◘ إن العلم
والحرص عليه من علامات محبة الله جلّ وعلا للعبد، قد صح عن النبي صلى الله
عليه وسلّم أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» .
◘ العلم
يرفع العبد كما قال جلّ وعلا: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]، فأهل
الإيمان مرفوعون عن غيرهم وأهل العلم من أهل الإيمان أعلى من عموم أهل الإيمان بدرجات،(وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء:21]
◘ في القرآن لم يأمر الله جلّ وعلا نبيا أن يسأل المزيد من شيئ إلا من العلم فقال سبحانه في سورة طه: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه:114]، وهذا مما يدلك على جلالة قدر العلم أن الله جلّ وعلا خصّ به أنبياءه، وخص به أولياءه فإن العبد كلما كان أكثر علما وأورثه العلم
ثمراته من العمل وغيره، فإنه أقرب إلى ربه جلّ وعلا فقد قال سبحانه:
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]، يعني
إن أحق الناس خشيةً لله جلّ وعلا الذين يعلمون الرب جلّ وعلا بذاته وأسمائه
وصفاته وما جاء في شريعة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
◘ العلم الذي يعتني به الناس قسمان:
علم يراد للدنيا وعلم يراد للدين، والدنيا يعطيها الله جلّ وعلا من يحب ومن لا يحب، ولكن الدين لا يعطيه الله جلّ وعلا إلا من يُحب .
◘ قال الشافعي رحمه الله: ((لما أردت طلب العلم نظرت فإذا العلم علمان: علم لصلاح الأبدان وعلم لصلاح الأديان، فنظرت فإذا العلم الذي لصلاح الأبدان لا يعدو الدنيا، وإذا العلم الذي هو لصلاح الأديان للدنيا ولآخرة فأقبلت على الفقه وتركت الطب)).
◘ العلم النافع، فهو العلم بالله جلّ وعلا يعني علم الدين العلم الذي يراد للآخرة، الذي يُصلِح الله جلّ وعلى به دنيا العبد وُيصِلح به آخرتَه، وهذا العلم هو في الحقيقة النافع لأنه نفع العبد في حياته كلها .
◘ العلم بالله جلّ جلاله، العلم
بالتوحيد يورث صلاح الباطن، يورث صلاح القلب، يورث صلاح العبد فيما بينه
وبين الله جلّ جلاله ولهذا قال العلماء إن عمل القلب متنوع وقول القلب هو
إعتقاده، إعتقاده في الله جلّ وعلا يعني العلم
بالتوحيد، وما يتصل بالإعتقاد هذا قول القلب والإيمان قول وعمل فلابدّ من
قول القلب وعمل القلب؛ وقول القلب هو إعتقاده، وعمل القلب متنوّع، ولا بدّ
من قول اللسان وعمل الجوارح في الإيمان لهذا يعظم العبد إخلاصا ونيةً إذا
كان له الحض الأكبر من هذا العلم النافع الذي هو توحيد الله جلّ وعلا و العقيدة الصحيحة .
◘ أعظم أنواع العلم النافع هو علم التوحيد الذي به صلاح القلب والذي إذا صلح القلب صلح الجسد كله .
◘ بعض العلماء
قسم الفقه إلى قسمين: فقه أكبر وفقه أصغر، وجعل الفقه الأكبر الذي هو
التوحيد وهذا لأجل أن يحضى التوحيد والفقه جميعاً بقوله عليه الصلاة
والسلام: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»، يفقهه يعني الفقه الأكبر
والأصغر، يعني التوحيد وعلم الحلال والحرام.
◘ والعلـم أقسـام ثلاث مـا لها من رابع و الحق ذو تبيـان
النوع الأول: التوحيد.
والثاني: الفقه.
