اشترطت في العقد أنه إن تزوج عليها لزمه أن يسكن الثانية على بعد خمسين كيلو
السؤال:
هل يجوز الاشتراط في عقد النكاح أنه إذا أراد الرجل الزواج بأخرى فإن عليه أن يُسكنها في مكان بعيد لا يقل عن خمسين كيلو متر مثلاً عن زوجته الأولى ؟ أظن هذا أفضل من اشتراط أن لا يتزوج على الإطلاق ، وماذا لو رفض هذا الشرط حتى بعد أن تم الاتفاق على موعد الزفاف ؟
الجواب :
الحمد لله
ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر عند العقد ، الأصل فيه الصحة ووجوب الوفاء به ، ما لم يكن مخالفا للشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (2721) ، ومسلم (1418).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن الأصل في جميع الشروط في العقود الصحة حتى يقوم دليل على المنع؛ والدليل على ذلك عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد: (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1] ، (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) [الإسراء: 34] ، وكذلك الحديث الذي روي عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام : (المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) . وكذلك قوله ـ عليه الصلاة والسلام : (كل شرط ليس فيه كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) .
فالحاصل: أن الأصل في الشروط الحل والصحة، سواء في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف، وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة أنه يجب الوفاء بها في النكاح وغيره؛ لعموم قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) فإن الوفاء بالعقد يتضمن الوفاء به وبما تضمنه من شروط وصفات؛ لأنه كله داخل في العقد" .
انتهى من " الشرح الممتع " (12/ 163).
ولا يظهر مانع شرعي من هذا الشرط، وهو دون اشتراط ألا يتزوج عليها مطلقا.
وقد نص الفقهاء على وجوب الوفاء بما شُرط في النكاح.
قال ابن قدامة رحمه الله : " إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ، أو لا يسافر بها ، أو لا يتزوج عليها : فهذا يلزمه الوفاء به ، فإن لم يفعل ، فلها فسخ النكاح ، روى هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم" .
انتهى باختصار من "المغني" (9/483) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "و لو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس ، أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد ، فتركته فيما بعدُ : فله الفسخ " .
انتهى من "الاختيارات الفقهية" (ص 219) .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : عن امرأة خطبها رجل ، فاشترطت عليه أن لا يشرب الدخان ، فوافق ، فتزوجته ، ثم تبين لها أنه يشرب الدخان ، فماذا يكون أمرها ؟
فأجاب : " الحمد لله . إذا كان الأمر كما ذكر فإن للمرأة المذكورة الخيار في فسخ نكاحها منه ، أو البقاء معه " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (10/149) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " بعض النساء تشترط على زوجها عند الخطبة أن يؤمن لها خادمة، فهل يجوز هذا الشرط أرجو توضيح أمر الخدم : متى يجوز ذلك؟ وما هي الحاجة التي تبيح ذلك؟ وهل هذا الشرط ينفذ أم لا ؟ وكذلك بالنسبة لشرط التدريس إذا كان الإنسان يعلم أن هذا الشرط ربما يكون سبباً في فسخ نكاحهما في المستقبل؟
الجواب: ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج) ومن المعلوم أن الوفاء بالشروط المذكورة في العقود واجب؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1] ولقوله: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) [الإسراء:34].
فإذا اشترطت المرأة على الزوج شروطاً غير ممنوعة شرعاً وجب عليه الوفاء بها، فإن لم يف بها فلها الفسخ ، أي: يكون الأمر بيدها، ومن ذلك إذا اشترطت عليه أن تبقى مدرسة ، أو أن تبقى طالبة ، والتزم بهذا الشرط ؛ فإنه يجب عليه الوفاء بذلك ، ولا يحل له أن يترك الوفاء به .
فإن ترك الوفاء به ، ورغبت في الفسخ ، فلها حق الفسخ؛ لأنه لم يف بالشرط.
وأما ما يتعلق بالخادم ، فأنا لا أحبذ جلب الخدم إلا عند الضرورة ، فإذا كان هناك ضرورة ، فلا بأس أن يأتي بالخادم .
ولكن يلاحظ أنه لا بد من حضور محرمها معها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فإذا قال صاحب البيت: ماذا أصنع بمحرمها؟ ليس عندي له شغل؟
قلنا: من الممكن أن يخدمك في البيت بشراء الحوائج اليومية أو غير ذلك ، ومن الممكن أن تدعه حتى هو بنفسه يتكسب ويحصل خيراً لك وله ، المهم ألا تأتي بخادم إلا ومعها محرم " انتهى من " اللقاء الشهري " (9/ 12).
والحاصل :
أن هذا شرط صحيح، فإن لم يف به الزوج ، كان للمرأة الحق في فسخ النكاح .
والله أعلم.