إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَسْتَعينُهُ ونَسْتَهْديهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا ومِن سَيِّئاتِ أَعْمالِنَا، من يَهْدِ الله فلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ فلا هادِىَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيل ولا شبيه ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له. وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا وحَبيبَنا وعَظيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا مُحمّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبيبُهُ مَن بَعَثَهُ اللهُ رَحمَةً لِلْعالَمينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذيرًا بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ وجاهَدَ فى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ فَجَزاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِن أَنبِيَائِه. اللَّهُمَّ صلِّ على سيّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَما صَلَّيْتَ على سَيِّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سَيِّدِنا إِبراهيمَ وبارِكْ على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى ءالِ سيِّدِنا محمّدٍ كما بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيِّدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ (٥) ﴾ سورة البينة /٥ .
ويَقولُ النَّبِيُّ الأَعْظَمُ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ “مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ الله فَالإِبِلُ قَالَ وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ الله فَالبَقَرُ والغَنَمُ قَالَ وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ“. رَواهُ مُسْلِم.
فَالزَّكاةُ إِخْوَةَ الإِيمانِ هِيَ أَحَدُ الأُمورِ الَّتي هِيَ أَعْظَمُ أُمورِ الإِسْلامِ، ومَنْعُ الزَّكاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنَ الكَبائِرِ لِحَديثِ رَسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم “لَعَنَ اللهُ ءاكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ ومانِعَ الزَّكاة” فَمَنْ مَنَعَها بَعْدَ أَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وهُوَ يَعْتَقِدُ وُجوبَها لا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ عَصى اللهَ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً لِأَنَّ الزَّكاةَ فَرْضٌ في الـمالِ وحَقٌّ للهِ تَبارَكَ وتَعالى على صاحِبِ الـمالِ الَّذي تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَها فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ وَقَعَ في ذَنْبٍ عِنْدَ اللهِ تَعالى كِبيرٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عَذابَ اللهِ الشَّديدَ في نارِ جَهَنَّمَ، نارِ جاءَ في وَصْفِها أَنَّ نارَ الدُّنيا هِيَ جُزْءٌ على سَبْعينَ مِنْها أُوقِدَ عَلَيْها أَلْفَ عامٍ حَتّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أَلْفَ عامٍ حَتى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أَلْفَ عامٍ حَتى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْداءُ مُظْلِمَةٌ.
والزَّكاةُ تَجِبُ عِبادَ اللهِ في الْمَواشِي الإِبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ أَمّا ما سِوَى ذَلِكَ مِنَ الـمَواشِي فَلا زَكاةَ فيها إِلاَّ إِنِ اتُّخِذَتْ لِلتِّجارَةِ، وتَجِبُ في التَّمْرِ والزَّبيبِ والزُّروعِ الَّتي تُتَّخَذُ قُوتًا في حالِ الاِخْتِيارِ كَالقَمْحِ والشَّعيرِ والذُّرَةِ والحِمَّصِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الزُّروعِ وتَجِبُ الزَّكاةُ في الذَّهَبِ وفي الفِضَّةِ إِنْ كانَ قَدْ مَرَّ عَلَيْهِ عامٌ في مِلْكِ الشَّخْصِ وكانَ نِصابًا وهُوَ أَوَّلُ قَدْرٍ تَجِبُ فيهِ الزَّكاةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِخْراجُ الزَّكاةِ فيهِ وأَوَّلُ النِّصابِ نَحْوُ خَمْسَةٍ وثَمانينَ غرامًا مِنَ الذَّهَبِ الصّافى ونَحْوُ سِتِّمِائَةِ غرامٍ مِنَ الفِضَّةِ الصّافِيَةِ ومِقْدارُ الزَّكاةِ فيها رُبعُ العُشُرِ.
وإِنْ كانَ عِنْدَهُ عُمْلَةٌ وَرَقِيَّةٌ بَلَغَتْ قيمَتُها سِتَّمِائَةِ غرامٍ مِنَ الفِضَّةِ ومَضى عَلَيْها عامٌ بِعَيْنِها فى مِلْكِهِ أَخْرَجَ كَذَلِكَ زَكاتَها رُبعَ عُشُرِ قيمَتِها.
وكَذَلِكَ تَجِبُ الزَّكاةُ في أَمْوالِ التِّجارَةِ فَإِذا ابْتَدَأَ إِنْسانٌ تِجارَةً فَمَرَّ عَلَيْهِ عامٌ يُقَوِّمُ قيمَةَ البِضاعَةِ الَّتي عِنْدَهُ عِنْدَما يَنْتَهي العامُ والْمالُ الَّذي أَتاهُ مِنْ هَذِهِ التِّجارَةِ وهُوَ كانَ ما زالَ يُريدُ اسْتِعْمالَهُ فيها يَنْظُرُ ما قيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُمَّ يُخْرِجُ رُبعَ العُشُرِ زَكاةً عَنْها.
كَذَلِكَ الزَّكاةُ تَجِبُ في البَدَنِ وذَلِكَ فى زَكاةِ الفِطْرِ وهِىَ تَجِبُ بِإِدْراكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضانَ وجُزْءٍ مِنْ شَوّالٍ على كُلِّ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ وعلى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إِذا كانُوا مُسْلِمينَ إِذا فَضلَتْ عَنْ دَيْنِهِ وكِسْوَتِهِ ومَسْكَنِهِ وقُوتِهِ وقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ يَوْمَ العيدِ ولَيْلَتَهُ الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْه.