والثالث: ما يحصل يوم القيامة، علم
الجزاء يوم القيامة يعني ما يحصل يوم القيامة وما يكون فيها وكيف يجازي
الله العباد وما يجازي به الله العباد، وكيف تكون الحسنات وكيف تكون
السيئات، وكيف يحاسب الإنسان في قبره وبما يحاسب والعقوبات ومكفرات الذنوب
و.. إلى آخر ذلك.
◘ أعظم ما جاء
في القرآن، أكثر ما جاء في القرآن التوحيد ثمّ القيامة ثمّ الأوامر
والنواهي يعني الحلال والحرام والأحكام. لما؟ لأن الحقيقة صلاح أو استقبال
العبد للأمر والنهي والحلال والحرام إنما يكون بعد حسن توحيده وصلاح قلبه،
وبعد خوفه من الله جلّ وعلا و علمه بما يكون يوم المعاد الثاني، يوم
القيامة.
◘ العلماء
ورثة الأنبياء والأنبياء مبلغون الأنبياء مبشرون ومنذرون، يبلغون رسالات
الله كما قال سبحانه: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ) [الأحزاب:39]،
فإذاً العلماء وضيفتهم البلاغ بيان الحق وعدم الكتمان فلا بدّ أن يكون
للنبي عليه الصلاة والسلام في كل زمان من أهل العلم
من يصدعون بأحكام الله جلّ وعلا في بيان التوحيد وبيان ضده من الشرك،
وبيان حقوق الله جلّ وعلا وبيان الحلال والحرام وبيان ما يقرّب الناس إلى
الجنة ويباعدهم من النار، هذه مهمة الأنبياء والمرسلين وهي البلاغ: (إِنْ
عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)[الشورى:48]
◘ ثمرات العلم لا تقتصر على العبد في نفسه بل العلم يُثمر لمن حمله بحق يثمر في نفسه وفي غيره، كلٌّ بحسب ما قدّر الله جلّ وعلا له .
◘ أعظم مايُثمر العلم، العلم
النافع أنه يُلاحِق صاحبه بالإخلاص في كل عمل، لهذا ذكر العلماء أن
الإخلاص في كل عمل، الإخلاص في أي عمل له قدر مشترك في كل الأعمال، وكلّ
عمل له إخلاص ونية تخصّه فالإخلاص في جميع الأعمال هو أن يكون القصد وجه
الله جلّ وعلا لا الدنيا .
◘ قال السلف رحمهم الله: العلم يورث العمل، ويهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
فصار للعلم مع العمل له شأنان الأول أنّ العلم يورث العمل، من علم علماً نافعا لابد أنه يخشى الله ويتقيه ويحافظ على الفرائض ويجتنب المحرمات، وأهل العمل في ذلك درجات، وأيضاً العلم يهتف بالعمل، العلم دائما يطلب من صاحبه أن يعمل، يطلب من صاحبه أن يعمل فإن أجابه، يعني ان وجد العلم من صاحبه العمل وإلا ارتحل عنه، ولذلك شيخ الإسلام رحمه الله ذكر من فوائد قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء:66]، قال من فوائد
الآية أن الفعل والعمل لما أمر به العبد وعلمه يورث الخيرية له ويورث
الثبات، قال: (لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)، تثبيتاً في
إيش؟ قال تثبيتاً في الإيمان وتثبيتاً للمعلومات ولهذا نرى من علمائنا
الصالحين حفظهم الله جلّ وعلا ونفع بهم، نرى منهم العمل الكثير الصالح مما
ثبت العلم في قلوبهم وفي صدورهم فنفعوا الناس عقوداً من السنين، عشرات السنين وهم ينفعون الناس وذلك من فضل الله جلّ وعلا عليهم .
◘ أحق الناس
بالأخلاق الفاضلة هم العلماء لأنهم ورثة محمد عليه الصلاة، والنبي عليه
الصلاة والسلام قال فيه ربنا جلّ جلاله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيمٍ) [القلم:4]، فأهل العلم كما يرثون العلم يرثون الخلق الفاضل ويرثون الكلام الجميل والعفو عن من أساء ويرثون كل خصلة خير .