زائر زائر
| موضوع: هل يجوز صرف مبلغ التأمين بعد العلم بحرمته في بناء مسجد ؟ الأحد يوليو 01, 2012 10:11 pm | |
| هل يجوز صرف مبلغ التأمين بعد العلم بحرمته في بناء مسجد ؟ السؤال : توفي أخي منذ 6 أشهر؛ رحمة الله عليه وعلى جميع المسلمين ، وقد كان مشاركا ببرنامج في البنك السعودي البريطاني ، هذا البرنامج اسمه تكافل للحوادث الشخصية ؛ بدفعك لمبلغ من مرتبك الشخصي لمدة عدد من السنوات ، تحصل أنت أو من يخلفك على مردود مادي حسب نوعية اشتراكك ، في حال الوفاة أو الاصابة بإعاقة ما في وضع أخي رحمه الله ۲٥۰ الف ريال. بعد وفاته رحمه الله ، تحصّل والدي ووالدتي على هذا المبلغ ، واستخدمت والدتي منه مبلغ ٥۰ ألف ريال كدفعة مقدمة لبناء مسجد لأخي المتوفي رحمه الله ، وكانت تنوي إكمال مبلغ المسجد من هذا المبلغ ۲۰۰ الف ريال المتبقية ، إلا أن البعض أشار علينا بحرمة هذا المبلغ كون عمليات التأمين وهذه البرامج المشابهة له والعائد منها محرمة ، ولا يجوز استخدام المال الحرام في بناء المساجد وأمور العبادات .
ماأرجوه منك فضيلة الشيخ هو أن تشير علينا بما هو صالح ، هل نخرج عن الـ ٥۰ ألف السابقة مبلغ ٥۰ ألف أيضا ونضعه في المصالح العامة ، فيكفي عمّا صرف سابقا في المسجد ؟ أي أن ينوى أن تعوض الـ ٥۰ ألف التي وضعت بالمسجد بهذه التي صرفت في مصالح عامة فيصبح بناء المسجد كله حلال ، أم أن هناك امر آخر نستطيع القيام به ؟
لجواب : الحمد لله أولا : سبق بيان أن عقد التأمين التجاري بكافة أنواعه من العقود المحرمة
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن التأمين على الحياة فقال :
التأمين على الحياة والمُمْتَلَكَات مُحَرَّم ، لا يجوز ، لِمَا فيه من الغَرَر والرِّبا ، وقد حَرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية ، والمُعَامَلاتِ التِي فيها الغَرَر ، رَحْمَةً للأمّة ، وحِمَايَةً لها مِمّا يَضُرها ، قال الله تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغرر . وبالله التوفيق .
التأمين التجاري الذي تجريه معظم شركات التأمين هو من العقود المحرمة ، سواء كان تأميناً على الحياة أو الممتلكات ...... أو غير ذلك ، ويدل على حرمته مجموعة من النصوص والقواعد الشرعية ، منها :
1- التأمين عقد من عقود الغرر ، وعقود الغرر ممنوعة محرمة شرعاً .
روى مسلم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) .
والغرر في اللغة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء والطير في الهواء ، فإن ذلك قد يحصل للمشتري وقد لا يحصل .
قال الأزهري : ويدخل في بيع الغرر : البيوع المجهولة .
"معجم مقاييس اللغة" (4/380 – 381) ، "لسان العرب" (6/317) .
وقال الخطابي رحمه الله :
"أَصْل الْغَرَر هُوَ مَا طُوِيَ عَنْك وَخَفِيَ عَلَيْك بَاطِنه . . . وَكُلّ بَيْع كَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ مَجْهُولًا غَيْر مَعْلُوم أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْر مَقْدُور عَلَيْهِ فَهُوَ غَرَر . . . وَأَبْوَاب الْغَرَر كَثِيرَة ، وجماعها : ما دخل في المقصود منه الجهل" انتهى .
قال النووي رحمه الله :
"وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع , وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول . . . وَنَظَائِر ذَلِكَ , وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة.
وَقَدْ يَحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار فَإِنَّهُ يَصِحّ الْبَيْعِ, لِأَنَّ الْأَسَاس تَابِع لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّار , وَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِن رُؤْيَته . . .
وَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَان بَيْع الْأَجِنَّة فِي الْبُطُون وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء . قَالَ الْعُلَمَاء : مَدَار الْبُطْلَان بِسَبَبِ الْغَرَر ...." انتهى .
واتفق العلماء على أن الغرر الكثير لا يجوز ، وأن القليل يجوز ويتسامح فيه ، واختلفوا في أشياء من الضرر لترددها بين الكثير والقليل .
"بداية المجتهد" (2/187) ، ونحوه للنووي من شرح مسلم .
وعقد التأمين من العقود المشتملة على الغرر الكثير ، ورجال القانون أنفسهم يقرون بأن عقد التأمين عقد احتمالي ، وهذا هو معنى الغرر ، لأن كلاً من المؤمِّن والمؤَّمن له لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ ، فقد يدفع المؤمَّن له قسطاً واحداً ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم المؤمِّن به ، وقد لا تقع الكارثة مطلقاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً . 2- عقود التأمين من القمار . والقمار هو الميسر ، وقد حرمه الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90 .
ومعنى "القمار" : أن يدفع الإنسان شيئاً من ماله على سبيل المخاطرة ، فإما أن يربح أكثر منه ، وإما أن يخسر المال الذي دفعه .
وعقد التأمين عقد معلق على خطر تارة يقع ، وتارة لا يقع ، فهو قمار في المعنى .
لأن المؤمَّن له يخاطر بدفع مبلغ التأمين ، فإما أن يأخذ أكثر منه ، وإما أن يخسره ، إذا لم يحصل الخطر المؤمن ضده .
فقد يدفع المؤمَّن له عشرين ويأخذ ألفاً ، وقد يدفع ألفاً ويأخذ ألفاً ، وقد يدفع ألفاً ولا يأخذ شيئاً إذا لم يقع الخطر المؤمَّن ضده .
أليس هذا مخاطرة ومقامرة ؟! 3- التأمين يتضمن ربا النسيئة والفضل ، وذلك في حالة التعويض .
روى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) .
ففي هذا الحديث دليل على أنه إذا باع الذهب بالذهب وجب في البيع التساوي والتقابض .
فيبيع جراماً بجرام من غير زيادة . ويجب التقابض في المجلس ، فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض كل منها حقه .
فإذا باع الذهب بذهب مع التفاضل فقد وقعا في ربا الفضل ، وإذا لم يحصل تقابض فقد وقعا في ربا النسيئة أي التأخير . لتأخير القبض .
وإذا باع الذهب بالفضة وجب التقابض في المجلس ، وجاز التفاضل في البيع .
فيبيع جرام الذهب بعشرة جرامات فضة مثلا ، ولكن لا يجوز أن يتفرقا من غير أن يتم التقابض .
والأوراق النقدية تأخذ حكم الذهب والفضة في ذلك ، فلا يجوز تبديل عملة بأخرى إلا إذا تم التقابض في المجلس ، وإذا كانت العملة من جنس واحد ، فيجب التماثل والتقابض ، كما لو أبدل ذهباً بذهب .
والتأمين مشتمل على الربا بنوعيه : ربا الفضل وربا النسيئة .
وبيان ذلك : أن ما تدفعه شركة التأمين للمستأمن أو لورثته عند حصول الخطر المحدد في العقد ، له ثلاث حالات : إما أن يكون أقل أو أكثر مما دفعه أو يكون مساوياً له .
وفي كل ذلك يكون دَفْعُ الشركةِ لصاحب الحق واقعاً بعد دفعه أقساط التأمين بفترة هي في الحقيقة مجهولة النهاية .
فحقيقة المعاملة : أنها بيع دراهم بدراهم إلى أجل .
فعند التساوي يكون فيه ربا النسيئة ، وفي حالة الزيادة [أو النقص] يكون فيه ربا الفضل والنسيئة معاً، وكل منهما محرم بانفراده فيكف إذا اجتمعا . 4- التأمين من أكل أموال الناس بالباطل
وأكل أموال الناس بالباطل حرام .
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .
والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة فيدخل فيه السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا والبيوع الفاسدة . قاله أبو حيان في تفسيره لهذه الآية .
وبيان اشتمال عقد التأمين على أكل المال بالباطل : أن مبلغ التأمين المدفوع للشخص المؤمَّن له إذا كان أكثر مما دفعه كما لو حدث الخطر بعد دفع قسط واحد ، فبأي حق يستحق هذا المال ؟
وإذا لم يحدث الخطر ، فبأي حق تستحق شركة التأمين الأقساط التي دفعها المؤمَّن له بدون مقابل صحيح .
وقد أثبتت إحدى الإحصائيات لأحد الخبراء الألمان أن نسبة ما تدفعه شركات التأمينات إلى الأشخاص من تعويضات لا يساوي إلا 2.9% من إجمالي الأقساط المدفوعة .
فبأي حق تستحق الشركة هذه الأموال ، ومقابل ماذا ؟ 5- في عقود التأمين إلزام بما لا يلزم شرعاً .
ففي عقود التأمين يتم إلزام شركة التأمين بالضمان ، إذا حصل الخطر المؤمَّن ضده ، فبأي حق يتم هذا الإلزام؟ فشركة التأمين لم تحدث الخطر ، ولم تتسبب في حصوله ، ولا حصل منها أي تعدٍ أو تقصير ، فكيف تلزم بضمان ما لا يلزمها ضمانه شرعاً ؟
6- التأمين له أضرار على الأفراد والمجتمع .
وإلى جانب ما سبق فإن التأمين لا يخلو من أضرار ، أهمها :
استخفاف المؤمَّن لهم بالحفاظ على أموالهم من التعرض للمصائب ، بل قد يتجاوزون ذلك إلى افتعال الحوادث وتفاقمها ، وفي ذلك ضرر بالغ على الأفراد ، كاستخفاف بعض السائقين المؤمَّن لهم على أنفسهم وعلى سياراتهم واستهانتهم بقوانين السير وأنظمته وما ينتج عن ذلك من تعريض أفراد المجتمع للأضرار دهساً وصدماً .
فكل سبب من هذه الأسباب كافٍ للدلالة على تحريم التأمين التجاري ، وأن عقده عقد فاسد لا تبيحه الشريعة ، وأنه من أكل الأموال بالباطل . فكيف إذا اجتمعت هذه الأسباب كلها ؟!
ولذلك أفتى عامة العلماء المعاصرين بتحريم جميع أنواع التأمين التجاري ، فقد صدر قرار هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين ومجلس المجمع الفقهي في جدة ، بتحريم التأمين التجاري ، وكذلك أصدر مجلس المجمع الفقهي بمكة ، قراراً بتحريم التأمين التجاري بالإجماع ، ولم يخالف إلا عضو واحد فقط من أعضاء المجمع .
وقد نقلنا كثيراً من هذه القرارات والفتاوى في إجابات متنوعة في موقعنا .
وانظر بحثاً مطولاً في التأمين التجاري في "أبحاث هيئة كبار العلماء" (4/33- 315) .
وهذا البرنامج الذي كان أخوك رحمه الله مشتركا فيه داخل في جنس هذا التأمين المحرم . ثانيا : إذا تاب المؤمن عليه أو أجبر على التأمين فإنه لا يأخذ من شركة التأمين إلا ما دفعه إليهم من أقساط فقط .
فينظر في مقدار الأقساط التي دفعها أخوك لهم فيكون هو القدر الحلال من جملة المبلغ الذي صُرف (250 ألف ريال) سواء زاد على الخمسين ألفا أو نقص . ويُضمّ هذا المبلغ لجملة تركته ليكون لورثته من بعده . فإذا أجاز الورثة صرفه في بناء مسجد فلا حرج في ذلك . وأما باقي المبلغ فإن كان يمكن رده إلى شركة التأمين رد إليها ، وإلا صرف في مصالح المسلمين ، ومنها بناء المساجد ، ويكون هذا من التخلص من المال الحرام ، ولا يكون صدقة عن المتوفي ؛ لأنكم لا تملكون هذا المال شرعاً . سئل علماء اللجنة : اشتعلت النار في متجر أحد المسلمين ، وحرق كل ما فيه من السلع تقريبا، وبما أنه كان مؤمنا عند شركة تأمين منذ سنوات ، فقد عوضت له الشركة كل ما ضاع تقريبا ، ما حكم الله في ذلك المال المقبوض خصوصا أن مجموع ما دفع للشركة خلال كل تلك السنوات لا يساوي حتى نصف ما قبض منها بعد الحريق ، وأنتم تعلمون أنه في بعض البلاد يجب التأمين ؟ فأجابوا : " هذا النوع من التأمين التجاري ، وهو محرم ؛ لما فيه من الربا والغرر والجهالة ، وأكل المال بالباطل ، والمصاب بما ذكرتم له أن يأخذ ما يقابل الأموال التي بذلها للشركة ، والباقي يتصدق به على الفقراء، أو يصرفه في وجه آخر من وجوه البر، وينسحب من شركة التأمين . " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (15 /259-260) .
والله تعالى أعلم .
|
|