بسم الله الرحمن الرحيم
العالم كله من حولنا الكافرين والمشركين والجاحدين والملحدين يتعجبون من الروح الغريبة التي تنتشر في المسلمين في هذه الأيام شوقاً إلى بيت الله الحرام ينظرون إلى وسائل الإعلام فيرون المسلمين الفقراء يضحون بكل شيء ويتبعون كل شيء في سبيل أن يذهبوا لهذه البقاع المباركة
ثم ينظرون إلى أحوالهم عند وصولهم إلى هذه الأماكن منهم من يتوفى ومنهم من يبكي ومنهم من يصرخ ومنهم من يفعل كذا وكذا فيزداد عجبهم ويتساءلون لم يفعل المسلمون هذه الأشياء؟ لحجارة في ظنهم وخيالهم وجهلهم كأي حجارة في الأرض لكن تعالوا معي ننظر إلى المغناطيس الإلهي الذي أودعه الله في بيت الله والذي يجذب المؤمنين القاصين والدانين جميعاً إلى بيت الله ما هو؟
إن الله يتحدث عن ذلك فيقول {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} آل عمران96
ماذا فيه؟ {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ} آل عمران97
فيه علامات واضحات فيه مناهج ودلالات فيه أنوار ساطعات فيه إشراقات وفيوضات وتجليات لمن فتح الله عين قلبه ونظر بنظارة الإيمان فيرى حول بيت الله أنوار مكون الأكوان عز وجل أما هؤلاء الذين عمت بصائرهم فلا يرون هذه الآيات ولا ينكشفون على تلك التجليات لأن الله لا يكشف على أسراره للمجرمين والمشركين وإنما يحفظها لعباده المؤمنين ولا يكشفها إلا للصادقين من عباده المؤمنين
تعالوا معي نجلس في بيت الله وننظر إلى الكعبة المشرفة التي أسسها الله على مائدة الله والنظر إليها عبادة فما بالكم بالطواف حولها والصلاة إنها عبادات مباركات لها أجر ثابت حدده سيد السادات صلى الله عليه وسلم
أول سؤال يواجهنا ونحن حول هذا البيت لماذا بناه الله؟ ولماذا أمر برفعه الله؟ إن هذا له قصة عجيبة فعندما اختار الله آدم عليه السلام ليكون خليفة في الأرض وجمع الملائكة أجمعين وأمرهم بالسجود لمن اختاره خليفة عن رب العالمين وقال لهم موجهاً لهم الخطاب {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة30
فعلموا أنهم أخطئوا في الجواب على الوهاب وأساءوا الأدب في الحديث مع الله فخرجوا هائمين إلى البيت المعمور يطوفون حوله يعلنون توبتهم ويقدمون ندمهم لعل الله يغفر لهم هذه الذلة فلما طافوا حول البيت المعمور وهو فوق السماء السابعة تجاه الكعبة تماماً قال لهم الله (اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً إذا أخطئوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم)
ونزل آدم عليه السلام من الجنة بأرض الهند وأخذ يبكي على ذنبه لله أربعين عاماً حتى رق عليه الملائكة الكرام فنزل أمين الوحي جبريل وقال يا آدم أين أنت من بيت الله اذهب إليه فطف حوله يغفر لك ذنبك الله
فجاء من أرض الهند إلى أرض الحجاز ماشياً على أقدامه فطاف بالبيت وهو يقول كما أنبأنا الرسول صلى الله عليه وسلم {اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي اللهم إني أسألك إيماناً يباشر سويداء قلبي حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت إنك على كل شيء قدير}[1]
طاف حوله وهو يردد هذه الكلمات فأوحى الله إليه { يا آدم قد دعوتنا بدعوات فاستجبناها لك وكل من جاء من بنيك وذريتك إلى هذا البيت ودعا بهذه الدعوات استجبنا له وغفرنا له ذنبه ونزعنا الفقر من بين عينيه وملأنا قلبه بالإيمان وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر}
فهو رمز المغفرة من الغفار وسر التوبة من التواب ورمز القبول من العزيز الوهاب لمن خرج من بيته لا يريد إلا وجه الله ولا يبغى بحجة إلا إتباع سيدنا ومولانا رسول الله وماله حلال واجتهد في جمعه من طريق حلال إذا ذهب إلى هناك وطاف بالبيت وانتهى من الطواف يضع الملائكة الموكلين بالبيت أيديهم على ظهره ويقولون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {قد كفيت ما مضى فاستأنف العمل فيما بقى} {مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[2]
ولم يحدد الصغائر ولا الكبائر السر ولا العلانية رب العباد فإن الله يغفر جميع الذنوب لأنه يرده كالطفل المولود والطفل المولود لا يكتب عليه الكرام الكاتبون سيئات أبداً لا يكتبون له إلا خيرات وحسنات لكن صحيفة سيئاته كما هي مطوية لا تفتح إلا إذا بلغ الحلم فيرجع وليس عليه شاهد بذنب لأن الله غفر له جميع ذنبه