ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: إن لربكم في أيام دهركم لنفحات الإثنين يونيو 27, 2016 10:33 pm | |
| الحمد لله مُكَوِّرُ النَّهارِ على الليل ، ومُكَوِّرُ الليلِ على النَّهار ، أحمدُه سبحانه، وهو لكلِّ حَمْدِ أهل ، وأشكره وأُثني عليه
الخير كلَّه ، لا إله إلا هو ولا ربَّ سواه ، الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً .
وأُصلِّي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد ، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
، وقد ترك الأمة على مَحَجَّةٍ بيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته ، وآتاه
الوسيلة والفضيلة ، وبعثه مقاماً محموداً الذي وَعَدَه ، وصلى الله وسلم على آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد فيا عباد الله:
إن لربكم في أيام دهركم لنفحات, ألا فتعرضوا لها.
أيها الإخوة:
لقد أثقلت كواهلنا الذنوب والخطايا والإعراض عن الله عز وجل, وربنا عز وجل رحيم بخلقه, ورحمته مطلقة, فمن تمام
رحمة الله عز وجل أنه جعل لنا مناسبات من أجل أن نتعرض لنفحة من نفحات الله عز وجل, أن نتعرض لمغفرة ذنوبنا قبل
أن يُحال بيننا وبين التوبة, وقبل أن نندم ولا ينفع الندم.
يا بن آدم, يا أيها العبد المذنب وكلنا هذا العبد المذنب, يا أيها العبد الخطاء, وكلنا هذا العبد الخطاء, هلاّ تذكرت قول النبي
الأعظم عليه وآله الصلاة والسلام, الذي رواه النسائي عن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما, قال: قلت يا رسول الله, لم
أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين
رجب ورمضان, وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين, فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).
يا من له ارتباط بيوم القيامة, ويا من له اعتقاد بالوقوف بين يدي الله يوم القيامة للعرض وللحساب, هلا استفدت من شهر
شعبان بكثرة الإقبال على الله وأن تصطلح مع الله عز وجل. إن كان النبي الأعظم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حريصاً
على زيادة الطاعة في شهر شعبان فنحن أولى بذلك, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر, مع عدم وجود الذنب. النبي عليه الصلاة والسلام يستغل الفرص والأيام في زيادة القرب من الله عز وجل, هذا الشهر
الذي غفلنا عنه فقصرنا في بقية الشهور, وربما أن يزداد تقصيرنا في شهر شعبان, لأننا نتطلع إلى قدوم شهر رمضان الذي
يرمض الذنوب, فربما البعض قبل أن يأتي شهر رمضان يستغل هذه الأيام في معصية الله ويقول: غداً يأتيني رمضان فالمعصية لا تليق, وإذا به يكثر من معصية الله عز وجل!
ما هذا أيها الإخوة؟ النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان) هؤلاء الذين
يستغلون شهر شعبان في معصية الله استعداداً في ظنهم لاستقبال شهر رمضان لأنهم سيتوبون إلى الله عز وجل. أهذا هو
شأن الإنسان المؤمن؟ وربما وبكل أسف أن ترى شريحة من الناس من يتتبع المسلمين إذا ما أرادوا في شهر شعبان أن
يجتمعوا ويتعاونوا على طاعة الله, وأن يجتمعوا في بيت الله امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت
من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم, إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن
عنده) [رواه مسلم وأبو داود]. مع كثرة غفلة الناس عن دين الله وطاعته, ترى شريحة من الناس يتابعون هؤلاء الملتزمين
