زائر زائر
| موضوع: الاستبداد السياسي مدرسة فرعون تتكرر الإثنين أبريل 21, 2014 2:43 pm | |
| الاستبداد السياسي مدرسة فرعون تتكرر
الحمد لله الذي يعلم سر كل نفس ونجواها . أحاط علمه بكل شيء وعلِم مسالك النمل وعدد الرمل وأحصاها . أحمده سبحانه حمد من ارتقى في رتب الإخلاص إلى منتهاها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من طهر نفسه من الشرك وزكّاها . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأكمل الشرائع وأسناها . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وتمسكوا بعراها . وسلم تسليما كثيراً . أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وألجموا النفوس عن تعديها وطغواها . فليس لها والله إلا ما قدمت يداها . ولو كان لها يوم القيامة ملء الأرض ذهباً ما نفعها ولا أجداها . وبعد .. عباد الله : لقد كان فرعون مثلاً صارخاً للطاغية المتجبر ، وكان قومه صورة للأقوام التي خضعت وتابعت الطاغية ، ووصل الأمر بفرعون إلى ادعاء الألوهية والاستخفاف بعقول الناس ، والإعراض عن كل الآيات التي جاءته من الله حتى أهلكه الله وقومه . وأمرُ فرعون مثلٌ لكل طاغية يجاوز الحد في الظلم والتجبر والاستبداد والمعصية ، والاستخفاف بعقول الناس وإرادتهم ومصالحهم ، وكلما أنس منهم السكوت على ظلمه ، والخضوع لبغيه وعدوانه ازداد صلفاً وتجبراً وتمرداً ، حتى يصل إلى التألُّه ، وادعاء الإرادة المطلقة في مصائر الناس من حوله. وأول ملامح الطغاة وأدواتهم للاستبداد: أولاً: السلطة: فالأب المستبد يستغل نفوذه المالي وقوته الجسدية ومكانته المعنوية فى قهر أبنائه, والزوج المستبد يستغل حق القوامة(كما يفهمه) ويستغل تفوقه العضلي وربما المالي في إذلال زوجته ووأدها, والمسئول المستبد يستغل ما يملك من صلاحيات للتحكم فى رقاب مرؤسيه, والحاكم المستبد يستغل جنوده(الشرطة والجيش) لإرهاب رعيته ويستغل النظام السياسي الموالى له لإضفاء الشرعية على أفعاله وتجريد خصومه من تلك الشرعية ووصفهم بالتآمر والخيانة والإفساد في الأرض وتعكير صفو الأمن. والقرآن يصور هذا الموقف فى قوله تعالى: ﴿إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ﴾ [القصص: 8]. وقوله ﴿فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ [القصص :40]. ثانياً: المال: ومن لا يصلح معه الترهيب بالسلطة يصلح معه الترغيب بالمال, ولهذا يحرص المستبد على إمساك الثروة في يده لتكون وسيلة ضغط على من تحت يده ووسيلة ترغيب وشراء ذمم. ثالثاً: المناصب: ينتقى المستبد من بين الناس أولئك المتعطشين للمناصب والراغبين فى العلو بأي ثمن فيستخدمهم ويستعملهم كدروع له وكأدوات لحمايته وتبريد أفعاله وتمجيده وتحلية صورته أمام العامة. رابعاً: الإعلام: فالمستبد يحتاج لمن يدارى سوءاته ويزين عوراته ويسوق مشروعاته وأفكاره بين الناس ويبرر أخطائه ويحولها إلى انتصارات ويمارس التزييف للوعي والتخدير للعقول ودغدغة المشاعر طول الوقت. ومن هنا يمكن أن نعتبر الإعلاميين الموالين لأي مستبد بمثابة سحرة فرعون الذين كانت مهمتهم أن يسحروا أعين الناس بمعنى تزييف وعيهم. خامساً: رجال الدين: ونقصد بهم فئة معينة من رجال الدين يقبلون إضفاء شرعية دينية على فكرة الاستبداد وإضفاء شرعية على كل أفعال المستبد واستغلال المفاهيم الدينية لتبرير وتمرير كل ما يقوم به المستبد, وإصدار الفتاوى المبنية على تفسيرات تلوى عنق الحقيقة لمصلحة المستبد. وكل مستبد يسعى إلى تقريب عدد من رجال الدين(حتى ولو كان هو ملحداً أو علمانياً) لمعرفته بقيمة الدين لدى الناس وتأثرهم به. أيها المسلمون: المستبد يصنعه الناس ومن حوله: قد يبدو للنظر القصير أن مجموعة المحيطين بالمستبد ضحايا له إذ يعانون من استبداده ويتحملونه على مضض وهذا صحيح من جانب واحد أما الجانب الآخر فهو أنهم شاركوا في صنع هذا المستبد, بعضهم شارك بالأقوال والأفعال التي ضخمت ذات المستبد (كالمدح والثناء والتبرير لكل صفات المستبد وأفعاله والمشاركة في تنفيذ مشروعات المستبد) وبعضهم الآخر شارك بالصمت والانكماش مما سمح لصوت المستبد أن يعلو عمن سواه وسمح لذاته أن تتمدد في الفراغ الذي انسحب منه الآخرون كرهاً أو طوعاً. ولهذا كانت قاعدة تغيير المنكر واجبة وفاعلة على مختلف مستويات القدرة من اليد إلى اللسان إلى القلب(والاستبداد من أخطر المنكرات): «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع, فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » ...وقوله ^ "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". وعلى الرغم من أن التغيير بالقلب يبدو هافتاً وضعيفاً إلا أنه مهم جداً حين يعجز الإنسان عن التغيير بالوسائل الأخرى(اليد واللسان) فبقاء الرفض القلبي للمنكر هو بمثابة بذرة للخير وجذوة للحق تظل كامنة إلى أن تتاح لها الظروف للنمو والظهور ولولاها لاختفى الخير وضاع الحق إلى الأبد. والناس يدفعون ثمن سكوتهم على الاستبداد مرتين مرة في الدنيا ومرة في الآخرة ففي الدنيا فساد وضياع ومعاناة وفى الآخرة عذاب شديد, وكأن الاستبداد خطيئة دنيوية وأخروية معاً. عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عُجْره: «أعاذك الله من إمارة السفهاء يا كعب» قال وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدى, لا يهدون بهديى, ولا يستنون بسنتي, فمن صدقهم بكذبهم, وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منى ولست منهم ولا يردون على حوضي, ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم, أولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي» (رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح, كما في إلى الترغيب للمنذرى, والزوائد للهيثمى5/247) . وعن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم, فقد تودع منهم» (رواه أحمد فى المسند, وصحح شاكر إسناده (6521) ونسبه الهيثمى للبزار أيضاً بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح 7/262, والحاكم وصححه ووافقه الذهبى 4/96). وعلى الرغم من حذر المستبد(فرعون, أي فرعون) ويقظته وحرصه على التخلص من كل الرجال المنافسين أو المهددين لملكه إلا أن هذا الحذر لا يمنع نفاذ مشيئة الله في انهيار ملكه وتمكين أولئك الذين استضعفهم وأذلهم: ﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين, ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ [القصص:6,5] . وفرعون وجنوده كأي مستبد يستخدم التعذيب ليرهب الناس قال تعالى: ﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ﴾[البقرة :49]، وفرعون يجلب على قومه الشح والفقر﴿ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات﴾ [الأعراف: 130]. وفرعون يبنى مجداً زائفاً قضت مشيئة الله أن يدمر﴿ ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ﴾ [الأعراف:137]. وفرعون وحاشيته لا يؤمنون بآيات الله حتى وإن تظاهروا بالإيمان وتوشحوا بالدين ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله﴾ [الأنفال: 52] ولسان حالهم يفضحهم فأفعالهم توحي بتكذيب آيات الله ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم ﴾[الأنفال:54]. ومصير فرعون وأعوانه الهلاك ﴿فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون﴾[الأنفال:54]. وفرعون لا يتورع عن استخدام كل الوسائل للدعاية لنفسه وتزيين صورته فلكل فرعون سحرة (إعلاميون) يمارسون تزييف وعى الناس وإبهارهم بالصورة أو بالكلمة أو بالفعل﴿ وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم﴾ [ يونس:79]. وفرعون يحرص على تخويف الناس وفتنهم ﴿على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ﴾[يونس:83]. وفرعون يستعلى دائما في الأرض ويتسم بالإسراف والطغيان وتجاوز كل الحدود ﴿وإن فرعون لعالٍ في الأرض وإنه لمن المسرفين﴾ (يونس:83). وفرعون يحرص على التحلي بمظاهر الزينة والفخامة ليحيط نفسه بهالات الملك والعز ليبهر بها أعين الناس ويحرص على امتلاك المال ليضمن به النفوذ والقدرة ويستخدمه في شراء الذمم ﴿وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً﴾ [يونس:88]. وفرعون لا يهدأ ولا ينام بل يتتبع أعداءه أينما ذهبوا بعيونه وببطشه ﴿وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده﴾ [يونس:90]. وفرعون يفتقد للرأي الرشيد ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾(هود:97). وفرعون لا يتردد أن يلصق التهم بمعارضيه لينفر الناس منهم : ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً﴾(الإسراء: من الآية101). اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. إنك على كل شيء قدير. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |
|