ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: هل ثبت عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه أفتى بجواز نكاح المحارم؟ الإثنين أغسطس 08, 2016 10:07 pm | |
| هل ثبت عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه أفتى بجواز نكاح المحارم؟
السؤال: هل صحيح أن الإمام أبا حنيفة أفتى بجواز الزواج بالمحارم ؟ وهذا مذكور في أحد الكتب المعروفة ، وإن كان هذا خاطئ فكيف يمكن الرد عن هذه الشبهة ؟
الجواب : الحمد لله أولا: الإمام أبو حنيفة إمام عظيم من أئمة الدين وفقهاء الملة لم يقل الإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بجواز الزواج من المحارم ، وحاشاه أن يقول ذلك، فإن القول بذلك مروق من الدين ، وكفر برب العالمين ، ومحادة لشرع الله تعالى ، وإنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة .
ولكن لعل سبب اللبس ومنشأ الشبهة عند بعض الناس : أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى يرى أن من تزوج بامرأة لا تحل له ، فإنه لا يحد حد الزنا، ولكنه يعزر تعزيرا بليغا موجعا ، لأنه رحمه الله يرى أن وجود "عقد النكاح" يكون شبهة لإسقاط الحد . جاء في " المبسوط للسرخسي " (9 / 85) : " رجل تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها ، فدخل بها : لا حد عليه ، سواء كان عالما بذلك أو غير عالم ، في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، ولكنه يوجع عقوبة إذا كان عالما بذلك" انتهى. وفي " حاشية الشلبي " : " قال في الهداية: ومن تزوج امرأة لا يحل نكاحها ، قال الكمال: بأن كانت من ذوات محارمه بنسب ، كأمه وابنته ، فوطئها : لم يجب عليه الحد عند أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر ، وإن قال علمت أنها علي حرام ، ولكن يجب المهر ، ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من التعزير ، سياسة ، لا حدا مقدرا شرعا ، إذا كان عالما بذلك ، وإن لم يكن عالما لا حد عليه ولا عقوبة تعزير" انتهى من " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي "(3 / 179). قال ابن عابدين في حاشيته معلقا على مسألة أن الجاهل لا عقوبة عليه ولا تعزير : "وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ : ( وَلَا عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ) الْمُرَادُ بِهِ : نَفْيُ أَشَدِّ مَا يَكُونُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ ، حَيْثُ جَهِلَ أَمْرًا لَا يَخْفَى عَادَةً " . انتهى من " الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)" (4 / 25).
فعلم من ذلك أن هذا الفعل المنكر غير جائز عند أبي حنيفة ، وتترتب عليه العقوبة الشديدة عنده ، ولكنه لا يوجب الحد ، بل يوجب التعزير البليغ القاسي ، على سبيل العقوبة التعزيرية ، لا الحد المقدر شرعا.
وقد خالف أبا حنيفة في هذا جمهورُ العلماء ، بل خالفه أخص تلاميذه وأعلمهم وهما : أبو يوسف ومحمد بن الحسن ، فأوجبوا عليه الحد ، ولم يجعلوا العقد شبهة ، لأنه عقد باطل بإجماع العلماء . قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (12/341- 343) : "وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ مَحْرَمِهِ ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاع . فَإِنْ وَطِئَهَا ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو أَيُّوبَ ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ : لَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ مِنْهُ ، فَلَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ . وَبَيَانُ الشُّبْهَةِ : أَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ صُورَةُ الْمُبِيحِ ، وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ ، وَهُوَ الْإِبَاحَةُ ، بَقِيَتْ صُورَتُهُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَات". ثم أجاب عن ذلك بقوله : "وَصُورَةُ الْمُبِيحِ إنَّمَا تَكُونُ شُبْهَةً إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً ، وَالْعَقْدُ هَاهُنَا بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ ، وَفِعْلُهُ جِنَايَةٌ تَقْتَضِي الْعُقُوبَةَ ، انْضَمَّتْ إلَى الزِّنَى ، فَلَمْ تَكُنْ شُبْهَةً ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا ، وَعَاقَبَهَا ، ثُمَّ زَنَى بِهَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَبِهَذَا قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو أَيُّوبَ ، وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ . وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ ، أَوْ بِذَاتِ مَحْرَمٍ ، فَقَالَ : يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي . وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ" . ثم ذكر الأحاديث الدالة على أنه يقتل بكل حال ، وقد سبق ذكرها في الفتوى رقم : (84982) . ثم قال : "وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَخَصُّ ممَا وَرَدَ فِي الزِّنَى ، فَتُقَدَّمُ" انتهى .
والواجب على من ينقل أقوال العلماء أن يكون عنده أمانة في النقل ، وحسن فهم لكلامهم ، حتى لا ينسب إليهم ما لم يقولوه .
والله أعلم.
| |
|