنْثَى ، أو يكونُ من الضَّأنِ والمَعَزِ والظِّباء والبَقَرِ والنَّعامِ وحُمُرِ الوَحْشِ ، والمرأةُ ، والجمع : شاءٌ . اهـ . وتُجمع على : شِيَاه . قال ابن حجر : وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها . اهـ . وسيأتي في " باب الهدي " ما يُشترط في أسنان الهدي وأوصافها .
وقوله بعد ذلك : " أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ " يعني : أو اشتراك في دم ، وهو جزء من سبعة أجزاء من الإبل أو من البقر . وهذا يدلّ على أنه لو أتى بأكثر من المطلوب ، أجزأ ، كأن يجب عليه هدي ، فيذبح جَمَلاً أو بقرة . قال ابن قدامة : وَالدَّمُ الْوَاجِبُ شَاةٌ ، أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ ، فَإِنْ نَحَرَ بَدَنَةً ، أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً ، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
5= إذا اشترك جماعة سبعة فأقَلّ في بدنة أو في بقرة ، أجزأ ، ولا يُجزئ عن أكثر من سبعة . قَالَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ . رواه مسلم . وأما حديث ابن عباس قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر النحر فذبحنا البقرة عن سبعة والبعير عن عشرة . فقد رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه ، ومدار إسناده على الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس . و الحسين بن واقد : ثقة له أوهام . ولعل هذا من أوهامه . وأكثر أهل العلم على القول بحديث جابر ، وأن البعير لا يُجزئ إلاّ عن سبعة . قال الترمذي عن حديث جابر : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهم ، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك و الشافعي وأحمد و إسحاق وقال إسحاق : يجزي أيضا البعير عن عشرة واحتج بحديث ابن عباس . اهـ . وقال البيهقي : وحديث أبي الزبير عن جابر أصح من ذلك ، وقد شهد الحديبية وشهد الحج والعمرة ، وأخبرنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم باشتراك سبعة في بَدَنة ، فهو أولى بالقبول . وقال : وحديث عكرمة يتفرد به الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر ، وحديث جابر أصحّ مِن جميع ذلك ، وأخبر باشتراكهم فيها في الحج والعمرة وبالحديبية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو أولى بالقبول . اهـ . وقال ابن عبد البر : وضَعَّفُوا حديث الْمِسْوَر بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي فيه ما يدل على أن البدنة نُحِرت يوم الحديبية عن عشرة أو أكثر مِن سبعة ، وقالوا : هو مُرْسَل ، خالفه ما هو أثبت وأصح منه . والمسْوَر لم يشهد الحديبية ومروان لم يَرَ النبي عليه السلام . وقال بهذا القول أكثر الصحابة - رضوان الله عنهم . اهـ . قال الخرقي : وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . اهـ .
6= قوله : " وَكَأنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا " . وفي رواية لمسلم : تَمَتَّعْتُ فنهاني ناسٌ عن ذلك . قال ابن دقيق العيد : قَوْلُهُ " وَكَانَ نَاسٌ كَرِهُوهَا " وَذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ ، عَلَى أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيمَا كَرِهَهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ : هَلْ هِيَ الْمُتْعَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوْ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ؟ وسيأتي ما يتعلق بهذه المسألة – إن شاء الله – في شرح حديث عمران بن حصين رضي الله عنه .
7= ليس فيه التعلّق بالرؤى والمنامات ، إلاّ فيما وافق الشرع ، فابن عباس رضي الله عنهما لم يُعوِّل على الرؤيا ، وإنما استأنس بها ، وفَرْق بين الأمرين . قال ابن دقيق العيد : فِيهِ : اسْتِئْنَاسٌ بِالرُّؤْيَا فِيمَا يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ ، لِمَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ مِنْ عِظَمِ قَدْرِهَا ، وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ . وَهَذَا الِاسْتِئْنَاسُ وَالتَّرْجِيحُ لا يُنَافِي الأُصُولَ . وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " اللَّهُ أَكْبَرُ . سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَيَّدَ بِالرُّؤْيَا وَاسْتَبْشَرَ بِهَا .
والرؤى مُبشِّرات ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، ومعنى هذا أنه يُستبشر بها غالبا ، وقد يكون فيها تنبيه وتحذير ، إلاّ أنه لا يُعوّل عليها ، ولا يُبنى عليها أحكام .
8= متى يكون الحاجّ مُتمتِّعًا ؟ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الآفَاقِ مِنْ الْمِيقَاتِ ، وَقَدِمَ مَكَّةَ فَفَرَغَ مِنْهَا ، وَأَقَامَ بِهَا ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ، أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ وَجَدَ ، وَإِلاّ فَالصِّيَامُ . وقال ابن قدامة : فِي الشُّرُوطِ الَّتِي يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ، وَهِيَ خَمْسَةٌ : الأَوَّلُ ، أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ، لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ، سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، أَوْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ . قَالَ الأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، سُئِلَ عَمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، ثُمَّ قَدِمَ فِي شَوَّالٍ ، أَيَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي شَوَّالٍ ، أَوْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؟ فَقَالَ : لا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا . الثَّانِي ، أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ، فَإِنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ ، بَلْ حَجَّ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ . الثَّالِثُ ، أَنْ لا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلاةُ . الرَّابِعُ ، أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ ، فَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْهَا ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ كَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَهَذَا يَصِيرُ قَارِنًا ، وَلا يَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ . الْخَامِسُ ، أَنْ لا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَلا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِي أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ لا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . اهـ . باختصار .
وقال القرطبي في تفسيره : ورابطها ثمانية شروط : الأول - أن يجمع بين الحج والعمرة . الثاني - في سفر واحد . الثالث - في عام واحد . الرابع - في أشهر الحج . الخامس - تقديم العمرة . السادس - ألاَّ يمزجها ، بل يكون إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة . السابع: أن تكون العمرة والحج عن شخص واحد . الثامن - أن يكون من غير أهل مكة . اهـ .
9= لم سُمِّي التمتّع تمتّعًا ؟ لسببين : أ – لأنه تمتّع بِكُلّ ما لا يجوز للمحرم فِعْله مِن وقت حِلّه إلى وقت الحج . قال ابن الأثير : يكون قد تمتع بالعمرة في أيام الحج ، أي : انتفع . اهـ .
ب – تمتّع بإسقاط أحد السفرين ؛ لأنه أتى بالحج والعمرة في سفر واحد .
10= الإجماع منعقد على جواز مُتعة الحج ، وإنما الخلاف في التفضيل بين الأنساك الثلاثة . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَ : تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ عُرْوَةُ : نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَرَاهُمْ سَيَهْلَكُونَ ، أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقُولُونَ نَهَى عَنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . وفي رواية قال ابن عباس رضي الله عنهما لِعروة بن الزبير : يا عروة سَل أمك ، أليس قد جاء أبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحَلّ ؟ رواه الإمام أحمد . وفيه شِدّة الصحابة على من خالف السنة .
قال القاضي عياض : والمتعة مُقدّمة ، لكن اختلف العلماء والسلف قبلُ في تفضيل الأفراد والقِران عليها . اهـ . وقال ابن عبد البر : التمتع والقِران والإفراد كل ذلك جائز بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ . وقال ابن قدامة : وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إبَاحَةِ التَّمَتُّعِ فِي جَمِيعِ الأَعْصَارِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي فَضْلِهِ . وقال القرطبي : لا خلاف بين العلماء في أن التمتع جائز ، وأن الإفراد جائز ، وأن القران جائز، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي كلا ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه، بل أجازه لهم ورضيه منهم، صلى الله عليه وسلم . وإنما اختلف العلماء فيما كان به رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحْرِمًا في حجته ، وفي الأفضل من ذلك ، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك . اهـ .
11= كَرِه بعض السلف مُتعة الحج ، وسيأتي في شرح حديث عمران بن حُصين مزيد بيان حول هذه المسألة ، وسبب كراهية مَن كَرِه متعة الحج .
12= مشروعية الفَرَح بِمُوافقة الحق ، وفي صحيح مسلم خبر فَرحه عليه الصلاة والسلام بِخبر تميم الداري رضي الله عنه ، وفيه : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال : ليلزم كل إنسان مصلاه ، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال . فتكبير ابن عباس رضي الله عنهما وفرَحه بِمُوافقة الحق من هذا الباب ، وليس من باب الانتصار للنفس . وفيه أن إصابة السُّـنَّـة مما يُفرَح به .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 1:30 pm | |
| الحديث الـ 247
في حجة النبي صلى الله عليه وسلم
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى . فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ . وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ , فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى , فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ . فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى , فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ , ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ . فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ . وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ , ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ , وَمَشَى أَرْبَعَةً , وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَأَتَى الصَّفَا ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ , ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ , وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ . وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ , ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ , وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ .
فيه مسائل :
1= قوله : " تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ليس المقصود أنه تمتّع بالعُمرة إلى الحج ؛ لأنه جاء في الحديث – وفي غيره – ما يُوضّح المقصود . روى الإمام مسلم من طريق موسى بن نافع قال : قدمت مكة متمتعا بِعمرة قبل التروية بأربعة أيام ، فقال الناس : تصير حجتك الآن مكية ، فدخلت على عطاء بن أبي رباح فاستفتيته ، فقال عطاء : حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه ، وقد أهَلُّوا بالحج مُفْردا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحِلّوا مِن إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصِّروا وأقيموا حَلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهِلّوا بالحج ، واجعلوا التي قدمتم بها متعة . قالوا : كيف نجعلها متعة وقد سَمَّيْنَا الحج ؟ قال : افعلوا ما آمركم به ، فإني لولا أني سُقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به ، ولكن لا يحل مِنِّي حَرام حتى يبلغ الهدي محله ، ففعلوا . وسيأتي في الحديث – حديث حفصة – الذي بعد هذا الحديث تأكيد هذا الأمر . قال ابن عبد البر : ولا يصح عندي أن يكون متمتعًا إلاَّ تمتع قِران ؛ لأنه لا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَحِلّ من عمرته حين أمَر أصحابه أن يَحِلّوا ويَفسخوا حَجهم في عمرة ، فإنه أقام مُحْرِمًا من أجل هَديِه إلى محل الهدي يوم ينحر ، وهذا حُكم القَارِن لا حُكم المتمتع . اهـ . وقال : يحتمل من قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول من قال إفراد الحج ، أي : أمَرَ بِه وأجازه ، وجاز أن يُضاف ذلك إليه . اهـ . قَالَ الْقَاضِي : قَوْله : " تَمَتَّعَ " هُوَ مَحْمُول عَلَى التَّمَتُّع اللُّغَوِيّ وَهُوَ الْقِرَان آخِرًا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ أَوَّلاً بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ، ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا فِي آخِر أَمْره . نقله النووي . ثم قال : وَالْقَارِن هُوَ مُتَمَتِّع مِنْ حَيْثُ اللُّغَة ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ؛ لأَنَّهُ تَرَفُّه بِاتِّحَادِ الْمِيقَات وَالإِحْرَام وَالْفِعْل .
وقال ابن القيم : المعلوم من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يحل بعمرة في حجته ، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم ذلك . اهـ . وقال ابن حجر : وحديث ابن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارِنا ، فإنه مع قوله فيه : " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَصَف فِعل القِران ، حيث قال : "بدأ فأهَلّ بالعمرة ثم أهل بالحج " : وهذا مِن صُور القِران ، وغايته أنه سَمَّاه تَمَتُّعًا ؛ لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعا . اهـ .
2= قوله : " فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ " مشروعية سياق الهدي ، وقد كان مجموع هَديه صلى الله عليه وسلم إلى البيت مائة من الإبل ، نَحَر منها عليه الصلاة والسلام ثلاثا وستّين ، وتولّى عليّ رضي الله عنه نحر ما بقي . قال القاضي عياض : وَالظَّاهِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ الْبُدْن الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَة ، وَكَانَتْ ثَلاثًا وَسِتِّينَ ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ . اهـ . وسيأتي مزيد بحث في " باب الهدي " .
