بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الباطل متعدد والحق واحد :
أيها الأخوة المؤمنون، موضوع هذا الدرس مشكلة يعاني منها المسلمون؛ اضطراب المعايير، المسلم خالي من الحق يتلقى مقولات في الدين، هذه المقولات مصادرها متباينة مختلفة وقد تبدو متناقضة، ففي حيرة كبيرة، ملخص هذه الحيرة أن:
كلاً يدعي وصلاً بليلى و ليلى لا تقر لهم بذاك
* * *
ما الحل؟ أي موضوع الباطل متعدد والحق واحد، الحق لا يتعدد، الباطل تعدده لانهائي بدليل أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
[ سورة الأنعام: 153]
بدليل قوله تعالى:
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
[ سورة البقرة: 257]
الظلمات جمع والنور مفرد، يوجد دليل رياضي بين نقطتين لا يمر إلا خط مستقيم واحد، و لو حاولنا أن نمرر مستقيماً آخر لانطبق عليه، لكن بين نقطتين يمر مليون ملْيون خط منحن منكسر، لذلك أيها الأخوة محاولة استيعاب الباطل مستحيلة، هكذا قرأت أنه يوجد لعبة في الكومبيوتر خمسة وأربعون ألف نوع، لو أن الطالب أمضى بكل نوع ربع ساعة يحتاج إلى عمر نوح، معنى ذلك أن الباطل لا يستوعب، وأي محاولة لاستيعاب الباطل محاولة مستحيلة، البديل استوعب الحق، البديل واضح جداً، والبديل سهل جداً، والبديل قصير جداً.
الثوابت والمتغيرات :
أنت حينما تمسك بالميزان حلت مشكلاتك، الميزان لو وجد عندك ألف عبوة، وعلى كل عبوة وزن مكتوب، وأنت تشك بصحة الوزن، إذا لم يوجد عندك ميزان فأنت في متاهة، فإذا تملكت الميزان القضية حلت، تكشف الخطأ من الصواب، تكشف الصدق من الكذب، تكذب الأصالة من الزيف،
فالمشكلة أن العلم لم يطلب من منابعه ولم يطلب وفق أصوله وما أكثر المقولات التي تقال في شأن الدين، والشيء الذي يؤسف له أنه ما من اختصاص إلا وله أربابه، أنت لا تجرؤ على أن تدلي برأي في الطب، الناس فوراً يسكتونك، هل أنت متخصص؟ ولا تجرؤ على أن تدلي برأي في قضية القوانين، هل أنت حقوقي؟ ولا تجرؤ على أن تدلي برأي في البناء، هل أنت مهندس؟ كل اختصاص له حرمته إلا الدين كلأ مشاع، متعلم غير متعلم، مثقف غير مثقف، أمي متبحر منحرف مبطل مزور متهكم، كل إنسان يدلي برأي في الدين، وفي رجال الدين، أي اختصاص علمي له قداسته ولا يستطيع أحد أن يجري مداخلة إلا في الدين كل يظن نفسه قطباً في فهم الدين وقطباً في تفسير الدين، هذه مشكلة، فنحن أمام مشكلة هي مقولات في الدين من كثرتها وتنوعها وتضادها وتناقضها فصار المسلم في متاهة، أنا أعبر عن حال عامة الناس ولست أعبر عن حال طلاب العلم الذين يلتزمون في مسجد ولهم منهج ولهم عقيدة واضحة ولهم أساليب واضحة.
لذلك محور هذا الدرس ما الذي يجمعنا كأمة مسلمة؟ يجمعنا محكمات، في القرآن آيات محكمات هنّ أم الكتاب هي تجمعنا، كأن الإنسان في ثوابت وفي متغيرات، الثوابت مغطاة بالمحكمات والمتغيرات مغطاة بالمتشابهات، أي يوجد آية قطعية الدلالة ويوجد آية ظنية الدلالة، ظنية الدلالة تغطي المتغيرات في حياة الإنسان، وقطعية الدلالة تغطي الثوابت في حياة الإنسان، فحينما تميع الأمور أي مثلاً هناك قاعدة يرويها العوام آلاف المرات كل يوم يقول لك: الضرورات تبيح المحظورات، أي ضيق مهما بدا طفيفاً من أجل هذا الضيق الطفيف يبيح لنفسه المحرمات، يقول لك: أنا مضطر، فهم منهجي لهذه القاعدة غير موجود، فهم شرعي لهذه القاعدة غير موجود، مقولة أخرى: الدين مصلحة، هذا المقياس مائع، فمن أجل هذا المقياس تباح كل المحرمات، أنا أعطيكم نبض الشارع المسلم، هكذا المسلمين، هذه الأحياء السكنية، هذه البيوت هؤلاء كلهم مسلمون، طبعاً قلة قليلة ترتاد بيوت الله عز وجل وقلة قليلة تطلب العلم الشرعي من ينابيعه، ومن مظانه، وقد قال سيدنا عمر: ابن عمر دِينك دينك إنه لحمك و دمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا.
المحكمات ينبغي أن تكون ثابتة وواضحة وتأخذ صفة المرجعية :
يا أيها الأخوة الكرام، لا بد من محكمات، ما صفات المحكمات؟ الحقيقة يجمعنا المحكمات وتفرقنا المتشابهات، قال: المحكمات يجب أن تكون ثابتة لا تتغير، لا بتغير الزمان ولا بتغير المكان ولا باختلاف البيئة ولا بتنوع المعطيات، المحكمات يجب أن تكون ثابتة، لا تتغير ولا تتبدل، ولا تعدل ولا تطور، ولا تلغى ولا يزاد عليها، هذه المحكمات، لا يوجد قاعدة محكمة منسوخة إطلاقاً، لكن يوجد حكم شرعي منسوخ لحكمة بالغةٍ بالغة أراد الله عز وجل أن يشرع تحريم الخمر بالتدريج فقال:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾
[ سورة النساء: 43 ]
لكن هذه الآية نسخت، لا يمكن أن تنسخ قاعدة محكمة إطلاقاً، الصفة الثانية للمحكمات أنها واضحة لا لبس فيها، واضحة وضوح الشمس، ينبغي أن تكون ثابتة وينبغي أن تكون واضحة، لا غموض ولا خفاء ولا اضطراب ولا اختلاف في فهمها، الصفة الثالثة هذه المحكمات لها صفة مرجعية أي آلاف القضايا الجزئية ترجع إليها، مثلاً قاعدة لا ضرر ولا ضرار هذه قاعدة، هذه محكمة، آلاف الأحكام الشرعية تنبع منها وتفسر بها، فالمحكمات ينبغي أن تكون ثابتة، والمحكمات ينبغي أن تكون واضحة، والمحكمات ينبغي أن تأخذ صفة المرجعية.
أيها الأخوة، أمثلة: مثلاً فردية عبادة الله، هناك من يعبد هواه، هناك من يعبد شهوته من دون الله، أن تعبد الله هذه الصفة الأولى في المسلم، عبادة الله آية محكمة ثابتة واضحة مرجعية، قلت لكم من قبل: الإنسان مخير في أن يدخل في هذا الدين أو لا يدخل، أما إذا دخل صار ملزماً بمنهج الله عز وجل، أنت مخير في الدخول أو عدم الدخول، أما إذا دخلت لست مخيراً، لو أن السلك العسكري تطوع فقط أنت مخير تطوع أو لا، أما إذا تطوعت يوجد نظام عسكري، يوجد دوام، يوجد واجبات، ويوجد عقوبات، ويوجد سجن، ويوجد مضاعفة خدمة، ويوجد أشياء كثيرة.
محكمات الدين من أعظم ما فيها أنها تحافظ على الدين وعلى الدنيا :
مثلاً وجوب عبادة الله عز وجل تحريم الكفر والشرك والنفاق، تحريم الظلم في التعامل، تحريم الربا في التعامل المالي، تحريم الفواحش في التعامل مع المرأة، أركان الإيمان هذه مسلمات ثوابت محكمات، أركان الإيمان كل هذا، الحقيقة أيها الأخوة محكمات الدين من أعظم ما فيها أنها تحافظ على شيئين تحافظ على الدين وتحافظ على الدنيا، والدعاء الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ))
[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
أنت بحاجة إلى صلاح الدين فهو عصمة أمرك، وصلاح الدنيا فهو أساس معاشك، وصلاح الآخرة التي إليها مردك، فالمحكمات تضمن حفظ الدين، وتضمن حفظ الدنيا، لأن الدنيا فيها الحياة والعرض والعقل والمال، وكل أحكام الدين متوجهة إلى المحافظة على الدين والحياة والعرض والعقل والمال، هذه الضرورات الخمس، هذه التي قال عنها بعض العلماء الأكارم: الشريعة مصلحة كلها، حكمة كلها، عدل كلها، رحمة كلها، وأية قضية خرجت من الرحمة إلى خلافها، ومن الحكمة إلى خلافها، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن العدل إلى الجور فليست من الشريعة ولو أُدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
أيها الأخوة الكرام، لا بد من أن أدخل في تفاصيل الموضوع، أضرب لكم بعض الآيات المحكمات اللواتي هن أم الكتاب.
أخوانا الكرام، المحكمات تجمعنا، والأحاديث الصحيحة تجمعنا، والمتشابهات تفرقنا، والأحاديث الضعيفة والموضوعة تفرقنا، لأنه ما من فرقة ضالة إلا اعتمدت على نصوص غير صحيحة، وما من فرقة ضالة إلا ألهت الأشخاص، وأنا أقول لكم: كلما عظم الشخص صغر المبدأ، وكلما عظم المبدأ صغر الشخص:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة الأنعام:15 ]
﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾
[ سورة الحاقة: 44-47]
لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً، يقول لخادمه وقد تأخر طويلاً: لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
كلما عظم المبدأ صغر الشخص وكلما صغر المبدأ عظم الشخص :
النظام والمبدأ فوق الأشخاص، ولو كان الشخص سيد الأنبياء، فكلما عظم المبدأ صغر الشخص، وكلما صغر المبدأ عظم الشخص، فالفرق الضالة تؤله علماءها، وتعتمد النصوص الضعيفة والموضوعة، وتخفف التكاليف، لا يوجد تكاليف، أنت قد تعجب دين وضعي يقول لك: تسعمئة مليون أتباعه، خمسمئة مليون، أربعمئة مليون، ديانات وضعية، بعضها يعبد البقر، وبعضها يعبد الحجر، وبعضها يعبد الشمس والقمر، وبعضها يعبد سوءة الإنسان، هذه الديانات ليس لها مناهج فقط إعلان ولاء، أي إذا أنت لك أب، ولست مكلف بشيء من قبله إلا أن تضع صورته بجيبك، كلما التقيت بإنسان تريه صورته، هذا والدي، إذا لا يوجد اتباع الولاء سهل جداً، إعلان الولاء سهل جداً، وما أكثر الكذب بإعلان الولاء، أما الدين الإلهي دين الله دين اتباع، دين منهج، دين يقيد، لماذا
الفرنجة عندما فتحوا القدس ذبحوا سبعين ألفاً؟ هذه الإيمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن، يوجد نظام، يوجد قيد، يقال: إن سمرقند فتحت، بعد أن فتحت وتسلمها المسلمون، وحكموها لمدة طويلة أهل سمرقند علموا مؤخراً أن فتحها لم يكن شرعياً، فتوجه وفد سراً إلى دمشق، وكان عمر بن عبد العزيز وقتها خليفة المسلمين، أن هذه المدينة لم يعرض عليها الإسلام، ولم تخير بدفع الجزية، بل حوربت مباشرة وفتحت، والله التاريخ يروي شيئاً لا يصدق قال: قصاصة صغيرة كتب عليها عمر بن عبد العزيز إلى قائد الحملة في سمرقند: اخرج من سمرقند، واسلك في فتحها الطريق الشرعي، إذا الآن بعثنا قصاصة إلى شارون هل يخرج من فلسطين؟ أصبحت أسمع بالشرعية الدولية مليون مرة، أي شرعية دولية، وأي خرق قوانين؟ قصاصة صغيرة، هم لم يصدقوا فلما دفعوها إلى حاكم سمرقند قبّلها، وأعطى أمراً بانسحاب الجنود، النظام فوق الجميع، الحق فوق الجميع، فعظمة الدين أنه يوجد منهج، أي سيد الخلق إلى يمينه غلام صغير، وجاءت الضيافة، أي فرضاً على يساره سيدنا الصديق قال له: يا غلام أتأذن لي أن أعطي أبا بكر؟ قال له: لا والله لا آذن لك، فالنبي حسب التعليمات قدم له لأنه على اليمين.
الدين الأرضي ليس فيه منهج ولكن فيه ولاء كاذباً أما دين الله ففيه اتباع :
شيء عجيب خليفة المسلمين، أي:
﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾
[ سورة التوبة: 40]
عين قائد جيش شاب يمكن الآن بالحادي عشر لو كان بعصرنا سبعة عشر عاماً، قائد جيش المسلمين من جنوده عمر بن الخطاب وعثمان وعلي، سيدنا عمر أراد أن يستبقيه سيدنا الصديق، فجاء واستأذن أسامة ما هذا النظام التسلسلي؟ قال له: يا أسامة أتأذن لي بعمر؟ الدين الأرضي لا يوجد منهج ولكن يوجد ولاء كاذب، فقضية سهلة جداً أما دين الله فيه اتباع، لا يمكن أن ترقى إلى أن تكون مؤمناً إلا إذا وقفت عند الحلال والحرام، إلا إذا كنت وقافاً عند أمر الله عز وجل، لذلك قالوا: ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، فنحن نبحث في المحكمات، في الأسس، في المبادئ التي تجمع الأمة، قال تعالى:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
[ سورة الإسراء: 23]
يوجد مشكلة؛ نصوص الدين لكثرة تداولها والاستماع إليها وقراءتها واستخدامها في الخطب والدروس، ولضعف إيمان المؤمنين وانصرافهم عن الدين فرغت من مضمونها، فقد يعبد الإنسان شهوته دون أن يشعر، وقد يعبد مصلحته، وقد يعبد المال.
الآيات المحكمات ينبغي أن تجدد بمعنى أن يعاد لها مضمونها:
ذكرت في خطبة الجمعة والله أيها الأخوة تلك الآية تقصم الظهر:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخوانكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ ﴾
[ سورة التوبة: 24]
أي إذا آثرت بيتاً ليس من حقك أن تبقى فيه لكن القانون معك على أن تؤدي هذا البيت لصاحبه فالطريق إلى الله ليس سالكاً:
﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
[ سورة التوبة: 24]
فلذلك الآيات المحكمات ينبغي أن تجدد بمعنى أن يعاد لها مضمونها:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
[ سورة الإسراء: 23]
و الله أيها الأخوة المؤمن الصادق إن لم يستو عنده التبر بالتراب ليس مؤمناً، التبر أي الذهب، أي قاضٍ شرعي معاشه أربعة آلاف لا يوجد عنده منزل ولا سيارة، وليس متزوجاً، توفي شخص وترك مئة مليون، والوفاة غير صحيحة، مسمّم، جاء القاضي الشرعي مثلاً هذه عشرة ملايين، واكتب وفاة طبيعية مثلاً، المؤمن إذا أعطوه ألف مليون يبقى على أربعة آلاف في الشهر، ولا يقبل مئة مليون يكتب خلاف الواقع، والله أنا عندي أخ من أخوانا في الجامع أعتز به اعتزازاً بلا حدود، هذا الأخ يوجد ببلد عربي، والده هيأ له عملاً صناعياً صغيراً، ركب مركبته يبدو أن حادثاً وقع، الحادث بسيط، ولكن يبدو أنه يوجد في المركبة شخص سنه تسعون فما فوق، صار معه صدمة فمات فوراً، اتصل بمدير أعماله قال له: هكذا صار معي، قال له: ارتح، واحضر بعد ساعة إلى المخفر الفلاني، بعد ساعة جاء كل شيء جاهز، كل شيء منتهٍ، مكتوب الضبط فقط قف، لا يوجد عليك شيء، لأن الذي صدمه مكتوب في الضبط: إن المصدوم صدمه، بالعكس، فقال له: ولكن الواقع غير هذا، قال له: وقّع، قال له: لا أوقع، الواقع غير هذا، أنا صدمته، قال له: عجيب أنا أبحث عن خلاصك، وتبحث أنت عن أن تقع، قال له: لا أوقع يوجد آخرة، يوجد إله، لم يوقع، وكتب الواقع، ودفع الدية، والدية كبيرة، وعين أولاد المتوفى في المعمل، أي أصبح أمام الله بريئاً، هذا طبعاً قتل خطأ، إذا لم يوجد عندنا مواطن كهذا والله لا يوجد أمل.
لن نغلب أعداءنا إلا بالحق :
اليهود لما جاءهم عبد الله بن رواحة ليقيّم تمرهم أغروه بحلي نسائهم كرشوة فقال: جئتكم من عند أحب الخلق إلي من عند محمد بن عبد الله ولأنتم عندي أبغض من القردة والخنازير ومع ذلك لن أحيف عليكم، لن أظلمكم، فقال اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض وبهذا غلبتمونا، ولن نغلبهم إلا بالحق:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
[ سورة الإسراء: 23]
كم مسلم يعبد شهوته؟ وكم مسلم يعبد مصلحته؟ وكم مسلم يحلف أيماناً كاذبة ليبيع سلعة كاسدة؟ وكم مسلم يدلي بشهادة زور؟ قال لنا شخص يوجد عنده مخالفة تموينية قال له القاضي: ائتِ بشاهد على أن البضاعة مسعرة، فإذا جاء بالشاهدين انتهت قضيته، استأجر شاهداً، طلب منه خمسة آلاف، دخل وجد مصحفاً، ويوجد يمين، قال له: أريد عشرة، لماذا: لأنه يوجد يمين، كم مسلم يدلي بشهادة زور؟ وكم مسلم يأخذ ما ليس له؟ وكم مسلم يحلف أيماناً مغلظة؟ وكم مسلم يعتدي ولو بنظره على أعراض الآخرين؟ وكم من مسلم يأخذ من التركة ما يحلو له ويستضعف أخوته الصغار؟ وكم من مسلم يحرم البنات ويعطي البنين؟!!
أيها الأخوة:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
[ سورة الإسراء: 23]
هذا أصل، هذه آية محكمة.
الشرك الخفي :
أولاً أيها الأخوة: المحكمات يوجد آية:
﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
هذه الآية فيها أصول الدين تقريباً:
﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
عدم الشرك:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
[ سورة يوسف: 106]
أي شرك هذا؟ الشرك الخفي.
﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
هل تصدقون أن في قصر العدل عشرات القضايا التي تشتكي فيها الأم على ابنها من أجل النفقة:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
يجب أن يتعلم الابن لغة إنكليزية، صح، أما إن أرسله وحده إلى بلاد الكفر وعاد زانياً ليست هناك مشكلة، لكن المشكلة أن يجهل هذه اللغة، لم يهتم الأب بدين ابنه، يهتم فقط بكفاءته وحرفته ودخله.
المجتمع الكافر يتحرك بشهوته وفق كل المستويات :
قال تعالى:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
الإملاق هو الفقر، أي بربكم طفلة عمرها سنتين ثلاثة في أجمل وقت، كالوردة، زهرة، تجد قلبك معلقاً بها، كان الجاهلي يأخذها إلى مكان بعيد يحفر لها حفرة في الرمل، يضعها في الرمل، ويهيل الرمل عليها وتقول: أبي أبي، قلوب كالصخر، النبي بكى من سماع قصة وأد فتاة، إذاً الموازنة بسيطة: هذا الذي يسمح لابنته أن ترتدي ما تشاء، وأن تظهر الثياب كل مفاتنها، وأن تخطر في الطريق يراها عشرات بل مئات من الشباب الجائعين المحرومين الذين بينهم وبين الزواج عشرين سنة قادمة، هذه الفتاة بهذا التهتك والتفلت ماذا تفعل؟ إلى النار، بربكم الذي يسمح لها أن تؤذي الشباب هكذا أليس لو وأدها قبل أن تكبر كان خيراً لها، لو وأدها قبل أن تكبر إلى الجنة أما الآن إلى النار، ولن تدخل النار حتى تدخله النار معها، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
يوجد شهوات ولكن لها قرارات نظيفة، فالمجتمع الكافر يتحرك بشهوته وفق كل المستويات، والحقيقة الآن الفواحش في العالم الغربي بلغت درجة أن سفير أمريكا ببوخارست شاذ، فلما تسلم أوراق الاعتماد من وزير الخارجية قبل شهرين أو ثلاثة كان معه زوجته، أي زوجه، عفواً كان شريكه الجنسي معه، احتفال رسمي، أنا قرأت هذا الخبر مع صورة بموقع معلوماتي، سفير أمريكا في بوخارست في رومانيا، فالتقليد هناك أن يقام حفل وداع لهذا السفير، يتسلم فيه السفير أوراق اعتماده من وزير الخارجية، والعادة مع كل سفير زوجته، هذا عنده شريك جنسي، واقف إلى جانبه شريك جنسي، قضية بسيطة جداً، سبحان الله قبل يومين قاضٍ في أمريكا قال: النشيد الوطني غير دستوري، يوجد مخالفة للدستور، نشيدهم الوطني الذي يقرؤه الطلاب جميعاً في كل أنحاء الولايات لماذا غير دستوري؟ لأنه يوجد فيه كلمة الله، أرأيت إلى هذا الكفر، الذي منحهم الحياة، منحهم الخيرات، منحهم القوة، قال: لأن النشيد فيه كلمة الله، هذه كلمة لا ينبغي أن تكون في بلد علماني.