فَهَذِهِ الأَشْياءُ تجِبُ فيها الزَّكاةُ مَنْ أَخَّرَها عَنْ وَقْتِها الَّذي تجِبُ فيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ ذَنْبٌ مِنْ كَبائِرِ الذُّنوبِ، ولَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكونَ وَقْتُ الوُجوبِ لِدَفْعِ الزَّكاةِ رَمَضانَ إِنَّما كُلُّ مالٍ بِحَسبِهِ فَالذَّهَبُ تجِبُ إِخْراجُ زَكاتِهِ بَعْدَ عامٍ مِنْ بُلوغِهِ النِّصابَ كَما ذَكَرْنا والتَّمْرُ والزَّبيبُ تجِبُ زَكاتُهُ بِبُدُوِّ الصَّلاحِ ولا يُشْتَرَطُ مُضِىُّ عامٍ أَمّا ما أَشاعَهُ بَعْضُ النّاسِ لِيَأْخُذوا مِنْ جُيوبِ الخَلْقِ في شَهْرِ رَمَضانَ ما لا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ أَنَّ الزَّكاةَ تجِبُ في البِناءِ الْمَمْلوكِ الَّذي يُؤَجِرُهُ الإِنْسانُ وهُوَ لا يُريدُ الْمُتاجَرَةَ فيهِ أَوِ السَّيّارَةِ الَّتي يُؤَجِرُها أَوِ الْمَحَلِّ أَوِ الْمُسْتَوْدَعِ الَّذي يُؤْجِرُهُ إِيجارًا فَهُوَ افْتِراءٌ عَلى شَرْعِ اللهِ تَبارَكَ وتعالى إِنَّما يُقالُ لِصاحِبِهِ يُقالُ لِمالِكِهِ شَهْرُ رَمضانَ شَهْرُ خَيْرٍ وبِرٍّ فَتَطَوَّعْ بِالإِنْفاقِ للهِ تَعالى ولا يُقالُ لَهُ يَجِبُ عَلَيْكَ الزَّكاةُ فيهِ ولا عِبْرَةَ بِما يُفْتِي بِهِ بَعْضُ مَنْ تَخَصَّصَ فى جَمْعِ الزَّكَواتِ ولا فِقْهَ عِنْدَهُمْ إِنَّما هَمُّهُمُ اسْتِجْلابُ الأَمْوالِ مِنَ النّاسِ إِذْ يَزْعُمونَ أَنَّ في هَذِهِ الأَمْوالِ زَكاةٌ أَوْ يَزْعُمونَ أَنَّ ءالاتِ الْمَصْنَعِ فيها زَكاةٌ أَوْ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذي يَمْلِكُهُ الإِنْسانُ فيهِ زَكاةٌ فَهَذا كُلُّهُ غَيْرُ صَحيحٍ إِنَّما الزَّكاةُ في البِضاعَةِ الَّتي هِيَ لِلتِّجارَةِ لا فى البِناءِ الْمَمْلوكِ مِمَّا لا يُرادُ بِهِ التِّجارَةُ فَإِنَّهُ لا زَكاةَ فيهِ ومَنْ أَخْرَجَ الْمالَ عَنْهُ بِنِيَّةِ الزَّكاةِ الواجِبَةِ فَقَدْ أَوْجَبَ ما لَمْ يُوجِبْهُ اللهُ وأَتى بِعِبادَةٍ فاسِدَةٍ وأَخْرَجَ الْمالَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ إِنَّما الصَّحيحُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالإِنْفاقِ في سَبيلِ اللهِ تَعالى لا على مَعْنى الزَّكاةِ الواجِبَةِ.
وَٱعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِيمانِ أَنَّ الزَّكاةَ الواجِبَةَ لَها مَصارِفُ مَخْصوصَةٌ لا يَجُوزُ وَضْعُها فى غَيْرِها لِأَنَّ الزَّكاةَ لا يَجوزُ أَنْ تُدْفَعَ لِغَيْرِ الأَصْنافِ الثَّمانِيَةِ الَّذينَ ذَكَرَهُمُ القُرْءانُ الكَريمُ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ والغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَٱبنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦١) ﴾ سورَةُ التَّوْبَة / ٦١.
فَعَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكاةُ أَنْ يَتَعَلَّمَ هَذِهِ الأَصْنافَ قَبْلَ أَنْ يُقْدِمَ عَلى تَوْزيعِ مالِ زَكاتِهِ حَتّى لا يَدْفَعَها لِمَنْ لا يَجُوزُ دَفْعُها إِلَيْهِ ثُمَّ يَأْتي يَوْمَ القِيامَةِ وهِىَ ما زالَتْ فى ذِمَّتِهِ لَكِنْ أُنَبِّهُكُمْ إِلى أَنَّ قَوْلَ اللهِ تعالى وفى سَبِيلِ اللهِ لَيْسَ مَعْناهُ كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ إِنَّما مَعْناهُ الْمُجاهِدُ الْمُتَطَوِّعُ كَما بَيَّنَهُ رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فى حَديثِ الإِمامِ مالِكٍ وسُنَنِ أَبى داوُدَ وغَيْرِهِما فَمَنْ دَفَعَ زَكاةَ مالِهِ لِبِناءِ سُورِ مَقْبَرَةٍ أَوْ بِناءِ مَسْجِدٍ أو جِسْرٍ أو مَدْرَسَةٍ ولَوْ كانَتْ لِتَعْليمِ الدِّينِ أو لِطِباعَةِ كِتابٍ أو نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ وَضَعَ الزَّكاةَ فى غَيْرِ مَوْضِعِها ولَمْ تُجْزِىء عَنْهُ فَٱتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ فى ما مَلَّكَكُمْ وَٱعْلَمُوا أَنَّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ مَسْئُولونَ فَٱسْتَعِدُّوا لِذَلِكَ اليَوْمِ العَظيمِ.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم.