تفسير قوله تعالى: يدبر الأمر
ما معنى: الله هو مدبر الأمور؟ وهل هو مسهلها ويجب أن تكون نتيجة للأمر؟ أم أن تسهيل الأمر هو تدبير دون نتيجة؟ أم تلزم النتيجة لقول إنه تدبير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد أخبرنا في القرآن بأنه يدبر الأمر، وتدبير الأمر يعم تقديره وتسهيله وإنفاذه على أحسن حال وأحمده عاقبة ، فقد قال البيضاوي: يدبر الأمر ـ يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته، ويهيئ بتحريكه أسبابها وينزلها منه، والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة. اهـ.
وقال ابن كثير: يدبر الأمر ـ أي: يدبر أمر الخلائق: لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض { سبأ: 3} ولا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلظه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير، في الجبال والبحار والعمران والقفار: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين {هود: 6} وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين {الأنعام: 59}. اهـ.
وقال الألوسي: وقوله تعالى: يدبر الأمر ـ استئناف لبيان حكمة استوائه جل وعلا على العرش وتقرير عظمته، والتدبير في اللغة النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المحمود، والمراد به هنا: التقدير الجاري على وفق الحكمة والوجه الأتم الأكمل، وأخرج أبو الشيخ وغيره عن مجاهد أن المعنى يقضي الأمر، والمراد بالأمر أمر الكائنات علويها وسفليها حتى العرش، فأل فيه للعهد أي يقدر أمر ذلك كله على الوجه الفائق، والنمط اللائق حسبما تقتضيه المصلحة وتستدعيه الحكمة، ويدخل فيما ذكر ما تعجبوا منه دخولا ظاهرا، وزعم بعضهم أن المعنى يدبر ذلك على ما اقتضته حكمته، ويهيئ أسبابه بسبب تحريك العرش، وهو فلك الأفلاك عندهم، وبحركته يحرك غيره من الأفلاك الممثلة وغيرها لقوة نفسه، وقيل: لأن الكل في جوفه فيلزم من حركته حركته لزوم