هل يجوز أن يشترط عليها استرجاع المهر والنفقة في حال الطلاق بموافقتها ؟
السؤال : هل يجوز عند الزواج من امرأة سواء مسلمة أو غير مسلمة علي الانترنت ، حيث يتم الاتفاق علي عدم وجود مهر أو نفقة في حال الطلاق بموافقة المرأة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا يجوز لزوج أن يشترط على المرأة أنه إذا طلقها فإنه يأخذ منها ما كان أعطاها من المهر أو النفقة ، ومن أخذه فقد وقع في إثم عظيم وبهتان مبين ، قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) النساء/ 20 .
وقال سبحانه وتعالى: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا) البقرة/ 229 .
وكيف يستحق استرجاع المهر ، وقد قبض العوض، وهو استحلال الفرج بالنكاح ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي طالب بمهره من امرأته التي رماها بالزنا
لا مال لك ؛ إن كنت صدَقْت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها ) متفق عليه .
وقال تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) النساء: 21
قال الكاساني : "نَهَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الزَّوْجَ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ الطَّلَاقِ" انتهى من "بدائع الصنائع" (2/292) .
وإذا ثبت أن هذا منهي عنه ، فإنه لا يجوز اشتراطه .
«مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» . رواه البخاري (2155) ومسلم (1504) .
قال ابن القيم رحمه الله : "الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه" انتهى من "إعلام الموقعين" (1/344).
ولأن هذا الشرط يفضي إلى أن يتم النكاح بلا مهر ، فيتزوج الرجل المرأة ، ويشترط عليها استرداد المهر إذا طلقها ، ثم يطلقها ويسترد المهر ، فيكون حقيقة ما وقع أنه تم النكاح بلا مهر.
وقد اتفق العلماء على أن اشتراط عدم المهر غير جائز، ومنهم من ألغى الشرط وصحح عقد النكاح ، وأوجب للمرأة مهر المثل ، ومنهم من ألغى الشرط وأفسد عقد النكاح .
لكن ، لو تنازلت المرأة عن حقها في المهر ، أو بعضه ، بعد الزواج ، بطيب نفس منها : فهذا جائز باتفاق العلماء ، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء: 4 .
ثانيا :
إذا كان الطلاق بطلب من المرأة ، ولم يكن ذلك بسبب من الزوج ، أو تكون ناشزا سيئة الخلق أو نحو ذلك ، فإن للزوج أن يمتنع من طلاقها حتى تفتدي منه بإرجاع كامل المهر أو بعضه .
فإن لم يكن منها نشوز ولا امتناع ، فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا مما أعطاها ، قال تعالى (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/ 229 .
قال القرطبي المالكي رحمه الله : "إذا أراد الطلاق من غير نشوز وسوء عشرة : فليس له أن يطلب منها مالا" تفسير القرطبي (5/ 99).
ثالثا :
لا يجوز منع النفقة عن مستحقها ، ولا استرجاعها بعد بذلها ، وهي من الحقوق الواجبة على الزوج ، المتجددة كل يوم ، قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الطلاق/ 7 .
فإذا نشزت المرأة فيجوز قطع النفقة المستقبلة عنها ، حتى تعود إلى الطاعة ، ينظر جواب السؤال (185382) .
لكن : ليس له أن يسترجع نفقته عند الطلاق ، ولو كان اشترط ذلك عليها قبل الزواج ؛ لأنه شرط باطل .
وفي حديث امرأة ثابت بن قيس حين أرادت مفارقته ، أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن ترد إليه المهر ، ولم يأمرها برد ما كان أنفق عليها .
ولأن هذا الشرط يتضمن غررا كثيرا فاحشا ، فقد تبقى المرأة مع الرجل عشرات السنين ، ثم يطلقها ، ويطالبها بما أنفق عليها ، وهذا غرر كبير لا يرضاه الناس ولا يتسامحون بمثله .
والخلاصة :
أن هذا الشرط غير صحيح ، ولا يجوز أن يعقد النكاح بهذا الشرط ، ومن تزوج على هذا الشرط ؛ فلا يحل له أن يطالب به ، ولا يلزم المرأة –مسلمة كانت أو كتابية- الوفاء به لبطلانه .
والله أعلم .
ملخص الجواب :
هذا الشرط غير صحيح ، ولا يجوز أن يعقد النكاح بهذا الشرط ، ومن تزوج على هذا الشرط ؛ فلا يحل له أن يطالب به ، ولا يلزم المرأة –مسلمة كانت أو كتابية- الوفاء به لبطلانه .