3= ذو الْحُلَيْفَة : هو ميقات أهل المدينة ، وهو أبعد المواقيت عن مكة . ويُسمّى : آبار عليّ . وهو مكان مُبارك . ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ . رواه البخاري ومسلم . وفي حديث عمر رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ : أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي ، فَقَالَ : صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ . رواه البخاري . قال ابن رجب : ووادي العقيق مُتَّصِل بذي الحليفة .
4= قوله : " وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ " قال النووي : هُوَ مَحْمُول عَلَى التَّلْبِيَة فِي أَثْنَاء الإِحْرَام ، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي أَوَّل أَمْره بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ، لأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُخَالَفَة الأَحَادِيث السَّابِقَة . تقدم قول ابن حجر : وهذا مِن صُور القِران ، وغايته أنه سَمَّاه تَمَتُّعًا ؛ لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يُسمى تمتعا . اهـ .
5= الراجح في حجته عليه الصلاة والسلام أنه كان قارنًا . ويدلّ عليه هذا الحديث وحديث حفصة الآتي بعده ، وحديث جابر ، وغيرها من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا ، وهذا ما رجحه ابن عبد البر وابن قدامة والنووي والقرطبي وغيرهم .
6= إرشاده عليه الصلاة والسلام أمته إلى الأفضل ، وامتناعه من فِعله لِكونه ساق الهدي ، وسيأتي هذا في حديث حفصة رضي الله عنها . وقد قال عليه الصلاة والسلام : لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت ، مَا سُقْت الْهَدْيَ ، وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً . قال ابن قدامة : قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالانْتِقَالِ إلَى الْمُتْعَةِ عَنْ الإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ ، وَلا يَأْمُرُهُمْ إلاَّ بِالانْتِقَالِ إلَى الأَفْضَلِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنْ الأَفْضَلِ إلَى الأَدْنَى ، وَهُوَ الدَّاعِي إلَى الْخَيْرِ ، الْهَادِي إلَى الْفَضْلِ ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِتَأَسُّفِهِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ ، وَأَنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَى انْتِقَالِهِ وَحِلِّهِ ، لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلالَةِ . اهـ .
7= شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته ، ورأفته بأصحابه ، ومراعاة أحوال الناس ، فإنه عليه الصلاة والسلام قال لِعليّ رضي الله عنه لَمَّا قَدِم من اليمن : " بِمَ أَهْلَلْتَ فَإِنَّ مَعَنَا أَهْلَكَ" .
8= التيسر على الناس فيما لهم فيه سَعة ، وليس فتح الباب على مصراعيه بِحُجّة توسعة النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ، ولا بِحُجّة " افعل ولا حرج " ؛ لأن كل توسعة على الناس تحتاج إلى ضوابط وإلى فهم العلماء .
9= وجوب الهدي على المتمتِّع بالشروط السابقة .
10= فطاف واستلم ، الواو لا تقتضي الترتيب ؛ لأن الاستلام يكون قبل الطواف ، إلاّ أن يُراد بدأ بالطواف ثم استلم ، وهذا يمكن حمله على بعض الأشواط ، والأول أقوى .
11= واستلم الركن : تقدّم في شرح الأحاديث السابقة أن الركن يُطلَق على الحجر الأسود ، وهو المقصود هنا .
12= ثلاثة أطواف ، بمعنى : ثلاثة أشواط .
13= خبّ : سبق بأنها بمعنى الرَّمَل ، وكان ذلك في حجة الوداع ، ومكة بلد إسلام ، وكان عليه الصلاة والسلام آمن ما كان .
14= ركع حين قضى طوافه ، أي : صلّى ، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الْكُلّ ، ومثله : سَجَد سجدتين .
15= أين يُصلِّي ركعتي الطواف ؟ إن تيسّر خَلْف مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وإلاّ صلى في الحرم . قال ابن عبد البر : وأجمعوا أيضا على أن الطائف يصلي الركعتين حيث شاء من المسجد ، وحيث أمكنه ، وأنه إن لم يُصَلّ عند المقام أو خلف المقام فلا شيء عليه . اهـ .
16= حُكم ركعتي الطواف : اخْتُلِف في حكم ركعتي الطواف . قال ابن عبد البر : واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلاده ؟ فقال مالك : إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هَدي . وقال الثوري : يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم . وقال الشافعي وأبو حنيفة : يركعهما حيث ما ذَكَر مِن حِلّ أو حَرَم . وحجة مالك في إيجاب الدم في ذلك قول ابن عباس : مَن نَسي مِن نُسكه شيئا فليهرق دمًا . وركعتا الطواف من النسك . اهـ . وقال ابن قدامة : وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ . اهـ . وقال النووي : ركعتا الطواف سنة على الأصح عندنا ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة : واجبتان . اهـ . وكنت سألت شيخنا الشيخ عبد الكريم الخضير – وفقه الله – عن حُكم ركعتي الطواف ، فقال : حُكمهما حُكم الطواف ؛ لأنهما تَبَع للطواف ، فإن كان الطواف واجبا ، فهُما واجبتان ، وإن كان مسنونا ، فهما مسنونتان .
17= قوله : " فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ " أي : سبعة أشواط ، وفيه دليل على صِحّة تسمية السعي طواف .
18= ", ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ " دليل على بقاءه صلى الله عليه وسلم في حرامه ، وهذا دالّ على أن نُسكه صلى الله عليه وسلم هو القِرَان . ومعنى " قضى حجَّه " : أي يوم العيد بالرمي والحلق والنحر والطواف .
19= قوله : وأفاض " فيه مشروعية تسمية طواف الحج بـ " الإفاضة " ، وهو معنى قول ابن عمر رضي الله عنهما : " أفاض يوم النحر " .
20= وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام طاف طواف الإفاضة بعد أن تحلل من إحرامه ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ . رواه البخاري ومسلم .
21= فيه دليل على أن التمتّع أفضل الأنساك ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم أمَر أصحابه به ، ودلّهم عليه . وسبق قول ابن قدامة : قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالانْتِقَالِ إلَى الْمُتْعَةِ عَنْ الإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ ، وَلا يَأْمُرُهُمْ إلاَّ بِالانْتِقَالِ إلَى الأَفْضَلِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنْ الأَفْضَلِ إلَى الأَدْنَى ، وَهُوَ الدَّاعِي إلَى الْخَيْرِ ، الْهَادِي إلَى الْفَضْلِ . اهـ . قال الإمام أحمد : لا يُشك أن رسول الله كان قارِنا ، والتمتع أحب إليّ .
22= " حتى قضى حجّه " : أي : فَعَل ما يُجيز له التحلل ، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه تحلّل بعد الرمي والْحَلْق ، وتطيّب ، حيث طيّبته عائشة رضي الله عنها قبل أ ن يطوف ، وفي حديث الباب : " وأفاض فَطاف بالبيت " . وفيه ردّ على من قال : يتحلل الحاج بِمجرّد الرمي يوم العيد . فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلل يوم الحديبية من إحرامه إلاّ بعد أن حَلَق رأسه ، ففي خبر يوم الحديبية : " وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ " رواه البخاري . وقال عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ . رواه الإمام مالك في الموطأ . وذَكَر ابن عبد البر في الاستذكار مذاهب العلماء في ذلك ، واختلافهم في جواز الطيب بعد التحلل الأول . وذَكَر القول الرابع : يَحلّ له كل شيء إلاَّ النساء خاصة . قال : وهو قول الشافعي وسائر العلماء القائلين بجواز الطيب عند الإحرام وقبل الطواف بالبيت على حديث عائشة . اهـ .
23= " يوم النحر " هذا بالنسبة للحجاج ، وهو يوم العيد . وقد سماه الله " يوم الحج الأكبر " .
24= حجة الوداع كانت سنة 10 من الهجرة .
25= مَن أهدَى وساق الهدي فَعَل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي في حديث حفصة رضي الله عنها بيان ذلك .
26= أعمال القَارِن والمفرِد واحدة ، وتُميّز بينهما النية ، والقَارِن يجمع بين الحج والعمرة ، والمفرِد يُفرِد الحج وحده .
27= إذا سعى المفرد والقَارِن قبل الحج أجزأه عن سعي الحج ؛ لأنه لا يجب عليه إلاّ سعي واحد ، ويُشترط للسعي أن يسبقه طواف . فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قرِنًا ، وطاف وسَعى وبقي على إحرامه . وفي حديث جابر : فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ . رواه مسلم . وأما المتمتّع فيلزمه سَعْيان : سَعي للعمرة ، وسَعي للحج .
28= متى يصوم المتمتِّع الذي لا يجد هديا ؟ الجمهور : يصوم ثلاثة أيام في الحج ما بين أن يُهِلّ بالحج إلى يوم عرفة . والسنة أن يُفطر يوم عرفة ، ويحرم صوم يوم العيد .
والله أعلم . |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 1:33 pm | |
| الحديث الـ 248
في بقاء إحرام من ساق الهدي
عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ ؟ فَقَالَ : إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي , وَقَلَّدْتُ هَدْيِي , فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَر .
فيه مسائل :
1= في رواية البخاري : مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ ؟ قَالَ : إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي ، فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ . وفي الصحيحين : مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ ؟ في رواية لمسلم : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ . قَالَتْ حَفْصَةُ : فَقُلْتُ : مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ ؟
2= فيه دليل على بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه ، وأنه لم يَحلّ من عُمرته حتى نحر هديه يوم النحر ، وهو يوم العيد . قال النووي : وَهَذَا دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيح الْمُخْتَار ... أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّة الْوَدَاع . فَقَوْلهَا : " مِنْ عُمْرَتك " أَيْ : الْعُمْرَة الْمَضْمُومَة إِلَى الْحَجّ . وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِن لا يَتَحَلَّل بِالطَّوَافِ وَالسَّعْي ، وَلا بُدّ لَهُ فِي تَحَلُّله مِنْ الْوُقُوف بِعَرَفَاتٍ وَالرَّمْي وَالْحَلْق وَالطَّوَاف ، كَمَا فِي الْحَاجّ الْمُفْرِد . اهـ . وقال ابن القيم : سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعدِّدة كلها تَدُلّ على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يَحِلَّ من إحرامه إلاَّ يوم النحر .
3= لا علاقة للنحر أو الذبح بالتحلل إلاّ في حق من ساق الهدي ؛ لأن التحلل الكامل يحصل بثلاثة أمور : رمي جمرة العقبة ، والْحَلْق أو التقصير ، وطواف الإفاضة . ويحصل التحلل الأصغر بِفعل اثنين من هذه الثلاثة .
4= مشروعية تلبيد الرأس حتى لا يُصيبه الشعث . وأنّ مَن لـبّد رأسه جاز له أن يمسح عليه في الوضوء ، وفي حكمه ما تضعه النساء على رؤوسها للحاجة إذا كان يشقّ نزعه ، ومثله ما يُوضع من أجل التداوي .
5= معنى التلبيد : قال الباجي : التَّلْبِيدُ : أَنْ يُضَفِّرَ رَأْسَهُ بِصَمْغٍ وَغَاسُولٍ يَلْصَقُ فَيَقْتُلُ قَمْلَهُ وَلا يَتَشَعَّثُ ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ . وقال ابن قتيبة : الْمُلَـبِّد الذي لَـبَّد رأسه شعره حتى لبد ، بِلزوق يجعله فيه . وقال ابن بطال : التلبيد : أن يجعل الصمغ في الغسول ، ثم يلطخ به رأسه عند الإحرام ، ليمنعه ذلك من الشعث . وقال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : التَّلْبِيد ضَفْر الرَّأْس بِالصَّمْغِ أَوْ الْخَطْمِيّ وَشَبَههمَا ، مِمَّا يَضُمّ الشَّعْر وَيَلْزَق بَعْضه بِبَعْضٍ ، وَيَمْنَعهُ التَّمَعُّط وَالْقَمْل ، فَيُسْتَحَبّ ؛ لِكَوْنِهِ أَرْفَق بِهِ .
وقال العيني : لـبّد شَعْره : جَعل فيه شيئا نحو الصمغ ليجتمع شَعْره لئلا يتشعّث في الإحرام ، أو يقع فيه القمل . اهـ .
6= استحباب التلبيد . قال ابن بطال : التلبيد عند الإحرام مستحب ، فمن شاء فعله ، ومن شاء تركه . وقال النووي باستحباب التلبيد .
7= هل يجب الْحَلق على من لَـبّد شعر رأسه ؟ روى ابن أبي شيبة أن ابن عمر قال : مَن ضفر أو لَـبّد أو عَقص فليحلق . قال ابن بطال : وجمهور العلماء على أن مَن لَـبَّد رأسه فقد وَجَب عليه الْحِلاق ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك أمَر الناسَ عُمرُ بن الخطاب وابنُ عمر ، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبى ثور ، وكذلك لو ضفر شعره أو عقصه كان حكمه حكم التلبيد ؛ لأن الذي فعل سُنة التلبيد الذي أوجب النبي عليه السلام فيه الحلاق . اهـ .
8= تقليد الهدي : إلْبَاسه القِلادة مِن النعال ونحوها ليُعْلَم أنه هدي . قال النووي : التقليد : هو تعليق شيء في عُنق الهدي ليُعلم أنه هدي . وسيأتي في " باب الهدي " .
9= مَن أهدَى وساق الهدي فَعَل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام قال لِعليّ رضي الله عنه : بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ ؟ قَالَ : بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَأَهْدِ ، وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية قال : لولا أنّ معي الهدي لأحْللتُ . وفي رواية : قَالَ فَأَمْسِكْ فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا . وفي حديث جابر : فَقَالَ : لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً . رواه البخاري ومسلم .
وأما من لم يَسُق الهدي فيجوز له التحلل . قال أبو موسى رضي الله عنه : قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء ، فقال : بِمَ أهللت ؟ قال : قلت : أهللتُ بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم . قال : هل سُقْت مِن هدي ؟ قلت : لا . قال : فَطُف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلّ ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : وأما هَدي القِران فإنه مانع من الإحلال والفسخ عند جمهور السلف والخلف ، إلاّ ابن عباس ، وتابعته فرقة : إذا لم يَسق الهدي جاز له فسخ الحج في العمرة . اهـ .
وأما قول عائشة رضي الله عنها أنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فَمِنّا مَن أهَلّ بِعُمْرَة ، ومِنّا مَن أهَلّ بِحَجة وعُمرة ، ومِنّا مَن أهَلّ بالحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما مَن أهَلّ بالحج ، أو جَمَع الحج والعمرة ، فلم يَحِلُّوا حتى كان يوم النحر . رواه البخاري ومسلم . فليس فيه أن من لم يسُق الهدي لم يتحلل بِعُمرة ؛ لأن ذِكر سياق الهدي مطويّ في هذا الحديث ، ومُصرّح به في أحاديث أُخَر . وهو دالّ على أن من أفرد الحج لم يَحِلّ منه ، ومن جَمَع بين الحج والعمرة لم يحلّ منهما ، وهذا الأخير غير مُراد ، إلاّ أن يُقال في حقّ أُناس لم يتحللوا بِعُمرة ، وبَقوا على قِرانهم .
وسيأتي في حديث جابر في " باب فسخ الحج إلى العمرة " .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) السبت أبريل 19, 2014 1:36 pm | |
| الحديث الـ 249
في اختلاف الصحابة في متعة الحج
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا , وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ . قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ . قَالَ الْبُخَارِيُّ : يُقَالُ : إنَّهُ عُمَرُ . وَلِمُسْلِمٍ : نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ . وَلَهُمَا بِمَعْنَاهُ .
فيه مسائل :
1= قوله : " أية المتعة " يعني : مُتعة الحج . وهي التمتّع بالعمرة إلى الحج .
2= إثبات النسخ وجواز وقوعه في الأحكام دون العقائد والأخبار ، فهذه لا يدخلها النسخ .
3= في رواية للبخاري : قال مروان بن الحكم : شهدت عثمان وعليًّا رضي الله عنهما ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يُجْمع بينهما ، فلما رأى عليٌّ أهَلّ بهما : لبيك بعمرة وحجة ، قال : ما كنت لأدَع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لِقول أحَد . وفي رواية للدارمي : فلما رأى ذلك عليٌّ أهل بهما جميعا . وفي رواية للبخاري من طريق سعيد بن المسيب قال : اختلف عليٌّ وعثمان رضي الله عنهما وهما بَعُسْفَان في المتعة ؛ فقال عليّ : ما تريد إلاَّ أن تَنهى عن أمْر فَعله النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى ذلك عليٌّ أهل بهما جميعا . وعند مسلم قال عبد الله بن شقيق :كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان عليٌّ يأمر بها ، فقال عثمان لعلي كلمة ، ثم قال عليّ : لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أجل ، ولكنا كنا خائفين .
4= لِم كَرِه مَن كَرِه التمتّع في الحج ؟ اخْتُلِف في ذلك ؛ فمن الصحابة رضي الله عنهم من رأى أن متعة الحج خاصة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم . فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : كانت لنا رُخصة ، يعني : المتعة في الحج . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : ولا أعرف من الصحابة من يجيز فسخ الحج في العمرة ، بل خُصّ بِه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . روي عن عثمان بن عفان أنه قال : مُتْعَة الحج كانت لنا ليست لكم . يعني : أمْر رسول الله عام حجة الوداع بِفَسْخ الحج في العمرة . اهـ .
وعثمان رضي الله عنه قال لِعليّ : ولكنا كنا خائفين . وأشكل قول عثمان هذا على بعض أهل العِلْم . قال القرطبي : قوله : "خائفين" أي : مِن أن يكون أجْر مَن أفْرَد أعظم من أجر مَن تمتع . قال ابن حجر : كذا قال ؛ وهو جمع حَسن ، ولكن لا يخفى بُعْده . اهـ .
ومِمن كَرِه المتعة في أشهر الحج : عمر رضي الله عنه ومعاوية وابن مسعود رضي الله عنهم . قال ابن عبد البر : المشهور عن عمر وعثمان أنهما كانا لا يَريان التمتع ولا القِران . قال : قد كان جماعة من العلماء يزعمون أن المتعة التي نهى عنها عمر رضي الله عنه وضرب عليها فسخ الحج في عمرة ، فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا . وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى عنه لِيُنْتَجَع البيت مرتين أو أكثر في العام . وقال آخرون : إنما نهى عنها عمر لأنه رأى الناس مالُوا إلى التمتع لِيَسَارَته وخِفّته ، فَخَشِي أن يَضِيع القِرَان والإفْرَاد ، وهما سُنتان للنبي صلى الله عليه وسلم . وروى الزهري عن سالم قال : سُئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها ، فقيل له : إنك تُخالِف أباك ! فقال : إن عُمر لم يَقُل الذي تقولون ، إنما قال عمر : أفردوا الحج من العمرة ، فإنه أتم للعمرة . أي : أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلاّ بهدي ، وأراد أن يُزار البيت في غير شهور الحج ، فجعلتموها أنتم حراما ، وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحَلّها الله عزَّ وَجَلّ وعَمِل بها رسوله صلى الله عليه وسلم . فإذا أكثروا عليه قال : كتاب الله بيني وبينكم ؛ كتاب الله أحق أن يُتّبع أم عُمر ؟! وقال : الصحيح عندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يَنْهَ عن التمتع المذكور في هذا الباب ؛ لأنه كان أعلم بالله ورسوله من أن ينهي عما أباحه الله في كتابه ، وأباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمَر به ، وأذِن فيه ، وإنما نهى عُمر عند أكثر العلماء عن فَسخ الحج في العمرة ، فهذه العمرة التي تواعَد عليها عُمر . اهـ .
وقال القرطبي : وقد قال جماعة من العلماء : إنما كرهه عُمر لأنه أحب أن يُزار البيت في العام مرتين : مرة في الحج ، ومرة في العمرة . ورأى الإفراد أفضل ، فكان يأمُر به ويَميل إليه . اهـ .
وجرى الخلاف بين الصحابة في هذه المسألة خاصة ، وإذا اختَلَف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قول بعضهم على بعض حُجّة ، إلاّ بِموافقة السنة ، أو بِمرجِّحات خارجية . قال ابن عبد البر : الحجة عند التنازع والاختلاف سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ .
قال ابن قدامة : ولَمَّا نهى معاوية عن المتعة أمَرت عائشة حشمها ومواليها أن يُهِلّوا بها ، فقال معاوية : من هؤلاء ؟ فقيل : حشم أو موالي عائشة فأرسل إليها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : أحببت أن يَعلم أن الذي قلت ليس كما قلت .
وقال عمران بن حصين رضي الله عنه : إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم ، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعْمَر طائفة من أهله في العَشر ، فلم تَنْزِل آية تنسخ ذلك ، ولم يَنْه عنه حتى مضى لوجهه . ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي ! والمقصود بـ " العَشْر " عشر ذي الحجة . أي في أوّلها . وعند مسلم : قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله - يعني متعة الحج - وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم تَنْزِل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم يَنْه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات . قال رَجُلٌ بِرَأيه بعد ما شاء ! وفي رواية له : ارتأى رَجُلٌ برأيه ما شاء . يعني : عُمر . وفي رواية له : قال فيها رَجُلٌ برأيه ما شاء .
وكان عمران رضي الله عنه على هذا القول إلى مات . وفي صحيح مسلم من طريق مُطَرِّف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : إني كنت مُحَدِّثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشت فاكْتُم عَنِّي ، وإن مُتّ فَحَدِّث بها إن شئت ؛ إِنَّهُ قَدْ سُلِّمَ عَلَيَّ ، وَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ رَجُلٌ فِيهَا بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ .
5= تمتّع الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم لِمن لم يسُق الهدي ، ولِمن كان قارنا على وجه الخصوص .
6= تعظيم الصحابة رضي الله عنهم للسُّـنَّـة . وممن عُرِف عنه ذلك عمران بن حُصين رضي الله عنه . قال أبو قتادة : كنا عند عمران بن حصين في رهط منا ، وفينا بُشَيْرُ بن كعب ، فحدثنا عمران يومئذ قال : قال رسول الله عليه وسلم : الحياء خيرٌ كله . قال : أَوْ قَالَ : الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْر . فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ : إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوْ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ وَمِنْهُ ضَعْف ! قَالَ : فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ ، وَقَالَ : أَلا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ ؟ قَالَ : فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ ، قَالَ : فَأَعَادَ بُشَيْرٌ ! فَغَضِبَ عِمْرَانُ قَالَ : فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيْدٍ ، إِنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ . رواه البخاري ومسلم . واللفظ لمسلم . وتقدّم أن ابن عمر رضي الله عنهما لَمّا عُورِض بِفعل أبيه احتجّ بالسنة ، وأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقدَّم على قول كلّ أحد ، ولا يُعارض قوله عليه الصلاة والسلام بِقول أحد ، ولو كان أقرب الناس . مع ما عُرِف عن ابن عمر رضي الله عنهما مِن بِرِّه بأبيه رضي الله عنه . ويُنظر لذلك : تفسير القاسمي " محاسن التأويل " في تفسير قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
يستفاد منه : وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص . قاله العيني .
7= قول المصنف رحمه الله : " قَالَ الْبُخَارِيُّ : يُقَالُ : إنَّهُ عُمَرُ " هي رواية عند مسلم . ولعلها وقعت في بعض نُسخ البخاري . قال العيني : وحَكى الحميدي أنه وقع في البخاري في رواية أبي رجاء عن عمران ، قال البخاري : يُقال : إنه عمر . أي : الرَّجُل الذي عناه عمران بن حصين . قيل : الأولى أن يُفَسَّر بها عُمر ، فإنه أوّل مَن نهى عنها ، وأما من نهي بعده في ذلك فهو تابع له . اهـ .
8= انعقاد الإجماع على جواز الأنساك الثلاثة ، وتقدّم النقل عن القاضي عياض وابن عبد البر والقرطبي وغيرهم ، وذلك في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وقد تقدّم .
9= في الحديث أن مُخالفة وليّ الأمر في الفتوى لا يُعتبر مِن مُنازعة وليّ الأمر . قال البخاري : وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا !
وفي هذه الآثار أن عليًّا رضي الله عنه خالف خليفة المسلمين في النُّسُك . وأن عمران بن حصين رضي الله عنه خالف قول عمر رضي الله عنه ، وهو خليفة المسلمين . والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 12:50 pm | |
| شرح أحاديث عمدة الأحكام باب الهدي فيه مسائل : 1= الْهَدي : بِسكون الدال ، وبكسرها مع التشديد . 2= الهدي مشروع للحاج ولغير الحاج . وسيأتي في شرح الأحاديث بيان ذلك . 3= السنة : الأكل من الهدي إذا كان تطوّعا ، ومثله : الأضحية ، فالسنة الأكل منها . 4= ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يجوز الأكل من الهدي الواجب ( الفدية ) . قال ابن عبد البر : واختلفوا فيما يؤكل من الهدي إذا بلغ مَحِلّه ؛ فقال مالك : يؤكل من الهدي كله إذا بلغ مَحله إلاّ جزاء الصيد ونُسك الأذى وما نُذر للمساكين . وقال الشافعي : لا يؤكل من الهدي كله شيء إذا بلغ مَحله إلاّ بالتطوع وحَده ، فأما الهدي الواجب فلا يأكل شيئا منه . وقال أبو حنيفة : يُؤكل من هدي المتعة والقِران والتطوع ، ولا يؤكل مما سواه . اهـ . وقال ابن قدامة : المذهب أنه يأكل من هدي التمتع والقِران دون سواهما . نص عليه أحمد . اهـ . 5= الهدي لا يكون إلاّ من بهيمة الأنعام ، من الإِبل والبقر والغنم . قال ابن حجر : وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أهدى الإبل وأهدى البقر . اهـ . 6= اخْتَلَف العلماء فيما لا يجوز من أسنان الضحايا والهدايا ، بعد إجماعهم أنها لا تكون إلاّ مِن الأزواج الثمانية . وأجمعوا أن الثني فما فوقه يجزئ منها كلها . وأجمعوا أنه لا يجزئ الجذع من المعز في الهدايا ولا في الضحايا ، لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بُردة : لن يَجْزي عن أحد بعدك . واختلفوا في الجذع من الضأن فأكثر أهل العلم يقولون : يجزئ الجذع من الضأن هَديًا وضَحية . وهو قول مالك والليث والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور . وكان ابن عمر يقول : لا يجزئ في الهدي إلاَّ الثني مِن كل شيء . قاله ابن عبد البر . وعلى هذا لا تُجزيء إذا كانت من الخيل ، ولا من حُمُر الوحش ومن غيرها مما يجوز أكله . والله أعلم . |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:00 pm | |
| الحديث الـ 250
في الهدي وتلقيده القلائد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَشْعَرْتُهَا وَقَلَّدَهَا - أَوْ قَلَّدْتُهَا - ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ . وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ , فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلاُّ.
فيه مسائل :
1= الفَتْل : اللوي والثني . قال ابن منظور : الفَتل : لَيّ الشيء كَلَـيِّك الحبل ، وكَفَتل الفتيلة .
2= من أي شيء كانت تلك القلائد ؟ في رواية للبخاري : قَالَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَتَلْتُ قَلائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي . وبوّب عليه الإمام البخاري : بَاب الْقَلائِدِ مِنْ الْعِهْنِ . قال ابن بطال : العِهن : الصوف ، وأكثر ما يكون مصبوغًا ، ليكون أبلغ في العلامة .
3= هل يُقلّد الهدي بِغير القلائد المفتولة ؟ في هذا الحديث أنه بِشيء من الخيوط المفتولة من الصوف . وفي حديث جابر أنه قلّدها بالنعلين قال النووي في شرح حديث جابر رضي الله عنه : وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَقْلِيد الإِبِل بِنَعْلَيْنِ ، وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة ، فَإِنْ قَلَّدَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جُلُود أَوْ خُيُوط مَفْتُولَة وَنَحْوهَا ، فَلا بَأْس . اهـ .
والْجَمْع بين الحديثين ، واختلاف التقليدين مرّة بالخيوط ومرة بالنعال : أن حديث عائشة رضي الله عنها وتقليد الهدي بالخيوط كان والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وكان ذلك قبل حجة الوداع . وحديث جابر رضي الله عنه في تقليد النبي صلى الله عليه وسلم لِهَدْيه في حجة الوداع . قال القرطبي : وأما القلائد فهي كل ما عُلِّق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة أنه لله سبحانه ، مِن نَعل أو غيره ، وهي سُنة إبراهيمية بَقِيت في الجاهلية وأقَرّها الإسلام ، وهي سُنَّة البقر والغنم .
4= الإشعار الإعلام ، والشِّعار العَلامَة . قاله ابن منظور . قال الخطابي : الإشعار أن يطعن في سنامها بِمبضَع أو نحو ذلك حتى يسيل دمها ، فيكون ذلك عَلَمًا أنها بَدَنة .
5= بوّب عليه الإمام البخاري : بَابُ مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ . وَقَالَ نَافِع : كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا أَهْدَى مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ، يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَة . وقال ابن حجر : الإشعار ، وهو أن يكشط جِلد البَدَنة حتى يسيل دم ثم يَسلته ، فيكون ذلك علامة على كونها هديا ، وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف . اهـ .
6= مشروعية الإشعار قال ابن عبد البر : قال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وسائر أهل العلم : تُشْعَر البدن في الشق الأيمن . وحجتهم أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قَلّد بَدَنة وأشعرها مِن الشق الأيمن ، وسَلَت الدم عنها . وقال ابن حجر : فيه مشروعية الإشعار .
7= فائدة هذا الإشعار : في أمرين :
الأول : أن يُعلَم أنه هدي فلا يُتعرّض له . وكان الناس يُعظِّمون الهدي حتى في الجاهلية . وفي قصة صُلح الحديبية : فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ : دَعُونِي آتِيهِ [ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ] فَقَالُوا : ائْتِهِ . فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا فُلان ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ ، فَبُعِثَتْ لَهُ ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ : رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنْ الْبَيْتِ . رواه البخاري . وهذا دالّ على تعظيم أهل الجاهلية كل ما له علاقة بالكعبة أو الحرم عموما .
والثاني : " الإعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك ، وحتى لو اختلطت بغيرها تَميزت ، أو ضَلَّت عُرِفت ، أو عَطبت عَرفها المساكين بالعلامة فأكلوها " قاله ابن حجر .
8= لا عِبرة بِكراهية من كَرِه الإشعار ، بِحُجّة أنه تعذيب للحيوان ، ولا بِحُجّة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتِّخاذ شيء فيه الروح غَرَضًا ، ولا مِن أجل نَهْيه صلى الله عليه وسلم عن الْمُثْلَة ؛ لأن الذي فَعَل ذلك وأمَر به وشرَعَه ، هو الذي نهى عن ذلك ، ولا تعارُض بين النهي وبين الفِعْل . لأن هذا ليس مُثْلَة ، ولا هو مِن باب اتِّخاذه غَرَضًا وهدَفًا للرماية . قال الخطابي : الإشعار ليس مِن جُملة ما نُهِي عنه من الْمُثْلَة ... وإنما المثلَة أن يُقطع عضو من البهيمة يُراد به التعذيب ، أو تُبَان قطعة منها للأكل ، كما كانوا يفعلون ذلك ، مِن قطعهم أسنمة الإبل وإليات الشاء ، يبينونها والبهيمة حية ، فتُعذّب بذلك ، وإنما سبيل الإشعار سبيل ما أُبيح من الكيّ و التبزيغ والتوديج في البهائم ، وسبيل الختان والفِصاد والحجامة في الآدميين ؛ وإذا جاز الكيّ واللذع بالميسم ليُعرَف بذلك ملك صاحبه ، جاز الإشعار ليُعلَم أنه بَدَنة نُسُك ، فتتميّز من سائر افبل ، وتُصان ، فلا يُعرض لها حتى تبلغ المحلّ . وكيف يجوز أن يكون الإشعار مِن باب المثلَة ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ، وأشعر بُدنَه عام حجّ ، وهو مُتأخِّر . اهـ .
9= " السنة التقليد ، وهو في الإبل كالإجماع مِن أهل العلم " قاله الخطابي .
10= تقليد البقر كتقليد الإبل . قال البخاري : باب فتل القلائد للبُدْن والبقر . قال النووي : وَأَمَّا الْبَقَرَة فَيُسْتَحَبّ عِنْد الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ : الْجَمْع فِيهَا بَيْن الإِشْعَار وَالتَّقْلِيد كَالإِبِلِ . وقال : مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور اِسْتِحْبَاب الإِشْعَار وَالتَّقْلِيد فِي الإِبِل وَالْبَقَر . وقال ابن حجر : اتفق من قال بالإشعار بإلْحَاق البقر في ذلك بالإبل ، إلاَّ سعيد بن جبير .
11= لا تُشعر الغنم ، ويُكتفى بتقليدها . في رواية للبخاري : قالت عائشة رضي الله عنها : كُنّا نُقلِّد الشاء . قال النووي : وَأَمَّا الْغَنَم فَيُسْتَحَبّ فِيهَا التَّقْلِيد وَحْده . وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب فَتْل الْقَلائِد . وقال ابن حجر : اتفقوا على أن الغنم لا تُشعر لِضعفها ، ولِكون صوفها أو شعرها يَستر موضع الإشعار . وأما على ما نُقِل عن مالك فَلِكونها ليست ذات أسنمة .
12= استحباب الجمع بين الإشعار والتقليد . قال النووي : فِيهِ دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب الْجَمْع بَيْن الإِشْعَار وَالتَّقْلِيد فِي الْبُدْن ، وَكَذَلِكَ الْبَقَر . وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَ هَدْيَة أَشْعَرَهُ وَقَلَّدَهُ مِنْ بَلَده ، وَلَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ أَخَّرَ التَّقْلِيد وَالإِشْعَار إِلَى حِين يُحْرِم مِنْ الْمِيقَات أَوْ مِنْ غَيْره . اهـ . يعني : أوْ مِن غير الميقات لِمَن كان محله دون الميقات ، أو كان يمرّ بِمحاذاة ميقات من المواقيت .
13= مشروعية إهداء الهدي لغير الْمُحْرِم ، ولا يتعلّق به شيء مِن أحكام الإحرام . قال ابن عبد البر : فيه أن تقليد الهدي لا يُوجب على صاحبه الإحرام . وقال النووي : . وَفِيهِ أَنَّ مَنْ بَعَثَ هَدْيه لا يَصِير مُحْرِمًا وَلا يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا يَحْرُم عَلَى الْمُحْرِم ، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة . اهـ . وهذا بِخلاف الأضحية ، وسيأتي ما يتعلّق بها في باب الأضاحي في كتاب الأطعمة ، إن شاء الله .
14= فيه تواضع أمهات المؤمنين ، وأن خدمة المرأة لزوجها لا غضاضة فيها ، وإن كان في غير الخدمة الواجبة . قال ابن عبد البر : وفيه عَمَل أزواج النبي عليه السلام بأيديهن ، وامتهانهن أنفسهن ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتهن نفسه في عَمَل بَيته ، فربما خاط ثوبه ، وخَصَف نَعله . اهـ .
والله أعلم . |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:02 pm | |
| الحديث الـ 251
في إهداء الغنم
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً غَنَمًا .
فيه مسائل :
1= في رواية لأحمد وأبي داود : أهدى مَرّة غنمًا مُقَلَّدَة . وعند مسلم : فَقَلَّدَها . وهو نصّ في الاقتصار على تقليد الغنم القلائد ، وأنها لا تُشعر ، كما تقدّم .
قالت عائشة رضي الله عنها : كُنْتُ أَفْتِلُ الْقَلائِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ ، وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلالاً . رواه البخاري . وفي رواية له : قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَبْعَثُ بِهَا ، ثُمَّ يَمْكُثُ حَلالا .
2= كان ذلك الإهداء وهو عليه الصلاة والسلام بالمدينة ، وذلك قبل حجة الوداع . قال العيني : الهدي الذي أرسل به رسول الله من الغنم ليس هدي الإحرام ، ولهذا أقام حلالاً بعد إرساله ، ولم يُنقل أنه أهدى غَنمًا في إحرامه . اهـ .
3 = مشروعية الإهداء لِغير الحاج ، ولو بَقِي في بلده فإنه لا يتعلّق به شيء مِن أحكام الإحرام . وسبق ذلك في شرح الحديث السابق .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:05 pm | |
| الحديث الـ 252
في ركوب البدن المهداة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً , فَقَالَ : ارْكَبْهَا . قَالَ : إنَّهَا بَدَنَةٌ . قَالَ : ارْكَبْهَا . فَرَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا , يُسَايِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم . وفي لفظ : قال في الثانية أو الثالثة : اركبها ويلك ، أو ويحك .
فيه مسائل :
1= في رواية للبخاري : قَالَ : ارْكَبْهَا وَيْلَكَ . فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ . وفي رواية له : قَالَ ارْكَبْهَا ثَلاثًا . وفي رواية له : قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ : ارْكَبْهَا وَيْلَكَ ، أَوْ وَيْحَكَ . وفي رواية له : قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا . وفي رواية لمسلم : بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَة . واللفظ الذي ذكره المصنف في الصحيحين .
2= بوّب عليه البخاري : بَابُ رُكُوبِ الْبُدْنِ لِقَوْلِهِ : (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) .
3= لِم سُمِّيت البُدْن بهذا الاسم ؟ قال الإمام البخاري : قَالَ مُجَاهِد : سُمِّيَتْ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا . وقال النووي : قَالَ أَهْل اللُّغَة : سُمِّيَتْ الْبَدَنَة لِعَظَمِهَا ، وَيُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالأُنْثَى ، وَيُطْلَق عَلَى الإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم ، هَذَا قَوْل أَكْثَر أَهْل اللُّغَة ، وَلَكِنَّ مُعْظَم اِسْتِعْمَالهَا فِي الأَحَادِيث وَكُتُبِ الْفِقْه ، فِي الإِبِل خَاصَّة .
4= حُكم ركوب البُدن الْمُهْدَاة : قال أبو الزبير : سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : اركبها بالمعروف حتى تَجِد ظَهْرًا . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : اختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع ؛ فذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة ، وبعضهم أوجب ذلك . وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بِرُكوب الهدي على كل حال أيضا ، على ظاهر هذا الحديث ، والذي ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء : كراهية ركوبه من غير ضرورة . اهـ . قال الباجي : يحتمل أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ اُضْطُرَّ إِلَى رُكُوبِهَا ، وَكَانَ مَعَ كَثْرَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَثْرَةِ هَدْيِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى جَمَاعَةً يَسُوقُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَمَرَ جَمِيعَهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَكَانَ رُكُوبُ الْبُدْنِ مَشْرُوعًا كَثِيرًا مَشْهُورًا ، وَهَذَا مِمَّا لا خِلافَ فِي بُطْلانِهِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا الأَحْمَالَ وَتَصَرَّفَ فِي الْعَمَلِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَالْكِرَاءِ وَغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ ؛ لأَنَّ الْبُدْنَ مَا أُخْرِجَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الامْتِنَاعَ مِنْ الانْتِفَاعِ بِهَا ؛ لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا تُرْكَبُ الْبُدْنُ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ الرُّكُوبِ الْخَفِيفِ . اهـ . وقال ابن قدامة : وله ركوبه عند الحاجة على وَجه لا يَضرّ بِه . قال أحمد : لا يَركبه إلاّ عند الضرورة . وهو قول الشافعي و ابن المنذر وأصحاب الرأي . اهـ .
5= قوله : " إنها بَدَنة " : مَخافة أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ رُكُوبَهَا لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا غَيْرُ بَدَنَةٍ . قاله الباجي . فإن قيل : قد جاء في روايات : " وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا " فَلِم قال : إنها بَدَنة ، وعليها علامة الهدي وشِعاره ؟ فالجواب : أن الرجل قد يكون ظنّ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ النعل ، أو أنه أراد التأكّد من أمْره عليه الصلاة والسلام بالركوب . وقوله : " إنها بَدَنة " يدلّ على أنه قد استقرّ عندهم أن الهدي لا يُركَب .
6= قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَيْلك اِرْكَبْهَا " . فَهَذِهِ الْكَلِمَة أَصْلُهَا لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة ، فَقِيلَ : لأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا قَدْ وَقَعَ فِي تَعَب وَجَهْد ، وَقِيلَ : هِيَ كَلِمَة تَجْرِي عَلَى اللِّسَان ، وَتُسْتَعْمَل مِنْ غَيْر قَصْد إِلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلاً بَلْ تُدَعِّم بِهَا الْعَرَب كَلامهَا ، كَقَوْلِهِمْ : لا أُمّ لَهُ ، لا أَب لَهُ ، تَرِبَتْ يَدَاهُ ، قَاتَلَهُ اللَّه مَا أَشْجَعه ، وَعَقْرَى حَلْقَى ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . اهـ .
7= فيه : الشِّدّة في الإنكار ، وهذا كثير في السنة ، خاصة إذا لم يجدِ الرفق شيئا .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:09 pm | |
| الحديث الـ 253
في التصدق بمنافع الهدي
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال : أَمَرَنِي النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ , وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا , وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا . وقال : نحن نُعطيه مِن عِندنا .
فيه مسائل :
1= " أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ " القيام على الشيء بِحسبِه . والمقصود به هنا : الاحتياط والعناية بها .
2= في رواية للبخاري : قال عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا ، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلالِهَا فَقَسَمْتُهَا ، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا . وتقدّم في شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن مجموع هَديه صلى الله عليه وسلم إلى البيت مائة من الإبل ، نَحَر منها عليه الصلاة والسلام ثلاثا وستّين ، وتولّى عليّ رضي الله عنه نحر ما بقي . وفي حديث جابر : ثم انصرف إلى المنحَر ، فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليًّا ، فَنَحَر ما غَبَر ، وأشركه في هديه . رواه مسلم .
قال القاضي عياض : وَالظَّاهِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ الْبُدْن الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَة ، وَكَانَتْ ثَلاثًا وَسِتِّينَ ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ . اهـ . والجمع بين القولين : أنه عليه الصلاة والسلام أهدى مائة بَدَنة ، وأنه ساق من المدينة ثلاثا وستين بَدَنة . أن الأول محمول على مجموع الهدي ، الذي ساقَه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء به عليّ معه من اليمن ، والثاني على ما سَاقَه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة . وتدلّ عليه رواية مسلم لحديث جابر : قال : فكان جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً . والذي جاء به عليّ رضي الله عنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ؛ لأن عليّ كان عامله على اليمن .
3= نَحَر عليّ رضي الله عنه ( 37 ) بَدَنة ؛ لأن المجموع مائة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نَحَر ثلاثا وستين . قال القاضي عياض : وَأَعْطَى عَلِيًّا الْبَدَن الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنْ الْيَمَن ، وَهِيَ تَمَام الْمِائَة . اهـ .
4= قوله : " وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا " لا يعني هذا أنه لا يُؤكل منها . ففي حديث جابر : ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ ، فَأَكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا . وإنما يدُلّ على أنه يُتصدّق بشيء مِن لحمها من غير وُجوب . وعليه تُحمَل رواية : " وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا " ، أي : الغالب ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أخذ منها وأكل . وهذا في هدي التمتّع وفي الأضحية . أما في جزاء الصيد وفي الـنَّذْر والفدية ؛ فلا يُؤكل منه . قال نافع : عن ابن عمر : لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ، ويؤكل مما سوى ذلك .
5= يجوز أن يدّخر من لحوم الهدي والأضحية . قال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كُنَّا لا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى ، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كُلُوا وَتَزَوَّدُوا . فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا . رواه البخاري ومسلم . وقوله : " فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى " يعني : ثلاثة أيام مِنى . الأيام الثلاثة المختصة بِمنَى . قَالَتْ عائشة رضي الله عنها : فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ : ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ . رواه البخاري ومسلم .
6= لا يجوز بيع ما أُخرِج لله ، فلا يجوز بيع لُحوم الهدي ولا جلودها ولا أجلّتها . وفي الصحيحين أن أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ : لا تَبْتَعْهُ ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ . قال القرطبي : فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تُباع لِعَطفها على اللحم وإعطائها حُكمه ، وقد اتفقوا على أن لَحمها لا يُباع ، فكذلك الجلود والجلال . نقله ابن حجر . قال البغوي : فيه دليل على أن ما ذَبَحه قُربة إلى الله تعالى لا يجوز بيع شيء منه ، فإنه عليه السلام لم يُجَوِّز أن يُعطى الجزار شيئا من لحم هَدْيِه ، لأنه يُعطيه بمقابلة عَمله ، وكذلك كل ما ذَبَحه لله سبحانه وتعالى من أضحية وعقيقة ونحوها . اهـ .
7= الأجِلّة : جَمْع جِلال . قال القاضي عياض : جلال البُدن : بكسر الجيم ، وأجلتها أيضا هي الثياب التي تُلبسها . وفي القاموس في معنى " الجلّ " : وبالضم وبالفتح : ما تُلْبَسُهُ الدابَّةُ لتُصَانَ به، وقد جَلَّلْتُها وجَلَلْتُها، والجمع : جِلالٌ وأجْلال . وفي " تاج العروس " : جِلالٌ بالكسر وأَجْلالٌ ، وجَمْعُ الجِلالِ : أَجِلَّةٌ .
8= قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد كَثِيرَة مِنْهَا : اِسْتِحْبَاب سَوْق الْهَدْي ، وَجَوَاز النِّيَابَة فِي نَحْره ، وَالْقِيَام عَلَيْهِ وَتَفْرِقَته ، وَأَنَّهُ يُتَصَدَّق بِلُحُومِهَا وَجُلُودهَا وَجِلالهَا ، وَأَنَّهَا تُجَلَّل ، وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُون جِلاًّ حَسَنًا ، وَأَلاّ يُعْطَى الْجَزَّار مِنْهَا ، لأَنَّ عَطِيَّته عِوَض عَنْ عَمَله فَيَكُون فِي مَعْنَى بَيْع جُزْء مِنْهَا ، وَذَلِكَ لا يَجُوز . وَفِيهِ : جَوَاز الاسْتِئْجَار عَلَى النَّحْر وَنَحْوه ، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ لا يَجُوز بَيْع جِلْد الْهَدْي وَلا الأُضْحِيَّة وَلا شَيْء مِنْ أَجْزَائِهِمَا ؛ لأَنَّهَا لا يُنْتَفَع بِهَا فِي الْبَيْت وَلا بِغَيْرِهِ ... وَلا يَجُوز إِعْطَاء الْجَزَّار مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ جِزَارَته ، هَذَا مَذْهَبنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق ، وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : أَنَّهُ لا بَأْس بِبَيْعِ جِلْد هَدْيه ، وَيَتَصَدَّق بِثَمَنِهِ
9= قَالَ الْقَاضِي : التَّجْلِيل سُنَّة ، وَهُوَ عِنْد الْعُلَمَاء مُخْتَصّ بِالإِبِلِ ، وَهُوَ مِمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ عَمَل السَّلَف ، قَالَ : وَمِمَّنْ رَآهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق . قَالُوا : وَيَكُون بَعْد الإِشْعَار لِئَلا يَتَلَطَّخ بِالدَّمِ ، قَالُوا وَيُسْتَحَبّ أَنْ تَكُون قِيمَتهَا وَنَفَاسَتهَا بِحَسَبِ حَال الْمُهْدِي ، وَكَانَ بَعْض السَّلَف يُجَلِّل بِالْوَشْيِ ، وَبَعْضهمْ بِالْحِبَرَةِ ، وَبَعْضهمْ بِالْقُبَاطِيِّ وَالْمَلاحِف وَالأُزُر ، قَالَ مَالِك : وَتُشَقّ عَلَى الأَسْنِمَة إِنْ كَانَتْ قَلِيلَة الثَّمَن لِئَلا تَسْقُط . نقله النووي .
قال النووي : واتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم من العلماء على استحباب تجليل الهدي ، والصدقة بذلك الْجُلّ .
10= فائدة شقّ الأجلّة : قَالَ الْقَاضِي : وَفِي شَقّ الْجِلال عَلَى الأَسْنِمَة فَائِدَة أُخْرَى وَهِيَ إِظْهَار الإِشْعَار لِئَلا يَسْتَتِر تَحْتهَا . قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث الصَّدَقَة بِالْجِلالِ ، وَهَكَذَا قَالَهُ الْعُلَمَاء ، وَكَانَ اِبْن عُمَر أَوَّلاً يَكْسُوهَا الْكَعْبَة ، فَلَمَّا كُسِيَتْ الْكَعْبَة تَصَدَّقَ بِهَا .
