ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: لماذا يشككون في عاشوراء؟! الجمعة أكتوبر 31, 2014 2:34 pm | |
| الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. رقم أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَفي هَذَا الشَّهرِ العَظِيمِ شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ الَّذِي يُذَكِّرُنَا بِهِجرَةِ المُصطَفَى مِن مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ, وَبَدءِ ظُهُورِ الدَّعوَةِ الإِسلامِيَّةِ, وَانتِصَارِ الإِسلامِ وَانتِشَارِهِ.. نَتَذَكَّرُ انتِصَارًا عَظِيمًا آخَرَ حَدَثَ في يَومٍ مِن أَيَّامِ اللهِ لِعَبدٍ مِن عِبَادِ اللهِ، ذَلِكُم هُوَ نَصرُ اللهِ لِعَبدِهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى -عليه السلامُ-, وَخُذلانُ عَدُوِّهِ المُتَعَالي فِرعَونَ رَأسِ الطُّغَاةِ وَإِمامِ المُتَكَبِّرِينَ؛ فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لهم رَسُولُ اللهِ: " مَا هَذَا اليَومُ الذِي تَصُومُونَهُ؟ فَقَالُوا: هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ أَنجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ وَغَرَّقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: " فَنَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بِمَوسَى مِنكُم"، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وَفي هَذَا الحَدَثِ وَالحَدِيثِ فَوَائِدُ وَوَقَفَاتٌ يَجِبُ أَن لاَّ تَغِيبَ عَنِ البَالِ، خَاصَّةً وَالأُمَّةُ تَعِيشُ مَا تَعِيشُهُ مِن وَهَنٍ وَتَفَرُّقٍ، وَالأَعدَاءُ تَسُومُهَا سُوءَ العَذَابِ؛ تَقتِيلاً وَتَشرِيدًا وَتَمزِيقًا، بَعدَ أَن تَدَاعَت عَلَيهَا تَدَاعِيَ الأَكَلَةِ عَلَى قَصعَتِهَا. الوَقفَةُ الأُولى: أَنَّ البَاطِلَ مَهمَا عَلا زَبَدُهُ وَارتَفَعَ دُخَانُهُ وَمَهمَا كَانَت مَوَازِينُ القُوَّةِ رَاجِحَةً في يَدِهِ والأُمُورُ -في الظَّاهِرِ- تَسِيرُ لِصَالِحِهِ إِلاَّ أَنّهُ وَاهٍ مَهمَا نَفَشَ وَانتَفَشَ، وَأَهلُهُ ضُعَفَاءُ مَهما نَفَخُوا وَانتَفَخُوا؛ فَذَلِكُم فِرعَونُ أَطغَى الطُّغَاةِ في عَصرِهِ الَّذِي قَالَ: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى)، وَقَالَ: (مَا عَلِمتُ لَكُم مِن إِلَهٍ غَيرِي)، وقال: (أَلَيسَ لي مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهَارُ تَجرِي مِن تَحِتي)، وقال: (أَمْ أَنَا خَيرٌ مِن هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ)، وَقَتَلَ مَن قَتَلَ مِن رِجَالِ بَني إِسرَائِيلَ - كَانَ هَلاكُهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِن بَني إِسرَائِيلَ الَّذين حَاوَلَ إِبَادَتَهُم وَاستِئصَالَ شَأفَتِهِم، رَجُلٍ تَرَبَّى في بَيتِهِ وبِمَالِهِ وَتَحتَ رِعَايَتِهِ، وَمَشى بَينَ يَدَيهِ وَتَحتَ عَينَيهِ، وَلم يَكُنْ أَحَدٌ أَقرَبَ مِنهُ إِلَيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لم يُسَلَّطْ عَلَيهِ؛ إِذْ أَلقَى اللهُ عَلَيهِ مَحَبَّةً مِنهُ وَصَنَعَهُ عَلَى عَينِهِ، فَكَانَ هَلاكُ هَذَا الطَّاغِيَةِ عَلَى يَدِهِ وَبِسَببِهِ بَعدَ أَن دَعَاهُ إِلى اللهِ فَكَذَّبَ وَعَصَى، قَالَ اللهُ عنِ فِرعَونَ وَجُنُودِهِ: (وَاستَكبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُم إِلَينَا لا يُرجَعُونَ * فَأَخَذنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذنَاهُم في اليَمِّ فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولى * إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لمَن