أطوار البلاء على الميت في قبره ، والدعاء له عند ذلك !!
---------------
لسؤال :
اعتاد بعض المسلمين بعد انقضاء ثلاثة أيام على موت الميت أن يدعوا له لمدة عشرة أيام ، أو عشرين يوماً ، أو ثلاثين ، أو أربعين . وقد سمعت أن جسد الميت يمر بعدة أطوار من البلايا والمحن خلال كل هذه المدة . ففي الثلاثة الأيام الاولى قيل : إن رأسه ينفجر ، وفي العشرة الأيام تتعرض معدته للانفجار ، إلى أن ينفجر جسده بالكلية في اليوم الأربعين ، لذا استُحب أن يُدعى له في هذه الأيام .
فهل هذا صحيح ؟
-----------------
الجواب :
الحمد لله
أولا :
أن الدعاء للميت بعد دفنه من السنة ؛ لما رواه أبو داود (3221 ) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم : إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : ( اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ ) " . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
ثانيا :
الدعاء لأموات المسلمين عامة ، وللأدنين الأقربين خاصة مشروع أيضا على وجه العموم وفي أي وقت بدون تخصيص ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) الحشر/ 10 ، وقول إبراهيم عليه السلام : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/ 41 ، وقول نوح عليه السلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) نوح/ 28 ، وقال عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) محمد/19 .
ثالثا :
إمهال الميت ثلاثة أيام ثم الدعاء له لمدة عشرة أيام أو عشرين يوماً أو ثلاثين أو أربعين ، بدعوى أن جسده يمر بعدة أطوار من البلايا خلال هذه المدة ، فعل مخالف للسنة ، ودعوى معراة عن الدليل ، وبدعة محدثة .
أما مخالفة السنة :
فلأن السنة ما تقدم من الدعاء للميت عند القبر بعد دفنه مباشرة ، ثم الدعاء لأموات المسلمين عموما وخصوصا مطلقا بغير تحديد لمدة أو زمن معين .
أما كون ما ذكر مجرد دعوى لا دليل عليها :
فلأن هذا الكلام لا يعرف في السنة ، ولا نعلم أحدا من السلف أو أئمة المسلمين وعلمائهم ذكره ، ولا نعلمه عن علماء الطب والتشريح في العصر الحديث .
فقول القائل أن الميت تنفجر رأسه في الأيام الثلاثة الأولى ، وتنفجر معدته بعد عشرة أيام ، وينفجر جسده كله في اليوم الأربعين قول باطل ودعوى مزيفة لا دليل عليها ، ولعل هذا الكلام هو أصل عمل بدعة الأربعين للميت ، حيث تقام الشوادر ، ويحضر الناس للعزاء ، ويتلو القارئ القرآن ، وقد نص العلماء على أن هذا العمل بدعة .
فسئل ابن عثيمين رحمه الله :
ما الحكم في عمل أربعين للمتوفى يقرأ فيها القرآن ويجتمع الناس للتعزية ؟
فأجاب : " هذه من البدع التي يصنعها بعض الناس إذا تم الميت أربعين يوماً أقاموا له مأتماً يجتمعون فيه إلى بيت الميت ويقرؤون القرآن وينيرون المكان وهو في الحقيقة من باب تجديد الحزن المنهي عنه " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (9/ 2) بترقيم الشاملة .
وذكرى الأربعين عادة فرعونية .
وللناس في ذلك عادات مختلفة كلها من البدع المنكرة المنهي عنها .
سئل ابن عثيمين رحمه الله :
عندما يمضي سبعة أيام على الميت يقوم أهل الفقيد من النساء بالذهاب إليه في المقبرة ، ويقومون بالبكاء مرة أخرى ، وعندما يكمل خمسة عشرة يوماً يكررون نفس الطريقة ، ومرة أخرى عندما يكمل الأربعين ويقومون بالحزن عليه لمدة عام أو أكثر ويحرمون الصغار من اللعب والمرح ، هل يجوز أم لا ؟
فأجاب :
" لا يجوز هذا العمل ؛ لأن زيارة المرأة للمقابر إذا خرجت من بيتها لهذا القصد، فإنها ملعونة والعياذ بالله ، وكذلك الإحداد لمدة عام كله من المنكر الذي لا يجوز " انتهى باختصار من "فتاوى نور على الدرب" (9/ 2) .
وكذلك فإن مدة الثلاثة أيام المذكورة كانت من عمل الناس أيضا ، حيث كانوا يقيمون سرادقات العزاء لميتهم مدة ثلاثة أيام ، يتلون القرآن ويتلقون العزاء ، وهذا أيضا من البدع .
وأما كون هذا الترتيب في الدعاء والاستغفار للميت من البدعة :
فلأنه شيء محدث لا أصل له ، ولا نعرف أحدا قال به من علماء المسلمين ، فضلا عن أن يكون له أصل في السنة أو عمل الصحابة .
رابعا :
أما مراحل تحلل البدن بعد دفنه ، فهذا شيء يعلمه الله ، وتختلف الأبدان في مراحل تحللها ، فليس كل الأبدان تتحلل بصورة واحدة ، ولا في زمن واحد ، ولا حاجة بنا إلى معرفة ذلك والنظر فيه ، فسواء تحلل البدن سريعا أو بطيئا ، وسواء انفجرت معدته بعد عشرة أيام أو أكثر أو أقل ، فالانشغال بذلك وما يشبهه عدول عما هو أعظم منه وأجل وأجدر أن يشغل الإنسان باله وفكره به ، وهو حال الروح التي إما أن تكون منعمة أو معذبة .
وربما تجد الجثة قد مرت عليها السنون ولم تتحلل لعوامل بيئية ، وصاحبها في العذاب المهين .
وهذا فرعون قد قال الله فيه : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) يونس/ 92 .
وربما تجد الجثة قد دمرت وتلاشت تماما وصاحبها من الشهداء المنعمين .
وقد روى الفاكهي في "أخبار مكة" (2/ 351) ، وابن حزم في "المحلى" (1/42)
: " عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: " لَمَّا صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الْمَسْجِدَ وَذَلِكَ حِينَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَصْلُوبٌ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَمَالَ إِلَيْهَا فَعَزَّاهَا ، وَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى فَاتَّقِي اللهَ وَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ " فَقَالَتْ : وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَصْبِرَ وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " وإسناده صحيح .
ونزل ابن عمر إلى جانب قبور قد درست ، فنظر إلى قبر منها، فإذا بجمجمة بادية.
فأمر رجلا فواراها ، ثم قال : " إن هذه الأبدان ليست يضرها هذا الثرى شيئا، وإنما الأرواح التي تعاقب وتثاب إلى يوم القيامة " .انتهى من "تفسير ابن رجب" (2/ 102) .
والأصل أن العذاب والنعيم في القبر يكون على الروح ، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم .
فالخلاصة :
أن ما ذكر في السؤال من هذا التفصيل في تحلل الجثة بعد الموت قول لا دليل عليه .
وما ذكر من الدعاء للميت أربعين يوما بعد وفاته لهذا التفصيل المذكور بدعة محدثة وأمر منكر لا يجوز العمل به .
والله أعلم .