ويقولون: لا يجوز الاجتماع في المسجد في ليلة النصف من شعبان, ولا تجوز هذه الطاعات, لأنها بدعة, يا أخي يا سبحان
الله, أما ترى واقع الأمة, نحن بأمس الحاجة أن نتمثل قول الله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى} لأننا أصبحنا
ضعفاء, من منا يقوم الليل حتى تتورم قدماه؟ ومن منا يقرأ أجزاء من القرآن في جنح من الليل؟ ومن منا يكثر الدعاء بين
يدي الله عز وجل؟ جلنا ـ وسامحوني إن قلت هذا ـ لا يعرف الدعاء, وجلنا إذا مدّ يديه إلى الله عز وجل داعياً ربما أن
يدعو بجملتين أو ثلاثة ثم لا يعرف كيفية الدعاء, نحن في حالة غفلة وإعراض, فإذا ما دعيت الأمة لتتعاون على طاعة الله,
انتبذت شريحة من الناس يقولون: بدعة, ولا يجوز الحضور! من قال لك لا يجوز الحضور؟ والأدلة كثيرة على مشروعية
اجتماع المسلمين في بيوت الله من أجل طاعة الله والتقرب إلى الله عز وجل, فإذا دخلت إلى بيت الله ورأيت أناساً جالسين
يقرؤون القرآن فهل من حرج؟ ويمدحون النبي صلى الله عليه وسلم فهل من حرج؟ ويصلون النوافل فهل من حرج؟
ويسمعون موعظة فهل من حرج؟ وإن لم تكن الصورة هذه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, لأن أصحاب سيدنا رسول
الله رُبُّوا على مراقبة الله, وكل واحد منهم ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ورجل قلبه معلق بالمساجد)
[رواه البخاري ومسلم], وأما قلوبنا فقلوب زاهدة إلا من رحم ربي عز وجل.
ولذلك أيها الإخوة:
إن لربكم في أيام دهركم لنفحات, ألا فتعرضوا لها, لنتعرض لنفحات الله عز وجل. إن استطعت أن تقوم
الليل وتصوم النهار وأنت منفرد, وتقول كما قال بعضهم:
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا *** سر أرق من النسيم إذا سرى
فهنيئاً لك, وأقول لك: يا أخي أناشدك الله أن تذكرني بدعوة صالحة في خلوتك مع الله. وأما إذا كنت ضعيفاً لا تستطيع,
وكنت بحاجة إلى من يعينك, فما الحرج أن تقول لصاحبك: تعال يا أخي لنجدد إيماننا, كما كان يفعل أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم؟ أو تعال لنقول: لا إله إلا الله, أو تعال لنقرأ القرآن, ما الحرج في ذلك؟ ربنا يقول:
{وتعاونوا على البر والتقوى}.
أيها الإخوة: شهر شعبان شهر القربات لله عز وجل, كما جاء عند الطبراني, والحديث رجاله ثقات, أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن). ليس فينا مشرك ولله الحمد,
ولكن ما أكثر المتشاحنين! أناشدك الله وأنت في هذه الساعة المباركة, وأنت ممن امتثل أمر الله جل وعلا عندما قال له
مولانا:
{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} هل أنت مشاحن؟ كيف الصلة بينك وبين إخوتك وأخواتك؟
وبينك وبين زوجك؟ وبينك وبين أمك وأبيك؟ وبينك وبين أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك؟ لأنه بكل أسف أيها الإخوة
صار التشاحن مع الأباعد أمراً طبيعياً, ولكن التشاحن انتقل من الأباعد إلى الأقارب, بل إلى أقرب الأقارب, بينه وبين
زوجه, وبينه وبين أبنائه, ما هذا المجتمع أيها الإخوة؟ لا ينظر الله ولا يغفر في ليلة النصف من شعبان لمشاحن, انظر هل
في قلبك الشحناء والبغضاء؟ هل هكذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
أما تعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد عندما شقت شفته السفلى وكسرت رباعيته وشج وجهه الشريف, ووقع
في حفرة, والصحابة تألموا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله ادع على المشركين. قال:
(إني لم أبعث لعاناً, وإنما بعثت رحمة) رواه مسلم.
