الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، قال الله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)
أيها المؤمنون: إن المسلم سهل هين لين قريب من الناس، يألفهم ويألفونه، يحبهم ويحبونه، ومن سعى في تحصيل تلك الصفات حرمه الله عز وجل على النار، قال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: على كل هين، لين، قريب من الناس، سهل. ومن حُرم حب الناس والتعايش معهم فقد حُرم الخير، قال صلى الله عليه وسلم :« المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» ومن أراد التعايش مع الناس فعليه أن يبذل الخير لهم، ويصبر على قصورهم، ويحفظ لسانه عن عيوبهم، ويتغاضى عن زلاتهم، فلا يقدح ولا يعيب، ولا يسب ولا يلعن، فالمؤمن عفيف اللسان، طاهر القلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء»
عباد الله: لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الإيمان فسره بحسن التعامل مع الخلق، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال:« طيب الكلام، وإطعام الطعام» قلت: ما الإيمان؟ قال:« الصبر والسماحة» قلت: أى الإسلام أفضل؟ قال:« من سلم المسلمون من لسانه ويده» قلت: أى الإيمان أفضل؟ قال :« خلق حسن» قلت: أى الهجرة أفضل؟ قال:« أن تهجر ما كره ربك عز وجل» فانظروا يا عباد الله إلى الإسلام في أعلى مراتبه، وإلى الإيمان في أبهى صوره، كيف استقرت فيمن أصلح علاقاته مع الله تعالى، وأحسن إلى الناس، فاحرصوا على الود في خطابكم مع الناس، فاختاروا من الكلام ألطفه، ومن القول أعذبه، قال الله تعالى وقولوا للناس حسنا) أي: كلموهم طيبا، ولينوا لهم جانبا.
ومن طلب كمال الإيمان فعليه أن يحب الخير للناس، ويحب لهم ما يحب لنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»
أيها المؤمنون: إن المسلم إذا تعامل مع الناس فمنطقه الحكمة، وإذا نصح فسبيله الموعظة، وتلك وصية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قال سبحانه وتعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)
والإسلام يأمر ببناء الإنسان، وعمارة الأوطان، وينهى عن التقاتل والتدابر، ولا ينهض بناء ولا يقوم أساس إذا اختلفت القلوب وساءت الظنون، قال صلى الله عليه وسلم:« إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»
والتعامل مع الناس يقتضي إنصافهم إذا عدلوا، والثناء عليهم إذا أحسنوا، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) وقد علمنا ديننا الحنيف في خطابنا مع من يخالفنا في الرأي أن نقدر له رأيه، ونحفظ له حقه، قال تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم)
فاللهم امنن علينا بحسن الإيمان، وحقق لنا ما ترضاه من جميل الأخلاق والإحسان، وارزقنا أعمالا زكية ترضى به عنا، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم