لا إله إلا الله: معناها، شروطها، أركانها, ونواقضها
الحمد لله الواحد الأحد، خالق الخلق من عدم، المتفرد بالقهر والاستيلاء، العظيم الغفار، لا إله معه ولا رب سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فمن المعلوم أن لا إله إلا الله هي التي يدخل الإنسان بها في الإسلام, وهي مفتاح دار السلام وقد قيل لوهب بن منبه - رحمه الله -: "أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك1".
ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد التي من أجلها أرسل الله الرسل قال - تعالى -:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}2, وقال: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ}3, ومن أجلها وضعت الموازين, وجرّدت سيوف الجهاد, وحقّت الحاقّة, ووقعت الواقعة, وصار النّاس فريقين: فريق في الجنّة، وفريق في السّعير, ومعنى كلمة لا إله إلا الله أي لا معبود حقٌّ أو بحق إلا الله، وكل المعبودات إنما عُبدت بغير الحق قال الله - تبارك وتعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}4, وأما الذين فسروها بقولهم: لا إله في الوجود إلا الله فلا يسلم لهم، وذلك أن الله أخبر في كتابه الكريم عن وجود آلهة كثيرة للمشركين فقال - سبحانه وتعالى -: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}5, فسماها آلهة لكنها آلهة باطلة كما في الآية المتقدمة, وتبين أن الإله الحق والمعبود بالحق هو الله سبحانه وحده لا شريك له؛ ونحن في هذا المقام سنذكر بعض ما ورد في فضلها من سنة النبوية:
1- أن من أتى بها لا يخلد في النار حتى ولو كان عمل من الخير قليلاً ما دام أنه موحد لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير))6، أي أنه يعذب على قدر معاصيه، ثم يكون في نهاية الأمر إلى الجنة، ولا بد من الإخلاص في ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))7؛ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة))8.
2- عصمة دم من قال لا إله إلا الله وذلك لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال سول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله))9، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله))10، وفي رواية لمسلم: "لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا رأيت الله - عز وجل - قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق11".
3- حصول شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ظننت - يا أبا هريرة - أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه))12، فهذا بعض ما ورد في فضلها.
أركان كلمة التوحيد:
ولهذه الكلمة أي كلمة التوحيد ركنان أساسيان هما:
الركن الأول: النفي في قوله "لا إله" فهذا نفي لجميع الآلهة.
الركن الثاني: هو الإثبات، وذلك في قوله: "إلا الله"، فبعد أن نفى جميع الآلة أثبت الألوهية لله - تبارك وتعالى -، قال الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله -: "وفي النفي - لا إله إلا الله - هنا الإله المنفي هو جنس الآلهة التي تستحق العبادة؛ و"إلا الله" ليس هذا مُخْرَجاً من الآلهة؛ لأنه لم يدخل أصلاً فيها حتى يخرج منها، لأن النفي راجع إلى الآلهة الباطلة"13، وقال حفظه الله: "لا إلهَ غيره مشتمل على كلمة إله، وكلمة الإله هذه اختلف الناس في تفسيرها:
فالتفسير الأول لها: أنّ الإله هو الرب، وهو القادر على الاختراع، أو هو المستغني عمَّا سواه، المفتقر إلى كل ما عداه؛ وهذا قول أهل الكلام، في أنّ الإله هو الرب؛ يعني هو الذي يقدر على الخلق والاختراع والإبداع، وهو الذي يستغني عمَّا سواه، وكل شيء يفتقر إليه؛ وهذا التفسير بكون الإله هو القادر على الاختراع، وهو الرب لأهل الكلام، من أجله صار الافتراق العظيم في فهم معنى كلمة التوحيد، وتوحيد العبادة، وفي فهم الصفات، وفي تحديد أول واجب على العباد.
والتفسير الثاني لها: وأنّ الإله، إله فعال بمعنى مَفْعُولْ يعني مَأْلُوهْ؛ وسُمِّيَ إلهً لأنه مألوهٌ, والمألُوهُ مفعول من المصدر وهو الإلهَةْ, والإلهة مصدر أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وألوهة إذا عَبَدَ مع الحب والذل والرضا؛ فإذاً صارت كلمة الإله هي المعبود، والإلهة والألوهية هي العبودية إذا كانت مع المحبة والرضا؛ فصار معنى الإله إذاً هو الذي يُعْبَدُ مع المحبة والرضا والذل.
وهذا التفسير هو الذي تقتضيه اللغة؛ وذلك لأنَّ كلمة إله هذه لها اشتقاقها الراجع إلى المصدر إلهة، الذي جاء في قراءة ابن عباس في: {وَيَذَرَكَ وَإِلَهَتَك}14 يعني ويذرك وعبادتك، وأما مجيؤُها في اللغة فهو كقول الشاعر:
لله درّ الغانيات المُدّهِ سبّحن واسترجعن من تألهِي
يعني من عبادتي، فالإله هو المعبود، ولا يصح أن يفسَّر الإله بمعنى الرب مطلقاً, لأنَّ الخصومة وقعت بين الأنبياء وأقوامهم، وبين المرسلين وأقوامهم؛ في العبودية لا في الربوبية, فالمشركون أثبتوا آلهة وعبدوهم كما قال - عز وجل -: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}15، وكقوله: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً}16 يعني أجعل المعبودات معبوداً واحداً, وهذا يدلك على أنَّ هذا النفي في قوله "وَلا إلهَ غَيْرُهُ" راجعٌ إلى نفي العبادة.
وهذا القول الثاني هو قول أهل السنة، وقول أهل اللغة، وقول أهل العلم من غير أهل البدع جميعاً، وهو المنعقد عليه الإجماع قبل خروج أهل البدع في تفسير معنى الإله17".
شروط لا إله إلا الله:
وإن كلمة التوحيد لها شروط لا بد من توفرها، وقد جمعها العلامة حافظ الحكمي - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - فقال:
وبـشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقاً وردت
فإنه لم ينتفع قائــــلها بالنطق إلا حيــث يستكملها
العــلم واليقين والقبـول والانقيــــاد فادر ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبه وفقــــــك الله لما أحبه18
فالشروط هي: العلم، اليقين، القبول، الانقياد، الصدق، الإخلاص، المحبة.
الشرط الأول: العلم بمعناها المراد منها - نفياً وإثباتاً - علماً منافياً للجهل قال الله - تبارك وتعالى -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}19.
الشرط الثاني: اليقين المنافي للشك والدليل على ذلك قول الحق - تبارك وتعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}20.
الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك وذلك لقوله - تبارك وتعالى -: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}21, وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.22
الشرط الرابع: الصدق المنافي للكذب، والدليل على ذلك قول الله - تعالى -: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}23.
الشرط الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته، ودلت عليه قال الله - تبارك وتعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}24.
الشرط السادس: الانقياد لما دلت عليه والاستسلام لذلك قال الله - تبارك وتعالى -: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}25، وقال الله - تبارك وتعالى -: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}26.
الشرط السابع: القبول لما اقتضته هذه الكلمة قولاً وعملاً واعتقاداً لقول الله - تعالى -: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}27.
نواقض كلمة التوحيد:
معلوم أن لكلمة التوحيد التي بها يدخل الإنسان في الإسلام نواقض وأمور تخرجه من الإسلام، منها نواقض تتعلق بالتوحيد وهي على أنواع:
أولاً: الشرك بالله - عز وجل - في العبادة, وهي التي يكفر بها العبد، ويصير من الخارجين عن الإسلام:
1- الذبح لغير الله: والدليل على أن الذبح من العبادة قول الله - تبارك وتعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}28, وقال الله - تبارك وتعالى -: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}29, وقال - سبحانه وتعالى -: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ}30 قال مجاهد وابن جريج - رحمهم الله -: "كانت النصب حجارة حول الكعبة"، وقال ابن جريج: "وهي ثلاثمائة وستون نصباً كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويشرحون اللحم، ويضعونه على النصب، وكذا ذكره غير واحد، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله، فإن الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذ31", فالمقصود به الذبح لغير الله - تبارك وتعالى - عند الأوثان والقبور والقباب وغيرها، وعن أبي الطفيل - رضي الله عنه - قال: "سئل عليٌّ أخصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا, قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: ((لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً))32.
2- النذر لغير الله من الشرك، ومن نواقض لا إله إلا الله؛ لأن النذر يراد به التقرب والتعظيم.
3- السجود والركوع لغير الله: وهما من الشرك، ومن نواقض لا إله إلا الله؛ لأن السجود والركوع يقصد بهما التعظيم والتقرب.
4- الطواف لغير الله: كما يفعل كثير من أهل أضلال عند مزاراتهم، وعند القبور والقباب، وغير وذلك لأن المقصود بالطواف التعظيم لمن يطاف حوله، وقد قال الله - تبارك وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}33, وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}34.
ثانياً: من أنواع الشرك في التوحيد ومن نواقض لا إله إلا الله: الحكم بغير ما أنزل الله:
الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم القوانين الوضعية، وهذا من أخطر وأبرز مظاهر الانحراف في دول المسلمين اليوم, والحكم بما أنزل الله من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله كما قال الله - تبارك وتعالى - على لسان يوسف - عليه السلام -: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}35، وقد ذم الله المتحاكمين إلى أهوائهم وعاداتهم، التاركين شرعه وراء ظهورهم فقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}36, وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}37, وقال: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}38، وسمى الله - تبارك وتعالى - الحكم بغير شريعته طاغوتاً فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}39, والآيات والأحاديث وكلام السلف والعلماء معروف وكثير نكتفي بما ذكرنا في ذلك الأمر.
فالحكم بغير ما أنزل الله - عز وجل - ناقض من نواقض الإيمان، وذلك لأن التشريع حق خالص لله - تبارك وتعالى -، من نازعه شيئاً منه فهو مشرك: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}40.
والملاحظ أن كثيراً من الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين إنما فيها انسلاخ من عقيدة إفراد الله وحده بالتشريع، حيث جَعلت التشريع والسيادة للأمة أو الشعب، وربما جَعلت الحاكم مشاركاً في سلطة التشريع ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويكون ناقض للإيمان عندما ينكر أحقية حكم الله ورسوله؛ كما جاء في رواية لابن عباس - رضي الله عنه - في قول الله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: "من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسق41"، ويكون ناقضاً للإيمان إذا فضل حكم القوانين، وحكم البشر على حكم الله، سواء كان هذا التفضيل مطلقاً أو مقيداً في بعض المسائل, وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب هذا في نواقض الإيمان.
وإن حكم بغير ما أنزل الله لكن يعتقد أنه عاص بذلك، وأن حكم الله هو الحق، وإنما حكم بهذا لغرض ما فلا يخرج من الملة لكنه على خطر عظيم، والله تعالى أعلم.
ثالثاً: من نوقض التوحيد التشبه بالكفار وموالاتهم ومناصرتهم على المسلمين، وذلك لأنهم أعداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من تشبه بقوم فهو منهم))42, ويكون التشبه بهم كفراً إذا كان التشبه بهم فيما يوجب الكفر والخروج عن الملة، لأن المشابهة الكلية في الظاهر تدل على حب في الباطن غالباً، وتعظيم لما هم عليه من تلك المظاهر، وليس المقصود أن كل من تشبه بهم في أمر ما يعد كافراً، بل المقصود أن يتشبه بهم فيما يناقض العقيدة، أما التشبه في أمور نادرة فهذا من المعاصي قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عند هذا الحديث: "فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك, وبكل حال فهو يقتضي التشبه بهم بعلة كونه تشبه43", ومن التشبه المخرج من الملة تعليق الصليب على الصدر وتعظيمه؛ يقول الله - تبارك وتعالى -: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}44, وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}45, وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}46 والآيات في هذا المكان كثيرة نكتفي بما ذكرنا.
رابعاً: من نواقض لا إله إلا الله الاستهانة بالمصحف الكريم، وذلك لأنه كلام الله - عز وجل -، وكذلك كل من أنكر فيه شيئاً, أو زعم تحريفه كما تقول الرافضة.
خامساً: ومن نواقض التوحيد الوقيعة في أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام -، وسبهم وتكفيرهم, وذلك لأنهم حملة الدين، وقام بتربيتهم سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، فالطعن فيهم طعن في الدين في الحقيقة لأنهم حملته إلينا قال الله - تبارك وتعالى -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}47 قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمة الله عليه - في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة - رضي الله عنهم - قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة - رضي الله عنهم - فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء - رضي الله عنهم - على ذلك48", وفضائل الصحابة معروفة مشهورة منها قوله - تعالى -: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}49, وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}50.
نسأل الله - تعالى - أن يغفر لنا ولهم، وأن يجزيهم عن الإسلام كل خير بمنِّه وكرمه, وأن يتقبل منا صالح الأعمال، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، والحمد لله رب العالمين.
1 انظر صحيح البخاري (1/415).
2 سورة الأنبياء (25).
3 سورة النحل (2).
4 سورة الحج (62).
5 سورة هود (101).
6 رواه البخاري في صحيحه برقم (44).
7 رواه البخاري في صحيحه برقم (1130).
8 رواه البخاري في صحيحه برقم (6975)؛ ومسلم برقم (325).
9 رواه البخاري في صحيحه برقم (2786)؛ ومسلم برقم (21).
10 رواه البخاري في صحيحه برقم (6855).
11 رواه مسلم في صحيحه برقم (20).
12 رواه البخاري في صحيحه برقم (99).
13 شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ (1/25).
14 سورة الأعراف (127).
15 سورة مريم (81-82).
16 سورة ص (5).
17 شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ (1/26).
18 معارج القبول (1/32).
19 سورة محمد (19).
20 سورة الحجرات (15).
21 سورة الزمر (3).
22 سورة البينة (5).
23 سورة العنكبوت (1-3).
24 سورة البقرة (165).
25 سورة لقمان (22).
26 سورة الزمر (54).
27 سورة الصافات (35-36).
28 سورة الأنعام (162).
29 سورة الكوثر (2).
30 سورة المائدة (3).
31 تفسير ابن كثير (2/11).
32 رواه مسلم في صحيحه برقم (1978).
33 سورة الأعراف (194).
34 سورة الحج (73).
35 سورة يوسف (40).
36 سورة المائدة (44).
37 سورة المائدة (45).
38 سورة المائدة (47).
39 سورة النساء (60).
40 سورة الشورى (21).
41 تفسير الطبري (4/588).
42 رواه أبو داود في سننه برقم (4031)؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (11094)؛ وفي صحيح الجامع برقم (6149).
43 اقتضاء الصراط المستقيم (1/83).
44 سورة المجادلة (22).
45 سورة المائدة (51).
46 سورة التوبة (23).
47 سورة الفتح (29).
48 تفسير ابن كثير (4/260).
49 سورة الفتح (18).
50 سورة التوبة (100).