زائر زائر
| موضوع: قصة إبراهيمَ عليه السلامُ في تكسيره للأصنام الجمعة يناير 06, 2012 5:47 am | |
| [size=9][b]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد أحبتى فى الله أقام سيدنا إبراهيم الحجة على قومه وعلى ألاصنام
التي يعبدوها وإظهارُه الحجَّة عليهم
ولما رأى إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام أنهم ما زالوا مُتعلقين بأوهامهم مُتمسكين بعبادة أصنامهم عقَد النية على أن يكيدَ أصنامهم ويفعلَ بها أمرًا يقيم الحجة به عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم ويصحون من كَبوتهم، وكان من عادةِ قومِه أن يُقيموا لهم عيدًا، فلمّا حل عليهم عيدهم وهمّوا بالخروجِ إلى خارجِ بلدهم دعَوْه ليَخرج معهم فأخبرهم أنه سيقيم لأنه أراد التخلفَ عنهم ليكسرَ أصنامهم ويقيم الحجةَ عليهم، قال تعالى :{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)} (سورة الصافات).
فلمّا مضى قومه ليحتفلوا بعيدهم نادى في ءاخرهم :{وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} (سورة الأنبياء) قيل: سمعه بعضهم وقيل: خفية في نفسه، ثم رجَعَ إبراهيمُ إلى بيتِ الأصنام الذي كان فيه قومُه يعبدون هذه الأصنام، فإذا هو في بَهْو عظيم واسع مستقبلَ باب البهو صنم كبير إلى جانبه أصنام صغيرة بعضها إلى جنب بعض، وإذا هم قد صنعوا لها طعامًا وضَعوهُ أمام هذه الأصنام،
فلمّا نظر إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى ما بَين أيدي هذه الأصنام من الطعام الذي وضعه قومُه قربانًا لها ورأى سخافة عقولهم، خاطبَ هذه الأصنام وقال لها على سبيل التهكم والازدراء {ألا تأكلون} فلما لم تُجبه قال لها أيضًا على سبيل الاحتقار:{مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} (سورة الصافات).
أمسك بيده اليمنى فأسًا وأخذَ يَهوي على الأصنام يكسرها ويحطمُ حجارتها قال تعالى :{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} (سورة الأنبياء/58)، وما زال كذلك حتى جعلها كلّها حُطامًا إلا كبيرَ هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعلَّقَ الفأسَ في عنقِه ليرجعوا إليهِ فيُظهر لهُم أنها لا تنطقُ ولا تعقل ولا تدفعُ عن نفسِها ضَررًا، وبذلك يُقيم سيدنا إبراهيم عليه السلام الحجّة على قومه الكافرين الذين يعبدونها على غير برهان ولا هدًى تقليدًا لآبائهم، قال تعالى :{إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} (سورة الأنبياء).
ولما رجع قومه من عيدهم ووجدُوا ما حلّ بأصنامهم بُهتوا واندهشوا وراعهم ما رأوا في أصنامهم، قال اللهُ تعالى :{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} (سورة الأنبياء) يعنونَ فتى يسبها ويعيبها ويستهزىء بها وهو الذي نظنُّ أنّه صنعَ هذا وكسرها، وبلغ ذلكَ الخبر الملك نمرود الجبار ملِك البلاد وحاكمها وأشراف قومه {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)} وأجمعوا على أن يحضروا إبراهيمَ ويَجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامَه وكان اجتماعُ الناس في هذا المكانِ الواحدِ مَقصد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليُقيمَ على قومه الحجّة على بطلانِ ما هم عليه من عبادة الأصنامِ التي لا تضرّ ولا تنفع، وتقاطرت الوفود وتكاثرت جموعُ الكافرينَ كلّ يريدُ الاقتصاص من إبراهيم نبي اللهِ الذي أهانَ أصنامهم واحتقرها، ثم جاءوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى هذا الجمع الزاخر من الكافرين أمام ملِكهم الجبار نمرود {قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)} (سورة الأنبياء)
وهنا وجدَ نبيُّ الله إبراهيمُ الفُرصةَ سانحة ليقيمَ الحُجّة عليهم وليظهر لهم سُخفَ مُعتقدهم وبُطلان دينهم {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} (سورة الأنبياء) وهذا إلزام للحجّة عليهم بأن الأصنامَ جماد لا تقدرُ على النطق، وأنَّ هذه الأصنام لا تستحقّ العبادةَ فهي لا تضرّ ولا تنفع، ولا تملك لهم نفعًا ولا ضرًّا ولا تغني عنهم شيئًا.
فعادوا إلى أنفسهم فيما بينهم بالملامةِ لأنهم تركوها من غيرٍ حافظ لها ولا حارس عندها، ثم عادوا فقالوا لإبراهيمَ عليه السلام ما أخبر اللهُ تعالى :{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65)} (سورة الأنبياء) أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه الأصنام التي نعبدها لا تنطق فكيف تطلبُ منا أن نسألها.
فلما أقروا على أنفسهم بأن أصنامَهم التي اتخذوها ءالهة من دونِ اللهِ عاجزةً عن الإصغاءِ والنطقِ واعترفوا أنها عاجزة لا تدرك ولا تشعر ولا تقدر ولا حياة لها، عند ذلكَ أقام إبراهيمُ عليه السلام الحجَّة عليهم وأفحمهم قال اللهُ تعالى :{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67)} (سورة الأنبياء)، وقال لهم :{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (سورة الصافات)، عند ذلك غُلبوا على أمرهم وألزمهم نبيُّ اللهِ إبراهيم الحجَّة عليهم فلم يجدوا حجَّة يَحتجونَ بها عليه، يقول تعالى :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} (سورة الأنعام).
قال تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وأرادوا به كيدًا فجعلناهمُ الأخسرين (70)} (سورة الأنبياء).
فائدة: ليُعلم أن قول إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}: "بل فعله كبيرهم هذا" ليس كذبًا حقيقيًّا بل هو صِدق من حيث الباطن والحقيقة، لأن كبيرَ الأصنامِ هو الذي حملَه على الفتك بالأصنامِ الأخرى من شِدّة اغتياطِه من هذا الصنم الكبير لمبالغتهم في تعظيمهِ بتجميل هيأته وصورته، فحمله ذلك على أن يكسر صغارَ الأصنام ويهين كبيرها، فيكونُ إسناد الفعل إلى الكبير إسنادًا مجازيًا فلا كذب في ذلك، لأن الأنبياءَ يستحيلُ عليهُم الكذب لأن من صفاتهم الواجبة لهُم الصدق فهم لا يكذبون. ولما قال إبراهيم عليه السلام لقومه عندما سألوه {ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} أرادَ بذلكَ أن يُبادروا إلى القولِ بأنها لا تنطق، قال تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65)} (سورة الأنبياء).
[/b][/size] |
|