الآية التالية جامعة مانعة للثوابت في الدين :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
الكبائر الظاهرة والكبائر الباطنة:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
[ سورة الأنعام: 151-153]
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
[ سورة الأنعام: 153]
هذه الآية جامعة مانعة للثوابت في الدين.
شرح مفصل للآية السابقة :
أعيد الآية السابقة عليكم مشروحة؛ أولاً: وجوب عبادة الله وتحريم الشرك به. ثانياً: وجوب بر الوالدين والإحسان إليهم. ثالثاً: وجوب حفظ النفس وتحريم القتل بغير حق:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
[ سورة الأنعام: 151]
ويظل المسلم بغير ما لم يسفك دماً. تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، المعاصي الكبيرة الظاهرة والكبائر الباطنة. حفظ المال وأداء الحقوق فيه للمحتاجين، وعدم العدوان على أموال اليتامى. وجوب الوفاء بالعهد والميثاق سواء أكان عهداً مع الله تعالى أو عهداً مع خلقه. وجوب العدل وهذا من أعظم الأصول في الأقوال والأعمال، ووجوب الوزن بالقسط:
﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾
[ سورة الرحمن: 9]
وتحريم الكبر وتحريم الأخلاق المذمومة كلها بعامة. وجوب اتباع صراط الله المستقيم وتجنب السبل المضلة. ترك الإنسان ما ليس له به علم:
﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾
[ سورة الإسراء: 36]
الشبهات والشهوات حجاب بيننا وبين الله :
نحن إذا عدنا إلى أصول الدين، وإلى الآيات المحكمات، واتفقنا عليها توحدنا، وكانت مقياساً ومرجعاً لنا، أما ألا أطلب العلم الشرعي وألا أبحث في أصول الدين وأكون نهبة لمقولات متعددة كثيرة متناقضة متضاربة، وأنا في متاهة هذا ما يؤلم المسلمون اليوم، أي لا يوجد عنده استعداد أن يلتزم مجلس علم في تسلسل في التدريس، لكنه مستعد أن يسمع مئات المقولات المتناقضة شيء صحيح، شيء غير صحيح، شيء يفتقر إلى دليل، شيء لا يفتقر إلى دليل، هذا يجعل المسلم في متاهة، والشهوات مستعرة كما ترون، وصار هناك تناقضات في المقولات مع إثارة للفتن، فحال المسلم مقطوع عن الله بالمعاصي، ويوجد عنده شبهات لا يعلمها إلا الله، أي عنده شبهات في دماغه وشهوات في نفسه، فالشبهات والشهوات حجاب بينك وبين الله، الشبهات تعالج باليقينيات، والشهوات تعالج بالتوبة إلى الله، وما من تفسير أروع لقوله تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
[ سورة الشعراء: 88-89]
من أن القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله، وسلم من قبول خبر يتناقض مع وحي الله، وسلم من تحكيم غير شرع الله، وسلم من عبادة غير الله.
والحمد لله رب العالمين