الدنيا وحقارتها

الحمد لله الذي كتب الفناء على المخلوقات وجعل الباقي والدوام لوجه وحده تبارك وتعالى(ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ) له الحمد في الأولى والأخرة وله الحمد على ما من به على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)) والصلاة والسلام على النبي المهتد محمد ابن عبدالله إمام المتقين وسيد وخاتم المرسلين أدى الأمانة ونصح الأمة وتركهم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا أما بعد:
" يأيها الذين أمنو اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
"يأيها الذين أمنو اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ""ياأيها الذين أمنوا أتقوا الله وقولوا قولاُ سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما".
احبتى غفر الله لى ولكم وجعلكم من الصالحين

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه للدنيا فقال كمثل رجلاً أستظل تحت ظل شجره ثم قام وتركها أو كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام
و سُأل نبي الله نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل بعد أن عاش 950عام في الجهاد والدعوة إلى الله تعالى حيث دعاء إلى الله ليلاً ونهارا سراً و جهرا كيف ترى الحياة الدنيا؟؟ قال: كأنما دخلت مع باب وخرجت مع آخر
كذلك هي الدنيا عباد الرحمن أهون وأحقر من أن يحمل الإنسان همها فهي لا تساوي عند الله جناح بعوض ما ذاك إلا دليل واضح وصريح على حقارتها قال تعالى

(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )

وقال (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)فهل من تأملاً لهذه الآيات العظيمة الدالة على أن الدنيا طريق ومتاع إلى الحياة الباقية حياة الخلود و الفوز الحياة الأخرويه التي لا موت فيها ولا مرض ولا سقم بل نعيماَ دائم لمن أحسن وعذاباً مقيم لمن أساء.

أما الدنيا الزائلة بما فيها وعليها فهي دار العمل والكدح والتعب قال تعالى :

((يأيها الإنسان إنك كادحاً إلى ربك كدحاً فملاقيه " وقال سبحانه ((لقد خلقنا الإنسان في كبد ))
فالله جلا في علاه لم يذكر الدنيا في القرآن على سبيل المدح أبدا بخلاف الحياة الأخرة التي سماها الباقية ،الخالدة قال سبحانه ((بل تؤثرون الحياة الدنيا والأخرة خيراً وأبقى ))

ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بل قال عليه الصلاة والسلام إن صح الحديث ((الدنيا ملعونة ملعوناً من فيها إلا كتاب الله أو عالماً ومتعلم ))

هذه الدنيا الفانية مفرقة الأحباب تسعد يوماً وتحزن أخر تتوسع مرة وتضيق مرات ليست على حالاً واحدة فهي متقلبة غير دائمة لأحد على حالاً واحدة كائناً من كان
قال تعالى (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))

مسلمهم وكافرهم طائعهم وفاجرهم فلو كانت باقية لأحد لكان أنبياء الله وأحبابه وأوليائه من خلقه هم أولى من تدوم لهم لكن الله عزو جل بحكمة وعدله أن جعله دار امتحاناً وابتلاء ))قال سبحانه " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرز))

وقال ((ونبلوكم بالخير والشر فتنة وغلينا ترجعون )) وقال ولنبلونكم حنى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ))

احباب رسول الله صل الله عليه وسلم

لنجعل مصيرنا واضحاً أما أعيننا كما نفعل في الدنيا من توفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن الزائل الذي قد تكفل الله جل وعلا به قال تعالى :

(وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) (لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ".
فتلك وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم "تذكروا هاذم اللذات ومفرق الجماعات"

الموت الذي هو مصير كل مخلوق فلا مفر منه ولا معصوم فيه قال تعالى ((قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)) وقال سبحانه مخاطبا محمد اً صلى الله عليه وسلم

((إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ))

و قال تعالى :

(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)

وقال جل وعلا :

(كل نفس ذائقة الموت ثم توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة إلا متاع الغرور)

نعم تذكر الموت وما بعده راحة للعبد من حمل هموم الدنيا لأنه يعلم أنه ذاهب وترك كل شيءً خلفه وأن كل ذلك إن لم يكن في طاعة الله جل وعلا فلا فائدة فيه

قال جل في علاه)) يوم يفر المرء من أخيه وأبيه أمه صاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)) وقال سبحانه (( يود المجرم لو يفتى من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبنه وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه))

فهو مستعداً أن يقدم كل ما في الدنيا لله عزوجل لينجوا ويفدي بها نفسه من عذابه إذا لم ينفعه في الأخرة بل ربما كان وبالاً عليه
قال سبحانه " أيحسب الإنسان أن يترك سدى" وقال " أفحسبتم أنما خلقنكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون "





أحبتى فى الله:

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقه جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له .

و قال عليه السلام :

(يتبع الميت ثلاثة يتابعه أهله وماله وعمله فيرجع إثنان ويبقى واحد يرجع الأهل والمال ويبقى العمل) يبقى العمل الصالح إذ أنه هو الذي ينفع و يكون ذخراً لصاحبه فلا مال ولا ولد ولا منصب ولا حسب ولا نسب فكل ذلك يتلاشى ويذهب
قال عليه الصلاة والسلام "من بطئ به عمله لم يسرع به نسبه "

فعلموا رعاكم الله تأملوا وتيقنوا حقارة الدنيا التي تسعون لها ليلاً ونهارا تبذلون لها الغالي والنفيس ولنعمل للأخرة ونجد ونجتهد فما الدنيا إلا مزرعتاً لها والحصاد فيها ((يوم ينظر المرء ما قدمت يداه )) ((فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) ((يوم تجد كل نفساً ما عملت من خيراً محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيد ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد))

بار ك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم.