زائر زائر
| موضوع: تفسير قوله تعالى : ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) وردّ شبهة تناقض آي القرآن . الجمعة نوفمبر 09, 2012 4:46 pm | |
| تفسير قوله تعالى : ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) وردّ شبهة تناقض آي القرآن .
السؤال: هناك من غير المسلمين من يدّعي وجود تناقض في القرآن الكريم وذلك بخصوص من هو المسلم الأول ، فبعض الآيات ذكرت أن موسى عليه السلام كان أول المسلمين ، وآيات أخرى ذكرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول المسلمين ، وآية أخرى ذكرت أن إبراهيم عليه السلام هو أول المسلمين ، وآيات ذكرت أنه آدم عليه السلام . فكيف نردّ على هذه الشبهه؟ لجواب : الحمد لله أولا : نزل القرآن المجيد يصدق بعضه بعضا ، فلا تناقض فيه ولا اختلاف ، قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 . القرآن الكريم كلام الله تعالى ، لا يمكن أن يقع فيه التناقض والاختلاف ، وإنما يقع التناقض إذا كان المتكلم ممن يجوز عليه الخطأ ، والله تعالى منزه عن ذلك . قال الله سبحانه : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82 . ولهذا وقع الاختلاف والتناقض في الأناجيل التي بين أيدي النصارى لأنها كتبها أناس غير معصومين ، وقد بَيَّن العلامة رحمة الله الهندي رحمه الله في كتابه "إظهار الحق" وجود 125 اختلافاً وتناقضاً في كتابهم المقدس . والشبهة التي ذكرتها شبهة ضعيفة في غاية الضعف ، وجوابها من وجهين : الأول : أن الآيات التي فيها نفي التبديل لكلمات الله ، كقوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَـا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيـلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/64 . وقوله تعالى : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَـابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الكهف/27 ، المقصود منها أنه لا أحد يبدّل كلمات الله ، أما الله تعالى فله أن يبدل آية مكان آية ، وهو النسخ ، كما قال سبحانه : (وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَـا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) النحل/101 . وقال تعالى : (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/106 . وأما قوله تعالى : : (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/39 . فالمراد به المحو والإثبات في صحف الملائكة ، وينظر جواب السؤال رقم (43021) . والوجه الثاني : أن المراد بكلمات الله التي لا تبدل : كلماته الكونية ، كسننه في خلقه ، وما أخبر به من إثابة الطائعين ومعاقبة العاصين ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، فلا أحد يمكنه أن يبدل سنة الله وكلمته القدرية . ولهذا جاء في أول الآية : (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَـا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيـلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، فسنة الله وكلمته القدرية هنا : هي أن المؤمنين المتقين لهم البشرى في الحياة وبعد الممات ، فمن يمكنه أن يغير ذلك ؟! وأما قوله تعالى : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَـابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) فإن حمل المعنى على الكلمات الكونية ، فالأمر كما سبق . وإن حمل على الكلمات الشرعية ، أي القرآن الكريم الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا مبدل لهذا القرآن ، فقد تكفل الله سبحانه بحفظه . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "قوله : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) الكهف/27 . قوله : (مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ) ؛ يعني : القرآن ، والوحي لا يكون إلا قولا ؛ فهو إذا غير مخلوق . وقوله : (مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ) : أضافه إليه سبحانه وتعالى ؛ لأنه هو الذي تكلم به ، أنزله على محمد ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطة جبريل الأمين . (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) يعني : لا أحد يبدل كلمات الله ، أما الله عز وجل ؛ فيبدل آية مكان آية ؛ كما قال تعالى : (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) النحل/101 . وقوله : (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) : يشمل الكلمات الكونية والشرعية : - أما الكونية : فلا يستثنى منها شيء ، لا يمكن لأحد أن يبدل كلمات الله الكونية : إذا قضى الله على شخص بالموت ؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك . إذا قضى الله تعالى بالفقر ؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك . إذا قضى الله تعالى بالجدب ؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك . وكل هذه الأمور التي تحدث في الكون ؛ فإنها بقوله ؛ لقوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/82 . - أما الكلمات الشرعية ؛ فإنها قد تبدل من قبل أهل الكفر والنفاق ، فيبدلون الكلمات : إما بالمعنى ، وإما باللفظ إن استطاعوا ، أو بهما" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (8/ 370). والحاصل : أن كلمات الله تعالى الكونية لا يستطيع أحد تبديلها ، وكذلك كلماته الشرعية التي تكفل بحفظها وهي القرآن الكريم ، وهذا لا يعارض أن الله سبحانه ينسخ منها ما شاء ، وينزل آية مكان آية إذا أراد ، لأنه كما قال : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
ثانيا :
بيان أن أول رسل الله صلى الله عليهم وسلم إلى أهل الأرض هو نوح عليه السلام ، فهو أسبق الرسل زمانا إلى الإسلام .
" أول الرسل عليهم الصلاة والسلام نوح عليه الصلاة والسلام ، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل نوح فلم يبعث رسول ، وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا : إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان قبل نوح ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : في كتابه : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) النساء / 163 .
وفي الحديث الصحيح في قصة الشفاعة " أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له : أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض " فلا رسول قبل نوح ، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب / 40
وأما نزول عيسى بن مريم ، عليه السلام في آخر الزمان فإنه لا ينزل على أنه رسول مجدد ، بل ينزل على أنه حاكم بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأن الواجب على عيسى وعلى غيره من الأنبياء الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) آل عمران / 81 ، وهذا الرسول المصدق لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم كما صح ذلك عن ابن عباس وغيره ".
ثالثا : الأولوية في قول الله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) الأنعام/ 162، 163 . وقوله : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) الأعراف/ 143 . هي أولوية نسبية ؛ فكل نبي هو أول المسلمين من قومه ؛ حيث كان هو أول من دعاهم إلى الله ، فهو أولهم إسلاما ، وفائدة معرفة ذلك حيث كان معروفا فيهم بالصدق والأمانة أن يتابعوه ويقتدوا به ، وليبين لهم أنه لا يخالفهم فيما يأمرهم به ، بل يبادر إليه عن يقين تام . قال ابن عباس ومجاهد في قوله تعالى ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) : "يعني : من بني إسرائيل . واختاره ابن جرير. انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 /472) . وقال القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى : ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) قيل : من قومي ، وقيل : من بني إسرائيل في هذا العصر ، وقيل : .. بأنك لا ترى في الدنيا لوعدك السابق ، في ذلك " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (7 /279) .
وقال السدي في قوله : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) الزمر/ 11، 12 ، قال : " يعني من أمته صلى الله عليه وسلم " . "تفسير ابن كثير" (7 /89) .
وقال القرطبي رحمه الله : " فإن قيل : أو ليس إبراهيم والنبيون قبله ؟ قلنا عنه أجوبة ... ومنها : أنه أول المسلمين من أهل ملته ؛ قاله ابن العربي ، وهو قول قتادة وغيره " انتهى . "الجامع لأحكام القرآن" (7 /155) ، وينظر : "تفسير الطبري" (21 /270) .
ويدل عليه قول سحرة فرعون بعد أن آمنوا : ( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) الشعراء/ 51 ، ولم يكونوا أسبق إلى الإيمان بطبيعة الحال من موسى وهارون عليهما السلام ، وإنما المعنى أنهم أول المؤمنين عند ظهور الآية . "تفسير القرطبي" (13/98) ، "فتح القدير" (4/144)
وقيل : الأولوية هنا للدلالة على المبادرة إلى الإيمان وعدم التقاعس عنه والتواني ، فضلا عن الشك . فالأولوية لإثبات تمام اليقين وقوة الإيمان . قال ابن عاشور رحمه الله : " وقوله : ( وأنا أول المؤمنين ) : أطلق ( الأول ) على المُبادر إلى الإيمان ، وإطلاق الأول على المبادر مجاز شائع مساو للحقيقة ، والمرادُ به هنا وفي نظائره الكناية عن قوة إيمانه ، حتى إنه يبادر إليه حين تردد غيره فيه ، فهو للمبالغة ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : ( ولا تكونوا أولَ كافر به ) ، وقوله : ( وأنا أول المسلمين ) انتهى من "التحرير والتنوير" (9 /94) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله : " قوله: ( وأنا أول المسلمين ) ، يحتمل أن المراد الأولية الزمنية ، فيتعين أن تكون أولية إضافية ويكون المراد أنا أول المسلمين من هذه الأمة ؛ لأنه سبقه في الزمن من أسلموا . ويحتمل أن المراد الأولية المعنوية ؛ فإن أعظم الناس إسلاما وأتمهم انقيادا هو الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فتكون الأولية أولية مطلقة . ومثل هذا التعبير يقع كثيرا أن تقع الأولية أولية معنوية ، مثل أن تقول: أنا أول من يصدق بهذا الشيء ، وإن كان غيرك قد صدق قبلك ، لكن تريد أنك أسبق الناس تصديقا بذلك ، ولن يكون عندك إنكار أبدا ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أولى بالشك من إبراهيم ) ، حينما قال : ( رب أرني كيف تحي الموتى ) البقرة/260 . رواه البخاري (3372) ومسلم (151) . فليس معناه أن إبراهيم شاك ، لكن إن قدر أن يحصل شك فنحن أولى بالشك منه ، وإلا فلسنا نحن شاكين ، وكذلك إبراهيم ليس شاكا " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (9 /210) .
فالحاصل أن هذه الأولوية إما أن تكون أولوية زمانية ؛ فتكون حينئذ أولوية نسبية ، يعني : بحسب الزمان المعين ، أو قوم معينين ، أو تكون أولوية معنوية ؛ لتفيد تمام اليقين والإيمان ، وعدم حصول الشك . أما أول المسلمين من البشر على الإطلاق فهو آدم عليه السلام ؛ لأنه أبوهم .
فتبين بما تقدم أن لا تناقض في آي القرآن الحكيم ، وحاشاه من ذلك ، وأن من يدعي التناقض فيه فإنما يؤتى من جهله ، وفساد عقله .
ملاحظة : لم يرد في القرآن المجيد أن إبراهيم عليه السلام قال أنا أول المسلمين ، كما ورد في سؤال السائل. والله تعالى أعلم . |
|