11= قوله : " وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا " أي : على سبيل المعاوضة عن عمله ، أما إن يُعطى منها هدية أو صدقة ، فلا بأس بذلك ، بشرط أن يكون بعد استيفاء أجرة عمله . قال البغوي : وهذا إذا أعطاه على معنى الأجرة ، فأما أن يتصدق عليه بشيء منه ، فلا بأس به ، هذا قول أكثر أهل العلم . اهـ .
12= فَهِم بعض العلماء أن لا يُعطَى الجزاّر شيئا مِن أجرته ، وظاهره " أن لا يُعطي الجزار شيئا البتة ، وليس ذلك المراد ، بل المراد أن لا يعطي الجزار منها شيئا ، كما وقع عند مسلم " قاله ابن حجر . ويدلّ على هذا رواية في الصحيحين : أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ وَلاَ أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا .
13= قوله : " وقال : نحن نُعطيه مِن عِندنا " أي : نُعطيه أجرة عمله مِن غير الهدي .
14= تقدمت الإشارة إلى حديث جابر ، وفيه : ثم انصرف إلى المنحَر ، فنحر ثلاثا وستين بِيدِه ، ثم أعطى عليًّا ، فَنَحَر ما غَبَر . ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثا وستين ، وأن عليًّا رضي الله عنه نَحر الباقي ، فكيف يُنهَى عن إعطاء الجزار منها شيئا ؟ وليس ثمّ جزّار ؟ والجواب عنه : أن هذا بيان لِحُكم عام لِجميع الناس ، وتنبيه لِعليّ رضي الله عنه إذا تولّى الذبح إن هو أوْكَل الذبح أو النحر لِغيره أن لا يُعطِه شيئا .
15= دُخول النيابة في هذه الأشياء ؛ لأنها مما تدخله النيابة ، فيجوز التوكيل على الذبح والنحر ، وإن كان الأفضل أن يليها المسلم بِنفسه .ومن هذا الباب : توكيل المؤسسات أو المصارف التي تقوم على ذبح الهدي في منى . قال النووي : وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب ذَبْح الْمُهْدِي هَدْيه بِنَفْسِهِ ، وَجَوَاز الاسْتِنَابَة فِيهِ ، وَذَلِكَ جَائِز بِالإِجْمَاعِ إِذَا كَانَ النَّائِب مُسْلِمًا ، وَيَجُوز عِنْدنَا أَنْ يَكُون النَّائِب كَافِرًا كِتَابِيًّا بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِي صَاحِب الْهَدْي عِنْد دَفْعه إِلَيْهِ أَوْ عِنْد ذَبْحه . اهـ . وكيف يصحّ أن يكون كتابيا ونحر الهدي في الحرم ، وقد مُنِع الكافر مِن دُخول الْحَرَم ؟! وقد نقل النووي عن الْقَاضِي قوله : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَنْحَر مَوْضِع مُعَيَّن مِنْ مِنًى ، وَحَيْثُ ذَبَحَ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْحَرَم أَجْزَأَهُ . اهـ . فهم يشترطون نحر الهدي في منى أو في مكة داخل حدود الْحَرَم . والكافر لا يدخل داخل حدود الحرم .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:12 pm | |
| الحديث الـ 254 في صفة النحر
عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قد أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ , فَنَحَرَهَا . فَقَالَ : ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم .
فيه مسائل :
1= أناخ بَدَنَته : جعلها تبرك على الأرض . قال ابن منظور : أَنَخْتُ البعيرَ فاستناخ ونوَّخته فتنوَّخ ، وأَناخَ الإِبلَ : أَبْرَكها فَبَرَكت ، واستناخت : بَرَكَتْ
2= قوله : " فنحرها " : أي : أراد نحرها على تلك الحال ؛ لأنه لو كان نحرها وانتهى ، لَمَا كان لِقوله : " ابعثها " فائدة .
3= قوله : " قِيَاماً مُقَيَّدَةً " قال ابن بطال : يعنى : معَقولة اليد الواحدة قائمة على ما بَقي مِن قوائمها .
4= قوله : " سُنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم " هو بِنَصْب سُنة ، أي : الْزَم سُنة ، أو : افْعَلْها ، ويجوز رَفعه ، أي : هذه سُنة . قاله النووي .
5= السنة في الإبل أن تُنحر قائمة ، والبقر والغنم بِخلافها . قال الإمام البخاري : بَاب نَحْرِ الْبُدْنِ قَائِمَةً . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : (صَوَافَّ) قِيَامًا . وقال ابن بطال : قول ابن عمر : " سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعنى أن تُنحر قيامًا ، ويشهد لهذا دليل القرآن ، قوله : ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) ، يعنى : سَقَطت إلى الأرض . وقال النووي : يُسْتَحَبُّ نَحْرُ الإِبِلِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةُ الْيَدِ الْيُسْرَى ، صَحَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى ، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا . إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ . أَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ ، وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلاثُ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِحْبَابِ نَحْرِهَا قِيَامًا مَعْقُولَةً هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ . اهـ .
6= السنة توجيه الذبيحة إلى القبلة . قال ابن قدامة : ويستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة ، ويقول : بسم الله والله أكبر .
7= حرص السلف على موافقة السنة ، وموافقة السنة أعظم في الأجر ، حتى لو لم يُذكر الفضل أو الأجر المترتّب على الفعل ؛ لأن من الناس من إذا قيل له : " هذه السنة في كذا " ، قال : وما أجر فاعله ؟! ولا يعلم أن موافقة السنة أفضل من أن يُقال له : لك أجْرَان . وموافقة السنة والحرص عليها علامة على محبة النبي صلى الله عليه وسلم .
8= مشروعية الإنكار على من خالف السنة ، والإنكار في مسائل الخلاف ، والأمر بالمعروف ، وتعليم الجاهل . قال العيني : وفيه : تعليم الجاهل ، وعدم السكوت على مخالفة السنة ، وإن كان مباحا . اهـ . ومما يُلاحَظ أن من الناس مَن إذا أُنْكِر عليه قال للْمُنْكِر عليه : "هل هو حرام ؟" ، وقصده : لِم تُنكر عليّ أمرا ليس مُحرّما ! وهذا بِخلاف الأدب ، وبخلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، إلاّ أن يكون أراد الاستفسار عن الْحُكم ، فهذا له أصل .
9= الإرشاد إلى الأفضل دليل على حرص المسلم على أخيه ، وأن يطلب له ما يطلبه لِنفسه من الفضل والأجر .
10= الحكمة في نحر الإبل قياما مُقيّدة : قال ابن حجر : لئلا تضطرب . اهـ . وحتى لا تنطلق فتؤذي الناس إذا طُعنت في لُبتها . ولذلك قال الإمام مالك وأحمد : يَنحر البدن معقولة على ثلاث قوائم ، وإن خَشي عليها أن تَنفر أناخها .
11= " فيه أن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث " قاله العيني .
12= جواز ذِكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم مُجرّدًا ، إذا قُرِن بالصلاة والسلام عليه . وابن عُمر رضي الله عنهما ممن عُرِف عنه تعظيم السنة ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجد في ذلك غضاضة . بل عُرِف عنه بِرّه بأبيه ، ومع ذلك كان يذكر أباه باسمه ، فيقول : قال عمر .. ونحو ذلك .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:13 pm | |
| الحديث الـ 255
في غُسل الْمُحْرِم
قال المصنف : بابُ الغُسْلِ للمُحْرِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ . وَقَالَ الْمِسْوَرُ : لا يَغْسِلُ رَأْسَهُ . قَالَ : فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه . فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ , وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ . فَسَلَّمْت عَلَيْهِ . فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْت : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ , أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ , يَسْأَلُكَ : كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ , فَطَأْطَأَهُ , حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ . ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ : اُصْبُبْ , فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ . ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ , فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ . ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ. وَفِي رِوَايَةٍ : فَقَالَ الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ : لا أُمَارِيكَ أَبَداً .
فيه مسائل :
1= قول المصنف : " بابُ الغُسْلِ للمُحْرِمِ " أي : بيان حُكم الغُسل للمحرم – رجلا كان أو امرأة - ، والمراد به : الاغتسال من أجل التبرّد أو النظافة ، أما الغُسل الواجب فغير مُراد هنا ؛ لأنه ليس مَحلّ خِلاف . قال ابن قدامة : وأجمع أهل العلم على أن الْمُحْرِم يغتسل من الجنابة . وقال النووي : اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز غَسْل الْمُحْرِم رَأْسه وَجَسَده مِنْ الْجَنَابَة ، بَلْ هُوَ وَاجِب عَلَيْهِ . اهـ. والمصنف رحمه الله قال : " بابُ الغُسْلِ للمُحْرِمِ " وأوْرَد حديثا في غَسْل الرأس ، وهذا من باب الاستدلال بالأوْلَى ، فإذا جاز للمحرِم غَسْل رأسه فبقية جسده من باب أوْلَى ؛ لأن الرأس مَحَلّ التلبيد ، والْمُحْرِم ممنوع من أخذ شيء مِن شَعْرِه .
2= هذا الحديث مِن حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه .
3= المسور وابن عباس من صغار الصحابة . وعبد الله بن حُنين تابعي .
4= الأبواء : موضع بين مكة والمدينة . قال القاضي عياض : قرية من عمل الفرع ، مِن عَمل المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا . وقال ابن الأثير : جبل بين مكة والمدينة ، وعنده بلد يُنْسَبُ إليه .
5= اخْتُلِف في غسل الرأس بالنسبة للمحرِم إذا كان من أجل التبرّد أو النظافة ، وذلك لأن الغسل من الترفّـه . فكرهه بعض أهل العلم ، وأجازه آخرون بلا كراهة . قال ابن عبد البر : واخْتَلف أهل العلم في غَسل المحرم رأسه بالماء ؛ فكان مالك لا يُجيز ذلك للمحرِم ويكرهه له ، ومِن حُجته أن عبد الله بن عمر كان لا يَغسل رأسه وهو محرم إلاَّ مِن احتلام . ولعل هذا محمول على الغَسْل الزائد عن مُجرّد صبّ الماء ، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يغتسل لِدُخول مكة . وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَلا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إِلاَّ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ يَصُبُّ صَبًّا ، وَلا يُغَيِّبُ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ . نقله الباجي .
وقال النووي : وَأَمَّا غَسْله تَبَرُّدًا فمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور : جَوَازه بِلا كَرَاهَة . اهـ .
ومن العلماء من فرّق بين مُجرّد غسل الرأس ، وبين غسله بمادة أخرى . قال ابن عبد البر : وأما غسل المحرم رأسه بالخطمي أو السِّدْر فالفقهاء على كراهية ذلك . وقال أيضا : واحتج بعض المتأخرين على جواز غسل المحرم رأسه بالخطمي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمحرِم الميت أن يغسلوه بماء وسدر ، وأمرهم أن يُجنبوه ما يجتنب المحرم ؛ فَدَلّ ذلك على إباحة غسل ر أس المحرم بالسدر ، قال : والخطمي في معناه . اهـ . وقال ابن قدامة : ويكره له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما ، لِمَا فيه من إزالة الشعث والتعرّض لقلع الشعر . اهـ . وقال النووي : وَيَجُوز عِنْدنَا غَسْل رَأْسه بِالسِّدْرِ وَالْخَطْمِيّ ، بِحَيْثُ لا يَنْتِف شَعْرًا ، فَلا فِدْيَة عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْتِف شَعْرًا . اهـ . وقال أيضا : دخول الحمام وإزالة الوسخ عن نفسه جائز أيضا عندنا ، وبه قال الجمهور . اهـ . وفي حُكم ذلك استعمال المنظِّفات الحديثة ، مثل الصابون ، ما لم يكن مُعطَّرًا ، ولا يُقصد بالمعطّر هنا مُجرّد وُجود رائحة طيبة ، بل يكون العِطر مقصودا فيه ، وهذا يُعرف من معرفة ثمن الصابون ، فالذي جُعِل العطر فيه مقصدا يكون سعره مرتفعا ، بِخلاف ما وُجِدت به رائحة طيبة ؛ لأن هذا الأخير لا يُقصد به التعطّر بِقَدْر ما يُقصد به النظافة .
