كاتب الموضوع | رسالة |
---|
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 4:43 pm | |
| الحدبث 131
في رفع الصوت بالذِّكْرِ بعد الصَّلاةِ 128 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ , حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ . وَفِي لَفْظٍ : مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاّ بِالتَّكْبِيرِ.
في الحديث مسائل :
1= بابُ الذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلاةِ لما فرغ المصنف رحمه الله من صفة الصلاة والدعاء فيها ، وصفة صلاة الوتر ذَكَر الذِّكر عقب الصلاة ، لا لأن الذكر عقب النافلة ، ولكن لنُزول رتبته في الأهمية عن رتبة الوتر .
2= حُكم رفع الصوت بالذِّكْر بعد الصلاة المكتوبة : نَقَلَ ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم مُتَّفِقُون على عدم استحباب رفع الصوت بالذِّكْر والتكبير ، وحَمَل الشافعي رحمه الله تعالى هذا الحديث على أنه جَهَرَ وَقْتا يسيرًا حتى يعلمهم صِفَة الذِّكر لا أنهم جَهروا دائما . قال : فأخْتَار للإمام والمأموم أن يَذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويُخفِيان ذلك إلاَّ أن يكون إمَامًا يُريد أن يُتَعَلَّم منه فيجهر حتى يَعلم أنه قد تُعلِّم منه ثم يُسِرّ ، وحَمَلَ الحديث على هذا . نقله النووي
3 = كَرَاهة رَفع الصَّوت بالذِّكْر ، خاصة إذا كان فيه تشويش على المصلِّين . قال القرطبي : وروي عن قيس بن عباد أنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يَكْرَهون رَفْع الصوت عند الذِّكْر . وممن رُوي عنه كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد والحسن وابن سيرين والنخعي وغيرهم ، وكَرِهه مالك بن أنس وأحمد بن حنبل ، كلهم كَرِهَ رَفع الصوت بالقرآن والتطريب فيه . اهـ . وذلك لِمَا في رَفْع الصَّوت بالذِّكْر والقرآن مِن التَّشويش على مَن يُصلِّي وعلى مَن يذكُر الله ، ولذا لَمَّا سَمِع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يَرْفَعُون أصْواتَهم بالقراءة قال : ألا إنَّ كُلّكم يُنَاجِي رَبَّـه ، فلا يؤذي بعضكم بعضا ، ولا يَرفعن بعضكم على بعض في القراءة . رواه عبد الرزاق ومِن طريقه النسائي في الكبرى .
4 = قوله : " كُنْتُ أعْلَم إذا انصرفوا " : قال القاضي عياض : الظاهر أنه لم يكن يَحْضُر الجماعة ، لأنه كان صغيرا ممن لا يُواظب على ذلك ، ولا يُلْزَم به ، فكان يَعرف انقضاء الصلاة بما ذَكَر . وقال غيره : يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم ، وإنما كان يعرفه بالتكبير . وقال النووي : قوله : " كنت أعلم إذا انصرفوا " ظاهره أنه لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لِصِغَرِه . اهـ . أقول : وليس في هذا دليل على تَرْك الصغير للصَّلاة ، إذ قد يُؤمَر بالصَّلاة ولا يُؤمَر بِحضُور الْجَمَاعة ، وبينهما فَرْق .
5= كيف يُعرف انقضاء الصلاة بالتكبير والصلاة إنما تنقضي بالتسليم ؟ قال ابن دقيق العيد : فَلَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لَعَلِمَ انْقِضَاءَ الصَّلاةِ بِسَمَاعِ التَّسْلِيمِ . وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُسْمِعٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ يُبَلِّغُ التَّسْلِيمَ بِجَهَارَةِ صَوْتِهِ . وقال ابن حجر : المراد أن رفع الصوت بالذِّكْر ، أي بالتكبير ، وكأنهم كانوا يبدءون بالتكبير بعد الصلاة قبل التسبيح والتحميد . وحَمَله بعض العلماء على التكبير في أيام التشريق ، لأنه يكون أدبار الصلوات في تلك الأيام .
6 = وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَوْقِفِ . قاله ابن دقيق العيد . أي في الوُقُوف في الصَّفّ . وبهذا يقول الفقهاء .
وفي هذه مسألة تقدّم الصبيان في الصف قال ابن عبد البر : وقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أبصر صَبِيًّا في الصف أخرجه . وعن زِرّ بِن حُبيش وأبي وائل مثل ذلك . قال : وهذا يحتمل أن يكون ذلك الصبي من لا يؤمن لعبة وعبثه ، أو يكون كثرة التقدم له في الصف مع الشيوخ ... وقد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى كراهة ذلك . قال الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يَكْره أن يقوم مع الناس في المسجد إلاَّ مَن قد احتلم أو أنْبَت أو بلغ خمس عشرة سنة، فَذَكَرْتُ له حديث أنس واليتيم ، فقال : ذلك في التطوع . اهـ .
وقال الجد بن تيمية في " بلغة الساغب " : وموقف الصبيان خَلْف الرِّجَال .
7= قال تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ) دلّ هذا على أن رَفْع الصَّوت بالذِّكر ممنوع . قاله القرطبي .
8= قوله : " حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ " فيه دليل على أن الأذكار بعد الانتهاء من الفريضة ، وليس بعد النافلة .
9= فيه دليل على أن الدعاء عقب الصلوات لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ، ولا من فِعل أصحابه . وأن هديه صلى الله عليه وسلم الذِّكْر في أدبار الصلوات المكتوبة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لم يكن بعد الصلوات يَجتمِع هُو وهُم على دُعاء ورَفع أيدٍ ونحو ذلك ، إذ لو فَعَل ذلك لَنَقَلُوه . وقال أيضا : دعاء الإمام والمأمومين جَميعًا فهذا لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله في أعقاب المكتوبات ، كما كان يفعل الأذكار المأثورة عنه ، إذ لو فَعَلَ ذلك لنقله عنه أصحابه ثم التابعون ثم العلماء ، كما نَقَلُوا ما هو دون ذلك . اهـ .
وَمن تَرَك هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع وعمِد إلى الدعاء ، فقد ترك السنة إلى البِدعة !
والله تعالى أعلم . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 4:45 pm | |
| الحديث 132
في الذِّكْر بعد الصلاة عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِنْ كِتَابٍ إلَى مُعَاوِيَةَ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ : لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ . اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ , وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ . ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ . وَفِي لَفْظٍ : كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ , وَإِضَاعَةِ الْمَالِ , وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ , وَوَأْدِ الْبَنَاتِ , وَمَنْعٍ وَهَاتِ .
في الحديث مسائل :
1= مكاتبة الأمراء والْحُكّام فيما يتعلّق بأمور الدِّين ، ومناصحتهم في ذلك وفي غيره .
2= العمل بالكِتاب إذا عُرِف الْخَطّ ، واعتماده .
3= قال ابن دقيق العيد : وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ . وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادٍ لا تُحْصَى . اهـ . أي أنَّ أدلة أحاديث الآحاد والعمل بها كثيرة جداً ، ولم يَرِد التفريق بين أحاديث الآحاد وغيرها لا في العقائد ولا في الأحكام إلاَّ عندما ظهرت البِدع ، وحُكِّمت العقول – بِزعمهم – .
4= اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ عَقِيبَ الصَّلاةِ ، وَذَلِكَ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي التَّوْحِيدِ ، وَنِسْبَةِ الأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْمَنْعِ وَالإِعْطَاءِ ، وَتَمَامِ الْقُدْرَةِ . قاله ابن دقيق العيد .
5= وقال : الثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الأَذْكَارِ : يَرِدُ كَثِيرًا مَعَ خِفَّةِ الأَذْكَارِ عَلَى اللِّسَانِ وَقِلَّتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولاتِهَا .
6= قوله : " فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ " للعلماء تفصيل فيما يتعلّق بـ " دُبر الصلاة " ؛ فإن كان دعاء فهو قبل السلام ، وإن كان ذِكْرًا وثَنَاء فهو بعد السلام . وسيأتي في الحديث الذي يليه . وعلى هذا يُحمَل قوله صلى الله عليه وسلم وقد سُئل : أي الدعاء أسمع ؟ قال : شطر الليل الآخر ، وأدبار المكتوبات . قال ابن عباس : أَمَرَه أن يُسبِّح في أدبار الصلوات كلها ، يعني قوله : ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) . رواه البخاري . قال ابن عبد البر : ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) يُريد أدبار الصلوات . وكذلك ما جاء عن أهل العلم في الدعاء أدبار الصلوات فإنه يُطلَق على ما قبل السَّلام منها ، لا أنه بعد التسليم من الصلاة ، فإن هذا بِدعة كما سبق النص عليه .
7= قوله : " كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ " هذا اللفظ لا يقتضي حَصْر الذِّكْر الوارِد بعد الصلاة بهذا الذِّكْر ، وسيأتي في الأحاديث مَا يَقُوله الْمُصَلِّي بعد السَّلام مِن الصَّلاة .
8= قوله : " له الْمُلْك " هو الْمُلْك المطلَق في الدنيا والآخرة ، ولذلك فُرِض علينا أن نقرأ : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفي الحديث القدسي : وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال : مَجَّدَني عَبدي ، وقال مرّة : فَوَّض إليَّ عبدي . رواه مسلم . والله يُنادي يوم القيامة (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ! إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ، ثم يقول : أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذه ثم قرأ : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) . وفي رواية لهما : ثم يَهُزّهن فيقول : أنا الملك ، أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعجّبا مما قال الحبر ، وتصديقا له ، ثم قرأ : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يَقْبِض الله الأرض ، ويَطوي السماء بِيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين مُلوك الأرض ؟ رواه البخاري ومسلم . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الْجَبَّارُون ؟ أين الْمُتَكَبِّرُون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ رواه مسلم . وإنما خصّ الله نفسه بِملك يوم الدِّين لأنه يَنتفي آنذاك كل مُلْك .
9= قوله : " وله الحمد " هذا يقتضي الحصر ، لأن تقديم ما حقّه التأخير يَقتضي الحصر . فالحمد المطلَق لله تبارك وتعالى ، ولذلك حمِد الله نفسه بِنفسه فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
10= قوله : " وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ " أي أنه قادر مُقتَدر على كل شيء ، سواء كان أم لم يَكن . وهنا تنبيه على قول بعض الناس : إنه على ما يشاء قادِر . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : تقييد القدرة بالمشيئة يُوهِم اختصاصها بما يَشاؤه الله تعالى فقط ، لا سيما وأن ذلك التقييد يُؤتَى به في الغالب سابقاً حيث يقال : "على ما يشاء قدير" ، وتقديم المعمول يُفيد الحصر ، كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة ، وشواهده من الكتاب والسنة واللغة ، وإذا خُصَّت قدرة الله تعالى بما يشاؤه كان ذلك نقصاً في مدلولها وقصراً لها عن عمومها ، فتكون قدرة الله تعالى ناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه ، وهو خلاف الواقع ، فإن قدرة الله تعالى عامة فيما يشاؤه وما لم يشأه ، لكن ما شَاءه فلا بُدّ مِن وُقوعه ، وما لم يشأه فلا يمكن وقوعه . اهـ . وقال رحمه الله : إذا قُيِّدَتْ المشيئة بشيء مُعيّن صحّ ، كقوله تعالى : (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) ، أي : إذا يشاء جمعهم فهو قادِر عليه . اهـ .
11= الـجَـدّ : ضُبِطتْ بالفَتح وبالكسر ، فـ : الـجَـدّ – بالفَتح – هو الحظّ والغِنى . والـجِدّ – بالكسر – هو من الاجتهاد . والمعنى أنه لا يَنفع الغَنِيّ غِنَاه ، ولا الْمُجْتَهد اجتهاده إذا لم يكن له توفيق من الله . وقد تضمّن هذا الذِّكْر تفويض الأمر إلى الله .
12= قوله : " ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ " : القائل هو وَرَّاد مَولى المغيرة . والأمر من باب الحث لا من باب الْحَـتْم والإلْزَام . أو أنه من باب ألأمر بالسُّـنَّـة والنهي عن ضدِّها .
13= ما أورده المصنف رحمه الله بعد هذا الحديث من قوله : "وفي لفظ ... " لم يتبيّن لي وجه إيراد المصنِّف له في هذا الباب ، خاصة وأنه لا تعلّق له بأحاديث الباب من حيث الذِّكر بعد الصلاة . نعم له علاقة من حيث أنه مما أملاه المغيرة رضي الله عنه ، وليس له علاقة بالأذكار .
14= من الأذكار الواردة بعد السلام من الصلاة : الاستغفار ثلاثا . وقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام . فَعَنْ ثَوْبَانَ قَال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا وَقَال : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ . قَالَ الْوَلِيدُ : فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ : كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ قَالَ : تَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ . رواه مسلم .
وعند مسلم من طريق أبي الزبير قال : كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يُسَلِّم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كَرِه الكافرون . وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهلل بهن دُبر كل صلاة .
ومن الأذكار بعد السلام من الصلاة : قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين . ففي الحديث : من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلاَّ أن يموت . رواه النسائي في الكبرى ، وصححه الألباني .
وعَن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقرأ بالمعوذات دُبر كل صلاة . رواه أبو داود .
قول : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير " عشر مرات بعد صلاة المغرب و عشر مرات بعد صلاة الفجر . فَعند الترمذي عن عمارة بن شبيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات على إثر المغرب بَعث الله مَسْلَحَة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح ، وكَتب الله له بها عشر حسنات موجبات ، ومَحَا عنه عشر سيئات موبقات ، وكانت له بِعَدْل عشر رقاب مؤمنات . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد ، ولا نعرف لعمارة سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ . وقال الشيخ الألباني : حسن .
وروى الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : من قال قبل أن ينصرف ويثني رِجله من صلاة المغرب والصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات ، كُتِب له بِكُلّ واحدة عشر حسنات ، ومُحِيَتْ عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكانت حرزا من كل مكروه ، وحرزا من الشيطان الرجيم ، ولم يَحل لذنب يدركه إلاّ الشرك ، فكان من أفضل الناس عملا ، إلاَّ رَجُلاً يَفْضله ، يقول : أفضل مما قال . قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لإرساله ولضعف شهر بن حوشب . اهـ .
والله تعالى أعلم .
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 4:49 pm | |
| الحديث 133
في التسبيح بعد الصَّلاة عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ . قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي , وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ , وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ , وَتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ , إلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى , يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ : ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً . قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ , فَقَالُوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا , فَفَعَلُوا مِثْلَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . قال سُمَيّ : فَحَدَّثْتُ بَعْضَ أَهْلِي هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : وَهِمْتَ ! إِنَّمَا قَالَ : تُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ ، وَتَحْمَدُ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ ، وَتُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ . فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي صَالِحٍ ، فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ .
في الحديث مسائل :
1= حرص الصحابة رضي الله عنهم على فِعْل الخير ، وتنافسهم في ذلك . والْحُزْن على فَوات مَوَاسِم الخيرات ، وعلى فَوات الطَّاعات . قال ابن رجب : فَكَان الفقراء يَحزَنُونَ على فواتِ الصَّدقة بالأموال التي يَقدِرُ عليها الأغنياء ، ويَحْزَنُون على التخلُّف عن الخروجِ في الجهاد ؛ لِعَدَم القُدْرَة على آلَتِه . اهـ .
2= الـتَّنَافُس في أمور الآخرة ، هو التنافس المحمود ، بِخلاف التنافس على الدنيا ، فإنه سبب الهلاك ، وفي الحديث : " أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم ، فَتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها ، وتهلككم كما أهلكتهم " . رواه البخاري ومسلم .
3= أَهْلُ الدُّثُورِ . في رواية للبخاري : أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الأَمْوَالِ . أَهْلُ الدُّثُورِ " جمع دَثَـر ، بفتح الدال ، وهو : المال الكثير " . قاله النووي وابن رجب .
4= إن قِيل : إن الْمُتَمَنِّي للْخَير يُكْتَب له مثل أجر فاعله إذا صَدَق في تَمنِّيه ، فَلِم سأل الصحابة ذلك السؤال ، وطَلَبُوا ذلك الطلب ؟ فـ " َيَظْهَر أَنَّ الْجَوَاب وَقَعَ قَبْل أَنْ يَعْلَم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُتَمَنِّي الشَّيْء يَكُون شَرِيكًا لِفَاعِلِهِ فِي الأَجْر " قاله ابن حجر .
5= في رواية في الصحيحين : " ذَهَب أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَات العُلا " .
6= الـنَّظر في أمور الدِّين إلى من هو أعلى ، والنَّظر في أمور الدنيا إلى من هو أقَلّ . لأنَّ النّظر في أمور الدِّين إلى من هو أعلى يَحْمِل صاحبه على عُلو الهمّة والتنافس في الخيرات . والنظر إلى من هو أقَلّ في أمور الدنيا يَحْمِل الإنسان على شُكْر الـنِّعْمَة ، ولذا جاء في الحديث :
7= فَضْل الذِّكْر . ففي الحديث : أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
قال ابن دقيق العيد : وَقَوْلُهُ : " لا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ " يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ هَذِهِ الأَذْكَارِ عَلَى فَضِيلَةِ الْمَالِ ، وَعَلَى أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ لِلأَغْنِيَاءِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ لا يَفْعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْفُقَرَاءُ . اهـ .
8= قوله : " أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ " استعمال أسلوب السؤال ليكون أدْعَى لتهيؤ النفوس لمعرفة الجواب .
9= مُنافسة الأغنياء للفقراء ، وعدم ترك شيء مِن العمل الصَّالح اعتِمادا على ما عند الإنسان من نفقة ونفع الناس ، بل يُنافس في جميع الخيرات ؛ لأن الراغب في الدار الآخرة لا يَتْرُك شيئا مِن الأعْمَال ؛ لأنه لا يَدري ما هو العمل الذي يُدخِله الجنة .
10= اخْتُلِف في عدد التسبيحات . وسبب الاخْتِلاف ما جاء في الحديث : " تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ : ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً " فمن فَهِم أنه يَكون مَجْمُوع التسبيحات ثلاثا وثلاثين ، جَعَل مِن كل واحدة إحدى عشرة ! ففي رواية للبخاري : تسبحون في دُبُر كل صلاة عشرا ، وتحمدون عشرا ، وتكبرون عشرا . قال : فَاخْتَلَفْنَا بيننا ، فقال بعضنا : نُسَبّح ثلاثا وثلاثين ، ونحمد ثلاثا وثلاثين ، ونكبر أربعا وثلاثين . فَرَجَعْتُ إليه ، فقال : تَقُول : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين . وفي رواية لمسلم : وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ سُهَيْلٌ : إِحْدَى عَشْرَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ ؛ فَجَمِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ ثَلاثَةٌ وَثَلاثُونَ .
ومَن فَهِم مِن كل واحدة ثلاثا وثلاثين ، احتاج إلى زيادة واحدة لتَكْتَمِل بها المائة .
وفي حَدِيث أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ . رواه مسلم . ويُنْظِر شرحه في " جامع العلوم والْحِكَم " لابن رجب .
والرَّاجِح في هذا الحديث أن يَقُول : سبحان الله ثلاثا وثلاثين ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين ، والله أكبر أربعا وثلاثين ، ويُؤيِّده ما رَوَاه كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مُعَقِّبَاتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ : ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً . رواه مسلم . وفي حَدِيث أبي الدرداء : ألا أخبرك بشيء إذا أنت فَعَلْتَه أدْرَكْت مَن كان قبلك ولم يَلحقك من كان بعدك إلا من قال مثل ما قُلتَ ؟ تُسَبِّح الله في دُبُر كُل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وتَحْمَده ثلاثا وثلاثين ، وتُكَبِّر أربعا وثلاثين تكبيرة . رواه النسائي في الكبرى . ورَوى أبو يَعلى حديث أبي هريرة هذا بلفظ : تُسَبِّحُون الله في دُبُر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وتَحْمَدُونه ثلاثا وثلاثين ، وتُكَبِّرُونَه أربعا وثلاثين . وهكذا رواه النسائي في عمل اليوم والليلة .
11= صِفَة الـتَّسْبِيح بعد الصلاة : جاء عِدّة صِفَات للـتَّسْبِيح بعد الصلاة ، منها : الأولى : سبحان الله 33 ، والحمد لله 33 ، والله أكبر 33 ، وتمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . ففي حديث أبي هريرة : من سبح الله في دُبُر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وحمد الله ثلاثا وثلاثين ، وكَـبَّر الله ثلاثا وثلاثين ؛ فتلك تسعة وتسعون ، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . غُفِرَتْ خَطَاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر . رواه مسلم . الثانية : سبحان الله 25 ، والحمد لله 25 ، والله أكبر 25 ، و لا إله إلا الله 25 فتلك مائة . كَمَا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه ، وهو في المسند وعند الترمذي والنسائي وغيرهم ، وصححه الألباني الثالثة : سبحان الله 10 ، والحمد لله 10 ، والله أكبر 10 ودَلّ عليها حَدِيث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ، يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا ، وَيَحْمَدُ عَشْرًا ، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا .. الحديث . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
الرابعة : سبحان الله 33 ، والحمد لله 33 ، والله أكبر 34 فتلك مائة . كما تقدم في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه .
12= مِن قوله : " فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ " إلى آخِر الحديث رواه مسلم دون البخاري .
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 4:55 pm | |
| الحديث 134
في اجْتِنَاب ما يشغل الْمُصلِّي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ ، فَنَظَرَ إلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ , وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاتِي . الخميصة : كساء مربع له أعلام . والأَنْبِجانِيَّة : كساء غليظ .
في الحديث مسائل :
1= جواز لبس الْمُخطط للرِّجَال إذا لم يكن مِن لِباس النِّسَاء ، ولم يَكن لِباس شُهْرَة ، ولا لِباس تَبَذُّل . فإنَّ مِن الناس من يأتي للصلاة بِلِباس عَمَلِه ، أو بِلِباس نَوْمِه ، وهذا خَلاف ما أمَر الله به مِن الـتَّجَمُّل للصلاة . روى البيهقي من طريق أيوب عن نافع قال : تَخَلَّفْتُ يوما في عَلَف الرِّكَاب ، فدخل على ابن عمر وأنا أصلى في ثوب واحد ، فقال لي : ألَم تُكْس ثوبين ؟ قلت : بلى . قال : أرأيت لو بَعَثْتُك إلى بعض أهل المدينة أكنت تذهب في ثوب واحد ؟ قلت : لا . قال : فالله أحق أن يُتَجَمَّل له أم الناس ؟ وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار مِن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كَسَا نَافِعًا ثَوْبَين ، فقام يُصَلى في ثَوب وَاحد ، فَعَاب عليه ، وقال : احْذَر ذلك ، فإنَّ الله أحق أن يُتَجَمَّل له .
2= الـنَّهْي عن كُل ما يشغل المصلي في صلاته ، سواء كان في لِبَاسِه ، أو فِيما يُصَلّي عليه ، أو في قِبْلَتِه . وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ ، وَقَالَ : أَكِنَّ النَّاسَ مِنْ الْمَطَرِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ . رواه البخاري تعليقا . قال سفيان الثوري : يُكْرَه الـنَّقْش والـتَّزْوِيق في المساجد ، وكل ما تُزَيّن به المساجد .
3= إذا كانت الخطوط التي في اللِّبَاس شَغَلتْ النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بِغيرها ؟ وكيف بِغيره عليه الصلاة والسلام ؟ قال النووي : قوله صلى الله عليه وسلم : " شَغَلَتْنِي أعْلام هذه " ، وفي الرواية الأُخْرَى : " ألْهَتْنِي " ، وفي رواية للبخاري : " فأخَاف أن تَفْتِنِّي " معنى هذه الألْفَاظ مُتَقَارِب ، وهو اشتغال القلب بها عن كَمَال الْحُضُور في الصلاة ، وتَدَبّر أذْكَارِها وتِلاوَتِها ومَقَاصِدها من الانقياد والخضوع ؛ فَفِيه الْحَثّ على حُضُور القَلْب في الصلاة وتَدَبُّر مَا ذَكَرناه ، ومَنْع الـنَّظَر مِن الامْتِدَاد إلى مَا يَشْغَل ، وإزَالة مَا يُخَاف اشْتِغَال القَلْب به . اهـ .
4= صِحّة الصلاة إذا أُدِّيَتْ على الوجه الْمَطْلُوب شَرْعا ، وانّ الخشوع ليس بِرُكْن في الصلاة . قال النووي : وفيه : أنَّ الصلاة تَصِح ، وإن حَصَل فيها فِكْر في شَاغِل ونحوه مِمَّا ليس مُتْعَلِّقًا بِالصلاة ، وهذا بإجماع الفقهاء . اهـ . قال القرطبي : اختلف الناس في الخشوع ؛ هل هو من فرائض الصلاة ، أوْ مِن فضائلها ومُكَمِّلاتها ؟ على قولين ، والصحيح الأول . اهـ . قال الشوكاني : وقيل : الثاني .
5= أين ينظُر الْمُصلِّي ؟ السنة أن ينظر المصلي لموضع سجوده حال القيام وإلى أصبعه حال التشهد . و " يُسْتَحَب له النظر إلى مَوضع سجوده ولا يتجاوزه . قال بعضهم : يُكْرَه تغميض عينيه " . قال النووي : وعندي لا يُكْرَه إلاَّ أن يَخَاف ضَررا . اهـ . قال شريك القاضي : يَنْظُر في القيام إلى مَوْضِع السجود ، وفي الركوع إلى مَوْضِع قَدَميه ، وفي السجود إلى مَوْضع أنْفِه ، وفي القعود إلى حِجْره . نقله القرطبي في التفسير .
6= أبو جَهْم هذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. رواه مسلم . فَمَع محبته صلى الله عليه وسلم لأبي جَهْم – حتى يأمر أن يُؤتَى بِأَنْبِجَانِيَّتِه – إلاَّ أن ذلك لَم يمنعه مِن قول الْحَق ، وذِكْر مَا فِيه ، فالْمُسْتَشَار مُؤتَمَن .
7= جَوَاز الفِعْل والأخْذ مع عدم الاستئذان ، إذا كان الآخِذ يَعْلَم بإذن صاحبه . قال النووي : وأمَّا بَعْثُ صلى الله عليه وسلم بِالْخَمِيصَة إلى أبي جهم وطلب أنْبِجَانِيِّه ، فهو من باب الإدلال عليه ، لِعِلْمِه بأنه يُؤثِر هذا ويَفْرَ به . اهـ .
والله تعالى أعلم |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 4:59 pm | |
| الحديث 135
في الجمع بين الصلاتين في السفر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ , وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ .
في الحديث مسائل :
1= أطْلَق الْجَمْع في هذا الحديث ، وجاء تعيينه في أحاديث أخرى . منها : حديث أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تَزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، وإذا زاغت قبل أن يَرْتَحِل صَلَّى الظهر ثم ركب . رواه البخاري ومسلم . وحديث مُعَاذ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ ؛ إِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي . قال الترمذي : وبهذا الحديث يقول الشافعي ، وأحمد وإسحاق يقولان : لا بأس أن يَجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما . وهذا الحديث رواه مسلم بلفظ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاةَ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا . ففي رواية مسلم إجْمَال بَيَّنَتْه رواية أحمد وأبي داود والترمذي .
2= التَّوْسِيع في مسائل الْجَمْع ؛ لأن المقصود منها أصلا التيسير على المسافر ، ويفعل المسافر الأرفق به تقديما أو تأخيرا . إلاَّ أنه لا يجوز له تأخير الصلاة بغير نِيَّـة . فإذا أراد جَمْع التأخير فلا بُدّ أن ينوي ذلك بِقَلْبِه قبل خروج وقت الأولى .
3= حَدّ السَّفَر . قال ابن تيمية : فالفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا . وقال : وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه . فقيل : كان ذلك لأجل الـنُّسك ، فلا يَقصر المسافر سفرا قصيرا هناك ، وقيل : بل كان ذلك لأجل السفر ، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد ، والقول الثاني هو الصواب ، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ، ولهذا لم يكونوا يَقْصُرُون بِمَكَّة وكَانُوا مُحْرِمِين ، والقصر مُعلَّق بِالسَّفر وُجُودًا وعَدَمًا ، فلا يُصلى ركعتين إلاَّ مُسَافِر ، وكل مسافر يصلى ركعتين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : صلاة المسافر ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة النحر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير نقص - أي غير قصر - على لسان نَبِيِّكُم . وفى الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فُرِضَت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم زِيد في صلاة الْحَضَر وأُقِرّت صَلاة السَّفَر . وقد تنازع العلماء : هل يختص بسفر دون سفر ؟ أم يجوز في كل سفر ؟ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا ، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى ، وبين مكة وعرفة نحو بريد أربع فراسخ ، وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم ، ولم يَحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني . ولا يمكن أن يُحدّ ذلك بِحَـدٍّ صحيح ، فإن الأرض لا تُذْرَع بِذَرْع مَضْبُوط في عامة الأسفار ، وحركة المسافر تختلف ، والواجب أن يُطلق ما أطلقه صاحب الشرع ، ويُقيَّد ما قيّده ، فيَقْصُر المسافر الصلاة في كل سفر ، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين ، ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل ، وخَصّ بعض الأحكام بهذا ، وبعضها بهذا ، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل ، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها . اهـ .
4= لا يختصّ الْجَمْع بما إذا كان الإنسان على ظَهْر سير ، بل الْحُكْم مُتعلِّق بالسَّفَر . وفي حديث معاذ رضي الله عنه – الْمُتَقَدِّم – : كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ .. قال ابن قدامة : وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال : لا يَجْمَع بين الصلاتين إلاَّ إذا جَدَّ به السير ، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه . اهـ . وقال ابن تيمية : ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب . اهـ .
وذكر ابن عبد البر حديث ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عَجِل به السير يجمع بين المغرب والعشاء . ثم قال : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يَجِـدّ به السير بدليل حديث معاذ بن جبل ؛ لأن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر . وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجدّ به السير فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ . اهـ .
قال العراقي : وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْجَـدِّ فِي السَّفَرِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ . اهـ . وقال الشوكاني : في الحديث دليل على جواز جمع التأخير في السفر سواء كان السير مُجِـدّاً أم لا . اهـ .
5= لا يُشترط للجمع نِيّـة الْجَمْع عند افتتاح الأولى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نِـيَّـة ؟ فالجمهور لا يشترطون النية كمالك وأبى حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، وهو مقتضى نصوصه ، والثاني تشترط كَقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقى وغيره ، والأول أظهر ، ومَن عَمِل بأحَد القَولين لم يُنْكَر عليه . اهـ . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا ولم يُنقل عنه أنه أمر أصحابه أو أرشدهم إلى ذلك .
6= الجمع في وقت الأولى يجعل الوقت بعدهما للثانية ، فَمَن جَمَع الظهر والعصر في وقت الظهر ، فإن ما بعد صلاة العصر يكون وقت نَهْي ، ومَن جَمَع المغرب والعشاء في وقت المغرب فله أن يُصلي الوتر بعد فراغه مِن الْجَمْع . قال ابن قدامة : النهي عن الصلاة بعد العصر مُتَعَلِّق بِفِعْل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أبيح له الـتَّنَفُّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له الـتَّنَفُّل ، وإن لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند مَن يَمْنَع الصلاة بعد العصر . اهـ .
وبَقِيّة مسائل الْجَمْع في السفر ، ومتى يترخّص المسافر بِرُخص السَّفَر ، ومتى يقصر الصلاة .. وما يتعلّق بِجَمْع المقيم سبق البحث فيه هنا : http://saaid.net/Doat/assuhaim/b/4.htm
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 5:03 pm | |
| الحديث 136
في قصر الصلاة واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ , وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ .
في الحديث مسائل :
1= مشروعية القصر في السَّفَر ، وعدم وُجُوب الجمعة ولا الجماعة على المسافر . بل الأصل في السَّفر هو القَصْر . وذَكَر ابن قُدامة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَافِرُ فَلا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يُصَلِّ جُمُعَةً ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ ، فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ . وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ : كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَبِسِجِسْتَانَ السِّنِينَ . لا يُجَمِّعُونَ وَلا يُشَرِّقُونَ . وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : أَقَمْتُ مَعَهُ سَنَتَيْنِ بِكَابُلَ ، يَقْصُرُ الصَّلاةَ ، وَلا يُجَمِّعُ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ . [ وذَكَر أن معنى لا يُشرِّقُون : أي لا يُصلُّون عِيدًا ؛ لأنه يُصلّى بعد الإشراق ] . قال : وَأَقَامَ أَنَسٌ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ، فَكَانَ لا يُجَمِّعُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مَعَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِيهِ ، فَلا يُسَوَّغُ مُخَالَفَتُهُ . وقال ابن قدامة : وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ .
وشأن الْجُمُعة أعْظَم مِن شأن الْجَماعة .
2= سبب قول ابن عمر : في رواية لمسلم من طريق حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى ، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا ، فَقَالَ : مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ ؟ قُلْتُ : يُسَبِّحُونَ . قَالَ : لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي . يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) . وفي رواية لِمسلم : قَالَ حَفْصٌ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَأْتِي فِرَاشَهُ ، فَقُلْتُ : أَيْ عَمِّ لَوْ صَلَّيْتَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَوْ فَعَلْتُ لأَتْمَمْتُ الصَّلاةَ .
3= قوله : وعثمان . ومعروف أن عثمان رضي الله عنه أتَمّ الصلاة بِمكّة . هذا مَحْمُول على أحد أمرين : إما أنه دَخل مِن باب التّغْلِيب ؛ لأن عثمان أمضى شَطْرًا مِن خِلافته على ذلك . وإمّا أنه قصد ما صَحِبَه فيه دُون ما لَم يصحبه فيه . والقول الأول أرْجَح إذ جاء في رواية لِمُسْلِم : صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى صَلاةَ الْمُسَافِرِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ثَمَانِيَ سِنِينَ ، أَوْ قَالَ : سِتَّ سِنِينَ .
4= السنة في حقّ المسافر القَصْر إذا صَلى مُنْفَرِدًا أو صَلى إمَامًا ، أما إذا صَلّى خَلْف مُقيم فيجب عليه أن يُتِمّ ، لِعموم قوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّمَا الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ . رواه البخاري ومسلم .
5= هل يُزيد المسافر على ركعتين ؟ أي : هل له أن يُتِمّ إذا صلّى إماما أو مُنفَرِدًا ؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ أَضْعَفُ مِنْ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ . فَإِنَّ الْجَمْعَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي السَّفَرِ أَحْيَانًا ، وَأَمَّا الإِتْمَامُ فِيهِ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ قَطُّ ، وَكِلاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الأَئِمَّةِ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ الإِتْمَامِ : وَفِي " جَوَازِ الْجَمْعِ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ وَجَوَازِ الإِفْرَادِ . اهـ . ومقصوده بـ " الإفراد " أي : أن تُصلّى كل صلاة لوحدها من غير جَمْع .
وقال ابن تيمية أيضا : وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الأَرْبَعِ فِي السَّفَرِ عَلَى أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ صَلاةِ الصُّبْحِ أَرْبَعًا ، وَهَذَا مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ . وذَكَر أن القول الثاني هو القول بِجواز الوجهين ( القصر والإتمام ) . ورجّح " أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ ، أَفْضَلُ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ " يعني بذلك تفضيل القصر على الإتمام لإمام أو منفرد .
6= فَهِم ابن عمر من القصر إرادة التخفيف ، فلذلك كان لا يُتِمّ ولا يُصلي السنن الرواتب عدا رتبة الفجر ، وهي السنة للمسافر . بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه تخفيف القراءة في صلاة الفجر في السفر . ففي الصحيحين من حديث البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون . وبوّب عليه أبو داود : " باب قصر قراءة الصلاة في السفر " .
وروى عبد الرزاق في " باب ما يقرأ في الصبح في السفر " من طريق المعرور بن سويد قال : كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر فقرأ (ألم تر كيف فعل ربك) و (لئيلاف قريش) . ورواه سعيد بن منصور في سننه من طريق المعرور بن سويد قال : خرجنا معه [ يعني مع عُمر ] في حجة حَجَّها ، فقرأ بنا في الفجر بـ ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) و ( لإِيلافِ قُرَيْشٍ ) في الثانية .
وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ ، فَقَالَ لِي : يَا عُقْبَةُ ! أَلا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا ؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . قَالَ : فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا ، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلاةِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ ؟ رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط .
7= لو عَزَم المسافر على السَّفر ، ثم رَكِب مِن بَلَدِه فَـنُودِي للصَّلاة وأُذِّن لها وهو في البَلَد ، ثم فَارَق العُمْرَان ، فكيف يُصلي ؟ جُمهور أهل العِلْم على أنه يُصلي صلاة مسافر ، سواء كان يَرى عامِر البلد أوْ لا يَراه ، إذا كان قد فارَق العُمران . لأن العِبْرَة بالأداء ، وهو يُؤدِّيها أداء مُسافِر . فعن أنس رضي الله عنه قال : صَلَّيت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أرْبعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين . رواه البخاري ومسلم . وروى عبد الرزاق من طريق علي بن ربيعة الأسدي قال : خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة ، فصلى ركعتين ، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القَرية ، فقلنا له : ألا تُصَلي أربعا ؟ قال : حتى ندخلها . ورَوى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يَقْصر الصلاة حين يخرج من بُيوت المدينة ، ويَقْصر إذا رَجع حتى يَدخل بيوتها . قال الإمام مالك : لا يَقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ، ولا يُتِمّ حتى يدخلها أو يُقَارِبها . قال ابن عبد البر رحمه الله : وهو مذهب جماعة العلماء إلاَّ من شـذّ . وقال : فإذا تأهّب المسافر وخرج من حَضَرِه عازما على سَفَرِه فهو مُسافر ، ومن كان مُسَافِرًا فَلَه أن يُفطر ويقصر الصلاة إن شاء .
8= حُجّة من قال بأن نهاية السفر أربعة أيام ؛ هي أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قدِم مكة حاجا أقام فيها ثلاثة أيام يقصر ، ثم خرج في اليوم الرابع إلى منى . والاستدلال بفعله هذا عليه الصلاة والسلام مُتعقّب من عِدّة وُجوه :
الوجه الأول : أن هذا حكاية فِعْل ، ولا يُمكن الاستدلال بها على انقطاع أحكام السفر .
الوجه الثاني : أن الاستدلال بفعله هذا بناء على ظَنّ ! والظنّ لا يُغني من الحق شيئا ! وذلك أنهم قالوا : لو أقام بمكة أكثر من أربعة أيام أتَمّ ! وهذا مُتعقّب بـ :
الوجه الثالث : أن القول بأنه عليه الصلاة والسلام لو أقام بمكة أكثر من أربعة أيام قصر أوْلَى من القول بِضِدِّه ، وهو أنه لو أقام بمكة أكثر أربعة أيام أتمّ ، وذلك لأنه لا يصِحّ أنه عليه الصلاة والسلام أتَمّ في سفره ، ولو كان عليه الصلاة والسلام يُتِمّ في سفره لكان الحَمْل على ذلك له وَجْه . فتعيَّن أنه لو أقام بمكة أكثر من أربعة أيام لَقَصَر ؛ لأنه متوافق مع سائر أسفاره ، فقد سافر عليه الصلاة والسلام وأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوما . ففي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري .
وقال أنس رضي الله عنه : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، فكان يُصلي ركعتين ركعتين ، حتى رجعنا إلى المدينة . قال يحيى بن أبي إسحاق : قلت : أقمتم بمكة شيئا ؟ قال : أقمنا بها عشرا . رواه البخاري ومسلم .
وروى الإمام مالك عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلّى بهم ركعتين ، ثم يقول : يا أهل مكة أتموا صلاتكم ، فإنا قوم سَفْر . ومن طريقه رواه البيهقي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإن رسول الله كان يسافر أسفاراً كثيرة ، قد اعتمر ثلاث عُمر سوى عمرة حجته ، وحجّ حجة الوداع ومعه ألوف مُؤلّفة ، وغَزا أكثر من عشرين غَزاة ، ولم يَنقل عنه أحدٌ قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيدا ، بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره ، ويوم الجمعة يُصلي ركعتين كسائر الأيام . اهـ .
الوجه الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبيِّن لأصحابه إذا أقاموا أكثر من أربعة أيام أن يُتِمُّوا ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
الوجه الخامس : أن الإقامة مُمتنِعة في حقِّه صلى الله عليه وسلم بمكة وفي حق المهاجرين . قال ابن عبد البر : ليس مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذ دخلها لحجته بإقامة ؛ لأنها ليست له بدار إقامة ولا بِمَلاذ ، ولا لِمُهَاجِريّ أن يتخذها دار إقامة ولا وطن ، وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم التروية كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفر منصرفا إلى أهله ، فهو مقام مَن لا نِـيَّـة له في الإقامة ، ومن كان هذا فلا خلاف أنه في حُكم المسافر يقصر ، فلم يَنوِ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إقامة . اهـ .
الوجه السادس : أن أقوال العلماء قد تباينت في تحديد مُدّة الإقامة ؛ فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فإذا زدنا أتممنا . ورُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إذا أقام عشرة أيام أتم . ذَكَره ابن عبد البر . وتقدّم قول أنس رضي الله عنه : أقمنا بها عشرا . رواه البخاري ومسلم .
و ذَكَر ابن عبد البر في تحديد مدّة الإقامة أحد عشر قولا .
الوجه السابع : أنهم اعتبروا خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى منى انقطاعا لإقامته عليه الصلاة والسلام – لو صحّ اعتبارها إقامة – ومعلوم أنهم لا يقولون بِأن ما بين مكة ومِنى يُعتبر سفرا ، فإن مِنى في حُكم مكة ، وهي تابعة لها ، ولذلك اعتبر أنس رضي الله عنه إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته عشرة أيام ، وهي مدة إقامته في حجة الوداع ، ففي رواية لِمُسْلِم من طريق يحيى بن أبي إسحاق قال : سمعت أنس بن مالك يقول: خرجنا من المدينة إلى الحج - ثم ذكر مثله - . ويعني بِمثلِه : قلت : كم أقام بمكة ؟ قال : عشرا . فهذا يُبيّن أن أنسا رضي الله عنه اعتبر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في حجته كلها بِمكة ؛ لأن منى تابعة لِمكة .