أيها الإخوة: من منا لا يحفظ قول الله عز وجل: {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم} أين القلوب
السليمة بين الزوج وزوجته؟ وبين الأصول والفروع؟ وبين الإخوة والأخوات؟ وأين القلوب السليمة بين الحاكم والمحكوم؟
وبين الغني والفقير؟ وبين القوي والضعيف؟ ما هذا الحال أيها الإخوة؟ ألسنا بحاجة للاجتماع ليذكّر بعضنا بعضاً, فإذا ما
اجتمعت الأبدان وأكثرنا من الدعاء عسى أن يغسل الله ما في قلوبنا.
هم حريصون أن يبعدوا الأمة عن الاجتماع بحجة البدعة, وإن هذا الابتعاد عن الجمع يزيد في البغضاء والتدابر, أما كثرة
اللقاء والاجتماع فهي التي تغسل ما في القلوب, لأن المسلم عندما يلتقي مع أخيه ويصافحه ويصليا على سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم تتساقط ذنوبهما كما تتساقط أوراق الشجر. ألسنا بحاجة إلى هذا؟
أيها الإخوة: لنغتنم هذا الشهر العظيم المبارك, شهر شعبان, بكثرة القيام, وانظر إلى ما رواه البيهقي عن أمنا المبرأة السيدة
عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل يصلي فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض, ـ
أي لا يتحرك وكأنه صلى الله عليه وسلم حابس نفسه في حالة المراقبة لله عز وجل ينتظر رحمة الله تعالى ـ قالت: فلما
رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك, فرجعت, فسمعته يقول في سجوده: (أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك
من سخطك ، وأعوذ بك منك، جل وجهك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ويكررها صلى الله عليه وسلم,
فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: يا عائشة أظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم خاس بك؟ قلت : لا والله
يا رسول الله ولكني ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: (أتدرين أي ليلة هذه؟)، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم).
ربما أن تسمع ممن يقول لك إن الاجتماع بدعة يقول لك: الحديث ضعيف, نعم الحديث ضعيف, ولكن هذا الحديث الضعيف
إن عملت به في فضائل الأعمال فهل هذا يضر في دينك؟ إن عملت به وانقلبت يوم القيامة فوجدت رحمة الله قد شملتك ليلة
النصف من شعبان فهل أنت من السعداء أم من الأشقياء؟ أما إذا قلت: هذا الحديث ضعيف, وإني سأعرض ولن أتعرّض,
وفوجئت بمن كنت تنهاه بأنه صار من السعداء, ألا يتفطر قلبك لأنك قد حرمت من هذا الخير؟
أيها الإخوة: يؤخر ربنا أهل الحقد كما هم حتى يصطلحوا, وكلنا سمع الحديث مراراً عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم
عن ليلة النصف من شعبان بأن (لله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب، لا ينظر الله فيها إلى مشرك، ولا إلى مشاحن،
ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مسبل، ولا إلى عاق لوالديه، ولا إلى مدمن خمر) رواه البيهقي في شعب الإيمان. تقول لي:
هذا الحديث ضعيف, وحديث:
(قوموا ليلها وصوموا نهارها) أيضاً حديث ضعيف, ولو اجتمعت الأحاديث الضعيفة ألا ترتفع إلى مرتبة الحسن كما يقول
علماء الحديث؟
أيها الإخوة: ليقبل من أراد الإقبال, ولا أقول ليعرض من أراد الإعراض, لأنني والله أريد من نفسي ومن كل مؤمن أن يقبل
على الله, لأننا بأمس الحاجة إلى رحمة الله, وإذا أقبلت على الله, فكما تطهّر جسدك الظاهر وتطهر ثوبك, طهّر قلبك,
لتتعرض لنفحة من نفحات الله عز وجل, فتصالحوا يا عباد الله, أزيلوا ما بينكم من بينكم, أقبلوا على الله, لا تقولوا: زيد
وعمرو في حالة تدابر فنحن كذلك, وتذكروا قول الله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, اللهم طهّر قلوبنا من الشحناء والبغضاء, اللهم طهّر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن رحمتك يا
أرحم الراحمين. أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
| |
|