زائر زائر
| موضوع: إذا وهب الزوج لزوجته منزلا هبة صحيحة ثم ماتت فالمنزل لورثتها من بعدها الإثنين أغسطس 27, 2012 2:33 am | |
| إذا وهب الزوج لزوجته منزلا هبة صحيحة ثم ماتت فالمنزل لورثتها من بعدها
السؤال: منذ 20 سنة تقريبا؛ رجل يملك منزل وله زوجة تصغره بعشرين عام وله ذرية ، فقام هذا الزوج بفتح ملف في التسجيل العقاري لغرض البدء بمعاملة تحويل هذا المنزل إلى زوجته بصيغة "هبة" ، وبالفعل تم فتح ملف في التسجيل العقاري ، ولكن لم تنجز المعاملة ، المهم الآن أن السائل لا يدري هل قام هذا الرجل بالشروع بمعاملة تحويل هذا المنزل إلى زوجته "هبةً" ؛ لأجل أن يحجب الميراث عن أهله " ، أمه وأبيه وإخوانه ، ويحصر الميراث في أفراد عائلته فقط ، "زوجته وأولاده " ، أم إنه قام بالشروع بتحويل هذا المنزل باسم زوجته "هبةً" لأجل التحويل فعلياً؟ وبعد أعوام توفيت الزوجة قبل الزوج ، أي الأب ، مالك المنزل ؛ وكانت والدتها على قيد الحياة ؛ ولا أحد يعلم بأن هذه الدار قد تم الشروع بمعاملة تحويلها إلى الزوجة "هبةً" إلا بعد أعوام أيضاً ، حينها كانت قد توفيت الجدة ، والدة الزوجة . وبعد أعوام أخرى توفي الأب ؛ وبعد سنوات من وفاته أرادوا بيع الدار ، وتقاسمه بين الورثة ففوجئوا بأن الدار قد تم الشروع فيها بمعاملة هبة للزوجة ، غير أن هذه المعاملة لم تتم ؛ الآن الورثة يقولون بأن الدار بالأصل دار الأب ، ومن ملكه الخاص ، والزوجة لا تملك فيها شيئاً ، ولم تشارك في بنائها ، أو شرائها ، لأنها بالأصل ربة بيت ؛ وهم لا يعلمون هل أراد الرجل بالشروع لتحويل المنزل الخوف على زوجته وأولاده من الفقر بعده ؛ فقام بتلك العملية لتحويل المنزل لحصر الميراث لأهل بيته فقط ، ولكن قدر الله بأن توفيت الزوجة أولاً ؛ أم إنه قام بتلك العملية لغرض التحويل الفعلي للزوجة كما أسلفنا .. ؟ الآن ما الحكم ؟ لا سيما وأن الورثة قاموا حديثاً بإرجاع معاملة الهبة إلى الأب المتوفى لأنها كانت معاملة ناقصة ولم تتم ؛ ومن ثم قاموا بتسجيل الدار بأسمائهم باعتبارهم ورثة شرعيين للأب ،. هل في ذلك حرج ؟ وهل يجب عليهم إعطاء حصة من الميراث لورثة الجدة ، أي أم الزوجة ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الدار أهديت أو تم الشروع بمعاملة إهداء للزوجة ؟
لجواب : الحمد لله أولا : إذا خص الرجل زوجته بهبة دون أولاده ، فلا حرج عليه في ذلك ، ولا يشترط أن يهب لأولاده مثل ما وهب لها . لكن إذا ثبت أن الواهب أراد بالهبة الإضرار بالورثة فهي هبة محرمة لا تنفذ . قال بدر الدين العيني رحمه الله : " وَأما الاحتيال لإبطال حق الْمُسلم فإثم وعدوان ، وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي الْكَافِي : عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبِطَال الْحق " انتهى من "عمدة القاري" (24/ 109) . وقال صديق حسن خان في "الروضة الندية" (2/ 160): " والحاصل أن الأوقاف التي يراد بها قطع ما أمر الله به أن يوصل ، ومخالفة فرائض الله عز وجل : فهي باطلة من أصلها ، لا تنعقد بحال ، وذلك كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم ، وما أشبه ذلك ؛ فإن هذا لم يرد التقرب إلى الله تعالى ، بل أراد المخالفة لأحكام الله عز وجل والمعاندة لما شرعه لعباده ، وجعل هذا الوقف الطاغوتي ذريعة إلى ذلك المقصد الشيطاني " انتهى . ثانيا : لا تلزم الهبة بمجرد الشروع فيها ، وإنما تنفذ ، وتترتب عليها آثارها إذا قبضها الموهوب له قبضا صحيحا . جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/ 96) : " يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ : وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ " انتهى . وقال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (5 /200) : " الهِبَة لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ , وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ " انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : اشتريت بعض الكتب لإرسالها إلى أخي ليستفيد منها ، وقبل إرسالها وضعتها في مكتبتي الخاصة المتواضعة ، ثم إني بعد ذلك أوقفت جميع كتبي على طلبة العلم في منطقة معينة بعد وفاتي ، السؤال : هل تدخل تلك الكتب التي اشتريتها لأخي في ذلك الوقف ؟ فأجاب : " نعم تدخل ؛ لأن الإنسان إذا نوى كتابا أو أي شيء من الأعيان لشخص ولم يقبضه الشخص فهو بالخيار : إن شاء أمضاه وإن شاء رده ، فلو أن الإنسان أراد أن يهدي لأخيه كتابا وعينه وكتب عليه اسم أخيه ، ثم بدا له ألا يفعل فله ذلك ؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض. وكذلك لو أن الإنسان عزل دراهم يريد أن يتصدق بها ثم بدا له ألا يفعل فلا حرج عليه ، لأن الفقير لا يملكها إلا إذا قبضها ، وهذه قاعدة اتخذها حتى تنفعك : كل شيء تنويه لغرض ولم تنفذه فهو بيدك : إن شئت نفذ وإن شئت فدع " انتهى من "اللقاء الشهري" (3 /482) .
ولا يشترط في القبض أن يكون قد سَجَّل الأرض رسمياً باسم زوجته ، بل يكفي أن يكون قد عَرَّفها حدودها ، وصارت متمكنة من التصرف فيها قبل موت الواهب . أولاً: يجب على الأب أن يعدل فيما يعطي أولاده من الهدية أو الهبة . فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ : (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟) قَالَ : لَا ، قَالَ : (فَارْجِعْهُ) رواه البخاري (2446) ومسلم (1623) . " نحلت " : أي : أعطيت ، من النِّحلة ، وهي العطاء . قال النووي رحمه الله : وفي هذا الحديث : أنه ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة ، ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر ، ولا يفضل . "شرح مسلم" (11/66) . وقال الشوكاني رحمه الله : وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية ، وأن التفضيل باطل ، جور ، يجب على فاعله استرجاعه ، وبه قال طاوس ، والثوري ، وأحمد ، وإسحق ، وبعض المالكية ، وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فقط ، وأجابوا عن الأحاديث بما لا ينبغي الالتفات إليه . " الدراري المضية شرح الدرر البهية " (1/348) . والعدل : أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين ، كما في قسمة المواريث ، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى . ولا يمنع من وجوب التسوية في العطية كون أحد الأولاد غنيّاً ، أو له وظيفة ، أو كانت البنات متزوجات . فقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : لدي أولاد ، وبنات ، فهل يجوز لي أن أعطي البنات دون الأولاد ، مع أن الأولاد في وظائف ، ويعطونني ، لكنني أرفض ، والبنات متزوجات ؟ . فأجاب : "النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في العطية بين الأولاد ، قال صلى الله عليه وسلم : (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) - رواه البخاري - ، فلا يجوز للوالد أن يخصص بعض أولاده بعطية ، ويترك الباقين ، بل عليه أن يسوِّي بينهم في العطية ، ويعدل بينهم ؛ كما أمر الله تعالى بذلك ، ولو كان بعضهم في وظائف ، وبعضهم ليسوا موظفين ؛ فالعدل واجب" انتهى . "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (3 / 333 ، السؤال رقم 496) . فقد أخطأ والدكم رحمه الله لأنه لم يعط أختكم أرضاً كما أعطاكم جميعاً ، وأخطأ حيث لم يبنِ لغير الثلاثة من أبنائه ما بنى لهم ، وكان الواجب عليه العدل في هبة الأرض ، وفي البناء الذي أقامه عليها . وبما أن والدكم قد توفي : فإن الواجب عليكم الآن إشراك أختكم في جميع تركة والدكم ، بما في ذلك ما وهبه لكم دونها ، وكونها غنية لا يبيح لوالدكم حرمانها من العطية – كما سبق - ، وسكوتها لا يعني قبولها ، ويدل على ذلك مطالبتها بحصتها بعد وفاته ؛ فإن من عادة الأولاد السكوت في مثل هذه الحال حياءً من والدهم ، وليس رضاً بصنيعه . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : هل يجوز للوالد أن يسجل مزرعة لأحد أولاده ويترك باقي الأولاد ؟ والدي سجل لي مزرعة وترك أختي وأخاً صغيراً ، هل أنا أتكفل بهؤلاء الأبناء أم أتركهما ؟ . فأجابوا : "يجب على الوالد أن يسوِّي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي ، ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه : (أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ فقال : لا، فقال : فأرجعه) متفق عليه . وعليه : فيجب على والدك أن يعدل العطية التي حصلت منه لبعض أولاده بأن يعطي كل واحد من أولاده مثل ما أعطى المذكور ، أو يسترجع العطية منه ، وإن كان والدك قد مات : فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة ، حسب الحكم الشرعي" انتهى . الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ بكر أبو زيد . " فتاوى اللجنة الدائمة " (16/216) . فيجب تقسيم جميع التركة بما فيها الأراضي والأبنية الموهوبة من والدكم على جميع الورثة حسب القسمة الشرعية . ويضاف لأخيكم الذي سدَّدَ جزءاً من قيمة الفيلا المخصصة له ما أنفقه من أموال ، فتضاف إلى نصيبه من الميراث . ثانياً : ما أعطاه والدكم رحمه الله لوالدتكم من هبة : فإنها لا تُرجعه ، ولا تضعه في التركة ؛ لأن العدل إنما يجب في هبة الأولاد ، ويجوز أن يخص الزوجة بشيء دون أولاده ، فإن كانت قبضته في حياته فهو لها ولا يدخل في التركة ، وإن كانت لم تقبضه فإنه يدخل في التركة ويقسم على جميع الورثة . قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" : وأما شرط لزوم الهبة فهو القبض ، فلا يحصل الملك في الموهوب والهدية إلا بقبضهما . هذا هو المشهور . وانظر : "الموسوعة الفقهية" (42/130 ، 131) . ولا يشترط في القبض أن يكون قد سَجَّل الأرض رسمياً باسم والدتكم ، بل يكفي أنه عَرَّفها حدودها ، وصارت متمكنة من التصرف فيها .
فعلى ما تقدم : إذا كان الزوج قد وهب هذا المنزل لزوجته هبة صحيحة ، فقبضته ، وصارت متمكنة من التصرف فيه تمكّن المالك من ملكه : فهي هبة جائزة صحيحة ، تنتقل بها ملكية المنزل إلى هذه الزوجة ، ويصير هذا المنزل إلى ورثتها من بعدها ، ومن هؤلاء الورثة أمها ، فورثتها من بعدها.
أما إذا كان الزوج قد شرع في هبة هذا المنزل لزوجته ، ثم رجع عن ذلك قبل أن يمكنها منه ويسلمه إياها ، أو لم يكن يريد حقيقة الهبة ، وإنما أراد أن يكتبه لها في حياته ، ليكون ملكه خالصا لها بعد موته ، فالهبة غير تامة ، ولا يترتب عليها شيء من أحكامها ؛ وحينئذ فلا حق لوالدة الزوجة في هذا المنزل ، إنما مآله إلى ورثة الزوج الشرعيين ، وليست الزوجة من الورثة لأنها ماتت في حياة الزوج ، ومن شروط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث حقيقةً أو حكماً ، راجع إجابة السؤال رقم (127945) ، ومن ثَمّ فلا حق لأمها في الإرث منه ، ولا حق فيه لورثة الأم بطبيعة الحال . وإذا لم تتبينوا الحال ، ولم تعلموا هل كانت تتصرف في المنزل تصرف المالك أو لا ؛ فالأصل بقاء الملك على صاحبه ، وعدم انتقاله إلى زوجته ، بالهبة ، أو بالبيع ، إلا بالبينة الشرعية .
والله أعلم . |
|