زائر زائر
| موضوع: مع قوله تعالى (تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ الأحد نوفمبر 06, 2011 10:16 pm | |
| الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً *
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
وأشهد أنْ لاَّ إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ جعلَ لكلِ أجلٍ كتاباً ولكلِ عملٍ حساباً وأشهدُ
أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أرسله الله شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً بلغ الرسالة وأدى
الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آلِهِ وصحبهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ‘حبتى فى الله
عباد الله إن مما خص الله به نبي هذه الأمة محمداً صلى الله عليه وسلم قوله تعالى فى سورة الأحزاب
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ
عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن
يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ
حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)
قال القرطبي رحمه الله :
روى السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت: خطبني رسول الله فاعتذرت إليه فعذرني، ثم
أنزل الله تعالى:
" إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ
وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ "
قالت: فلم أكن أحل له؛ لأني لم أهاجر، كنت من
الطلقاء. خرجه أبو عيسى وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال ابن العربي: وهو ضعيف جدا
ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج بها.
لما خير رسول الله نساءه فاخترنه، حرم عليه التزوج بغيرهن والاستبدال بهن، مكافأة لهن على فعلهن. والدليل على ذلك قوله تعالى:
(لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً) (الأحزاب : 52 ).
وهل كان يحل له أن يطلق واحدة منهن بعد ذلك؟ فقيل: لا يحل له ذلك عزاء لهن على اختيارهن له. وقيل: كان يحل له ذلك كغيره من الناس ولكن لا يتزوج بدلها. ثم نسخ هذا
التحريم فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء، والدليل عليه قوله تعالى:
" إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ " والإحلال يقتضي تقدم حظر. وزوجاته اللاتي في حياته لم يكنَّ محرمات عليه، وإنما كان حرم عليه التزويج بالأجنبيات
فانصرف الإحلال إليهن، ولأنه. قال في سياق الآية " وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي
هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " .
ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ولا من بنات عماته ولا من بنات خاله ولا من بنات خالاته، فثبت أنه
أحل له التزويج بها ابتداء. وهذه الآية وإن كانت مقدمة في التلاوة فهي متأخرة النزول على الآية المنسوخة بها،
كآيتي الوفاة في "البقرة".
وقد اختلف الناس في تأويل قوله تعالى:
" إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ "
فقيل:
المراد بها أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها، قاله ابن زيد والضحاك. فعلى هذا تكون الآية
مبيحة جميع النساء حاشا ذوات المحارم. وقيل: المراد
"أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ"، أي الكائنات عندك، لأنهن قد اخترنك على الدنيا والآخرة، قال الجمهور من العلماء. وهو
الظاهر، لأن قوله: " آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ "
ماض، ولا يكون الفعل الماضي بمعنى الاستقبال إلا بشروط. ومجيء الأمرُ على هذا التأويل ضيقاًَ على النبي .
ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس: كان رسول الله يتزوج في أي الناس شاء، وكان يشق ذلك على نسائه، فلما
نزلت. هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمى، سر نساؤه بذلك.
قلت:
والقول الأول أصح لما ذكرناه ويدل أيضاً على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال ؛ قالت عائشة رضي الله
عنها: ما مات رسول الله حتى أحل الله تعالى له النساء. قال: هذا حديث حسن صحيح.
قوله تعالى:
" وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " أحل الله تعالى السراري لنبيه ولأمته مطلقا، وأحل الأزواج لنبيه مطلقا، وأحله للخلق
بعدد. " مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ " أي رده عليك من الكفار. والغنيمة قد تسمى فيئا، أي مما أفاء الله عليك من النساء
بالمأخوذ على وجه القهر والغلبة.
قوله تعالى: " وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ " أي أحللنا لك ذلك زائدا من الأزواج اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت
يمينك، على قول الجمهور، لأنه لو أراد أحللنا لك كل امرأة تزوجت وأتيت أجرها، لما قال بعد ذلك: " وَبَنَاتِ عَمِّكَ
وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ " لأن ذلك داخل فيما تقدم.
قلت: وهذا لا يلزم، وإنما خص هؤلاء بالذكر تشريفا، كما قال تعالى: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)
(الرحمن : 68 ) والله أعلم. قوله تعالى: " اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ "
فيه قولان:
الأول:
لا يحل لك من قرابتك كبنات عمك العباس وغيره من أولاد عبدالمطلب، وبنات أولاد بنات عبدالمطلب، وبنات
الخال من ولد بنات عبد مناف بن زهرة إلا من أسلم، لقوله :
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه).
الثاني:
لا يحل لك منهن إلا من هاجر إلى المدينة، لقوله تعالى.
( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ ٌ) (الأنفال : 72 ) ا"
ومن لم يهاجر لم يكمل، ومن لم يكمل لم يصلح للنبي الذي كمل وشرف وعظم، . قوله تعالى "معك" المعية هنا الاشتراك في الهجرة لا في الصحة فيها، ومن هاجر حل له، كان في صحبته إذ
هاجر أو لم يكن. يقال:
دخل فلان معي وخرج معي، أي كان عمله كعملي وإن لم يقترن فيه عملكما. ولو قلت: خرجنا معا لاقتضى ذلك
المعنيين جميعا: الاشتراك في الفعل، والاقتران فيه.
ذكر الله تبارك وتعالى العم فرداً والعمات جمعاً. وكذلك قال:
"خالك"، "و"خالاتك" والحكمة في ذلك: أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز، وليس كذلك
العمة والخالة. وهذا عرف لغوي، فجاء الكلام عليه بغاية البيان لرفع الإشكال، وهذا دقيق فتأملوه، قاله ابن العربي.
قوله تعالى:
" وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً "
عطف على "أَحْلَلْنَا" المعنى وأحللنا لك كلَّ امرأة تهب نفسها من غير صداق. وقد اختلف في هذا المعنى، فروي
عن ابن عباس أنه قال:
لم تكن. عند رسول الله امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين. فأما الهبة فلم يكن عنده منهن أحد. وقال قوم: كانت عنده موهوبة. قلت: والذي في الصحيحين يقوي هذا القول ويعضده، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله وأقول: أما تستحي امرأة تهب نفسها لرجل! حتى أنزل الله تعالى "
(تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) (الأحزاب : 51 ) فقلت:
والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. وروى البخاري عن عائشة أنها قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللائي
وهبن أنفسهن لرسول الله فدل هذا على أنهن كن غير واحدة. والله تعالى أعلم. قال الزمخشري: وقيل الموهبات
أربع: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم . قلت: وفي بعض هذا اختلاف. قال قتادة: هي ميمونة بنت الحارث. وقال الشعبي: هي زينب بنت خزيمة أم
المساكين امرأة من الأنصار.
وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل: هي أم شريك بنت جابر الأسدية. وقال
عروة. بن الزبير: أم حكيم بنت الأوقص السلمية.
وقد اختلف في اسم الواهبة نفسها، فقيل هي أم شريك الأنصارية، اسمها غزية. وقيل غزيلة. وقيل ليلى بنت حكيم. وقيل: هي ميمونة بنت الحارث حين خطبها النبي
، فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت: البعير وما عليه لرسول الله . وقيل: هي أم شريك العامرية، وكانت
عند أبي العكر الأزدي. وقيل عند الطفيل بن الحارث فولدت له شريكا. وقيل: إن رسول الله تزوجها، ولم يثبت ذلك. والله تعالى أعلم، ذكره أبو عمر بن عبدالبر. وقال الشعبي وعروة: هي زينب بنت خزيمة أم المساكين. والله تعالى أعلم.
قرأ جمهور الناس " إِن وَهَبَتْ " بكسر الألف، وهذا يقتضي استئناف الأمر، أي إن وقع فهو حلال له. وقد روي عن ابن عباس
ومجاهد أنهما قالا:
لم يكن عند النبي امرأة موهوبة، وقد دللنا على خلافه. وروى الأئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح: أن
امرأة قالت لرسول الله :
جئت أهب لك نفسي، فسكت حتى قام رجل فقال: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فلو
كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه، أنه يحتمل أن يكون سكوته
منتظرا بيانا، فنزلت الآية. بالتحليل والتخيير، فاختار تركها وزوجها من غيره. ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في
ذلك حتى قام الرجل لها طالبا. وقرأ الحسن البصري وأبى بن كعب والشعبي "أن" يفتح الألف. وقرأ الأعمش
"وامرأة مؤمنة وهبت". قال النحاس: وكسر "إن" أجمع للمعاني، لأنه قيل إنهن نساء. وإذا فتح كان المعنى. على
واحدة بعينها، لأن الفتح على البدل من امرأة، أو بمعنى لأن.
قوله تعالى:
" مُّؤْمِنَةً " يدل على أن الكافرة لا تحل له. قال إمام الحرمين: وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه. قال ابن
العربي: والصحيح عندي تحريمها عليه. وبهذا يتميز علينا، فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه
أكثر، وما كان جانب النقائص فجانبه عنها أطهر؛ فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات، وقصر هو لجلالته على
المؤمنات. وبهذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة فأحرى ألا تحل له الكافرة الكتابية لنقصان الكفر.
و " إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا " دليل على أن النكاح عقد معاوضة على صفات مخصوصة، قد تقدمت في "النساء"
وغيرها. وقال الزجاج: معنى " إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ " حلت. وقرأ الحسن: "إن وهبت" بفتح الهمزة. و"أن" في
موضع نصب. قال الزجاج: أي لأن. وقال غيره:
"إن وهبت" بدل اشتمال من "امرأة".
قوله تعالى:
أَن يَسْتَنكِحَهَا " أي إذا وهبت المرأة نفسها وقبلها النبي حلت له، وإن لم يقبلها لم يلزم ذلك. كما
إذا وهبت لرجل، شيئا فلا يجب عليه القبول، بيْد أنَّ من مكارم أخلاق نبينا أن يقبل من الواهب هبته. ويرى
الأكارم أن ردها هجنة في العادة، ووصمة على الواهب وأذية لقلبه، فبين اللهُ ذلك في حق رسول وجعله قرآنا
يتلى، ليرفع عنه الحرج، ويُبطِل بُطْلَ الناس في عادتهم وقولهم.
قوله تعالى
" خَالِصَةً لَّكَ " أي هبة النساء أنفسهن خالصة ومزية لا تجوز، فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل. ووجه
الخاصية أنها لو طلبت فرض المهر قبل الدخول لم يكن لها ذلك. فأما فيما بينَّا فللمفوضة طلب المهر قبل الدخول،
ومهر المثل بعد الدخول.
أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز، وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح، إلا ما روي عن أبي
حنيفة وصاحبيه فإنهم قالوا: إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر فذلك جائز. قال ابن عطية: فليس في قولهم إلا
تجويز العبارة ولفظة الهبة، وإلا فالأفعال التي أشترطوها هي أفعال النكاح بعينه...
خص الله تعالى رسوله في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد
في باب الفرض والتحريم والتحليل - مزية على الأمة وهبت له، ومرتبة خص بها، ففرضت عليه أشياء ما
فرضت على غيره، وحرمت عليه أفعال لم تحرم عليهم، وحللت له أشياء لم تحلل لهم، منها متفق عليه ومختلف فيه.
فأما ما فرض عليه فتسعة: الأول -
التهجد بالليل، يقال:
إن قيام الليل كان واجبا عليه إلى أن مات، لقوله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً " [المزمل: 1 -
4] الآية. والمنصوص أنه كان، واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى: "
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) (الإسراء : 79 ) .
الثاني: الضحى. الثالث: الأضحى. الرابع: الوتر، وهو يدخل في قسم التهجد. الخامس: السواك. السادس: قضاء دين من
مات معسرا. السابع: مشاورة ذوي الأحلام في غير الشرائع. الثامن: تخير النساء. التاسع: إذا عمل عملا أثبته. زاد
غيره: وكان يجب عليه إذا رأى منكرا أنكره وأظهره، لأن إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه، ذكره صاحب
البيان.
وأما ما حرم عليه فجملته عشرة: الأول:
تحريم الزكاة عليه وعلى آله. الثاني: صدقة التطوع عليه، وفي آله تفصيل باختلاف. الثالث: خائنة الأعين، وهو
أن يظهر خلاف ما يضمر، أو ينخدع عما يجب. وقد ذم بعض الكفار عند إذنه ثم ألان له القول عند دخول. الرابع:
حرم الله عليه إذا ليس بأمته أن يخلعها عنه أو يحكم الله بينه وبين محاربه. الخامس: الأكل متكئا. السادس: أكل
الأطعمة الكريهة الرائحة. السابع: التبدل بأزواجه، وسيأتي. الثامن: نكاح امرأة تكره صحبته. التاسع: نكاح الحرة
الكتابية. العاشر: نكاح الأمة.
وحرم الله عليه أشياء لم يحرمها غيره تنزيها له وتطهيرا. فحرم الله عليه الكتابة وقول الشعر وتعليمه، تأكيدا
لحجته وبيانا لمعجزته قال الله تعالى: "(وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت : 48 ).
وذكر النقاش أن النبي ما مات حتى كتب، والأول هو المشهور. وحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس، قال الله تعالى:
"(لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر : 88 ).
وأما ما أحل له فجملته ستة عشر: الأول: صفي المغنم. الثاني: الاستبداد بخمس الخمس أو الخمس. الثالث:
الوصال. الرابع: الزيادة على أربع نسوة. الخامس: النكاح بلفظ الهبة. السادس: النكاح بغير ولي. السابع: النكاح
بغير صداق. الثامن: نكاحه في حالة الإحرام. التاسع: سقوط القسم بين الأزواج عنه، وسيأتي. العاشر: إذا وقع
بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها، وحل له نكاحها. قال ابن العربي: هكذا قال إمام الحرمين، وقد مضى
ما للعلماء في قصة زيد من هذا المعنى. الحادي عشر: أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. الثاني عشر: دخول
مكة بغير إحرام، وفي حقنا فيه اختلاف. الثالث عشر: القتال بمكة. الرابع عشر: أنه لا يورث. وإنما ذكر هذا في
قسم التحليل لأن الرجل إذا قال الموت بالمرض زال عنه أكثر ملكه، ولم يبق له إلا الثلث خالصا، وبقي ملك
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرر بيانه في آية المواريث، وسورة "مريم" بيانه أيضا.الخامس عشر بقاء
زوجيته من بعد الموت. السادس عشر: إذا طلق امرأة تبقى حرمته عليها فلا تنكح. ....
وأبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام، والشراب من الجائع والعطشان، وإن كان من هو معه يخاف على نفس
ه الهلاك، لقوله تعالى:
"(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (الأحزاب : 6 ) "
. وعلى كل أحد من المسلمين أن يقي النبي
بنفسه. وأبيح له أن يحمي لنفسه. وأكرمه الله بتحليل الغنائم. وجعلت الأرض له ولأمته. مسجدا وطهورا. وكان
من الأنبياء من لا تصح صلاتهم إلا في المساجد. ونصر بالرعب، فكان يخافه العدو من مسيرة شهر. وبعث إلى
كافة الخلق، وقد كان من قبله من الأنبياء يبعث. الواحد إلى بعض الناس دون بعض. وجعلت معجزاته كمعجزات
الأنبياء قبله وزيادة. وكانت معجزة موسى عليه السلام العصا وانفجار الماء من الصخرة وقد أنشق القمر للنبي
وخرج الماء من أبين أصابعه وكانت معجزة عيسى عليه السلام إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. وقد سبح
الحصى في يد النبي ، وحن الجذع إليه، وهذا أبلغ. وفضَّله الله عليهم بأن جعل القرآن معجزة له، وجعل معجزته
فيه باقية إلى يوم القيامة، ولهذا جعلت نبوته مؤبدة لا تنسخ إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: "أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا" أي ينكحها، يقال: نكح واستنكح، مثل عجب واستعجب، وعجل واستعجل. ويجوز أن
يرد الاستنكاح بمعنى طلب النكاح، أو طلب الوطء. و"خَالِصَةً " نصب على الحال، قال الزجاج. وقيل: حال من
ضمير متصل بفعل مضمر دل عليه المضمر، تقديره: أحللنا لك أزواجك، وأحللنا لك امرأة مؤمنة أحللناها خالصة، بلفظ الهبة وبغير صداق وبغير ولي.
قوله تعالى:
"مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك
دخول، لأن تصريف الأحكام إنما يكون فيهم على تقدير الإسلام.
قوله تعالى
( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ)
:أي ما أوجبنا على المؤمنين، وهو ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة وولي. قال معناه أبي بن كعب وقتاه وغيرهما.
قوله تعالى: " لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ " أي ضيق في أمر أنت فيه محتاج إلى السعة، أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا
الشرح
"لكيلا يكون عليك حرج".
فـ "لكيلا" متعلق بقوله: "إنا أحللنا أزواجك" أي فلا يضيق قلبك حتى يظهر منك أنك قد أثمت عند ربك، في شيء. ثم آنس تعالى جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته فقال تعالى: " وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ". وقال السعدي رحمه الله :
قوله تعالى : "وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" أي : لم يزل متصفاً بالمغفرة والرحمة ، وينزل على عباده من مغفرته
ورحمته ، وجوده وإحسانه ، ما اقتضته حكمته ، ووجدت منهم أسبابه .
هذا ولله الحمد وصل الله على رسول |
|