النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يذكّر بفضائلها
وليس ذلك فحسب، وإنَما بقي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعد أن توفّيت السيدة خديجة(عليها السلام) يتذكّرها ويترحّم عليها ويشيد بفضائلها الكثيرة ويدافع عنها.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا.
فسمع مقالتها فاطمة(عليها السلام)، فلمّا رأت فاطمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بكت.
فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟
قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها، فبكيت.
فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم قال: مه ياحميراء، فإنّ الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإنّ خديجة رحمها الله ولدت منّي طاهراً وهو عبد الله وهو المطهّر، وولدت منّي القاسم وفاطمة ورقية واُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً(13).
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يصبّرها
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على خديجة حين مات القاسم أبنها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟
فقالت: درّت دريرة فبكيت.
فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيء إلى باب الجنّة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنّة وينزلك أفضلها، وذلك لكل مؤمن، إنّ الله عزّوجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذّبه بعدها أبداً»(14).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا توفّي طاهر ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة عن البكاء.
فقالت: بلى يا رسول الله ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.
فقال لها: أما ترضين أن تجديه قائماً على باب الجنّة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكاناً وأطيبها؟
قالت: وإنّ ذلك كذلك؟
قال: فإنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّوجلّ ثم يعذّبه»(15).
حاجة جبرائيل
عن أبي سعيد الخدري: (إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إنّ جبرئيل(عليه السلام) قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟
قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام.
وحدّثنا عند ذلك أنّها قالت حين لقيها نبي الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام)(16).
خير النساء
عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير نسائها خديجة وخير نسائها مريم»(17).
وعن ابن عباس قال: خط رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أربع خطط ثم قال: «خير نساء الجنّة مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(18).
معرفة خديجة بمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
يذكر أنّ الأحبار كانوا يتردّدون على السيدة خديجة (عليها السلام) وذلك لمكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وكانت (عليها السلام) تكرمهم وتفيض عليهم من خيراتها الطائلة.
وفي أحد الأيام وبينما كان أحد الأحبار في بيتها وهي جالسة مع جماعة من نسائها وجواريها إذا بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يمرّ، فنظر إليه ذلك الحبر وقال: يا خديجة قد مرّ الآن بدارك شاب حدث السن، فأمري من يأتي به.
فأرسلت إليه جارية من جواريها وقالت: يا سيدي مولاتي تطلبك.
فأقبل(صلى الله عليه وآله وسلم)ودخل منزل خديجة.
فقالت: أيّها الحبر هذا الذي أشرت إليه؟
قال: نعم هذا محمّد بن عبد الله.
وقال: طوبى لمن تكون لـه بعلاً وتكون لـه زوجة وأهلاً، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.
فتعجّبت السيّدة خديجة، وانصرف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد اشتغل قلبها بحبّه، وكانت السيّدة خديجة ملكة عظيمة ولها من الأموال والثروة الطائلة ما لا يحصى، فقالت: أيّها الحبر بم عرفت أنه نبي؟
قال: وجدت صفاته في التوراة أنه المبعوث آخر الزمان يموت أبوه واُمّه ويكفله جدّه وعمّه وأنّه سيتزوّج بامرأة من قريش سيدة قومها وأشار بيده إليها، ثم قال لها: احفظي ما أقول لك يا خديجة.
فلمّا سمعت السيّدة خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر وكتمت أمرها.
فلمّا أراد الخروج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فهو الشرف في الدنيا والآخرة(19).
الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يتاجر بأموال خديجة
كان أبو طالب (عليه السلام) قد كبر وضعف عن السفر وترك ذلك منذ أن كفل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي أحد الأيام دخل عليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فوجده حزيناً مهموماً، فقال: ما لي أراك يا عم مهموماً؟
فقال: يا بن أخي إنه لا مال لنا وقد ضاق بنا الزمان وليس لنا مادّة وقد كبرت وضعف جسمي وقلّ ما بيدي وأرى أنّ الأجل قد قرب منّي ولا اُحب أن أموت قبل أن أرى لك زوجة يا ولدي لتسكن إليها.
فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما هو الرأي عندك يا عم؟
قال: اعلم يا بن أخي أنّ خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس وهي تعطي أموالها لجميع من يسألها ليسافروا للتجارة به، فهل لك يا بن أخي أن تمضي معي إليها ونسألها أن تعطيك مالاً تتّجر فيه؟
فقال: نعم، قم إليها وافعل ما بدا لك(20).
وبعد أن اتّفق أبو طالب مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على أن يعمل في تجارة خديجة، أشار عليه أعمامه بأن يذهب معهم إلى دارها ليخبروها بالخبر.
وبالفعل فقد قصد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأعمامه دار السيدة خديجة وطرقوا الباب، فاستقبلتهم استقبالاً حافلاً.
وبعثت إليهم (ميسرة) ليرحّب بهم ويقدّم لهم مستلزمات الضيافة اللازمة فأكلوا وشرعوا في الحديث.
فقالت لهم السيّدة خديجة من وراء الحجاب: لعلّ لكم حاجة فتقضى، فإنّ حوائجكم مقضية.
فقال أبو طالب (عليه السلام): جئناك في حاجة يعود نفعها إليك وبركتها عليك.
قالت: وما ذلك؟
قال: جئناك في أمر ابن أخي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقالت: أين هو محمّد حتى نسمع ما يقول؟
فقال العباس: أنا آتيكم به.
فنهض وسار يبحث عنه فلم يجده، فالتفت يميناً وشمالاً، فتساءل منه الناس وقالوا: ما تريد؟
فقال: اُريد محمّداً.
فقالوا له: في جبل حرى(21).
فسار إليه فإذا هو فيه، نائماً في مرقد إبراهيم الخليل (عليه السلام) ملتفّاً ببردة وعلى رأسه ثعبان عظيم، فلمّا نظر إليه العباس قال: خشيت عليه من الثعبان فسللت سيفي وهممت بالثعبان فحمل عليّ، ولمّا رأى العباس ذلك صاح برفيع صوته: أدركني يا بن أخي.
ففتح النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عينيه فذهب الثعبان.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لي أرى سيفك مسلولاً يا عم؟
قال: رأيت هذا الثعبان عندك فسللت سيفي وقصدته خوفاً عليك منه فخشيت على نفسي الغلبة فصحت بك ولمّا فتحت عينك ذهب كأنه لم يكن.
فتبسّم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: يا عم ليس هذا بثعبان، ولكنّه ملك من الملائكة ولقد رأيته مراراً وخاطبته جهاراً وقال لي: يا محمد إنّي ملك من عند ربّي موكّل بحراستك في الليل والنهار من كيد الأعداء والأشرار.
فقال العباس: ما ينكر فضلك يا محمد؟
فقال له: لنذهب إلى دار خديجة بنت خويلد لتكون أميناً على أموالها.
فسارا معاً إلى دارها، فجاءت السيّدة خديجة لتنظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا دخل المجلس نهض أعمامه إجلالاً لـه وأجلسوه في أوساطهم، فلمّا استقرّ بهم المجلس قدّمت لهم الطعام فأكلوا ورحّبت بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت: أترضى أن تكون أميناً على أموالي تسير بها حيث شئت؟
قال: نعم رضيت.
ثم قال: اُريد الشام.
قالت: ذلك إليك.
ثمّ إنّ السيّدة خديجة خاطبت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قائلة: تحسن أن تشدّ على الجمل وترفع عليه الأحمال؟
قال: نعم.
فقالت: يا ميسرة إيتني ببعير حتى أنظر كيف يشدّ عليه محمد؟
فخرج ميسرة وأتى ببعير قوي لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدّة بأسه فأدناه ليركبه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)فهدر البعير واحمرّت عيناه.
فقال العباس لميسرة: ما كان عندك غير هذا البعير لتمتحن به ابن أخينا؟
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): دعه يا عم، فلمّا سمع البعير حديثه برك على قدميه وأخذ يمرّغ وجهه على قدمي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ونطق بلسان فصيح وقال: من مثلي وقد لمس ظهري سيد المرسلين!.
فقلن النسوة اللاتي كن عند خديجة: ما هذا إلاّ سحر عظيم.
فقالت لهم السيّدة خديجة: ليس هذا سحراً وإنّما هو آيات بيّنات وكرامات ظاهرات(22).
[img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [/img]