زائر زائر
| موضوع: حالنا مع صيام رمضان ومع القرآن "تقييم ومحاسبة" الخميس أغسطس 01, 2013 2:29 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فقد كُتب مقالٌ في مطلع هذا الشهر بعنوان " صيام رمضان وثمار التقوى " وأفادت نصوص الكتاب والسنة التي سيقت فيه أن صيام رمضان سبب لتحقيق التقوى، وأن التقوى هي سبب سعادة العباد في دنياهم وآخرتهم، كما أفادت تلك النصوص أن الصيام المؤثِّر في تحقيق التقوى ومغفرة الذنوب مشروط بأمور يجب أن يراعيها الصائم.
والتقوى - بلا شك - هي مطلب كل مؤمن ومؤمنة، والحرص على الإتيان بالصيام على الوجه الذي دلت عليه تلك النصوص هو صفة أهل الإيمان، لكن بما أن النفس البشرية قد يعتريها الملل والفتور، وقد يعرض لها ما يحملها على التفريط والقصور، فيحسن بالحريص على جَنْيِ ثمار جهده – وقد مضى معظم الشهر – أن يقف مع نفسه وقفة تقييم لما مضى من صيامه ومحاسبة، فينظر هل كان ما مضى منه وفق الصفة التي دلت عليها تلك النصوص أم أنه قد حصل فيه شيء من المخالفات، فإن كانت الأولى حمد الله وسأله الثبات، وإن كانت الأخرى – لا قدر الله – أعتب على نفسه وسأل الله التجاوز عنها، ثم يقبل على صيام ما تبقى من أيام الشهر بعزيمة قوية ونية صادقة على الإحسان والانضباط.
ووقفة التقييم والمحسابة يجب أن تشمل حال المؤمن مع كتاب ربه –عز وجل- فحال المؤمن مع القرآن في شهر رمضان ينبغي أن يكون أفضل من حاله معه في أي شهر آخر، فشهر رمضان والقرآن بينهما علاقة وثيقة قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{ [البقرة:185]، قال الحافظ بن كثير رحمه الله في معنى الآية: "يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بانه اختاره من بينهن بإنزال القرآن العظيم فيه" [تفسير ابن كثير: 1/501]، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح يراعون تلك العلاقة بين شهر رمضان والقرآن، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يدارسه جبريل -عليه السلام- القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، كما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه [1/8: ح6]، ويقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله-: "كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وفي غيرها". [لطائف المعارف: ص:171].
وتلاوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح للقرآن كانت مصحوبة بالتدبر والعمل، ففي صحيح مسلم عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المئة، ثم مضى، فقلت يصلى بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ .... " [صحيح مسلم: 1/536]، وفي مستدرك الحاكم عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "لقد عشت برهة من دهري وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين" [المستدرك: 1/35]، وفي صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول، أنزل الله }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ [النور: 31] شققن مروطهن فاختمرن بها ". [6/109]. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " (اختمرن) أي غطين وجوههن". [فتح الباري: 8/49].
وهذا الحال الذي كان عليه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجالا ونساء قد علموه تلامذتهم وسبق قول ابن عمر "كما تعلمون أنتم القرآن"، وهو الحال الذي أنزل الله القرآن من أجله قال تعالى: }الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ{ [البقرة:121] فقد فسر ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، والحسن البصري وقتادة رحمهما الله التلاوة هنا: بالعمل والاتباع. [تفسير القرطبي: 2/95]. ويقول الإمام الآجرِّي -رحمه الله- : "فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن كالمرآة يرى فيها ما حسن من فعله وما قبح منه، فما حذره مولاه حذره، وما خوفه خافه، وما رغبه فيه رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوتهن ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً وحرزاً". [أخلاق حملة القرآن: ص:29].
وعلى هذا الحال - الذي أراده الله تبارك وتعالى من عباده المؤمنين مع القرآن وكان عليه عمل الصحابة رجالاً ونساءً- ينبغي لكل مؤمن ومؤمنة أن يقيم حاله مع كتاب ربه، فإن وجد نفسه سالكاً سبيل القوم فليحمد الله ويسأله التثبيت، وإن وجد غير ذلك – لا قدر الله – فليبادر التوبة النصوح وليتدارك حاله فيما بقي من أيام وليال هذا الشهر فالعبرة بالخواتيم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتجاوز عن تقصيرنا فيما سلف وأن يمن على الجميع بعونه وتوفيقه لحسن الختام، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ملحوظة: من أراد المزيد عن أحوال الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم مع القرآن فيمكنه الرجوع لكتاب "النصحية لكتاب الله" لكاتب هذه الأسطر.
|
|