6= الاحتكام إلى الأعلم ، والرجوع إلى النصّ عند الاختلاف . قال النووي في فوائد هذا الحديث : الرُّجُوع إِلَى النَّصّ عِنْد الاخْتِلاف وَتَرْك الاجْتِهَاد وَالْقِيَاس عِنْد وُجُود النَّصّ .
7= قَبول خبر الواحد في العقائد والأحكام ، وهذا مما لا خِلاف فيه بين الصحابة رضي الله عنهم . قال النووي في فوائد هذا الحديث : قَبُول خَبَر الْوَاحِد ، وَأَنَّ قَبُوله كَانَ مَشْهُورًا عِنْد الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . اهـ . فأبو أيوب يُحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعبد الله بن حُنين أتَى بِقول أبي أيوب وروايته . فهذه كلها روايات آحاد .
8= " بين القرنين " : قال النووي : هُوَ بِفَتْحِ الْقَاف تَثْنِيَة " قَرْن " ، وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ الْقَائِمَتَانِ عَلَى رَأْس الْبِئْر وَشِبْهَهمَا مِنْ الْبِنَاء ، وَتُمَدّ بَيْنهمَا خَشَبَة يُجَرّ عَلَيْهَا الْحَبْل الْمُسْتَقَى بِهِ ، وَتُعَلَّق عَلَيْهَا الْبَكَرَة . اهـ . وفي رواية لأحمد والنسائي : بَين قَرني البئر .
9= جواز " السَّلام عَلَى الْمُتَطَهِّر فِي وُضُوء وَغُسْل ، بِخِلافِ الْجَالِس عَلَى الْحَدَث " . قاله النووي .
10= الجواب العملي ، وحكاية الأفعال في الاستدلال . فقد جاء رجل فسأل رسولَ الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يُجامع أهله ثم يَكسل ، هل عليهما الغسل ؟ وعائشة جالسة ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل . رواه مسلم .
11= " فطأطأه " أي : أنْزَله قليلا . وفي رواية لأحمد : فلما استبنت له ضمّ الثوب إلى صدره حتى بَدَا لي وجهه . قال الإمام أحمد : قال الحجاج ورَوْح : فلما انتسبت له وسألته ضمّ الثوب إلى صدره . وهذا موافق لرواية الصحيحين : فَسَلَّمْت عَلَيْهِ . فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْت : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْن . فإن أبا أيوب سأله : مَن هذا ؟ فانتَسَب ، وذَكَر له من هو ، وهذا كان قبل أن يَستبين له ، إلاّ أن يُقال : استبَان له مِن صوته ، وهذا مُحتمل .
12= قوله : " أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ , يَسْأَلُكَ " قال ابن عبد البر : وفي هذا الحديث دليل - والله أعلم - على أن ابن عباس قد كان عنده في غَسل المحرم رأسه ، عِلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأه ذلك أبو أيوب أو غيره ؛ لأنه كان يأخذ علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنن وغيرها عن جميعهم ، ويختلف إليهم ، ألا ترى إلى قول عبد الله بن حنين لأبي أيوب رحمه الله : أرسلني إليك ابن عباس أسالك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ ولم يقل : "هل" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو مُحْرِم ؟ على حسبما اختلفا فيه ، فالظاهر - والله أعلم - أنه قد كان عنده من ذلك علم . اهـ .
13= معرفة الفضل لأهله ، وسؤال من هو أعلم عما يُشكل ، وحَسْم مادة الخلاف ، وقطع المراء . قال ابن دقيق العيد : وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الاجْتِهَادِ ، وَالاخْتِلافِ فِيهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا حُكْم . اهـ .
14= وفيه أيضا أن الْجِدَال في مسائل العِلْم لا يدخل في النهي عن الجدال في الحج على القول الثاني في تفسير قوله تعالى : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ؛ لأن المعنى الأول : لا مجادلة في وقت الحج وفي مناسكه ، وقد بينه الله أتَمّ بيان ووضحه أكمل إيضاح . قاله ابن كثير ، وهو قول الأكثر . والمعنى الثاني : النهي عن المخاصمة والمراء .
15= قوله : " ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ : اُصْبُبْ " فيه جواز خدمة أهل الفضل في مثل ذلك ، وإن استغنى الإنسان عن ذلك فهو أفضل . قال النووي في فوائد هذا الحديث : جَوَاز الاسْتِعَانَة فِي الطَّهَارَة ، وَلَكِنْ الأَوْلَى تَرْكهَا إِلاَّ لِحَاجَةٍ . اهـ .
16= موافقة عمر لأبي أيوب رضي الله عنهم . روى الإمام مالك أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ مُنْيةَ وَهُوَ يَصُبُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ : اصْبُبْ عَلَى رَأْسِي ، فَقَالَ يَعْلَى : أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي ؟ إِنْ أَمَرْتَنِي صَبَبْتُ ! فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : اصْبُبْ فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إِلاَّ شَعَثًا .
قال ابن بطال : يعنى : إذا لم يغسل بغير الماء ؛ ألا ترى فعل أبى أيوب حين صب على رأسه الماء حَرَّكه بيديه ، ولم يَرَ ذلك مما يُذهب الشَّعث ، ومثله قوله عليه السلام لعائشة : " انقضى رأسك في غسلك وامتشطى " أي : امشطيه بأصابعك . اهـ .
17= لا يُلتفت إلى ما يتساقط من الشَّعْر عند الغُسل وكذلك عند الامتشاط وحكّ الرأس ؛ لأن ما يتساقط من الشعر إنما هو الشعر الميت . قال عليه الصلاة والسلام لعائشة في حجة الوداع : انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي . رواه البخاري ومسلم . ولا يُمكن حَمْله على الاضطرار ، كَحَال كعب بن عُجرة رضي الله عنه حينما آذته هوامّ رأسه . وبذلك يُعلَم أنه لا أصل لِمَا يفعله بعض الناس ، مِن ضَرْب رَأسه ضربًا خفيفا إذا أراد حَكّ رأسه ! قال النووي : نَقْض الرَّأْس وَالامْتِشَاط جَائِزَانِ عِنْدنَا فِي الإِحْرَام بِحَيْثُ لا يَنْتِف شَعْرًا ، وَلَكِنْ يُكْرَه الامْتِشَاط إِلاَّ لِعُذْرٍ . اهـ .
18= قوله : " فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ " أي : صبّ الماء على رأسه .
19= وقوله : " ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ , فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ " هذا زيادة على مُجرّد صبّ الماء ، وهو مَدْعاة لتساقط الشعر . وفيه ردّ على مَن منع الْمُحْرِم مِن غَسل الرأس لئلا يتساقط القمل أو يتسبب في قَتْله !
20= فيه من الفقه أن الصحابة إذا اختلفوا لم تكن في قول واحد منهم حجة على غيره إلاّ بدليل يجب التسليم له من الكتاب أو السنة ، ألا ترى أن ابن عباس والمسوَر لَمَّا اختلفا لم يكن لواحد منهما حُجة على صاحبه حتى أدلى ابن عباس بالحجة بالسُّـنَّة ، فَفَلَج . قاله ابن عبد البر .
21= " ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ " القائل : هو أبو أيوب رضي الله عنه ، ولذلك جُعِل الحديث مِن مُسند أبي أيوب كما تقدّم . وكان الصحابة رضي الله عنهم يَكْتَفُون بالقول بأن هذا مِن السنة ، أو : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، أو : هكذا رأيته يفعل ، ونحو ذلك ، وكانوا يُقابلون ذلك بالتسليم والانقياد والإذعان ، ولا يَرون لأحدٍ قولا مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
22= فَقَالَ الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ : لا أُمَارِيكَ أَبَداً . قال العيني : أي : لا أجَادِلُك . قال : وفيه اعتراف للفاضِل بِفضله ، وإنصاف الصحابة بعضهم بعضا .
23= رجوع العَالِم للحق إذا استبان له ، وأنه لا غضاضة في ذلك ولا حرج ، فالْحَقّ أحقّ أن يُتّبَع . واشتهر عن ابن عمر رضي الله عنهما تراجعه عن غير مسألة . قيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مَن تَبع جنازة فله قيراط من الأجر . فقال ابن عمر : أكثر علينا أبو هريرة ، فبعث إلى عائشة فسألها فصدّقت أبا هريرة ، فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة . رواه البخاري ومسلم . ومثله هنا تراجع المسور رضي الله عنه ورجوعه إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:17 pm | |
| الحديث الـ 256
في فسخ الحج إلى عمرة
بابُ فَسْخِ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ . وَقَدِمَ عَلِيُّ رضي الله عنه مِنْ الْيَمَنِ ، فَقَالَ : أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَمَرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ : أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً , فَيَطُوفُوا ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا ، وَيَحِلُّوا , إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ ، فَقَالُوا : نَنْطَلِقُ إلَى " مِنىً " وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ , وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ . وَحَاضَتْ عَائِشَةُ ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا , غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ . فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , تَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ , وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ : أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ .
فيه مسائل :
1= قوله : " فَسْخ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ " أي : بعد الإحرام والتلبية ، وأما قبل ذلك فلا يترتّب على النية شيء. وقد أورد المصنّف رحمه الله تحت هذا الباب أحاديث تتعلّق بمسائل مِن مسائل الحج ، وليست خاصة في الباب.
2= المذاهب في فسخ الحج إلى العمرة ثلاثة ، اثنان مُتقابلان وواحد وسط ؛ أما المتقابِلان فـ : الأول : وُجوب فسخ الحج من الإفراد أو القِران إلى التمتع ، لِمَن لم يسُق الهدي . والثاني : يحرم فسخ الحج إلى عُمرة . وأما القول الثالث فـ : استحبابه من غير إيجاب ، وهذا مُقيّد بِما إذا لم يشرع في النُّسُك . قال النووي : وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْفَسْخ ، هَلْ هُوَ خَاصّ لِلصَّحَابَةِ تِلْكَ السَّنَة خَاصَّة أَمْ بَاقٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ؟ فَقَالَ أَحْمَد وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الظَّاهِر : لَيْسَ خَاصًّا بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ، فَيَجُوز لِكُلِّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْي أَنْ يَقْلِب إِحْرَامه عُمْرَة وَيَتَحَلَّل بِأَعْمَالِهَا . وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف : هُوَ مُخْتَصّ بِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَة لا يَجُوز بَعْدهَا ، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ تِلْكَ السَّنَة لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ تَحْرِيم الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ . اهـ . ونَقَل النووي في " المجموع " هذا عن القول عن القاضي عياض .
قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد : يا أبا عبد الله كل شيء منك حَسن ، إلاَّ خَصلة واحدة ! تقول بِفَسخ الحج إلى العمرة . فقال : يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق ! وكنت أُدافع عنك ، والآن عَلمت أنك أحمق ! عندي في ذلك بضعة عشر حديثا صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أدَعُها لقولك ؟ قال ابن القيم : وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وعبيد الله بن الحسن ، وكثير من أهل الحديث أو أكثرهم . اهـ . وقد أطال ابن القيم في تقرير هذه المسألة في حاشيته على سُنن أبي داود .
= قوله : " أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ " يعني : لبّى بالحج مُفرِدًا ، وهذا في أوّل الأمر ، كما تقدّم ، ثم أدخل عليه العُمرة ، فصار قارِنا ، وهذا عكس ما في تبويب المصنف ، ومثله فِعل عائشة رضي الله عنها .
3= جواز تعليق النية في الـنُّسُك ، إلاّ أنه لا بُدّ من تحديد قبل الشروع في أعمال النُّسُك . قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : وأُخِذ منه جواز الإحرام من غير تَعيين ، ثم بعد ذلك يُعيَّن . اهـ . وهذا مأخوذ من إهلال عليّ رضي الله عنه بِما أهلّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي حديث أبي موس رضي الله عنه قال : قَدِمْتُ على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مُنيخ بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم . قال : هل سُقت مِن هَدي ؟ قلت : لا . قال : فَطُف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حِلّ ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة . رواه مسلم . قال النووي : فِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا : َوَاز تَعْلِيق الإِحْرَام ؛ فَإِذَا قَالَ : أَحْرَمْت بِإِحْرَامٍ كإِحْرَامِ زَيْد ، صَحَّ إِحْرَامه ، وَكَانَ إِحْرَامه كَإِحْرَامِ زَيْد . اهـ .
4= أمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بِفسْخ الحج إلى عُمرة قبل أن يَطوفوا بالبيت ، وسيأتي مزيد بيان في شرح الحديثين التاليين .
5= " فَقَالُوا : نَنْطَلِقُ إلَى " مِنىً " وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ ؟! " هذا سؤال استرشاد ؛ لأن فِعْلهم ذلك مُتضمّن لِترك الشعث ، ومُقتضيا للترفه ، خاصة وأنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم باقيا على إحرامه . وسيأتي في حديث ابن عباس أنهم استفسروا عن نوع الْحِلّ .
6= قوله عليه الصلاة والسلام : " لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ " جواز استعمال ( لو ) في مثل هذا الموضع ؛ لأنها في غير تحسّر على ما مضى ، ولا هي مُتضمّنة للاعتراض على الله في قَدَرِه . وفيه هذا القول : جواز تمنّي الخير ، وهذا كَقَوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) .
7= قوله عليه الصلاة والسلام : " وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ " مع ما سبق من قوله : " لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ " بيان لِحاله عليه الصلاة والسلام ، وسبب عدم فسخه الحج إلى عمرة . ويُستفاد منه : أنه يُشرع للعَالِم أن يُبيّن سبب ما فعله إذا كان له عُذر فيما فَعله .
8= تفضيل التمتّع ، وقد سبق هذا في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما في " باب التمتّع " .
9= إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الجارية قولها ، حينما قالت : وفينا نَبيّ يَعلم ما في غدٍ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولي هكذا ، وقولي ما كنت تقولين . رواه البخاري . وقد قال الله عزَّ وَجَلّ مُخاطِبا نبيَّـه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . قالت عائشة رضي الله عنها : ثلاث مَن حَدَّثَكَهُنّ فقد كَذَب – ثم ذَكَرت منهن – : ومَن زَعم أنه يُخْبِر بما يكون في غَدٍ ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ) . رواه البخاري ومسلم .
10= " وَحَاضَتْ عَائِشَةُ " ، كان ذلك في سَرِف ، وهو مَوضِع بين مكة والمدينة ، وهو أقرب إلى مكة . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : خَرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلاَّ الحج ، فلما جئنا سَرِف فَطَمِثْتُ ، فَدَخَل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ! فقال : ما يُبكيك ؟ قلت : لوددت والله أني لم أحج العام . قال : لعلك نَفِسْتِ ؟ قلت : نعم ، قال : فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري . رواه البخاري ومسلم .
11= قوله : " فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا , غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ " امتثالاً لأمْر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه أمَرَها أن تصنع ما يصنعه الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت . فتشهد المشاهِد كلها ، إلاّ الطواف بالكعبة ؛ لأن من شرطه الطهارة من الحديث الأكبر .
12= " فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ " ، كان هذا الطواف بعد الوقوف بِعرفة . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : فأدركني يوم عرفة وأنا حائض ، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : دَعِي عُمرتك ، وانقضي رأسك وامتشطي ، وأهِلِّي بِحَجّ . رواه البخاري ومسلم .
13= تطييب النبي صلى الله عليه وسلم لِخاطر عائشة رضي الله عنها ، وتحقيق رغبتها في رجوعها بِحجّ وعُمرة .
14= فيه أن من اعتمر بعد الحج لا يكون مُتمتِّعا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : وأهِلِّي بِحَجّ .
15= " فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ " الآمِر هو النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه : تلّطف الرجل مع أهل زوجته ، ورفع الكُلفة بينهم .
16= " أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ " لأنه أدنى الْحِلّ من جهة طريق المدينة ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نَزَل بالأبطح . قالت عائشة رضي الله عنها : إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ . يَعْنِي: بِالأَبْطَحِ . رواه البخاري ومسلم .
17= " فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ " عدم اختصاص عائشة رضي الله عنها بذلك ؛ لأن العبرة بِعموم اللفظ لا بِخصوص السبب ، ولأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلو كانت العمرة لا تجوز لِمن كان في مكة من أهل الآفاق ، لَقَال النبي صلى الله عليه وسلم : ولا تجوز لِغيرك . كما قال لأبي بُردة عن العَنَاق في الأضحية : " ولن تَجْزي عن أحدٍ بعدك " رواه البخاري ومسلم .
18= عُمرة عائشة رضي الله عنها كانت بعد الحج ، ولم يُذكر لها طواف وداع ، فالصحيح أن العمرة لا يلزم لها طواف وداع ، ومن كان آخر عهده بالبيت الطواف – أيًّـا كان ذلك الطواف – أنه لا يَلزمه طواف وداع .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:20 pm | |
| الحديث الـ 257 ، 258
في فسخ الحج قبل الشروع في أعماله
ح 257 ، 258
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال : قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ : لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ . فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ . فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ الْحِلِّ ؟ قَالَ : الْحِلُّ كُلُّهُ .
فيهما مسائل :
1= في رواية للبخاري لِحديث جابر : قَال : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبَّيْنَا بِالْحَجِّ ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً ، وَنَحِلَّ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ .
2= فسخ الحج إنما يكون قبل التلبّس بشيء مِن أعماله ، وإن كان ذلك بعد التلبية . قال ابن قدامة : إدخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز . وقال : إدخال الحج على العمرة جائز بالإجماع من غير خشية الفوات ، فمع خشية الفوات أوْلَى . قال ابن المنذر : أجمع كُلّ مَن نَحفظ عنه من أهل العلم أن لمن أهَلّ بِعمرة أن يُدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت . اهـ . وهذه المسألة عكس فسخ الحج إلى عمرة . إلاّ أن الشاهد من قوله هو : أن يكون الإدخال أو الفسخ قبل الشروع في أعمال الحج أو العمرة .
3= قول ابن عباس رضي الله عنهما : " صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ " أي : صُبح اليوم الرابع ، أو :صُبح الليلة الرابعة .
4= هل في حديث ابن عباس دليل لِمَن تمسّك بأن الإقامة ثلاثة أيام ؟ الجواب : لا وذلك لضعف هذا الاستدلال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَزل يقصر حتى رجع إلى المدينة ، وما صَحّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه أتمّ في سفر ، ولو كان أتمّ بعد ثلاثة أيام أو أربعة لأمكن حَمْله عليه . والقول بأن الأربعة أيام – أو الثلاثة – حدّ بين السفر والإقامة ، فليس معه إلاّ مفهوم هذا الحديث ، وهو ضعيف مِن وُجوه ، سبق ذِكرها في شرح حديث ابن عمر في " باب قصر الصلاة في السفر " . 5= سبب اختيار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأصحابه : أنه الأفضل ، ولإبطال ما كانت تراه الجاهلية :أن العُمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور . ففي الصحيحين زيادة في أول الحديث : قال ابن عباس رضي الله عنهما : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا ، وَيَقُولُونَ : إِذَا بَرَا الدَّبَرْ ، وَعَفَا الأَثَرْ ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ ، حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ . ولذلك تساءل الصحابة رضي الله عنهم عن نوع ها الحِلّ . قال ابن عباس : فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ ؟ قَالَ : حِلٌّ كُلُّهُ . وفي رواية لمسلم : قال : الْحِلّ كُلّه . قال ابن دقيق العيد : وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ . وَفِيهِ زِيَادَةٌ : أَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْعُمْرَةِ تَحَلُّلٌ كَامِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ . اهـ .
والله أعلم .
|
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأحد أبريل 20, 2014 1:26 pm | |
|
الحديث الـ 259
في كيفية السير في الدفع من عرفة
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ – وَأَنَا جَالِسٌ – كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ حِينَ دَفَعَ ؟ قَالَ : كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ . العَنَقُ : انبساطُ السَّيرِ ، و " النَّصُّ " فوق ذلكَ .
فيه مسائل :
1= حرص السلف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، من أجل الاقتداء به في كل شأن من شؤونهم .
2= أسامة بن زيد كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم حينما دفع عليه الصلاة والسلام مِن عرفة . ففي حديث جابر في صفة حجته عليه الصلاة والسلام : وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى : أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنْ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ . رواه مسلم . قال النووي : " الْحِبَال " هُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة الْمَكْسُورَة جَمْع حَبْل ، وَهُوَ التَّلّ اللَّطِيف مِنْ الرَّمْل الضَّخْم . اهـ .
3= حين دَفَع : أي : مِن عرفـة . وقد بوّب عليه الإمام البخاري : بَابُ السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ . والدفع ليس خاصا بالخروج من عرفة ، فقد جاء في الحديث : دفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس . رواه النسائي .
4= " العَنَقُ : انبساطُ السَّيرِ ، و " النَّصُّ " فوق ذلكَ " هذا من تفسير هشام بن عروة بن الزبير . قال البخاري عقب روايته للحديث : قَالَ هِشَامٌ : وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ . ثم قال البخاري : فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ ، وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاء . اهـ . وكذلك جاء في رواية مسلم أنه من تفسير هشام أيضا . قال النووي : أَمَّا الْعَنَق فَبِفَتْحِ الْعَيْن وَالنُّون ، وَالنَّصّ بِفَتْحِ النُّون وَتَشْدِيد الصَّاد الْمُهْمَلَة هُمَا نَوْعَانِ مِنْ إِسْرَاع السَّيْر ، وَفِي الْعَنَق نَوْع مِنْ الرِّفْق . وَ " الْفَجْوَة " بِفَتْحِ الْفَاء : الْمَكَان الْمُتَّسِع . اهـ .
5= السنة أن يكون هذا السير في دفع الحجاج من عرفة إلى مزدلفة ، ومن مزدلفة إلى منى . ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ ، وَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ . رواه البخاري . وقال : أَوْضَعُوا : أَسْرَعُوا .
قال الطبري : وبهذا قال العلماء في صفة سيره عليه السلام من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى أنه كان يسير العَنَق ، وبذلك عَمِل السلف . نَقَله ابن بطّال .
6= سبب النهي عن الإسراع ، وعدم إسراعه عليه الصلاة والسلام : قال عكرمة : سأل رجل ابن عباس عن الإيجاف ؟ فقال : إنَّ حَلْ حَلْ يُشغل عن ذكر الله ، ويُوطِئ ويُؤذِي . قال المهلب : إنما نهاهم عن الإيضاع والجري إبْقَاء عليهم ، ولئلا يُجْحِفوا بأنفسهم بالتسابق من أجل بُعْدِ المسافة ، لأنها كانت تبهرهم فيفشلوا وتذهب ريحهم ، فقد نهى عن البلوغ إلى مثل هذه الحال . نقله ابن بطال .
7= شفقته صلى الله عليه وسلم بأمّته ، وحرصه عليه الصلاة والسلام على أمته ، فهو كما قال الله عزَّ وَجَلّ في وصفِه عليه الصلاة والسلام : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
8= اسْتُثْنِي من ذلك ما إذا مَرّ الحاجّ بِوادي مُحسّر . ففي حديث جابر : حتى أتى بَطن مُحسِّر ، فَحَرَّك قليلا. قال ابن المنذر : فكان في معنى قوله : " عليكم بالسكينة " إلا في بطن وادي مُحَسِّر ، فقد كان ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير يوضعون في وادي محسر ، وتَبعهم على ذلك كثير من العلماء . نقله ابن بطال .
9= السنة الرفق بالرُّفْقَة ، ومراعاة أحوال الناس في السير ، وعدم تكلّف المشقَّة . قال النووي : وَفِيهِ ، مِنْ الْفِقْه : اِسْتِحْبَاب الرِّفْق فِي السَّيْر فِي حَال الزِّحَام . قال ابن المنذر : وحديث أسامة يدلّ أن أمْره بالسكينة إنما كان في الوقت الذي لم يجد فجوة ، وأنه حين وجد فجوة سار سيرًا فوق ذلك ، وإنما أراد بالسكينة في وقت الزحام . نَقَله ابن بطّال .
والله أعلم . |
| | | | شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |