ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: الحج شوق واستعداد الجمعة يوليو 27, 2018 2:48 pm | |
| الحمد لله الذي شرع لنا من الشعائر والعبادات ما أنعم به علينا باستكمال الإيمان وتأسيسه، وعرَّفنا كيف نعبده سبحانه، وهذه العبادات لها حكم عظيمة، ومصالح كثيرة، تزكية للنفوس، وترويض على الفضائل، وتطهير من النقائص، وتصفية من المكدرات، وتحرير من رق الشهوات، وإعداد هذه النفس لتقريبها للملأ الأعلى.
ومما بني عليه الإسلام عبادة الحج العظيمة: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، ثم هدد الله تعالى تاركه بغير عذر وهو يقدر، فقال: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَسورة آل عمران:97، ولذلك بين عمر رضي الله عنه وغيره أنه همَّ أن يضرب الجزية على تُرَّاك الحج بلا عذر، وهذه آية عظيمة تبين خطر تركه مع القدرة عليه لمن لم يحج فرضه.
وبالحج يتم تحقيق العبودية لله، ففيه تذلل وخضوع وانكسار يخرج الحاج من ملاذ الدنيا مهاجراً إلى ربه تاركاً أهله وماله ووطنه متجرداً من ثياب الزينة، لابساً للإحرام متواضعاً، تاركاً للطيب والنساء، متنقلاً بين المشاعر بقلب خاضع وعين دامعة، ولسان ذاكر يرجو رحمة ربه، ويخشى عذابه.
هذه الشعيرة مما يحقق التوحيد، التوحيد الذي خلق الله لأجله السماوات والأرض: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِسورة الحـج:26، ولأجل تحقيق التوحيد كان خير دعاء يقوله الحاج على الإطلاق في يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا شريك يدعا مع الله، ولا شريك يستغاث به من دون الله، ولا شريك ينذر له غير الله، لا ميت، ولا حي، لا نبي، ولا ولي، كما يفعله المشركون في القديم والحديث عند العتبات والقبور والأضرحة، لا زالوا يعبدون من دون الله من لا يُغني عنهم شيئاً يوم القيامة.
بالحج يتربى المسلم على التسليم والانقياد لله، فإذا تنقل بين المشاعر، وطاف بالبيت العتيق، وقبل الحجر الأسود، ورمى الجمرات؛ انقياد لله، طاعة؛ لأن الله عز وجل أمر عباده بالحج يدخل في ذلك كل واجب، وكل ركن، وكل ما لا يتم الحج إلا بالإتيان به.
بالحج يتربى المسلم على التسليم والانقياد لله، فإذا تنقل بين المشاعر، وطاف بالبيت العتيق، وقبل الحجر الأسود، ورمى الجمرات؛ انقياد لله، طاعة؛ لأن الله عز وجل أمر عباده بالحج يدخل في ذلك كل واجب، وكل ركن، وكل ما لا يتم الحج إلا بالإتيان به.
لقد دعا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل ربهما فقالا: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا، أرنا مناسكنا، علمنا كيف نعبدك، علمنا كيف نحج، علمنا ماذا نقول، وماذا نفعل، عيِّن لنا المواضع التي نأتيها في الحج: أَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة البقرة:128.
الدعاء للنفس، والدعاء للذرية يعلم الأب، يعلم المسلم مد البصر إلى المستقبل الفسيح في عالم الدعاء ليشمل الذرية، وليس النفس والولد المباشر فقط.
بالحج يعظم شعائر الله هذا المسلم؛ لأنها مواضع وأفعال وأقوال أمر بها الرب عز وجل أن تؤتى، وأن تقال، وأن تفعل: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِسورة الحـج:32، هذه حرمات لا يقدِّر قدرها كثير من الذين يحجون، فيفسدون ويعصون، وينتهكون الحرمات، وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِسورة الحـج:30، ذكرها تعالى بعد ذكر أحكام عن الحج: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، فهذا الإحرام من حرمات الله، وله محظورات يجب تركها تعظيماً لحرمات الله، هذا البيت الحرام، هذه الكعبة، هذا الطواف من حرمات الله، فيتقي ربه، ويغظ بصره، ويجتنب، ويتباعد عما حرم الله تعظيماً لحرمات الله، فتعظيم شعائر الله وحرماته دليل على تقوى القلب: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِسورة الحـج:32، فكلما عمل الحاج عملاً من المناسك تذكر عظمته تعالى، وهو واقف بمشاعره، وهو يطوف بتلك الأماكن التي أمر الرب بإتيانها. شروط صحة الحج:
الحج في كل سنة أو مرة واحدة سئله النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب: (بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع)رواه أبو داود.
لا بد من إسلام لأجل أن يصح الحج، وهذا الشأن في جميع العبادات؛ لأن العبادة لا تصح من الكافر، ما الدليل؟ قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِسورة التوبة:54، وبهذا نعرف لماذا لا يقبل الله عمل الكافر؟ لماذا لا يقبل الله عمل الكافر لو تصدق، لو عمل جمعيات خيرية، وكفل أيتام، لو عمل مؤسسات عالمية، لو أوقف ماله كله لمساعدة المحتاجين، وتدريس الفقراء، ونحو ذلك من أعمال البر، قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِسورة التوبة:54.
إن قضية الإيمان بالله عظيمة، التوحيد والإسلام شيء كبير، هذا هو الأساس، فإن لم يكن أساس فلا بنيان، لا يقوم شيء بلا أساس، فلذلك تجد بعض الناس يعظمون شأن هؤلاء المتبرعين من الذين جعلوا أموالهم في أعمال خيرية من الكفار، والله قال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِسورة التوبة:54، ولذلك لا يقبل الله عملاً من يهودي، ولا نصراني، ولا غيرهما من الكفار حتى يؤمن بالله وحده ويترك الشرك، لا يقبل الله من عباد القبور، لا يقبل الله من عباد الأولياء، لا يقبل الله من المشركين عملاً حتى يوحدوه، حتى يخلصوا له بالعبادة، هذا هو الأساس، ومن فقهه عرف الميزان عند الله، ومن لم يفقهه خلط حابلاً بنابل، وحقاً بباطل.
عباد الله، إذا أسلم الكافر يؤمر بالحج إن استطاع، وكذلك العقل والبلوغ من شروطه لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، فالصبي لا يجب عليه الحج، لكن لو حج به وليه، فللصبي أجر الحج، وللوالد والولي أجر الدلالة والتمكين من العبادة، وهي عظيمة يمكن أن تصل إلى درجة أجر الحج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة لما رفعت إليه صبياً وسألت: ألهذا حج؟ قال: (نعم، ولكٍ أجر).
والحرية من شروطه، فلا يجب الحج على العبد لانشغاله بسيده، والاستطاعة من شروط الوجوب، قال تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَسورة آل عمران:97، وهذا يشمل الاستطاعة البدنية، أن يكون عنده قدرة ببدنه أن يأتي بيت الله الحرام، ويتحمل مشقة السفر، واستطاعة مالية، وهي نفقة زائدة عن حاجة أهله في وقت غيبته حتى رجوعه، أن يملك نفقة توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً وإياباً، ولذلك فإن بعض الناس الذين يقولون: نذهب، ثم العودة على من تكون؟ فلا يجب عليهم حتى يملكوا النفقة ذهاباً وإياباً، ويملك من المواصلات -كما قال العلماء- ما يصل به إلى بيت الله الحرام من استئجار سيارة، أو دابة، ونحو ذلك تليق بالحال، ولذلك يجب على الناس فيما مضى في إتيان البيت على الرواحل ما لا يجب عليهم الآن؛ لأنهم لا يطيقون السفر على الدواب في هذا الزمان، ولذلك قال العلماء: تليق به وبحاله، وإنما يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون زائداً عن نفقات من يلزمه نفقته حتى يرجع.
ويشترط للمرأة أن يكون لها محرم في سفرها، فإن لم تجد فلا حج عليها، ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام فاضلة عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه، والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات، وحقوق الآدميين، فمن كان عليه دين، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج، ويظن بعض الناس أن العلة هي عدم إذن الدائن فقط، فقد ذكر بعض الفقهاء كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن هذا الظن لا أصل له، بل العلة هي انشغال الذمة، فلو أذن الدائن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال للمدين: اقض الدين أولاً، ثم إن بقي معك ما تحج به يجب عليك، وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج، فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع، ولا مفرط؛ لأن الحج لم يجب عليه، وأما إن مات وعليه دين فهو على خطر، فالشهيد يُغفر له كل شيء إلا الدين، وكذلك فإنه لا يلزم الإنسان أن يحج بتصفية تجارته التي ينفق منها على أهله؛ لأن هذا ضرر، وكذلك فإن على الإنسان المسلم أن يضحي لله بما يزيد عن حاجته، ولذلك قال العلماء، لا يلزمه أن يبيع بيته ويستأجر، ولكن إذا كان عنده ما يزيد عن حاجته باعه لأجل الحج من عقار آخر، وأرض أخرى، ونحو ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أراد الحج فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة)رواه أحمد، وهو حديث حسن، وقال: (تعجلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)، وقال عمر رضي الله عنه: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فننظر كل من كانت له جدة" قدرة وغنى "ولم يحج فيضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين" وصححه ابن حجر.
وقال علي رضي الله عنه: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، والحج يهدم كل ما كان قبله هذا من فضله. من فضائل الحج:
ولما جاء عمرو رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (ابسط يمينك فلأبايعك)قال: فبسط يمينه، ثم قبض، فقال: (مالك يا عمرو؟)قلت: أردت أن أشترط، قال: (تشترط ماذا)، قلت: أن يُغفر لي، قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)رواه مسلم.
يخرج الإنسان من ذنوبه كيوم ولدته أمه كما في الحديث: (فلو كان عليك مثل رمل عالج)صحراء كبيرة (أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك).
من أفضل أعمال البر، قال: (إيمان بالله ورسوله) ثم ماذا؟ قال: (جهاد في سبيل الله) ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) ، ويجتمع فيه من عبادة اللسان والقلب، والعبادات البدنية والمالية، وأنواع الذكر، وأنواع العبادة لله ما لا يجتمع في غيره، ولذلك ليس له جزاء إذا كان مبروراً إلا الجنة، والمبرور: الذي لا يخالطه إثم، والذي لا رياء فيه ولا سمعة، والذي لا رفث فيه ولا فسوق، هذا هو الحج المبرور، الذي يسأل الناس عنه ما هو الحج المبرور؟ فالحج المبرور لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق، ويكمله إطعام الطعام، وطيب الكلام، وإفشاء السلام، ويرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة.
إنه جهاد النساء، إنه جهاد المرأة الضعيفة، (الحج جهاد كل ضعيف)، جهاد الكبير والضعيف والمرأة، جهاد كل ضعيف، وغير قادر وغير مستطيع، وهو ينفي الفقر، (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب)، ودعوته مستجابة –أي الحاج–، وهو في ذمة الله وحفظه وضمانه إذا خرج إلى هذه العبادة.
أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة، فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، يقول: (هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني، فكيف لو رأوني، فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك).
اللهم ارزقنا تقواك، وأسعدنا بطاعتك، ولا تشقنا بمعصيتك، اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك تائبين، إليك منيبين، تقبل عملنا، واغفر ذنبنا، وارفع درجاتنا يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. | |
|