يريد التضييق على مطلقته النصرانية في نفقة أبنائه لتسمح لهم بممارسة شعائر الإسلام
السؤال:
تزوجت من سيدة نصرانية ، وأنجبت منها ولدا يبلغ من العمر الآن خمسة عشر عاما ، وبنتا تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ، لا أستطيع أن آخذهم من أمهم ؛ لأنها تعيش في دولة أخري وهي تصر علي أخذ أطفالي للكنيسة ، وقد حذرتها من ذلك ولكنها تجاهلت تحذيري بالكلية ، وهي أيضا تمنع أقاربي من التحدث لطفلي أو الجلوس معهما حتى لا يؤثروا عليهما من الناحية الإسلامية ، أخبرتها أنني سأمتنع عن إرسال المال ، ومصروفات الدراسة حتي تشرع في أخذ خطوات ترضيني ، وهي السماح لهما بممارسة الإسلام ، لم أرسل لها لا دعما ، ولا مصروفات لمدة شهرين حتى الآن .
وسؤالي هو: هل ما فعلته صواب ؟ أنا خائف أن يسألني الله إذا لم أكن عادلا مع أولادي.
الجواب :
الحمد لله:
أولا :
الزواج بالكتابية – يهودية أو نصرانية- وإن كان جائزا ، إلا أنه محفوف بكثير من المخاطر ، أعظمها : تأثيرها على عقيدة أولادها ودينهم ، فإنها قد تسعى لإفساد دينهم واستمالتهم نحو دينها وعقيدتها الفاسدة ، لا سيما إذا كانت تقيم في غير بلاد المسلمين ,
ومن مفاسد الزواج من الكتابيات
انٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ } المائدة / 5 .
والمراد بالإحصان العفة من الزنا .
قال ابن كثير :
وهو قول الجمهور ها هنا ، وهو الأشبه ، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا .ا.هـ.
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 55 ) .
وأما شرط الولاية فيدل عليه قوله تعالى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } النساء / 141 .
ومع هذا فإننا لا ننصحك – أخي الفاضل – بالتزوج من غير مسلمة ، بل لا ننصحك بالتزوج من أي مسلمة ، فليست الحياة الزوجية قائمة – فقط – على الجمال والإعجاب ، بل لا بدَّ للمسلم العاقل أن ينظر بعين بصيرته إلى ما هو أبعد من ذلك ، فهو محتاج إلى حفظ بيته في غيابه ، وهو محتاج إلى تربية أولاده ، وهو لن يجد هذا ولا غيره مما ينشده كل زوج عاقل إلا في ذات الدين من المسلمات ، وهي وصيَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تُنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال النووي :
الصحيح في معنى هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين ، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين ، لا أنه أمر بذلك .
وفي هذا الحديث : الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم .
" شرح مسلم " ( 10 / 52 ) .
وفي الزواج من الكتابيات مفاسد كثيرة ومنها :
1. مجاملته – على حساب دينه – لزوجته هذه ، خاصة وأنها " ملتزمة جدّاً " بدينها ، وهذا سيترتب عليه تعليقها للصليب وذهابها للكنيسة ، ولا يؤمن الأولاد عندها والحالة هذه .
2. وهي لن تحافظ على اغتسالها من الحيض ولن تمانع من إتيانه لها في حيضها ، وهو ما سيسبب له حرجاً شرعيّاً وأذىً جسديّاً .
3. وقوعه في الإحراج نتيجة لتساهلها في لباسها واختلاطها بالرجال ومخاطبتهم .
4. وقوف دول وحكومات هؤلاء الكتابيات معهن في ضم الأولاد إليهن عند الاختلاف ووقوع الطلاق ، وهو ما يسبب ضياعاً لأولاده ووقوعهم في الكفر ، والقضايا في هذا أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تُعد .
وقال بعض الشعراء :
زواجُ النَّصَارى قبحُهُ متزايدٌ *** يؤدِي إلى كُفرِ البنيـنَ مؤكَّدا
ومَنْ يرضَ كُفرَ ابنٍ له فهو كَافرٌ *** وإنْ زعَمَ الإسْلامَ قَولاً مفنَّدا
وقـد يكـفـر الزوج اتباعاً لزوجهِ *** فيدخلَ في نارِ الجَحيمِ مخلَّدا
عليكَ بذاتِ الدين إن كنتَ راغباً *** زواجاً صحيحاً تبدُ فيه مسدَّدا
وذَرْ عنكَ أهلَ الكفر واحذرْ زواجهمُ *** فشَرهموا يبدوا كثيراً مُندَّدا
وأولادُ هذا العقدِ ليسوا لرشدةٍ *** فيكثرُ جيلُ الخبثِ فَرعَاً ومَحتَدا
ثانياً :
لا يجوز لك أن ترغم زوجتك النصرانية – إذا تزوجتها – على الإسلام ، قال الله تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة / 256 .
قال ابن كثير :
يقول تعالى : { لا إكراه في الدين } أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيِّن واضح جليٌّ دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه ، بل مَن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بيِّنة ، ومَن أعمى الله قلبَه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسوراً ، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عامّاً .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 311 ) .
ونوصيك – مرة أخرى – بتركها ودعاء الله سبحانه وتعالى أن يصرف قلبك إلى ما هو أصلح لدينك ، وما دام هذا الترك لله فقوِّ يقينك بأن الله سيبدلك خيراً منها ، إذ من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
ثانيا :
الواجب عليك - قبل النفقة والمال - أن ترعى دين ولديك ، وخلقهما ، وهذا أهم ألف مرة من مسألة النفقة والمال ، والكسوة والطعام ؛ إنها مسألة نجاة أو هلاك ، إنها قضية مصيرية .
والمطلوب منك أن تسعى لضم أولادك إلى حضانتك بكل سبيل ، ولو ذهبت إلى البلد الذي يعيشون فيه ، وأن تبحث في قوانين تلك البلاد على ما يعطيك ذلك الحق ، متى أمكنك ، ومهما كلفك من نفقة ، وتحيل إلى ذلك المقصد بكل حيلة , وتوسل إليه بكل سبيل .
جاء في " كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار " (1 / 448): " إن كان الطفل مسلما بإسلام أبيه فلا حضانة لكافرة على مسلم ؛ لأنه لا حظ له في تربيتها ؛ لأنها تغشه وينشأ على ما كان يألف منها ؛ ولأنها ولاية ولا ولاية لكافر على مسلم , وقيل: تحضنه الأم الذمية حتى يميز والصحيح الأول " انتهى.
ثالثا :
إذا قدر أنك عجزت عن ذلك ، ولو تتمكن من حيلة تعطيك الحق في تربية أولادك ، وحضانتهم ، فاجتهد أن تكون قريبا منهم ، قدر طاقتك ، وامنعها من اصطحابهم إلى الكنيسة ، وحطهم أنت ببيئة مسلمة ، تحفظ لهم دينهم قدر طاقتك .
ولو لم تتمكن من ذلك ، فلا حرج عليك في التضييق عليها في النفقة ، حتى تترك لك أولادك ، أو تمتنع عن تعويدهم على الكنيسة ، وتعليمهم دينها .
والله أعلم.