والأقوال في المسألة يجمعها ثلاثة أقوال : القول الأول : أن القصر ثلاث أيام أو أربعة ، فمن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام أتَمّ . القول الثاني : يُقابل هذا القول ، وهو أن من سافر فإن له أن يقصر مهما طل سفره ! والقول الثالث : هو التوسّط بين الفريقين : أن له أن يقصر ما دام مُسافرا ، ما لم ينوِ الإقامة .
والله تعالى أعلم |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 6:17 pm | |
|
باب صلاة الجمعة 1= لَمَّا فَرَغ المصنِّف رحمه الله مِمَّا يتعلّق بِالصلوات الخمس ، وما يلتحق بها ، وما يتعلّق بها مِن أحكام ، عَقَد هذا الباب ، وهو في صلاة مخصوصة لا تتكرر في الأسبوع إلاَّ مرة واحدة .
2= الجمعة عِيد الأسبوع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إن هذا يومُ عيدٍ ، جعله الله للمسلمين ، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل ، وإن كان طيبٌ فليَمَسَّ منه ، وعليكم بالسواك . رواه ابن ماجه بإسنادٍ حسن . ولذا يحرمُ إفراده بالصّوم . فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تخُصُّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلاَّ أن يكون في صوم يصومه أحدكم . رواه مسلم
ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إن من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قُبِض وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ . قالوا: وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ ؟ فقال : إن الله عز وجل حَرّمَ على الأرض أن تأكلَ أجسادَ الأنبياء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
3= شُرِع الاجتماع في يوم الجمعة على صلاة الجمعة ، بالإضافة إلى ما تتضمنه خطبة الجمعة من تذكير الناس ، وتعليمهم أمور دِينهم ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الْجُمَع والأعياد بالسُّوَر التي فيها تذكير بالمعاد ، ليكون المسلم مُتيقِّظاً مُستعدّاً لما أمامه .
4= الجمعة ضُبِطَتْ بـ : الفتح : الْجُمَعَة ، كَهُمَزة . والضم : الْجُمُعَة . وبالسكون : الْجُمْعَة . ذكرها الإمام النووي في المجموع . وقال : والمشهور الضم ، وبِه قُرئ في السَّبْع . اهـ .
5= وسُمِّيت الجمعة جُمعة لاجْتِماع الناس فيها .
6= على مَن تَجِب الجمعة ؟ تجب على كل رجل مسلم بالغ عاقل صحيح حُرّ مُقيم مستوطن ببلد خالٍ مِن الأعذار . فلا تجب على المرأة ، وإن حضرتها أجزأتها عن صلاة الظهر . ولا تجب على الكافر ؛ لأنه يُخاطَب بالإسلام ابتداء ، ثم يُؤمَر بشرائع الإسلام . وتجب على البالغ فلا يُخاطَب بها الصبي ، وإن كان يُؤمَر بها ويُعوّد عليها . وتجب على العاقل ، فلا تجب على مجنون ، لِعموم حديث : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيقَ .. الحديث . رواه الإمام أحمد أبو داود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه ، ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه مِن حديث عائشة رضي الله عنها . وتَجِب الجمعة على الصحيح ، فلا تجب على المريض الذي يشقّ عليه حضور الجمعة . ونَقَل النووي ضابِط المرض الذي يُعذر معه بِترك الجمعة ، فقال : المرض المسقط للجمعة هو الذي يَلحق صاحبه بِقَصد الجمعة مَشَقَّة ظاهرة غير محتملة . اهـ . وتجب على الْحُرّ ، فلا تجب على العبد ، إلاَّ بإذن سَيِّده . قال النووي : لا تجب علي العبد ولا المكاتب ، وسواء المدبر وغيره . هذا مذهبنا ، وبه قال جمهور العلماء . قال ابن المنذر : أكثر العلماء على أن العبد والمدبر والمكاتب لا جمعة عليهم . اهـ . وتجب الجمعة على المقيم ، فلا تجب على المسافر ، فإن حَضَر المسافر الجمعة أجزأته عن الظهر . قال النووي : لا تجب الجمعة على المسافر ... وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء . اهـ . وتجب الجمعة على المستوطن ببلد تُقام فيه الجمعة ، فلا تَجب على أهل البوادي ومَن في حُكمهم مِن الذين تُدرِكهم الجمعة وهم في البَرّ ، ولو أقاموها لم تَصِحّ منهم . وأما الخلو مِن الأعذار ، فهناك أعذار يسقط معها وُجوب حضور الجمعة ، ومن تلك الأعذار : الخوف على النفس أو على الأهل ، فله أن يتخلّف عن الجمعة ، ويُصليها ظُهرا . وكذلك مَن كُلِّف بِحراسة ونحوها مما تتعلّق به مصالح المسلمين ، إلا أن عليه أن لا يستمرئ هذا الأمر كل جمعة . ومِن الأعذار : المطر ، فقد قال ابن عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ : إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَلا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ . فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ ، فَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا ؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ . رواه البخاري ومسلم .
7= صلاة الجمعة فَرْض مُسْتَقِلّ ، في وقته – وسيأتي التفصيل فيه – وأن الصحيح في وقت الجمعة أنه ليس وقت صلاة الظهر . وهو فَرْض مُسْتَقِلّ في هيئته ، فهي صلاة جهرية في وسط النهار ، ويُقَدَّم لها بخطبتين . ولا تُقام صلاة الجمعة في البوادي والأسفار . ولا تجب على امرأة ولا صبي ولا عبد . إلى غير ذلك مما يستقلّ به ذلك الفَرْض عن غيره مِن الصلوات . ولذلك كان مِن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تُجْمَع مع غيرها ؛ لأنها صلاة مُستقِلّة ، وجماهير أهل العلم على القول بِعدم جواز جَمْع العصر إلى الجمعة . وأفتى غير واحد من علماؤنا بإعادة صلاة العصر التي جُمِعت إلى صلاة الجمعة .
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 6:20 pm | |
| الحديث 137
في اتِّخَاذ المنبر لِخُطْبة الجمعة عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عليه فَكَبَّرَ ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ , وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى , حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ , ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ , فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي , وَلِتَعلَّمُوا صَلاتِي . وَفِي لَفْظٍ : صَلَّى عَلَيْهَا ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا , ثم نَزَلَ الْقَهْقَرَى .
في الحديث مسائل :
1= في الحديث قصة يُحدِّث بها أبو حازم فيقول : أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ ، فَقَالَ : أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ ، وَمَنْ عَمِلَهُ ، وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ . قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، فَحَدِّثْنَا . قَالَ : أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ - قَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِنَّهُ لَيُسَمِّهَا يَوْمَئِذٍ - انْظُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا ، فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلاثَ دَرَجَاتٍ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ ، فَهِيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي ، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي . رواه البخاري ومسلم .
وبوّب عليه البخاري : باب الخطبة على المنبر وقال أنس رضي الله عنه خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر .
2= في هذه الرواية " فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلاثَ دَرَجَاتٍ " ، وفيه : أن السنة في المنبر أن يكون كذلك . قال النووي : هذا مما ينكره أهل العربية ، والمعروف عندهم أن يقول : ثلاث الدرجات ، أو : الدرجات الثلاث ؛ وهذا الحديث دليل لكونه لغة قليلة . اهـ .
3= قوله : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عليه " أي : قام على المنبر . وفي الرواية التي أشار إليها المصنف : " صَلَّى عَلَيْهَا " أنّثها لأن الضمير يعود على الأعواد ، أو على الدرجات ، كما قال ابن حجر .
4= في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ؟ فَإِنَّ لِي غُلامًا نَجَّارًا . قَالَ : إِنْ شِئْتِ . قَالَ : فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا ، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ . قَالَ : بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ . رواه البخاري . وهذا من مُعجزاته صلى الله عليه وسلم أن يَحِنّ الجذع له عليه الصلاة والسلام ، ثم يُسكته عليه الصلاة والسلام كما يُسكَت الصبي ! وظاهر هذا الحديث مُخالف لحديث سهل هذا . قال النووي : والجمع بينهما أن المرأة عرضت هذا أولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم يطلب تنجيز ذلك . اهـ .
وعند أحمد من حديث بن عمر رضي الله عنهما قال : كان جِذع نَخلة في المسجد يُسْنِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة أو حَدَث أمْـرٌ يُريد أن يُكَلِّم الناس ، فقالوا : ألا نجعل لك يا رسول الله شيئا كَقَدْر قِيامك ؟ قال : لا عليكم أن تفعلوا ، فصنعوا له منبرا ثلاث مَرَاقي . قال : فجلس عليه قال : فَخَارَ الْجِذْع كَما تَخُور البقرة ، جَزَعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالْتَزَمه ومَسَحَه حتى سَكَن .
5= مشروعية اتِّخاذ المنبر . قال النووي : استحباب اتخاذ المنبر ، واستحباب كون الخطيب ونحوه على مُرتفع ، كَمِنْبَر أو غيره .
6= المنبر مأخوذ من الـنَّـبْر . قال أهل اللغة : المنبر مُشتق مِن الـنَّـبْر ، وهو الارتفاع . حكاه النووي .
7= قوله : " فَكَبَّرَ " أي : افتتح الصلاة ، وكان ذلك من أجل تعليمهم ، كما بيّن سبب صعوده على المنبر في بعض صلاته .
8= " ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى " يعني : مِن الركوع ، وإن لم يرِد ذِكر من قبل إلاّ أنه مفهوم ، وهو مطويّ في الرواية . قال النووي : والقهقري هو المشي إلى خلف ، وإنما رجع القهقري لئلا يستدبر القبلة .
9= " حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ " يعني : عِند أسفل المنبر .
10= " ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ " السنة لِمن يُحدِّث الناس أن يُقبِل عليهم بِوجهه .
11= " فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ " يُشرع لِمن يُعلِّم الناس أن يبدأ بِما يشدّ انتباههم إليه . في رواية البخاري : أيها الناس . وفي رواية مسلم : يا أيها الناس .
12= " إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي " تعليل لسبب صعوده صلى الله عليه وسلم على المنبر في بعض صلاته ، وأنه من أجل أن يأتَمّوا به ، وكذلك بالنسبة للأئمة من بعده ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به . رواه البخاري ومسلم .
13= " وَلِتَعلَّمُوا صَلاتِي " أصلها : ولِتَتَتعلَّمُوا ، فحُذفت إحدى التائين تخفيفا .
14= جواز العمل اليسير في الصلاة . وأن الحركة القليلة لا تُبطِل الصلاة . وأن الخطوة والخطوتين لا تُبطِل الصلاة . ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : نِمْت عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فَصَلّى ، قال : فَقُمْت عن يَساره ، فأخذني فجعلني عن يمينه .
وعند البخاري من طريق الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نقاتل الحرورية ، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ، وإذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة تُنازعه وجعل يتبعها . قال شعبة : هو أبو برزة الأسلمي . فجعل رجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ! فلما انصرف الشيخ قال : إني سمعت قولكم ، وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات أوثمان ، وشهدت تيسيره ، وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي .
قال النووي في فوائد حديث الباب : جواز الفعل اليسير في الصلاة ، فإن الخطوتين لا تبطل بهما الصلاة ، ولكن الأولى تركه إلا لحاجة ، فإن كان لحاجة فلا كراهة فيه ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن الفعل الكثير كالخطوات وغيرها إذا تَفَرَّقَتْ لا تُبطل ؛ لأن النّزُول عن المنبر والصعود تكرر ، وجملته كثيرة ، ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل . 15= جواز كون الإمام أرفع مكانا من المأمومين للحاجة ، ويُكره لغير حاجة . قال النووي : جواز صلاة الإمام على موضع أعلى من موضع المأمومين ، ولكنه يكره ارتفاع الإمام على المأموم وارتفاع المأموم على الإمام لغير حاجة ، فإن كان لحاجة بأن أراد تعليمهم أفعال الصلاة لم يُكره ، بل يستحب لهذا الحديث ، وكذا إن أراد المأموم إعلام المأمومين بصلاة الإمام واحتاج إلى الارتفاع . اهـ . مثل أن يكون الجمع كبير ، ويرتفع أحد المأمومين لِيُبلِّغ عن الإمام . أما الارتفاع من غير حاجة فقد أنكره الصحابة رضي الله عنهم . روى أبو داود من طريق همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دُكّان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه ، فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنهم كانوا يَنْهَون عن ذلك ؟ قال : بلى ، قد ذكرتُ حين مددتني . رواه أبو داود وصححه جمع من العلماء .
قال الشنقيطي رحمه الله : وأما مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة - فهو التفصيل بين علو الإمام على المأموم ؛ فيُكره على المشهور من مذهب أحمد ، وبين عُلوّ المأموم الإمام فيجوز . قال ابن قدامة في المغني : المشهور في المذهب أنه يُكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يُرِد ، وهو قول مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي ، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يُكره . اهـ . وقال : عُلوّ الإمام مكروه لِمَا تقدم ، ويجمع بينه وبين قصة الصلاة على المنبر بجوازه للتعليم دون غيره . اهـ .
16= في هذا الحديث مسؤولية الإمام في تعليم الناس .
17= مشروعية تعليم الناس بالقول والفِعْل ، وان هذا لا يُؤنف منه ، ولا يُعاب فاعله .
18= جواز الصلاة في غير وقت الصلاة مِن أجل التعليم ، وأن هذا لا يُنافي الإخلاص ؛ لأن أصل العمل لله ، سواء ما كان من الصلاة ، أو ما كان من التعليم .
19= زَلَل من اسْتَدَلّ بهذا الحديث على جواز التمثيل ! فأين التعليم من التمثيل ؟ والتمثيل – وإن كان في مجال الدعوة إلى الله – مرفوض ؛ لأن أصل التمثيل بضاعة غربية ! ولأن الْحُكم للغالب ، فغالب التمثيل – وإن قام به الصالحون – هو على سبيل إضحاك الناس !
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 6:22 pm | |
| الحديث 138
في القراءة في فجر الجمعة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : (الم (1) تَنْزِيلُ ) السَّجْدَةَ وَ : (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ ) .
فيه مسائل :
1= سورة السجدة (30) آية ، وسورة الإنسان (31) آية ، وعامة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ما بين السِّتِّين إلى المائة . ففي حديث أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ . رواه البخاري ومسلم . فَعَلى هذا تكون قراءته صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة من أقصر ما يقرأ ، بينما إذا قرأ بها الأئمة في زماننا هذا رأى بعض الناس أنه قد أطال !
2= سبب قراءة مثل هذه السُّوَر في ليلة الجمعة ، ومثلها قراءة سبِّح والغاشية ، أو الجمعة و" لمنافقون " في صلاة الجمعة - الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة ، لأَنَّ خَلْق آدَم كَانَ يوم الجمعة ، ولأن يَوْم الْقِيَامَة سَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة ، أي : أن بداية يوم القيامة والنفخ في الصور يكون يوم جُمعة .
قال ابن القيم : وَسَمِعْت شَيْخَ الإِسْلامِ ابْنَ تَيْمِيّة َ يَقُولُ : إنّمَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السّورَتَيْنِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ لأَنّهُمَا تَضَمّنَتَا مَا كَانَ وَيَكُونُ فِي يَوْمِهَا ، فَإِنّهُمَا اشْتَمَلَتَا عَلَى خَلْقِ آدَمَ ، وَعَلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ ، وَحَشْرِ الْعِبَادِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَكَانَ فِي قِرَاءَتِهِمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ تَذْكِيرٌ لِلأُمّةِ بِمَا كَانَ فِيهِ وَيَكُونُ ، وَالسّجْدَةُ جَاءَتْ تَبَعًا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً حَتّى يَقْصِدَ الْمُصَلّي قِرَاءَتَهَا حَيْثُ اتّفَقَتْ . اهـ .
3= لا عِبرة بكراهة من كَرِه قراءة سورة السجدة ليلة الجمعة ، وذلك لأنهم عللوا ذلك بخشية التخليط على الْمُصَلِّين ، وهذا مُنتَفٍ في الصلاة الجهرية ، ولذلك فرّق العلماء بين قراءة آية فيها سجدة في الصلاة الجهرية وفي الصلاة السرية ، فقالوا : قراءة السجدة في السرية والسجود حينئذ لا يُؤمَن معه التخليط . ثم إن السنة قاضية على هذه الكراهة ؛ لأن قراءة سورة السجدة فجر الجمعة جاءت به السنة الصحيحة .
4= يُشرع للإمام أن لا يُداوم على قراءة هاتين السورتين لئلا يظُنّ الجاهل أنه لا يُجزئ غيرهما . قال ابن القيم : كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنْ الأَئِمّةِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى قِرَاءَةِ هَذِهِ السّورَةِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ دَفْعًا لِتَوَهّمِ الْجَاهِلِينَ . اهـ .
5= اخْتُلِف في قراءة سورة فيها سجدة في فجر يوم الجمعة إن لم يقرأ سورة السجدة . قال ابن حجر : قِيلَ الْحِكْمَة فِي اِخْتِصَاص يَوْم الْجُمُعَة بِقِرَاءَةِ سُورَة السَّجْدَة قَصْد السُّجُود الزَّائِد حَتَّى أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ هَذِهِ السُّورَة بِعَيْنِهَا أَنْ يَقْرَأ سُورَة غَيْرهَا فِيهَا سَجْدَة ، وَقَدْ عَابَ ذَلِكَ عَلَى فَاعِله غَيْرُ وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء ، وَنَسَبَهُمْ صَاحِب الْهَدْي إِلَى قِلَّة الْعِلْم وَنَقْص الْمَعْرِفَة ، لَكِنْ عِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ قَوِيّ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : يُسْتَحَبّ أَنْ يَقْرَأ فِي الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَة . وَعِنْده مِنْ طَرِيقه أَيْضًا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَرَأَ سُورَة مَرْيَم . وَمِنْ طَرِيق اِبْن عَوْن قَالَ : كَانُوا يَقْرَءُونَ فِي الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَة . وَعِنْده مِنْ طَرِيقه أَيْضًا قَالَ : وَسَأَلْت مُحَمَّدًا - يَعْنِي اِبْن سِيرِينَ - عَنْهُ فَقَالَ لا أَعْلَم بِهِ بَأْسًا . اهـ . فَهَذَا قَدْ ثَبَتَ عَنْ بَعْض عُلَمَاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة فَلا يَنْبَغِي الْقَطْع بِتَزْيِيفِهِ . وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَات الرَّوْضَة هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَقَالَ : لَمْ أَرَ فِيهَا كَلامًا لأَصْحَابِنَا ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيَاس مَذْهَبنَا أَنَّهُ يُكْرَه فِي الصَّلاة إِذَا قَصَدَهُ . اهـ . وَقَدْ أَفْتَى اِبْن عَبْد السَّلام قَبْله بِالْمَنْعِ وَبِبُطْلانِ الصَّلاة بِقَصْدِ ذَلِكَ ، قَالَ صَاحِب الْمُهِمَّات : مُقْتَضَى كَلام الْقَاضِي حُسَيْن الْجَوَاز . وَقَالَ الْفَارِقِيّ فِي فَوَائِد الْمُهَذَّب : لا تُسْتَحَبّ قِرَاءَة سَجْدَة غَيْر تَنْزِيل ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْت عَنْ قِرَاءَتهَا قَرَأَ بِمَا أَمْكَنَ مِنْهَا وَلَوْ بِآيَةِ السَّجْدَة مِنْهَا ، وَوَافَقَهُ اِبْن أَبِي عَصْرُون فِي كِتَاب الانْتِصَار وَفِيهِ نَظَرٌ . اهـ .
ولو كان المقصود بِقِرَاءَةِ سُورَة السَّجْدَة قَصْد السُّجُود الزَّائِد ، لَكان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير هذه السورة ، أو لَكان نوّع بين السور التي فيها سجود ، ولَكان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون مثل ذلك ؛ فَعُلِم بذلك أن السجود غير مقصود . ولذلك قال ابن القيم : ويظن كثير ممن لا عِلْم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ، ويسمونها سجدة الجمعة ! وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة اسْتَحَبّ قراءة سورة أخرى فيها سجدة . اهـ .
6 = كَرِه بعض أهل العلم أن يقرأ سورة السجدة في الركعتين ، وتمام الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم قراءتها كاملة في الركعة الأولى ، وقراءة سورة " الإنسان " في الركعة الثانية .
7 = ويُستحبّ أن يَقرأ الإمام بهاتين السورتين ولا يُداوم على تركهما ، وسمعت شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول : هاتان السورتان طويلتان ، ربما لا يتيسر لكل إمام أن يحفظهما عن ظهر قلب ، فلا بأس أن يقرأ بالمصحف .
وقال أيضا : القراءة من المصحف عند خوف النسيان لا بأس به ، فيجوز للإنسان أن يقرأ في المصحف عند خوف نسيان آيةٍ أو غلطٍ فيها ، ولا حرج عليه .
والله أعلم . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 6:25 pm | |
| الحديث 139
في حكم الاغتسال للجمعة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ .
فيه مسائل :
1= الخطاب في الحديث لِمن تجب عليه الجمعة ؛ لأنه هو الذي يأتيها ، ومن كان في حُكمه ممن يحضر إلى الجمعة .
2= قوله : " فَلْيَغْتَسِلْ " اللفظ دالّ على الوجوب ، وصرفه عن الوجوب أحاديث منها : قوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا . رواه مسلم . وقوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . قال النووي : حديث حسن في السنن مشهور ، وفيه دليل على أنه ليس بواجب . والحديث حسنه الألباني والأرنؤوط .
3= حُكم الْغُسل يوم الجمعة فيه تفصيل : يجب الغُسل على كل من وُجِدت به رائحة كريهة يتأذّى بها الناس ؛ لأن الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنو آدم ، كما في صحيح مسلم . ويُحمل عليه قوله عليه الصلاة والسلام : غسل يوم الجمعة على كل مُحْتَلِم . رواه البخاري ومسلم . وحديث الباب . وقوله عليه الصلاة والسلام : حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده . رواه البخاري ومسلم . ولذا لَمَّا سأل يحيى بن سعيد عَمْرَةَ عن الغسل يوم الجمعة فقالت : قالت عائشة رضي الله عنها : كان الناس مَهَنة أنفسهم ، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية عن عائشة أنها قالت : كان الناس يَنْتَابُون الجمعة مِن منازلهم مِن العَوالي ، فيأتون في العِباء ، ويُصيبهم الغُبار ، فتخرج منهم الريح ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تَطهرتم ليومكم هذا . وبَالغ القرطبي في ردّ القول بالوجوب فقال : وأغربت طائفة فقالت : إن غسل الجمعة فَرض . قال ابن العربي : وهذا باطل ، لِمَا رَوى النسائي وأبو داود في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل . اهـ .
وأما من لم تكن به رائحة كريهة يتأذّى بها الناس ، فالغُسل في حقه سُـنّة إذا كان ممن يشهد الجمعة . قال الخطابي : ولم تختلف الأمة أن صلاة من لم يغتسل للجمعة جائزة . وقال ابن عبد البر : وقد ذكرنا حديث أبي سعيد وحديث سمرة بن جندب كلاهما عن النبي عليه السلام بأسانيدهما وذكرنا من روى من الصحابة مثل حديثهما بإسناده أيضا في التمهيد والحمد لله فَـبَان بذلك أن الغسل لصلاة الجمعة سُنة وفَضيلة لا فريضة . وأبو سعيد هذا الذي روى عن النبي - عليه السلام - غُسْل الجمعة واجب على كل محتلم " ، قد روى " ومن اغتسل فالغسل أفضل " . وهذا كله يدل على أن أمره بالاغتسال للجمعة نَدْب وفَضل وسُنة لا واجب فرضًا . اهـ . وقال النووي : وَذَهَبَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف وَفُقَهَاء الأَمْصَار إِلَى أَنَّهُ سُنَّة مُسْتَحَبَّة لَيْسَ بِوَاجِب . اهـ . وأجاب النووي عن قوله عليه الصلاة والسلام : " الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ" بقوله : أَيْ: مُتَأَكِّد فِي حَقّه كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : حَقُّك وَاجِبٌ عَلَيَّ أَيْ مُتَأَكِّد ، لا أَنَّ الْمُرَاد الْوَاجِب الْمُحَتَّم الْمُعَاقَب عَلَيْهِ . اهـ .
ولا يُسَنّ الغُسل في حق من لا يشهد الجمعة ممن لا تَجِب عليه ، إلاّ أنه داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام : حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده . رواه البخاري ومسلم .
4= إذا اجتمع غُسْلان ، واجب ومسنون ، دَخَل المسنون تحت الواجب . قال ابن قدامة : إذَا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ ، كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ ، أَوْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالإِنْزَالِ ، وَنَوَاهُمَا بِطَهَارَتِهِ ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا . قَالَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ . وقال النووي : فان كان جُنُبًا فَنَوى بالغسل الجنابة والجمعة أجزأه عنهما .
5= هل الغُسُل من أجل الصلاة أو هو لليوم نفسه ؟ الغُسل من أجل الصلاة وحضور اجتماع الناس ، لقوله عليه الصلاة والسلام : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ ... الحديث . رواه البخاري ومسلم . قال ابن حجر : صَرِيح فِي تَأْخِير الرَّوَاح عَنْ الْغُسْل . اهـ . ووقته من طلوع الفجر إلى حين الذهاب إلى صلاة الجمعة . قال ابن رجب : قوله : " من اغتسل يوم الجمعة ، ثم راح " يَدُلّ على أن الغُسْل الْمُسْتَحَبّ للجمعة أوّله طلوع الفجر ، وآخره الرواح إلى الجمعة ، فإن اغتسل قبل دخول يوم الجمعة لم يأت بِسُنَّة الغُسْل ، كما لو اغتسل بعد صلاة الجمعة . وممن قال : لا يصيب السنة بالغسل للجمعة قبل طلوع الفجر : مالكٌ، والشافعي، وأحمد ، وأكثر العلماء . اهـ .
6= والغُسل بِخلاف سورة الكهف ، فالغُسل يكون قبل الصلاة ، وقراءة سورة الكهف أثناء اليوم |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 9:09 pm | |
| شرح أحاديث عمدة الأحكام شرح الحديث الـ 184
كتاب الصيام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه .
لفظه عند البخاري : لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم .
فيه مسائل :
1 = الصيام لغة : الإمساك وفي الشرع : إمساك مخصوص من شخص مخصوص عن شيء مخصوص في زمن مخصوص بقصد التعبد لله .
2 = فُرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة . وهو الركن الرابع ، وعند بعض العلمـاء هو الخامس ، كما هو صنيع الإمام البخاري فإنه روى حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – بلفظ : بُني الإسلام على خمس : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصومِ رمضان .
والمُلاحظ أن أمة الإسلام تهتم بالصيام وبشهر الصيام ولا غرابة في ذلك ، ولكن أن يكون الاهتمام بما فُرِض في السنة الثانية من الهجرة أولى بما فُرِض قبل الهجرة بل فُرِض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فوق سبع سماوات لما عُرِج به هذا مثار الغرابة . والحكمة من الصوم هي تحقيق التقوى ( كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيام ) الآية .
3 = أول ما فُرض الصيام كان صيام يوم عاشوراء . قالت عائشة رضي الله عنها : كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فُرِض شهر رمضان قال : من شاء صامه ، ومن شاء تركه . وفي رواية قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيامه قبل أن يُفرض رمضان فلما فرض رمضان كان من شاء صام يوم عاشوراء ، ومن شاء أفطر . رواه البخاري ومسلم . وهذا من التدرّج في التشريع .
4 = على مَن يجب الصيام ؟ يجب على كلّ مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خالٍ من الموانع .
5 = لا تتقدّموا . أصلها لا تتقدّموا ، كما في قوله تعالى : ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ ) يعني لا تتيمموا الخبيث ولا تقصدوه .
6 = فيه رد على مَن كرِه أن يُقال " رمضان " دون تقييده بشهر . والحديث الوارد في ذلك ضعيف جداً بل حكم جمع من العلماء بأنه موضوع وهو : لا تقولوا رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله ، ولكن قولوا : شهر رمضان .
7 = النهي محمول على الكراهة . قال عمار – رضي الله عنه – : من صام اليوم الذي يَشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . روا أبو داود والترمذي والنسائي .
8 = حكمة النهي تتمثل في : أ – تمييز العبادات بعضها عن بعض ، فتُميّز النوافل عن الفرائض
ب – النهي عن التكلّف والغلو . لقوله صلى الله عليه وسلم : إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين . رواه النسائي وابن ماجه . وليس هذا من باب الاحتياط مما يدلّ على أن هذا الباب ليس على إطلاقه ، أعني ما يتعلق بالاحتياط ؛ لأنك لو أخذت بالأحوط في كل مسألة لأخذت بالأشدّ ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الدِّين يُسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا . رواه البخاري .
أما تمييز العبادات بعها عن بعض ، فتُميّز النوافل عن الفرائض فليس هو في الصيام فحسب
روى مسلم في صحيحه عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابنِ أختِ نَمِر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال : نعم .صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصلّيت ، فلما دخل أرسل إلي فقال : لا تعد لما فعلت . إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتى تكلّم أو تخرج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك . أن لا تُوصلَ صلاةٌ بصلاة حتى نتكلم أو نخرج رواه مسلم .
وروى أبو داود عن الأزرق بن قيس قال : صلى بنا إمام لنا يُكني أبا رمثة فقال : صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم . قال وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه ، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه ، ثم انفتل كانفتال أبي رمثة - يعني نفسه - فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع ، فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال : اجلس ! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب . ورواه الإمام أحمد ( عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) ورواه الحاكم وصححه ورواه البيهقي .
ومثله النهي الوارد هنا ، فإن من فوائده أن لا تُوصل فريضة بنافلة .
فصيام رمضان لا يُتقدّم بصيام يوم ولا يومين ، ولا يوصل بصيام الست ، وإنما يُفصل بينه وبين صيام الست من شوال بيوم العيد .
9 = فيه الردّ على أهل البدع المتنطّعين الذين يتقدّمون صيام رمضان بيوم أو يومين ؛ إما مُخالفة لأهل السنة كالرافضة ، وإما احتياطاً ، وإما أنهم يقولون بالعدد دون اعتبار الرؤية .
10 = فيه فضيلة لمن كان يُحافظ على النوافل . فالذي يُحافظ على النوافل يُشرع له قضاء النافلة إذا فاتته ومثل الذي يُحافظ على صيام النوافل ، فإنه – عليه الصلاة والسلام – قال هنا : إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه . فلم يستثنِ إلا من كان له صيام يصومه ، كمن يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، ومثله من يصوم الاثنين والخميس ، فإذا وافق نهاية شعبان يوم خميس أو يوم اثنين وكان تعودّ صيام تلك الأيام فإنه يصوم ولا يشمله النهي .
والله تعالى أعلى وأعلم . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 9:11 pm | |
|
شرح الحديث الـ 185
رؤية الهلال عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غُـمّ عليكم فاقدروا له .
فيه مسائل :
1 = إذا رأيتموه . المقصود به الهلال ، ويُفهم من سياق الكلام . كما في قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) فالضمير يعود على القرآن . وقد جاء في رواية لمسلم : الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتم الهلال فصوموا . وفي راية للبخاري : لا تصوموا حتى تروا الهلال . وفي رواية له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا . 2 = قوله : فصوموا . يعني انووا الصيام ؛ لأن اللي ليس محلا للصيام . وفيه دليل على وجوب تبييت نية الصيام من الليل .
3 = إذا رأيتموه . الأولى لدخول هلال رمضان ، والثانية لدخول هلال شوال .
4 = فإن غُـمّ عليكم . أي حال بينكم وبينه غيم أو قتر . وفي رواية البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه : فإن غُـمّ عليكـم فصوموا ثلاثين يوما .
وجاءت رواية لهذا اللفظ ( غُـمّ ) بلفظ : غُـبّـي فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم ، فأكملوا عِدة شعبان ثلاثين .
5 = فاقدروا له . هذا فيما يتعلق بشهر شعبان وفيما يتعلق بشهر رمضان . فالمعتبر شرعاً هو أحد أمرين : لأجل الصيام : إما رؤية هلال رمضان وإما إكمال شعبان ثلاثين يوماً
وبالنسبة للإفطار : رؤية هلال شهر شوال أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً
وبهذا جاءت الروايات : فأكملوا عِـدة شعـبان ثلاثين . كما في رواية البخاري . فإن غُـمّ عليكـم فصوموا ثلاثين يوما . كما في رواية البخاري أيضا .
6 = لا عِبرة بمعرفة منازل القمر ، أو الحساب الفلكي . إذ المعتبر شرعاً ما كان مُعتبراً في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمعتبر كما في الأحاديث المتقدمة هو الرؤية أو إكمال العِـدّة . والله – عز وجل – لا يكلف العباد إلا ما يُطيقون . ولشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – رسالة حول الحساب الفلكي .
7 = رؤية الثقة لدخول الهلال كافية للحكم بوجوب الصوم على أهل ذلك البلد ، إذ المسلمون يسعى بِذمّتهم أدناهم ، وهم كالجسد الواحد . كما قال – عليه الصلاة والسلام – .
8 = فيما لو لم يُعلم بدخول الشهر إلا بعد طلوع الفجر . يجب عليهم الإمساك والقضاء بعد رمضان .
9 = لو نام الإنسان ليلة الثلاثين من شعبان – وهي ليلة يوم الشك – ثم قال : إن كان غداً من رمضان فأنا صائم . فهل يصح صومه ؟
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 9:14 pm | |
| شرح الحديث الـ 186
السحور
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسحروا فإن في السَّـحور بركة .
فيه مسائل :
1 = السّحور : بالضم الفعل . وبالفتح ما يُتسحّر به .
2 = السُّحور : مأخوذ من وقته ، وهو السّحر ، وبهذا يُعلم أن وقته آخر الليل .
3 = الأمر في : تسحروا . للاستحباب وليس للوجوب ، والصارف له عن الوجوب فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : يا عائشة ثم هل عندكم شيء ؟ قالت : فقلت : يا رسول الله ما عندنا شيء . قال : فإني صائم . رواه مسلم . قال ابن الملقن : أجمع العلماء على استحباب السَّحور ، وأنه ليس بواجب .
4 = إذا كان الأمر للاستحباب فهو يدلّ على سُنيّة السُّحور .
5 = البركة . هي النماء والزيادة ، وهي دنيوية وأخروية .
6 = البركة تكون في عِـدّة أمور : 1 – اتباع السنة ، وموافقة السنة مطلوبة ومُتعبد بها . 2 – مخالفة أهل الكتاب ، وهي مقصودة لذاتها ، لقوله – عليه الصلاة والسلام – : فصل ما بين صيامنا وصيامِ أهل الكتاب ؛ أكلة السحر . رواه مسلم . 3 – التّقوّي به على طاعة الله . قال – عليه الصلاة والسلام – : تسحروا ولو بجرعة من ماء . رواه ابن حبان ، وهو حديث صحيح . ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : نعم سَحور المؤمن التمر . رواه ابن حبان ، وهو حديث صحيح . 4 – الاستيقاظ في وقت السحر والاستغفار ، فيدخلون تحت قوله سبحانه : ( وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الثلاثاء أبريل 15, 2014 9:17 pm | |
| شرح الحديث الـ 187
وقت السحور عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟ قال : قدرُ خمسين آية .
فيه مسائل :
1 = في هذا الحديث رواية صحابي عن صحابي وهنا صرّح أنس – رضي الله عنه – بأنه يروي عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – ولو لم يُصرّح فإن جهالة الصحابي لا تضرّ .
2 = قدر خمسين آية . هذا تقدير ، والتقدير لا يكون دقيقاً بل هو نسبي وتقريبي . تدلّ عليه رواية للبخاري : عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة . قال أنس : قلت : كم بينهما ؟ قال : قدر خمسين أو ستين يعني آية .
3 = الوقت هل هو ما بين الأذان والإقامة أو ما بين الأذان والسحور ؟ الذي يظهر من الجمع بين الروايات أنه بين الأذان والسحور . ففي رواية للبخاري : عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحّرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فصلى . قال قتادة : قلنا لأنس : كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقـرأ الرجل خمسين آية .
ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . قال : ولم يكن بينهما إلا أن ينـزل هذا ويَرقى هـذا . متفق عليه . وفي رواية : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، ثم قال : وكان رجلا أعمى لا يُنادي حتى يُقال له : أصبحت أصبحت . ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه . رواه أحمد وأبو داود .
ويُحمل الأذان الوارد في حديث الباب في قوله : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟ على الإقامة ؛ لأن الإقامة يُطلق عليها أذان ، كما في قوله – عليه الصلاة والسلام – : بين كل أذانين صلاة . متفق عليه . والمقصود بين الأذان والإقامة .
3 = قدر خمسين آية . متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ، والقراءة لا سريعة ولا بطيئة . والمسألة تقدير ، والتقدير أمر نسبي كما تقدّم . قال ابن حجر : قال المهلب وغيره : فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن ، وكانت العرب تُقدر الأوقات بالأعمال ؛ كقولهم : قدر حلب شاة ، وقدر نحر جزور . فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة .
4 = قوله : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة . قوله في الأول : تسحرنا وفي الثاني : ثم قام فالأول بلفظ الجمع ، والثاني بلفظ الإفراد ؛ فهم داخلون فيه بطريق الأولى وبالتبعيّة ؛ لأنه لا يُتصوّر أن يتخلّفوا عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5 = فيه جواز مؤانسة الفاضل للمفضول بالمؤاكلة .
6 = أفضلية تأخير السُّحـور ، خلافاً لمن يتسحّر ثم ينام .
7 = استحباب الاجتماع على السَّحور .
8 = فيه حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على العِلم ، فهذا أنس – رضي الله عنه – يسأل زيد بن ثابت عن هذه السنة التي خَفيت عليه .
9 = مقدار الوقت بين أذان الفجر والإقامة . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 8:46 am | |
| شرح الحديث الـ 188
إدراك الفجر وهو جنب عن عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر ، وهو جُنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم .
فيه مسائل :
1 = في رواية مسلم : كان يُصبح جُنباً من غير حُلُم ثم يصوم . وفي رواية له : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُصبح جنبا من جماعٍ غيرِ احتلام في رمضان ، ثم يصوم . وفي رواية لـه عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدركه الفجر في رمضان وهو جُنب من غير حُلُم فيغتسل ويصوم . وفي رواية له عن أم سلمة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم ، ثم لا يُفطر ولا يقضي .
2 = العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . فليس ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فقد روى مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه ، وهي تسمع من وراء الباب ، فقال : يا رسول الله ! تُدركني الصلاة وأنا جنب . أفأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا تُدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم . فقال : لست مثلنا يا رسول الله ! قد غَـفَـر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّـر فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتّقي .
3 = يُدركه الفجر . يعني وقت الفجر ، فيلزمه الصوم وهو جُنُب . لا أنها تُدركه الصلاة فيتأخر عنها .
4 = وهو جُنب من أهله . تُفسّره الروايات الأخرى ، ومنها : يُصبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتلم ؛ لأن الاحتلام من الشيطان .
5 = لا يعني ذلك أن الذي يُدركه الفجر من احتلام أنه لا يجوز له الصيام ، فليس الحُـكم خاص بمن أصابته الجنابة من أهله . وإنما أن ذلك كان باختياره ، فغيره الذي لا يقع باختياره كالمحتلم أولى بأن يُعذر .
6 = ثم يغتسل ويصوم لا علاقة للصيام بالجنابة فلو أن إنساناً لا يستطيع الاغتسال أو كان فاقداً للماء فإن صومه صحيح وعليه التيمم للصلاة لا للصيام .
من أدركه الفجر وهو جُنُب فإنه يصوم ولا يُفطر يومه ذلك ولا يجب عليه قضاء .
قالت أم سلمة – رضي الله عنها – : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُباً مِـن جماعٍ لا مِن حُـلُـم ، ثم لا يُفطر ولا يقضي . رواه مسلم .
7 = لا فرق بين صوم النفل وصوم الفرض في ذلك .
8 = مثله الحائض فإنها إذا طهرت قبل الفجر فإنها تصوم ولو لم تغتسل إلا بعـد طلـوع الفجر . لكن إذا لم تطهر ولم ينقطع الدم إلا بعد طلوع الفجر ، فإنه لا يلزمها الإمسـاك وعليها القضاء .
9 = تيسير الإسلام ، ويُسر الدِّين . وإنما يكون اليسر في الدِّين والتيسير على العباد فيما يسّر الله فيه . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 8:48 am | |
|
شرح الحديث الـ 189
من أكل ناسيا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نسي - وهو صائم - فأكل أو شرب فليتمّ صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه .
فيه مسائل :
1 = في رواية للبخاري : من أكل ناسيا وهو صائم ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه وفي رواية له : إذا نسي فأكل وشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه .
2 = هذا من فضل الله ومِنّتِه وكرمِه أن عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان . كما في قوله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) قال : نعم ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) قال : نعم ( رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قال : نعم . ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قال : نعم . وفي رواية قال الله تبارك وتعالى : قد فعلت . رواه مسلم .
وكما في قوله – عليه الصلاة والسلام – : إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم يتكلموا ، أو يعملوا به . متفق عليه . وقوله : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . رواه ابن ماجه .
3 = لماذا خصّ الأكل والشرب دون غيرهما ؟ وهل تلحق به بقية المًفطِّرات ؟ لأن الغالب في المفطّرات هو الأكل والشرب ، بخلاف الجماع فإن الرجل إذا نسي ذكرته زوجته . والحكم عام فيمن أتى مُفطِّراً ناسياً أو جاهلا أو مُخطئاً .
4 = هل يُنكر على مَن أكل أو شرب ناسياً ؟ وهل يُذكّـر ؟ نعم يُنكر عليه ، ويُذكّر بأنه صائم ؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى ، والصائم وإن كان معذوراً لنسيانه فالذي يراه ليس معذوراً ، فيُذكّره بأنه صائم .
5 = هل يقضي من أكل أو شرب ناسياً ؟ لقوله – عليه الصلاة والسلام – : من أفطر في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة . رواه الحاكم .
6 = من وقع في شيء من المُفطّرات فلا بُـد أن يكون عالما عامداً ذاكراً ، وسيأتي تفصيله لاحقا إن شاء الله .
7 = معنى أطعمه الله وسقاه . أي أن الله تصدّق عليه فلما أكل وشرب ناسياً عفا الله عنه .
8 = هذا عام في صيام الفريضة من رمضان وفي صيام النافلة ولا فرق .
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 8:52 am | |
| شرح الحديث الـ 190
في الجماع في رمضان وكفّارته عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت ! قال : ما لك ؟ قال : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم – وفي رواية : أصبتُ أهلي في رمضان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقُها ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . فقال : فهل تجد إطعامَ ستين مسكينا ؟ قال : لا . قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر - والعَرَق : المكتل - قال : أين السائل ؟ فقال : أنا . قال : خذ هذا ، فتصدّق به ، فقال الرجل : أعلى أفقرَ مِنِّي يا رسول الله ؟! فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهلَ بيت أفقر من أهل بيتي ! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك . الحرّة : أرض تركبها حجارة سُود .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث : وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : أتى رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ، قال : احترقت ! قال : ممّ ذاك ؟ قال : وقعت بامرأتي في رمضان . قال له : تصدق . قال : ما عندي شيء ، فجلس ، وأتاه إنسان يسوق حماراً ومعه طعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين المحترق ؟ فقال : ها أنا ذا . قال : خذ هذا فتصدّق به . قال : على أحوج مني ؟ ما لأهلي طعام ! قال : فكلوه . رواه البخاري ومسلم .
* في بعض نُسخ العمدة : " فسَكَتَ النبي صلى الله عليه وسلم " بدل " فمكث " . والمثبت هو ما في صحيح البخاري .
في رواية للبخاري : والعَرَق : الزبيل . وفي رواية لمسلم : بعرق فيه تمر ، وهو الزنبيل . وهذا من تفسير الرواة . والزبيل والزنبيل والمكتل والعَرَق هو الوعاء الذي يُحمل فيه ، ويكون من الخوص أو من الجلد .
2 = قول الرجل : " هلكت " وقوله أيضا : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم – وفي رواية : أصبتُ أهلي في رمضان – كل ذلك يدلّ على أنه كان يعرف الـحُـكم . لأن المؤاخذة في ارتكاب المحظورات إنما تتمّ بـ : 1 - العِلم وضده الجهل 2 - الذِّكر وضدّه النسيان 3 - العمد وضده الخطأ
فلو كان عالِماً بالـحُـكم جاهلا بالحد أو العقوبة المترتبة على فعله لم يُعذر . وعلى سبيل المثال : لو أسلم شخص ولم يعلم بحرمة الجماع في نهار رمضان ولا بالعقوبة المقدّرة شرعاً لم يؤاخذ لا في الدنيا ولا في الآخرة . بمعنى لا تلزمه الكفارة . ولو فعل شيئا من المفطِّرات – أكل أو شرِب أو جامع – ناسياً لم يؤاخذ ، ولا تجب عليه كفارة . ومثله لو أخطأ ، كأن يظن أنه لا زال في الليل ثم بان له أنه فعل ذلك بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه . وسبقت الإشارة إلى ذلك في شرح الحديث السابق . ومثل ذلك يُقال في محظورات الإحرام . لعموم قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال الله : قد فعلت . ولقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . رواه ابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .
3 = السؤال عما أُبهم من قِبل السائل ، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام للرجل : ما لك ؟ وهذا من الاستفصال قبل السؤال .
4 = الرّفق بمن أتى تائبا نادماً ، خاصة إذا كان في حق الخالق سبحانه وتعالى ، بخلاف ما إذا كان ذلك في حق المخلوق . فإن هذا الرجل قد أتى أعظم المُفطِّرات ، ومع ذلك لم يُعنّفه النبي صلى الله عليه وسلم . ومثله قصة معاوية بن الحكم السّلمي رضي الله عنه ، وهي في صحيح مسلم . وفيه قوله : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني . ولكنه لما ذكر ما صنعه بالجارية وأنه لطمها عظّم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
5 = حُرمة الزمان ، كحرمة المكان فالله حرّم انهتاك بعض الأزمنة وبعض ألأمكنة . فشهر رمضان من الأزمنة المحرّمة . والصحيح أن هذه الحُرمة لا تسري إلى القضاء . فلا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان ، وإن كان يؤمر بإتمام صومه ، لكن لو أفطر من يصوم قضاء بعد رمضان فلا كفارة عليه عند جمهور العلماء .
6 = كفارة من جامع في نهار رمضان – عالما مُتعمّداً ذاكراً – وهي هنا على الترتيب : عتق رقبة مؤمنة – عند الجمهور - صيام شهرين متتابعين إطعام ستين مسكيناً
7 = هل الكفّارة على الترتيب أم هي على التخيير ؟ بمعنى هل له أن يُطعم ستين مسكيناً ولو استطاع أن يُعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين ؟ في المسألة خلاف قديم ولكن الصحيح أنها على الترتيب لسببين : أ - أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّبها ، فبدأ بالأشد ثم الذي يليه ، ولو كانت على التخيير لقال : هل تجد رقبة تُعتقها أو تصوم شهرين متتابعين أو تُطعم ستين مسكينا ؟ ب - أنه عليه الصلاة والسلام ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً . كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها . وهو هنا اختار الأشد ثم الذي يليه في المرتبة .
8 = اتفق العلماء على وجوب الكفارة على من جامَعَ في نهار رمضان عالما مُتعمّداً ذاكرا ، وكان ممن يلزمه الصيام ، واختلفوا في قضاء ذلك اليوم الذي أفطر فيه . فأما تحريم الجماع على الصائم في نهار رمضان فثابت بالكتاب في قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال :كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صِـرْمَة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لك ، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ! فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه ، فَذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنـزلت هذه الآية : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) ففرحوا بها فرحا شديدا ، ونزلت : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) وفي رواية له قال : لما نـزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، وكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله : ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ )
9 = هل يجب قضاء اليوم الذي وقع فيه الجماع في نهار رمضان ؟ نقل البغوي في شرح السنة الإجماع على أن من جامَع في نهار رمضان مُتعمّداً فسد صومه ، وعليه القضاء . والخلاف في قضاء ذلك اليوم الذي جامَع فيه قديم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما أمره للمجامِع بالقضاء فضعيف ضعّفه غير واحد من الحفاظ ، وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ، ولو كان أمَرَه بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم ، وهو حكم شرعي يجب بيانه ، ولمّا لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولا منه ، وهذا يدل على أنه كان متعمدا للفطر ، لم يكن ناسيا ولا جاهلا . اهـ . إذ كيف يؤمر بالكفارة مع القضاء ؟ أليس يُكلّف بصيام شهرين متتابعين إذا لم يجد عتق رقبة ؟ أفلا يُجزئه ذلك عن اليوم الذي أفسده ؟ وإنما كانت الكفّارة أصلا لحُرمة الشهر ، وكل يوم له حُرمته .
10 = من وقع منه الجماع في نهار رمضان ، هل يؤمر بالإمساك بقية يومه ؟ هذا الذي يظهر لأنه انتهك حُرمة الشهر . بخلاف المسافر إذا قدِم لأنه لم يُخاطب بالصيام من أول النهار .
11 = فيه التلميح المغني عن التصريح في قول الرجل : هلكت .. وقعت على امرأتي .. أصبت أهلي .
12 = هل يجوز للفقير أن يصرف الكفّارة إلى عياله كما فعل هذا الرجل ؟ ما في هذا الحديث واقعة عين لا عموم لها .
13 = المرأة شقيقة الرجل فإذا وقع منها ذلك راضية عالمة ذاكِرة ، وكانت ممن يجب عليها الصوم فعليها الكفارة المغلظة أيضا ، وهو قول الجمهور .
14 = لم يرد ذِكر للمرأة هنا ولا سؤال عنها . ومثله حديث ماعز رضي الله عنه لما جاء تائبا لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي زنى بها . والجواب عن هذا : أن من سأل أُجيب بقدر مسألته . ولعل المرأة كانت مُكرهة أو ناسية أو ممن يُباح لها الفِطر ، كأن تكون حاملاً أو مُرضعاً فأفطرت ، أو طهُرت من حيض فواقعها .
15 = لابتيها : جاء تفسيرها في الحديث : يريد الحرّتين وفسّرها المصنّف بقوله : الحرّة : أرض تركبها حجارة سُود .
16 = تعجّب النبي صلى الله عليه وسلم من حال هذا الرجل ، حيث جاء خائفاً شاكيا هلاكه ، ولما رأى من هشاشة النبي صلى الله عليه وسلم له قال ما قال في آخر الحديث ، من أجل ذلك : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه .
17 = صِفَة ضحكه عليه الصلاة والسلام ، حيث لم يكن يضحك قهقهة بل كان يبتسم ، وإذا ضحك بدت أنيابه ، كما في هذا الحديث . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 8:56 am | |
| شرح الحديث الـ 191
في الصوم في السفر عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ - وكان كثير الصيام - فقال : إن شئت فصُم ، وإن شئت فأفطر .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث : في رواية لمسلم : إني رجل أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ قال : صُم إن شئت ، وأفطر إن شئت
في رواية لمسلم عن أبي مُراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل عليّ جناح . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه .
2 = فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على السُّنة .
3 = وفيه مسارعتهم ومسابقتهم إلى فعل الخيرات ولو مع وجود المشقّة .
4 = فيه منقبة لهذا الصحابي رضي الله عنه حيث ذُكِر عنه أنه كثير الصيام .
5 = تفاضل الناس بالأعمال حتى في الدنيا . فربما يُفتح لرجل في العِلم ما لا يُفتح لغيره . ويُفتح لآخر في قراءة القرآن حتى يُعرف بأنه من أهل القرآن . ويُفتح لآخر في الجهاد في سبيل الله . وهذا يؤكد ما أشرت إليه – غير مرّة – أن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم إنما تفاوتت بحسب تفاوتهم وقُدراتهم وبحسب أحوالهم أيضا .
6 = هذا الصحابي رضي الله عنه يجد من نفسه القوّة على الصيام في السفر ، ولا يجد المشقّة . وأما إذا وُجدت المشقة فسوف يأتي الكلام عليها بالتفصيل – إن شاء الله - .
7 = المتنفّل أمير نفسه ، إن شاء أمضى ، وإن شاء قطع ، إلا في حج أو عمرة لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) فإذا صام الإنسان ثم سافر فله أن يُفطر وإن لم توجد المشقّة . يستوي في ذلك صيام الفرض والنّفل ( صيام رمضان وصيام التطوّع في غير رمضان ) .
8 = لو دُعي إلى طعام وكان صائما فليدعُ لمن دعاه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دُعي أحدكم فليُجب ، فإن كان صائما فليُصلِّ ، وإن كان مفطراً فليطعم . رواه مسلم .
ولكن إذا عَلِم أن هذا سوف يؤدي للغضب أو القطيعة فليأكل إذا كان صيامه تطوّعاً . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:00 am | |
| شرح الحديث الـ 192
في الصيام في السفر
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كُـنّـا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يَعِب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
في الحديث مسائل :
1 = يستوي في هذا الصوم صيام الفريضة وصيام النافلة .
2 = عدم عيب المفطر على الصائم إذا كان الصائم يجد من نفسه قوّة ، ولم يكن فيه مشقّة . أما إذا وُجدت المشقة البالغة فسوف يأتي فيها حديث جابر رضي الله عنه ، وهو الحديث الـ 194
3 = سعة الأفق في مسائل الخلاف عند السلف . فالمفطر إذا رأى أن الفطر أفضل لعموم الأحاديث الواردة في الرخصة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب أن تُؤتى رُخصه كما يكره أن تُؤتى معصيته . رواه الإمام أحمد . لو رأى ذلك فإنه لا يعيب على المفطر إذ أن المفطر معه دليله أيضا ، وهو الإذن بالصيام في السفر لمن وجد في نفسه قوة على الصيام . وهذا فيما يُستساغ من الخلاف في المسائل الاجتهادية .
4 = جواز الصيام والإفطار في السفر ، وأنه لا يجب على الصائم أن يُفطر إلا حيث توجد المشقة والضرر . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:02 am | |
| شرح الحديث الـ 193
في صيام النبي صلى الله عليه وسلم في السفر عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرّ شديد حتى إنْ كان أحدُنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة
في الحديث مسائل :
1 = جواز الصيام في السفر لمن لم يشق عليه ، ولا توجد معه مضرّة ، أما يسير المشقة فهو موجود مع الصيام في السفر خاصة مع وجود الحرّ .
2 = لا تعارض بين هذا الحديث من فعله عليه الصلاة والسلام وبين ما سبق من قوله عليه الصلاة والسلام ، وما سيأتي في قوله : ليس من البرّ الصوم في السفر . وغيره من الأحاديث .
3 = اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة رغم أنه غُفِر له ما تقدّم مِن ذنبِه وما تأخّر .
4 = مَن صام في السفر أجزأه ولا يلزمه الإفطار إلا أن يشق عليه الصيام .
5 = فيه منقبة وفضيلة لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه .
6 = لا يضرّ الصائم أن يعلم الناس بصومه من غير إظهار منه لذلك إلا عند الحاجة نحو قوله عليه الصلاة والسلام : فإن سابّـه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم . رواه البخاري ومسلم . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:10 am | |
| شرح الحديث الـ 194
في الصوم في السفر مع المشقة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرأى زحاما ورجلاً قد ظُلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : صائم . فقال : ليس من البرّ الصوم في السفر ولمسلم : عليكم برخصة الله الذي رخّص لكم .
في الحديث مسائل :
1 = تنبيه : أوهم كلام صاحب العمدة أن قوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم برخصة الله التي رخّص لكم " مما أخرجه مسلم بشرطه ، وليس كذلك ، وإنما هي بقية في الحديث لم يُوصل إسنادها كما تقدم بيانه . نعم وقعت عند النسائي موصولة في حديث يحيى بن أبي كثير بسنده . اهـ . نـبّـه عليه الحافظ في الفتح . وهذه الزيادة رواها مسلم بإسناده ، فقال : وحدثناه أحمد بن عثمان النوفلي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة بهذا الإسناد نحوه ، وزاد قال شعبة : وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث وفي هذا الإسناد أنه قال : عليكم برخصة الله الذي رخّص لكم . قال : فلما سألته لم يحفظه . وهذا كما نبّه عليه الحافظ ليست برواية موصولة ؛ لأن شعبة قال : وكان يَبلُغني .. فلما سأل شعبة شيخه محمد بن عبد الرحمن بن سعد عن هذه الزيادة لم يعرفها.
وهذه الزيادة ثابتة عند النسائي وغيره ، ومعناها ثابت في أحاديث أخرى في الحثّ على الأخذ بالرخصة .
2 = كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، يعني في حال السفر وأثناء الطريق .
3 = لا تعارض بين هذا الحديث وبين الأحاديث السابقة واللاحقة . لأن الصيام في السفر يجوز في حالات ، ويُمنع في حالات .
4 = معنى البِـرّ : التوسّع في الطاعة . وقيل معنى البِرّ : الطاعة .
5 = متى يكون الصيام في السفر ليس من البر ؟ إذا وُجدت المشقة أو غلب على الظن حصول الضرر . إذا ظُن به الإعراض عن رخصة الله التي رخّص لعباده . من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر . إذا كان ذلك مدعاة للقعود عن العمل ، والتطلّع لخدمة الآخرين له . [ أشار إليها الحافظ ابن حجر في الفتح ] .
أما مَن يسهل عليه الصيام ولا توجد معه مشقة ، كأن يكون سافر سفراً قصيراً ، أو بوسيلة مُريحة ، ولم يحتَجْ إلى خدمة الناس له ، ومَن يشقّ عليه القضاء بعد ذلك ، فالصيام في حقه أفضل . لأنه أبرأ للذمّـة أولاً . وثانياً : لا توجد المشقة . وثالثاً : لتخيير النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي ، يدلّ على تساوي الطرفين في المسألة ، وأنه مُخيّر بين الصيام والإفطار في حال السفر في مثل هذه الحالات .
6 = تقييد قاعدة : العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . فقوله عليه الصلاة والسلام : ليس من البرّ الصوم في السفر . لا عِبرة في عموم اللفظ ، وإنما العِبرة هنا بخصوص السبب .
7 = رواية : ليس من أم بر أم صيام في أم سفر . لا تصحّ ، وانظر لذلك الإرواء ( 4 / 58 ) . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:13 am | |
|
شرح الحديث الـ 195
" ذهب المفطرون بالأجر " عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فمِنّـا الصائم ، ومِنّـا المفطر . قال : فنـزلنا منـزلا في يوم حار ، وأكثرنا ظِلاًّ صاحب الكساء ، فمنا من يتقي الشمس بيده . قال : فسقط الصوّام ، وقام المفطرون ، فضربوا الأبنية ، وسقوا الرِّكاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر .
في الحديث مسائل :
1 = قوله : " فمِنّـا الصائم ، ومِنّـا المفطر " هذا كما تقدّم في حديثه ( 192 ) : كُـنّـا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يَعِب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
فلا يُعاب على الصائم في السفر ، كما لا يُعاب على المفطر في السفر ، إذ الكلّ على خير .
2 = قوله : " وأكثرنا ظلا صاحب الكساء " يعني الذي يتّقي الشمس بكسائه من رداء ونحوه .
3 = قوله : " فسقط الصوّام " يعني أن الذين كانوا صاموا سقطوا من شدّة الإعياء ، وهذا لا شكّ يدلّ على جَهد ومشقّة .
4 = ألأبنية : جمع بناء ، والمقصود به البيوت التي تُنصب وتُنـزع ، كالخباء والقبة ونحوها .
5 = الرِّكاب : الإبل ، وجمعها : ركائب .
6 = ذهب المفطرون اليوم بالأجر . أجر العامل بقدر عمله ، وكلما كان نفع العمل متعدّياً كان أكثر في الأجر ، لارتباطه بمصالح الخلق والمعنى هنا : ذهب المفطرون اليوم بأجر يزيد على أجر الصائمين . وسبق موضوع : لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ http://saaid.net/Doat/assuhaim/178.htm
7 = حث الإسلام على العمل وعدم الاتكالية ، بحيث يتطلّع الإنسان إلى خدمة الآخرين له ، أو كفايته دون بذل جهد .
8 = الإسلام دين الكمال والشمولية ، فالصحابة رضي الله عنهم لما بنوا الأبنية لأنفسهم لم ينسوا دوابّهم من سقي وإطعام .
9 = تقديم الإحسان إلى الآخرين دون التطلّع إلى مكافئة منهم .
10 = تقديم الأهم فالأهم . فحقوق الناس مُقدّمة على حقوق الحيوان .
11 = الأخذ بالرخصة قد يكون أفضل من الأخذ بالعزيمة ، كما هنا . فالصوم عزيمة ، والفطر رُخصة .
|
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:15 am | |
| شرح الحديث الـ 196
في تأخير قضاء رمضان عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان .
في الحديث مسائل :
1 = وجوب قضاء الصوم على المستطيع .
2 = أن الحائض تقضي الصوم دون الصلاة ، وقد تقدّمت الإشارة إلى هذه المسألة في شرح الحديث الـ 49
3 = القضاء يجب على التراخي ، فجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان ، إلا أنه لا يجوز تأخيره إلى أن يأتي رمضان الآخر .
4 = هل يُتصوّر أن عائشة رضي الله عنها لم تكن تصوم صيام تطوّع ؟ الجواب : نعم وذلك لأمور :
الأول : انه لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه . لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه . رواه البخاري ومسلم . الثاني : أن القضاء واجب وهو مُقدّم على صيام التطوّع ، فلا يُتصوّر تقديم التطوّع والذمّة مشغولة بالواجب . الثالث : تعليل عائشة رضي الله عنها لعدم صومها بأنه شغلها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أحب أزواجه إليه ، ولذا جاء في تتمة حديث الباب : الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم .
لكن قد يَرِد إشكال ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له تسع نسوة ، أي أن عائشة رضي الله عنها تستطيع أن تصوم في غير يومها . والجواب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله يومئذ تسع نسوة . رواه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه .
وأطلت في هذه المسألة لأن من الناس من يستدل بمفهوم قول عائشة رضي الله عنها ولا يستدل بمنطوقه . فيقول : لا يُتصوّر أن عائشة رضي الله عنها على فضلها لا تصوم تطوّعا . وقد علمت الجواب عن هذا القول . والحلاف المبني على ذلك : هل تُصام الستة أيام من شوال قبل القضاء ؟ والجواب أن الحديث صريح في ذلك : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر . رواه مسلم . فإنه قال : مَن صام رمضان . والذي عليه قضاء لم يَصُم رمضان بل صام بعضه .
5 = فضل عائشة رضي الله عنها ومكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سأل عمرو بن العاص النبي عليه الصلاة والسلام : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، فَعَدّ رجالا . رواه البخاري ومسلم .
6 = تؤجر المرأة إذا تركت بعض النوافل لرعاية بيتها وزوجها . فإذا نوت صيام التطوّع ومنعها زوجها فإنها تؤجر على ذلك .
7 = عِظم حق الزوج ، إذ يُقدّم حق الزوج على نوافل الطاعات ، ومثله حق الأهل يُقدّم على نوافل الطاعات ؛ لأن الحقوق واجبة لازمة ، بخلاف النوافل . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:17 am | |
| شرح الحديث الـ 197
في من مات وعليه صيام عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليّه . وأخرجه أبو داود ، وقال : هذا في النذر خاصة ، وهو قول أحمد بن حنبل رحمه الله .
في الحديث مسائل :
1 = المصنف رحمه الله ليس من عادته سياق الأقوال ولا الإشارة إلى الخلاف ، وإنما أشار إليه ، لوجود الخلاف وقوّته .
2 = قوله عليه الصلاة والسلام " مَنْ مات وعليه صيام " نكرة في سياق الشرط فتعُمّ . وهذا منشأ الخلاف وسببه . في حين أن العبادات البدنية المحضة لا تدخلها النيابة . قال ابن عبد البر رحمه الله : أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يُصلِّي أحد عن أحد فرضا عليه من الصلاة ، ولا سنة ، ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت ، وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد ، وهذا كله إجماع لا خلاف فيه . وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا . اهـ . ثم ذكر الخلاف .
وقال ابن قدامة في المغني : من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخْلُ من حالين : أحدهما : أن يموت قبل إمكان الصيام ، إما لضيق الوقت ، أو لعذر من مرض أو سفر ، أو عجز عن الصوم ؛ فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم . وحُكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ؛ لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه عنه . ولنا إنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل كالحج الحال الثاني : أن يموت بعد إمكان القضاء ، فالواجب أن يُطعم عنه لكل يوم مسكين ، وهذا قول أكثر أهل العلم . رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس ، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي والخزرجي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم . اهـ .
وبهذا أفتى غير واحد من الصحابة : قال عمر بن الخطاب : إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان آخر أُطعم عنه عن كل يوم نصف صاع من بُـرّ . رواه عبد الرزاق . وابن عباس رضي الله عنهما رُوي عنه أنه أفتى في قضاء رمضان ، فقال : يُطعم . وفي النذر : يُصام عنه . رواه عبد الرزاق .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار : لولا الأثر المذكور لكان الأصل القياس على الأصل المجتمع عليه في الصلاة ، وهو عمل بدن لا يصوم أحد عن أحد ، كما لا يُصلي أحد عن أحد . اهـ .
يعني الأصل أن لا يُصام عنه لا في النذر ولا في غيره ، ولكن لورود الحديث عُدِل عن الأصل .
3 = ما المقصود بالوليّ هنا ؟ هو القريب عموماً . ويجوز أن يصوم عنه غير القريب ؛ لأن الولي هنا خرج مخرج الغالب ، أو لأنه الأوْلى . قال ابن قدامة : ولا يختص ذلك بالولي ، بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ ؛ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه . اهـ . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالدَّين يكون على الميت ، والدَّين يصحّ قضاؤه من كل أحد ، فدل على أنه يجوز أن يفعل ذلك من كل أحد لا يختص ذلك بالولد . اهـ .
وسيأتي مزيد بيان وبسط في شرح الأحاديث التالية . |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) الأربعاء أبريل 16, 2014 9:19 am | |
| شرح الحديث الـ 198
في قضاء صيام النذر عن الميت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمِّك دَين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم . قال : فَدَيْن الله أحق أن يُقضى . وفي رواية : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت : نعم . قال : فصومي عن أمك .
في الحديث مسائل :
1 = من روايات الحديث : ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فأفتاه أن يقضيه عنها ، فكانت سنة بعد
وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم ، حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء . وبوّب عليه الإمام البخاري فقال : باب من شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة ، فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية ، وإنها ماتت . قال : فقال : وجب أجرك وردّها عليك الميراث . قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر ، أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها . قالت : إنها لم تحج قط ، أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها .
فالذي يظهر من مجموع الروايات أن السؤال كان عن صيام نذر . والنذر يُباين الصوم ويُخالفه في كونه ليس بواجب أصلاً ، إنما أوجبه العبد على نفسه ، فصار كالدّين الذي ألزمه ذمّته .
وفي المسألة خلاف ، سبقت الإشارة إليه والخلاف في قضاء رمضان لمن قدر عليه ولم يقضِ . أما قضاء النذر فالحديث صريح فيه . وأما من مات ولم يتمكن من القضاء فلا شيء عليه . ومن مات وعليه إطعام بدل الصيام أُطعِم عنه .
2 = إثبات القياس ، حيث قاس النبي صلى الله عليه وسلم قضاء النذر بقضاء الدَّين .
فيجوز أن يُقاس ما يخفى على ما هو معلوم مُبيّن . ولذا قال الإمام البخاري : باب مَنْ شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن . ولكن ينبغي التنبّه إلى أن أكثر ما يُخطئ فيه الناس : التأويل والقياس ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله
فمن الخطأ القياس على ما ليس بـمُبيّن ، كأن يقيس على مسألة خلافية كقياس بعض الناس تدخين السجائر في رمضان على البخور . فيقول بعضهم : هذا دخّان وهذا دخّان ! فيُقال له : هذا القياس باطل ، لعدّة أسباب ، منها : أنه قياس مع الفارِق ، والقياس مع الفارق باطل . فهو يقيس الخبيث على الطِّيب الطَّيِّب . فالطِّيب مما حُبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتدخين ما يُجمع العقلاء على أنه خبيث كريه الرائحة ، ويُجمع الأطباء على ضرره . ويقيس ما يضرّ على ما ينفع ويقيس ما يُشرب على ما لا يُشرب فالناس يقولون : فلان يشرب الدخّان ! ثم إنه يضع السيجارة بين شفتين ويمصّها ، بخلاف البخور .
إلى غير ذلك من الفُروق التي يُعلم معها بطلان مثل هذا القياس .
3 = مشروعية القضاء عن الميت ، وإبراء ذمّته . سواء كان ذلك نذراً أو كان مما لزمه كالحج . والوقوف مع النصوص هو جادة السلف الصالح .
فلا يجوز تعدّي النصوص وقياس ما لا يُقاس كإهداء ثواب العمل من صلاة أو قراءة للقرآن ونحو ذلك .
4 = لا يجب قضاء النذر وإنما هو تبرّع من قريب أو بعيد عن الميت . كما لا يجب قضاء دينه ، إنما هو من باب التبرّع وإبراء الذمّة . |
|
| |
| شرح أحاديث عمدة الأحكام (متواتر حسب ترتيب أبواب الحديث) | |
|