يَخشَى). وَكَمَا أَخَذَ اللهُ فِرعَونَ وَجُنُودَهُ وَأَهلَكَهُم فَقد أخذ بعض فَرَاعِنَةَ هَذَا العَصرِ الَّذِينَ أَبَوا وَعَصَوا، وَطَغَوا في البِلادِ فَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ، وَعَمِلُوا عَلَى حَربِ الإِسلامِ وَطَارَدَوا المُسلِمِينَ، وسيلحق البقية من الطغاة بإخوانهم البائدين، وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، لَكِنَّهَا مَسأَلَةُ وَقتٍ لا أَقَلَّ وَلا أَكثَرَ، (حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءَهُم نَصرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنَا عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ). الوَقفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَعظَمَ الأَيَّامِ وَأَحَقَّهَا بِأَن يُحتَفَى بِهِ اليَومُ الَّذِي يَرتَفِعُ فِيهِ عَلَمُ الإِسلامِ وَتَعلُو رَايَةُ العَقِيدَةِ؛ فَيَومَ أَن يَنتَصِرَ الحَقُّ وَيُخذَلَ البَاطِلُ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ بِنَصرِ اللهِ؛ كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: (غُلِبَتِ الرُّومُ * في أَدنى الأَرضِ وَهُم مِن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ * في بِضعِ سِنِينَ للهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ وَيَومَئِذٍ يَفرَحُ المُؤمِنُونَ * بِنَصرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ). الوَقفَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ مِن حَقِّ اللهِ عَلَى عَبدِهِ كُلَّمَا تَجَدَّدَت عَلَيهِ مِنهُ نِعمَةٌ أَن يُقَابِلَهَا بِالشُّكرِ لِلمُنعِمِ سُبحَانَهُ، وَأَفضَلُ الشُّكرِ مَا كَانَ بِالقَلبِ اعتِرَافًا وَبِاللِّسَانِ تَحَدُّثًا وَبِالجَوَارِحِ عَمَلاً وَتَطبِيقًا، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ مُوسَى عليه السلامُ حِينَ صَامَ عَاشُورَاءَ شُكرًا للهِ على نَجَاتِهِ وَهَلاكِ عَدُوِّهِ، وَفَعَلَهُ نَبِيُّنَا محمدٌ امتِدَادًا لِذَلِكَ الشُّكرِ، وَيَفعَلُهُ المُؤمِنُونَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ اقتِدَاءً بِنَبِيِّهِم وَطَلبًا لِلأَجرِ. وَقَد يَقُولُ قَائِلٌ وَيَتَسَاءَلُ مُتَسَائِلٌ: إِنَّ في الإِسلامِ أَيَّامًا عَظِيمَةً كَانَ فِيهَا لِلإِسلامِ نَصرٌ وَعِزٌّ؛ كَالأَيَّامِ التي انتَصَرَ فِيهَا النبيُّ في غَزَوَاتِهِ، وَكَيَومِ مِيلادِهِ وَهِجرَتِهِ، وَكَحَادِثَةِ الإِسرَاءِ وَالمِعرَاجِ وَغَيرِهَا؛ فَلِمَاذَا لا نَصُومُهَا أَو نُحدِثُ فِيهَا مِنَ العِبَادَاتِ مَا يَكُونُ بِهِ شُكرُ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ فِيهَا؟! فَيُقَالُ: إِنَّ مَبنى الدِّينِ عَلَى التَّأسِّي وَالاستِسلامِ وَالاتِّبَاعِ، لا عَلَى الاستِحسَانِ وَالإِحدَاثِ وَالابتِدَاعِ (لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ)، وَنحنُ حِينَمَا نَصُومُ عَاشُورَاءَ فَإنَّما نَصُومُهُ اتِّبَاعًا لَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ فِيمَا شَرَعَهُ لَنَّا وَسَنَّهُ، لا استِحسَانًا مِن عِندِ أَنفُسِنَا، قَالَ: " مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ". الوَقفَةُ الرَّابِعَةُ: مَعَ قَولِهِ: " نحنُ أَحَقُّ بِمَوسَى مِنكُم "؛ إِذ فِيهِ أَعظَمُ الدَّلالَةِ عَلَى أَنَّ رَابِطَةَ الإِيمَانِ بِاللهِ هِيَ أَقوَى رَابِطَةٍ، وَأَنَّ صَلِةَ الإِسلامِ هِيَ أَعظَمُ صِلَةٍ، وَأَنَّ نَسَبَ الدِّينِ هُوَ أَعظَمُ النَّسَبِ؛ فَمُحَمَّدٌ عليه الصلاةُ والسلامُ وَأُمَّتُهُ بِتَمَسُّكِهِم بِدِينِهِم وَثَبَاتِهِم عَلَى الإِيمانِ أَولى بِمَوسَى وَأَقرَبُ إِلَيهِ مِنَ اليَهُودِ المُحَرِّفِينَ لِشَرِيعَتِهِ النَّاكِبِينَ عَن طَرِيقَتِهِ، بَل إِنَّ أُمَّةَ الإِسلامِ أَحَقُّ بِكُلِّ نَبيٍّ وَأَولى بِهِ مِن قَومِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوهُ، وَرُسُلُ اللهِ دِينُهُم وَاحِدٌ، جَاؤُوا بِالتَّوحِيدِ وَعِبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ، قَالَ سُبحَانَهُ: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فَاعبُدُونِ)، وقال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبّهِ وَالمُؤمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائكتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُّسُلِهِ)، وقال جل وعلا: (إِنَّ أَولى النَّاسِ بِإِبراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلىُّ المُؤمِنِينَ)
وقال عليه الصلاةُ وَالسَّلامُ: "أَنَا أَولى النَّاسِ بِعِيسَى ابنِ مَريمَ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، لَيسَ بَيني وَبَينَهُ نَبيٌّ، وَالأَنبِيَاءُ أَولادُ عَلاَّتٍ؛ أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ".. ولمَّا أَهلَكَ اللهُ قَومَ نُوحٍ في الطُّوفَانِ وَفِيهِمُ ابنُهُ الكَافِرُ فَدَعَا رَبَّهُ: (رَبِّ إِنَّ ابنِي مِن أَهلِي وَإِنَّ وَعدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحكَمُ الحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسأَلْنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ). أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ يَومٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، وَصِيَامُهُ عَمَلٌ صَالحٌ وَسُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ كَرِيمَةٌ؛ سُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَن صِيَامِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا عَلِمتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَامَ يَومًا يَطلُبُ فَضلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا اليَومَ. وَقَد بَيَّنَ -عليه الصلاةُ والسلامُ- أَنَّ صِيَامَ هَذَا اليَومِ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ، فَقَالَ: "صِيَامُ عَاشُورَاءَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبلَهُ".
وَلأَنَّ الإِسلامَ قَد جَاءَ بِمُخَالَفَةِ أَهلِ الكِتَابِ؛ فَإِنَّ مِنَ السُّنَّةِ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- أَنْ يُصَامَ مَعَ عَاشُورَاءَ يَومٌ قَبلَهُ أَو بَعدَهُ؛ فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قال: "حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقبِلُ إِن شَاءَ اللهُ صُمنَا اليَومَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَم يَأتِ العَامُ المُقبِلُ حتى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ، وعنه رَضِيَ اللهُ عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ: "صُومُوا يَومَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ اليَهُودَ؛ صُومُوا قَبلَهُ يَومًا أَو بَعدَهُ يَومًا". أَلا فَاقتَدُوا بِنَبِيِّكُم وَصُومُوا عَاشُورَاءَ، والَّذِي سَيوافِقُ الثلاثاء القَادِمَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ بِصِيَامِ التَّاسِعِ وَهُوَ يَومُ الاثنين، أَو الحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ يَومُ الأربعاء، أَو بِصِيَامِهِمَا كِلَيهِمَا مَعَ عَاشُورَاءَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً.
| |
|