بَشِّرِ
الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ
يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
احذروا المنافقين.. في كل زمان ومكان
هذه صيحة أطلقها إلى كل مؤمن أن يحذر المنافقين؛ لأن الله عز وجل قال
فيهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا
وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ
سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47].
قال الإمام القرطبي: (الخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف).
والمنافقون يلجئون إلى غير المسلمين
للتقوية بهم؛ ولذلك قال الله لنبيه: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ
الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ
بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا
فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا * الَّذِينَ
يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا
أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا
أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 138-
141].
ولذلك حكم الله عليهم بأنهم {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: من الآية 145].
والمنافقون سوس ينخر في الجماعة المؤمنة؛ فهم دائمًا وأبدًا مخذِّلون عن
كل شيء يرفع شأن الجماعة المؤمنة؛ لأن مصلحة المنافقين مع هزيمة المؤمنين
لكي يستمتعوا بالشهوات دون أن يكون عليهم آمر أو ناهٍ.
ومن ثم كان
للمنافقين دور كبير لتخذيل المؤمنين عن الذهاب للجهاد في جميع غزوات النبي
صلى الله عليه وسلم، واتضح ذلك جليًّا في غزوة الأحزاب وغزوة تبوك.
دور المنافقين في التخذيل في غزوة الأحزاب:
استخدم المنافقون في غزوة الأحزاب أسلوب التشكيك في وعد الله ووعد رسوله،
ففضحهم الله بقوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}
[الأحزاب: 12].
قال الأستاذ سيد قطب في الظلال: (فقد وجد هؤلاء في
الكرب المزلزل، والشدة الآخذة بالخناق فرصة للكشف عن خبيئة نفوسهم وهم
آمنون من أن يلومهم أحد؛ وفرصة للتوهين والتخذيل وبث الشك والريبة في وعد
الله ووعد رسوله، وهم مطمئنون أن يأخذهم أحد بما يقولون، فالواقع بظاهره
يصدقهم في التوهين والتشكيك. وهم مع هذا منطقيون مع أنفسهم ومشاعرهم؛
فالهول قد أزاح عنهم ذلك الستار الرقيق من التجمل، وروع نفوسهم ترويعًا لا
يثبت له إيمانهم المهلهل! فجهروا بحقيقة ما يشعرون غير مبقين ولا متجملين!
ومثل هؤلاء المنافقين والمرجفين قائمون في كل جماعة؛ وموقفهم في الشدة هو
موقف إخوانهم هؤلاء. فهم نموذج مكرر في الأجيال والجماعات على مدار
الزمان!).
دور المنافقين في التخذيل في غزوة تبوك:
علا
صوت المنافقين في المدينة النبوية بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وانتشروا جميعًا كإعلاميين يدعون إلى العصيان والامتناع عن الذهاب لغزوة
تبوك وقد فضحهم الله تعالى في سورة الفاضحة فقال سبحانه: {فَرِحَ
الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن
يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ
لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ
كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلًا وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا
جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى
طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ
مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم
بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة 81
– 83].
فقد عاش المنافقون في المدينة سنوات، ولم يتضح أمرهم
للناس إلا في ساعة العسرة، ولا شك أن هذه الساعة تظهر المنافق من غيره، أما
في اليسر فغالبًا لا يظهر المنافق.
وأود أن أنبه أن الأصل في
المنافقين أنهم يخادعون المؤمنين، قال الله عنهم: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا
يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ *
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ
السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا
يَعْلَمُونَ} [البقرة: 9- 13].
ولذلك نجد أن المنافقين يستخدمون
بعض الوسائل التي تطمئن المؤمنين، مثل أن يقف المنافقون في صف المؤمنين في
بعض المواقف من باب التغطية عن ما يضمرون بداخلهم، وليكتسبوا ثقة المؤمنين
فيهم، حتى إذا ما وقع المؤمنون في ضعف تجمع عليهم المنافقون جملة واحدة
ليقضوا عليهم قضاء نهائيًّا، فالمنافقون أخطر على المؤمنين من اليهود
والنصارى بل وغيرهم من الكفار.
ومن أجل ذلك أمر الله نبيه صلى
الله عليه وسلم بمجاهدة المنافقين والإغلاظ عليهم فقال سبحانه: {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73،
التحريم: 9].