زائر زائر
| موضوع: الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض في مسألة الصدقة عن الميت الأحد ديسمبر 08, 2013 5:37 am | |
| الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض في مسألة الصدقة عن الميت
السؤال : كيف يمكن الجمع بين الحديثين التاليين ؟ حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أمي ماتت ، وإني أريد أن أتصدق عنها ، قال : ( أَمَرَتْكَ ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( فَلَا تَفْعَلْ ) ".
وحديث عائشة رضي الله عنها : " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : ( نَعَمْ ) " . وهل يصح القول بجواز الصدقة عن الميت إن ترك مالاً ، أو كان كثير الصدقة قبل موته ، وما عداه فلا جمعا بين الحديثين ؟
الجواب : الحمد لله أولاً : سبق في أكثر من جواب في الموقع : أن الصدقة عن الميت جائزة ، وأن الميت ينتفع بذلك ، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم رحمهم الله . ومما يستدل به على جواز الصدقة عن الميت حديث عائشة رضي الله عنها : " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : ( نَعَمْ ) " رواه البخاري (1388) ، ومسلم (1004) .
قال النووي رحمه الله : " وفي هذا الحديث : أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها , وهو كذلك بإجماع العلماء , وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع " انتهى من " شرح مسلم للنووي " .
وقال ابن قدامه رحمه الله : " وأي قربة فعلها , وجعل ثوابها للميت المسلم , نفعه ذلك , إن شاء الله , أما الدعاء , والاستغفار , والصدقة , وأداء الواجبات , فلا أعلم فيه خلافا , إذا كانت الواجبات ، مما يدخله النيابة " انتهى من " المغني " (2/226) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الصدقة عن الموتى ونحوها تصل إليهم باتفاق المسلمين " انتهى من "جامع المسائل" (4/270) .
وقد سبق في الموقع بيان حكم الصدقة عن الميت ، وذكر الأدلة على ذلك ، فينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (42384) ، وجواب السؤال رقم : (763) .
ثانياً : أما حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، فقد رواه أحمد (16904) ، وفيه : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أمي ماتت ، وإني أريد أن أتصدق عنها ، قال : ( أَمَرَتْكَ ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( فَلَا تَفْعَلْ ) . وفي لفظ آخر من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه – أيضاً - : " أن غلاما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : إن أمي ماتت ، وتركت حُلياً ، أفأتصدق به عنها ؟ قال : ( أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِذَلِكَ ؟ ) ، قال : لا ، قال : ( فَأَمْسِكْ عَلَيْكَ حُلِيَّ أُمِّكَ ) " رواه أحمد (16984) . وجاء عند الطبراني في " المعجم الكبير " بلفظ : " إن أمي توفيت و تركت حليا ولم توص ، فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال : ( احبس عليك مالك ) " .
ورواية أحمد ضعفها بعض أهل العلم ؛ لوجود ابن لهيعة في سند الحديث . قال محققو مسند الإمام أحمد : " إسناده ضعيف ، فيه ابن لهيعة ، وهو سيئ الحفظ. وسيأتي من طريق ابن لهيعة برقم (17437) ، ومن طريق رشدين بن سعد برقم (17438) ، ورشدين ضعيف سيئ الحفظ وكان يخلط في الحديث ، وله مناكير. وأخرجه الطبراني في "الكبير" 17/ (772) من طريقين عن ابن لهيعة ، بهذا الإسناد. وأخرجه أيضاً 17/ (773) من طريق جرير بن حازم ، عن يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب، به. ويحيى بن أيوب هذا : هو الغافقي المصري، وهو مختلف فيه ، وتكلم بعضُ أهل العلم في حفظه ، وقال ابن يونس صاحب "تاريخ المصريين": أحاديث جرير بن حازم ، عن يحيى بن أيوب : ليس عند المصريين منها حديث ، وهي تشبه عندي أن تكون من حديث ابن لهيعة. قلنا: وهذا الحديث منكر، فقد خالفه الحديث الصحيح الذي خرَّجه الشيخان: البخاري (1388) و (2760) ، ومسلم (1004) ، من حديث عائشة أم المؤمنين: " أن رجلاً قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمِّي افتُلِتَت نفسها (أي: ماتت فجأة) ، وأظنُّها لو تكلَّمت تصدَّقت ، أفأتصدَّق عنها؟ قال: "نعم، تصدَّق عنها". وفي رواية: فهل لها أجر إن تصدَّقتُ عنها؟ وسيأتي الحديث في "المسند" 6/51. ويخالفه أيضاً حديث ابن عباس عند البخاري (2756) و (2762) : " أن سعد بن عبادة توفِّيت أمُه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله ، إن أمي توفِّيت وأنا غائبٌ عنها، أينفعُها شيءٌ إن تصدَّقتُ به عنها ؟ قال: ( نعم )، قال: فإني أُشهِدك أن حائطي المِخراف صدقةٌ عليها " . وقد سلف في مسنده برقم (3080) . " انتهى من تحقيق "المسند" (28/587)، وينظر أيضا: (4/150) ، (4/157) .
وذهب بعض أهل العلم إلى تحسين الحديث . قال الهيثمي رحمه الله : " ورجال الطبراني رجال الصحيح ، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة " . انتهى من " مجمع الزوائد " (3/334) .
وقال – أيضاً - رحمه الله : " رواه أحمد ، وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح " انتهى من " مجمع الزوائد " (4/411) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله : " أخرجه الطبراني ( 17 / 281 / 773 ) من طريقين عن وهب بن جرير : حدثني أبي قال : سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي توفيت ، وتركت حليا ولم توص ، فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال : فذكره . قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، ويحيى بن أيوب هو الغافقي ، قال الحافظ : " صدوق ربما أخطأ " ، وقد تابعه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه ، ولفظه : " .. أفأتصدق به عنها ؟ قال : أمك أمرتك بذلك ؟ قال : لا . قال : فأمسك عليك حلي أمك " أخرجه أحمد ( 4 / 157 ) . ثم أخرجه من طريق رشدين : حدثني عمرو بن الحارث والحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب به مختصرا . قلت : وهذا الحديث ، من صحيح حديث ابن لهيعة أيضا للمتابعات المذكورة " . انتهى من " السلسلة الصحيحة " (6/278) .
وعلى هذا ، فإذا قيل بصحة الحديث ، فإنه محمول على حال معينة ، فيقال : لعل السائل كان فقيراً ، ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك ماله لحاجته لذلك المال ، وقد يقال : لعل الحامل على أمره بأن يمسك ماله ، ما تبادر إلى ذهن السائل ، من أن الميت إذا ترك شيئا ، فإن وارثه يتصدق به عنه ، كما قد يفهم من رواية : ( إن أمي ماتت ، وتركت حُلياً ، أفأتصدق به عنها ) ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين له أن ذلك ليس بلازم ، والله أعلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله – معلقاً على حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه - : " واعلم أن ظاهر الحديث يدل أنه ليس للولد أن يتصدق عن أمه إذا لم توص . وقد جاءت أحاديث صريحة بخلافه ، منها حديث ابن عباس : أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ! إن أمي توفيت - وأنا غائب عنها - فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها ؟ قال : نعم . وهو مخرج في " أحكام الجنائز " ( ص 172 ) ، و" صحيح أبي داود " (2566) ، وفي معناه أحاديث أخرى مذكورة هناك .
أقول : فلعل الجمع بينه وبينها ، أن يحمل على أن الرجل السائل كان فقيرا محتاجا ، ولذلك أمره بأن يمسك ماله . ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يجبه على سؤاله : فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ بقوله مثلا : " لا " ، و إنما قال له : " احبس عليك مالك " ، أي : لحاجته إليه . هذا ما بدا لي ، والله أعلم " انتهى من " السلسلة الصحيحة " (6/278) .
والقول بتضعيف الحديث ظاهر قوي ، بل هو أقوم بالصنعة الحديثية في مثل ذلك . والله أعلم . |
|