بادر قبل أن يبادرك ملك الموت

الحمد لله تفرد بالعز والجلال وأنعم بالعطاء والإفضال يغيث الأرض بالسحاب الثقال فتتغير الأرض من حال إلى حال فهكذا يحي الله الموتى ويريهم آياته وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال أحمده سبحانه
حمدا يملأ السموات والأرض وما بينهما فينشر طمأنينته في الروح ،ويزيل عن القلوب صدأها ويفتح الأقفال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أتحرر بها من عبودية من سواه وأزيل بها الإصر والأغلال وأنجو بها من عذاب يوم لا ريب فيه لا بيع فيه ولا خلال .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من أنذر،وخير من بشر ،وخير من وعظ ،وخير من قال،من ترسم هديه وسار على نهجه ،فاز بالجنة ،واتقى الشدائد والأهوال
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه،نالوا بصحبته عزة الدنيا وفوز الآخرة ،فحق لهم أن يفخروا فمنزلتهم لا تنال ،فمن ذا يجاريهم في فضلهم إلا كما يجاري المتبختر بمشيته شم الجبال
أما بعد :
فوصيتي لنفسي ولكم أن اتقوا الله،فوالذي بعث محمدا بالحق لا ينجو ولا ينجى إلا المتقون ولا يدخل الجنة ويتكئ على أرائكها إلا المتقون.فاتقوا الله لعلكم ترحمون واتقوا الله لعلكم تشكرون واتقوا الله لعلكم تفلحون
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون

أحبتى فى الله

إن الناظر بعين البصر والبصيرة إلى الخلق يجد عجباً ، يجدهم غادين جادين ..
جادين في بيع أنفسهم ، ففائز رابح ومغبون خاسر ، رابح دان نفسه وحاسبها وعمل لما بعد الموت فنجى ، ،خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى أعتق نفسه وزكاها وقد أفلح من زكاها
وخاسر نسي مصيره فانغمس في المحرمات على غير بصيرة ، باع دينه بعرض من الدنيا
أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني حتى داهمته المنية ، دساها وقد من خاب دساها
( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
لانعجب من خطأه واتباعه هواه معشر المسلمين
إذ لاعجب ولاغرابة أن يخطئ الإنسان ويصدر منه السفه والجهالة والظلم فكل بني آدم خطاء والمعصوم من عصمه الله
لكن العجب منه يوم يدرك خطأه وإسآته وجهله وظلمه ثم يظل متلبساً بذلك ، مصر عليه أمناً مكر الله عليه ووعيده له
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُون )
.كلنا يعلم أن ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون ..

و لكن حديثى اليوم لن يكون عن التوبة فقط و لكن سأوجه حديثى إلى المذنبين في جنب الله ..
و لن أقول له إلا يا أخى أو يا عبد الله فما أفضل أن تكون عبداً لله و لا تعظم إلا الله 0فيا أخى ..
يامن بدرت منه الخطيئة وكلنا ذاك ..
عودة ..
عودة إلى أفياء الطاعة ،الباب مفتوح
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)
بادر قبل أن تبادر بادر بالإقلاع عن الذنب بشعور بالألم
ألم المعصية مع عزم أكيد على استئناف حياة صالحة طيبة نقية طاهرة ، بادر ..
فإن تأخير التوبة من الذنب ذنب يحتاج إلى التوبة
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ )
بادر فإن الذنب يجر إلى الذنب فكم من ذنب صغير كانت النهاية معه بالتسويف أن يحال بين إيمانه وقلبه وقد يسلب إيمانه فبادر فأول من يفرح بك هو خالقك جل وعلى بتوبتك فرح إحسان وعز ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده تبارك الله وجل الله قال رسول الله صل الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم
( لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده )
بادر قبل أن تبادر بادر ولاتنظر إلا صغر الخطيئة ولكن انظر إلا عظمة من عصيت إنه الله الجليل إنه الله العظيم إنه الله الكبير من نظر إلى عظمة الله وجلاله عظم حرماته وقدره قدره وأجلّ أمره ونهيه


أحبتى فى الله
من خلال هذه الخطبة أطرح عليك أسئلة وأريد منك إجابة شافية لنفسك لا لي أسألك ألست تعلم أن الله هو خالقك ..

بل هو خالق سلالتك من أول آدم حتى قيام الساعة ؟
و ألست تعلم أن الله هو الذي منّ عليك بالنعم ظاهرة و باطنه ؟
و ألست تعلم أن الله منّ عليك بأن خلقك من أبوين مؤمنين مسلمين و لم يخرجك من اليهود و النصارى و غيرهم ؟
ألم يؤدي الله لك حقك كاملاً ؟
و أعطاك ما تستحق و ما لا تستحق ؟
فإن كان جوابك بـ (بلى) فأسألك سؤالاً يا أخى و رد بنفسك على نفسك ..
إذا كان الله قد وفاك حقوقك كاملة

فلم أنت تتقاعس و تتكاسل عن حقوقه التي ليس أيسر منها و التي جعلها الله في شريعته التي أنزلها علينا ؟
فبالله عليك أخى كم مرة تتقاعس عن الطاعة ؟
كم مرة تفوتك صلاة الجماعة ؟
و كم مرة تنام عن الفريضة المكتوبة ؟

و تتغافل عن ذنبك و تنسى و كأن لم يكن شيئا ؟
و أنت عبد الله لم تخلق في تلك الدنيا لكي تنام و تشرب و تأكل و تلهو و تلغو
و إنما لعبادة الله و عمارة هذا الكون و أن تنذر الناس و ترشدهم إلى الدين القويم على بينة و بصيرة من عند الله و تدعو إلى الله بذلك العلم و تلك البينات الواضحة و البراهين الصادقات، فهذه هي الأمانة التي تكلفتها و حملتها على عاتقك منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى أن يأتي يوم القيامة حيث يشاء الله فيقول الله تعالى فى سورة الاحزاب:
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)

أنت أيها الإنسان لا تعلم ثقل هذه الأمانة و ما تدرى عظمها

لا تدع مغريات العصر و فتن الزمان تهلكك ، وتضيع منك إيمانك فلا تقضى الساعات و الساعات أمام شاشة التلفاز أو الانترنت،و تذر ما كلفك به ربك و تنسى أنك موقوف في يوم بين يديه و سائلك عن صلاتك
.. فبالله عليك يا من أضعت الصلاة ماذا ستقول لله ؟
بأي لسان ستجيب ؟
بأي كلام ستتكلم ؟
يقول جل شأنه بسورة يسين ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
أما تستحي أن ترى في كتابك أنك كنت تشرب الدخان و المخدرات و المنادى ينادى بالصلاة الله أكبر الله أكبر فكيف عظمت شهواتك على من خلقك ؟
و كيف تنسى حق ربك وهو القائل جل وعلا فى سورة الانفطار
(يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِالَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)
أنسيت أنك ميت ؟؟

إن هذه الحياة لابد أن تنتهى و كل إنسان بين يدي ربه موقوف !! أنسيت أن الصلاة حفاظاً لك من عذاب قبرك

تزود قـــــــــريباً من فعــــالك إنما قرين الفتى في القبر ما كان يفعلُ
وإن كــنت مشغولاً بشيء فلا تكن بغير الذي يرضى به الله تشغــــلُ
فلن يصحب الإنسان من بعد موته إلى قبره إلا الذي كـــــــان يعمــلُ
ألا إنما الإنســــان ضيفٌ لأهـــــله يقيم قـــــليلاً عــــندهم ثم يرحـــلُ
يا أخى :

عظم الله وأقم له طاعة يرفع الله قدرك، و يعظم لك أمرا

و اتق الله حيثما كنت و عظم نظر الله و سمعه لك
يا من سرت و تمايلت و تراقصت وراء مزامير الشياطين التى يزمر بها هؤلاء الفساق و الفجار فقد قال الله تعالى فى سورة لقمان :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)
فقال ابن مسعود رضي الله عنه في تلك الآية :

" والله الذي لا إله غيره , إنه الغناء "

و قال النبى صل الله عليه وسلم (ليكونن في أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فانظر أخى إلى كلمة (يستحلون) فما أتى بها النبي صل الله عليه وسلم إلا و أنه قصد بها أن تلك الأمور التى ستأتي هي في الأصل محرمة و لكن الذين سيأتون في قومي سيحللونها بأنفسهم و تصبح عندهم عادية ... و للأسف اتبع كثير من عباد الرحمن أصحاب ذلك الفسق و الضلال

و ساروا خلف هذا المزمار ما استمعه أحد إلا نفر من ترتيلات القرآن

و حلقات ذكر الرحمن، و مجالس العلماء

و حجب قلبه بران عن الرب المعبود، و استحب أصوات النصارى و اليهود

و تولى عن كل راكع و ساجد، و هجر قراءة المصاحف و دخول المساجد، و لا تجد أكثر هؤلاء يدرى عن رسوله شيئاً ..
فإذا سألته عن كيفية طعامه ،أو عن كيفية نومه،أو صفة من صفاته، لقال لك لا أدرى !

و إذا سألته عن العالم الجليل فلان

أو الداعية الشهير فلان
لقال لك لا أدرى !
و إذا سألته عن هؤلاء الفساق الفجار لقال لك عن المغنية فلانة عدد أشرطتها وحفلاتها ،و لون ثوبها المفضل، و اسم حيوانها المدلل
و لون شعرها و مقاس حذائها ،و هكذا مع كل المغنيين فكأن أحدهم عالم نبيل أو ولى جليل و نسى أن
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ )
و خير الكلام و هو القرآن فقال الله تعالى فى سورة الزمر :
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )
هكذا لابد أن تكون حالك يا أخى و لا تكون كهؤلاء الذين إذا سمعوا الأغاني و المعازف فهاجت منهم الأصوات

و تعالت منهم الآهات ،و تمايلوا تمايل السكران

و تكسروا تكسر النسوان
يا أخى عظم سمع الله لك

فأنت تقول ربى سميع لكنك أسمعته ما يغضبه
فأعرض يا أخى و انتهى عن تلك المعازف و المنكرات يا سامع الغناء أما تعتزل قول الأغاني والغزل، و قـــل الفـــصـل و جانب مـن هــزل، إن أهني عيشة قضيـتها ذهبت لذاتها و الإثم حل
إنك تعلم أن الله بصير و لكنك جعلته يبصرك على ما لا يرضاه منك فكم مرة رآك في المعاصي و أنت في خلوتك أو أمام مرئي

و مسمع من الناس
أما تخاف أن تلقى في جهنم وحرها و تلفح نارها وجهك أما تخاف من تلك السلاسل التى طولها سبعون ذراعاً
و تطوق بها من عنقك

و يجرك بها ملائكة غلاظ شداد

ثم تستنجد ربك فما يجيبك فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
( كل أمتي معافى إلا المجاهرون )
إلا المجاهرون بالذنب و لا يخشون أن يخسف بهم الله الأرض أو يأتى ببنيانهم من القواعد فيخر عليهم السقف ...
فيا عبد الله استمع إلى أمر الله و تدبر آى القرآن فالله يقول جل فى علاه فى سورة التوبه
( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )
فيا من تقضى وقتك كى تنظر إلى هذه و تعاكس تلك و تشاكس تيك أما تخشى أن يفعل بزوجتك أو أختك أو أمك أو ابنتك ما قد أسلفت واعلم أن النظرة سهم من سهام إبليس
يلقيه في قلبك كي يقتل فيك الإيمان و يظل يلقى السهم تلو الآخر حتى يصبح قلبك في حرز الشيطان، فلا يحتاج أن يلقى السهم و إنما فنفسك هي التى ستسوق ..
فلا تتبع خطوات الشيطان فإنها من مقدمات الزنى والعين تزنى و زناها النظر ..
فاحذر أخى من خطوات الشيطان التى تسلب منك دينك و تضيع منك يقينك بالله،و تنسيك حقه عليك فبادر بالتوبة إلى ربك و لذ بجنابه و قم بالليل،و ابكي على حالك ،و اطلب منه عفوا و رضى فإنه هو الغفور الرحيم، يقبلك أينما جئت إليه ..
و ادعوه في سجودك أن يخلصك من ربقة النفس و الشهوات، و أن يحل عن عنقك نير الذل للنفس ...
بادر قبل أن تبادر ، هل تنتظر إلا غنى ً مطغياً أو فقراً منسياً أو هرماً مفنّداً ، أو موتأ مُجهزاً ،أو الدجال فشر غائب ينتظر،أو الساعة والساعة أدهى وأمر،بادر قبل أن تبادر
واصدق في توبتك واجعلها نصوحاً خالصة ، فإن الله يدعوك في عداد المؤمنين قال تعالى فى سورة التحريم:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )

ويعد جل شأنه بالفلاح على ذلك فيقول فى سورة النور
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل الذنوب والخطيئات فاستغفروا الرحيم الرحمن وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً