[center]الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبى بعده
وبعد أحبتى فى الله
هيا بنا نعيش مع
تفسير قوله تعالى
({ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ } 56 الذاريات
جاء في تفسير النّكت والعيون للماوردي ما يلي --
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ } فيه خمسة تأويلات:
أحدها: إلا ليقروا بالعبودية طوعاً أو كرهاً، قاله ابن عباس.
الثاني: إلا لآمرهم وأنهاهم، قاله مجاهد.
الثالث: إلا لأجبلهم على الشقاء والسعادة، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: إلا ليعرفوني، قاله الضحاك.
الخامس: إلا للعبادة، وهو الظاهر، وبه قال الربيع بن انس.
ونحن نرى أنّ العبادة هنا بمعنى الخضوع والتذلل لا بمعنى الأفعال المخصوصة التي يقوم بها الإنسان تقربا وشكرا لله تعالى --
جاء في مقاييس اللغة في معنى الجذر "عبد" ما يلي "
(عبد) العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كأنَّهما متضادَّان، و[الأول] من ذينكالأصلينِ يدلُّ على لِين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ. )
بالتالي يكون معنى الآية "وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليتذللون "--
فالمؤمن يتذلل لله في الرّخاء والشدة --والكافر يتذلل لله في الشدة فقط --ألم تقرأ قوله
"هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ "
أو قوله تعالى "وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ "
أو قوله تعالى "وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ "
وهي آيات تدلّ على تذلل الإنسان كإنسان وقت الشدة --
وواضح أنّ المؤمن يتذلل لله في الشدة والرخاء --
وبذلك تنطبق الآية تماما --
ولا حاجة للقول بأنّ ما فيها عام يقصد به الخصوص كما جاء عن بعض المفسرين --
قال ابن عطيّة في تفسير الآية ما يلي
(وقوله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } اختلف الناس في معناه مع إجماع أهل السنة على أن الله تعالى لم يرد أن تقع العبادة من الجميع، لأنه لو أراد
ذلك لم يصح وقوع الأمر بخلاف إرادته، فقال ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي، وليقروا لي
بالعبودية فعبر عن ذلك بقوله: { ليعبدون } إذ العبادة هي مضمن الأمر، وقال زيد بن أسلم وسفيان: المعنى خاص، والمراد: { وما خلقت } الطائعين من { الجن
والإنس } إلا لعبادتي، ويؤيد هذا التأويل أن ابن عباس روى عن النبي أنه قرأ: " وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدوني " ، وقال ابن عباس أيضاً معنى:
{ ليعبدون } أي ليتذللوا لي ولقدرتي، وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلل والكفار كذلك، ألا تراهم عند القحط والأمراض وغير ذلك. وتحتمل الآية، أن يكون المعنى:
ما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدون، وكأن الآية تعديد نعمة، أي خلقت لهم حواس وعقولاً وأجساماً منقادة نحو العبادة، وهذا كما تقول: البقر مخلوقة للحرث،
والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلاً، فالمعنى أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة، لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك، ويؤيد هذا المنزع
قول النبي : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". وقوله: " كل مولود يولد على الفطرة " والحديث، وقوله: { من رزق } أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم. )