حكم ترك الإنجاب من النصرانية خوفا على دين الأولاد
أرجو من سيادتكم مراسلتي بالرأي الشرعي فيما يلي: تزوجت من فتاة أجنبية مسيحية زواجا مدنيا بدون موافقة وليها وانتقلت الفتاة للمعيشة معي في إحدى الدول العربية. وبعد مضي عامين على الزواج أستطيع الجزم بأن هذه الفتاة تحبني حباً شديداً وترى علاقتنا الزوجية علاقة أبدية. وتتلخص المشكلة في أني لا أرغب في الإنجاب من زوجتي الأجنبية لخشيتي من النتائج المترتبة على اختلاف الديانة. ولحل هذه المشكلة حاولت كثيراً إقناعها بالدخول في الاسلام الا أنها رفضت ولكنها وافقت على أن يكون أولادنا مسلمين. ولكني في الحقيقة مازلت متخوف من الإنجاب من زوجتي المسيحية لأنها لن تستطيع تربية أولادي على الاسلام خاصة مع رغبتها في اصطحاب الأولاد الى الكنيسة لحضور المناسبات الدينية وترديد الأغاني والترانيم لكون ذلك جزءاً من ثقافتها التي ترغب في نقلها إلى أبنائها على الرغم من كونهم مسلمين. يرى أحد أقاربي ضرورة إنهاء العلاقة الزوجية مع زوجتي لأن زواجنا في الأصل باطل (لعدم وجود ولي لزوجتي وقت الزواج) والبحث عن فتاة أخرى مسلمة للزواج منها. في حين ترى زوجتي أن قراري برفض الإنجاب منها خاطئ خاصة مع نجاح علاقتنا الزوجية وسعادتنا وترى بأنها لن تستطيع الاستمرار في الحياة الزوجية دون موافقتي على الإنجاب لكون هذا الامر أحد أهم أهداف الزواج وبقاء الاسرة. هل يجوز لي عدم الإنجاب من زوجتي المسيحية لخشيتي من عدم تربية أبنائي على الاسلام ولمعرفتي بأن تأثير دينها المسيحي سيكون كبيرا على أولادي؟ أم يجب الاستمرار في الحياة الزوجية مادامت العلاقة الزوجية ناجحة وإنجاب الأولاد دون مخاوف من اختلاف الديانة كما ترغب زوجتي؟ وهل يفضل الزواج من جديد من فتاة مسلمة كما أفادني أحد الاقارب؟
نص الجواب
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة النكاح أن يعقده ولي المرأة، أو وكيله، في حضور شاهدين مسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7557
وولي المرأة هو: أبوها، ثم أبوه، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد)، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أبناؤهما، ثم العمومة، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. وينظر: "المغني" (9/ 355).
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء خلافا للحنفية الذين أجازوا زواج المرأة بلا ولي.
وإذا كانت المرأة كتابية (يهودية أو نصرانية) فوليها من كان على دينها من عصبتها، الأقرب فالأقرب، فيزوجها أبوها ثم جدها ثم أخوها، وهكذا.
قال ابن قدامة: " وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة، غير السيد والسلطان ... وذلك لقوله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) " المغني (9/ 377).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"بعض الشباب يأتون بفتيات نصرانيات لإجراء عقد الزواج عليهن، ولا يحضر ولي أمرها، أو يكون لها أمها فقط، ولا يوجد الأب ولا أي رجل كولي لها، وهي بكر، فهل يصلح زواجها من غير ولي أو أمها تصلح كولي ؟ علما بأن البنت نصرانية .
فأجابوا : " لا يجوز للمسلم أن يتزوج النصرانية إلا إذا كانت محصنة ، أي عفيفة عن الزنا ، ولا بد أن يتولى عقد نكاحها وليها وهو أبوها ، فإن لم يوجد فأقرب عصبتها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي ) وإذا لم يوجد لها ولي فإنه يزوجها مفتي المسلمين، أو رئيس المركز الإسلامي لديكم، ولا يجوز أن تزوجها أمها؛ لأنه لا ولاية لها عليها في عقد النكاح " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (18 /322) .
وإذا أبى ولي الكتابية أن يزوجها من المسلم، انتقلت الولاية إلى من بعده من العصبة، فإن أبوا: زوجها القاضي المسلم، أو من يقوم مقامه في البلدان التي ليس بها قضاء شرعي، كمسئول المركز الإسلامي.
وأما القضاء المدني فلا ينوب عن الولي، ولا يصح معه النكاح.
وعليه : فالواجب أن تفارقها، ولا يحل لك البقاء معها، إلا أن تتزوجها زواجا صحيحا يعقده وليها.
ثانيا:
إذا كانت المرأة كما تقول: ترغب " في اصطحاب الأولاد إلى الكنيسة لحضور المناسبات الدينية وترديد الأغاني والترانيم لكون ذلك جزءاً من ثقافتها التي ترغب في نقلها الى أبنائها" : فلا ننصحك بالإبقاء عليها ؛ ففي المسلمات كفاية والحمد لله، وهذه ربما ولدت لك ولدا ثم أفسدت عليه دينه، فلا تجن غير الحسرة والندامة.
وإن تزوجتها واتخذت الوسائل التي تمنع الإنجاب، عشت معها محروما من الذرية التي هي مقصد مهم من مقاصد النكاح.
واعلم أن الخوف على دين الأولاد : يبيح للزوج أن يتخذ الوسيلة لمنع الإنجاب ولو لم ترض زوجته.
قال ابن نجيم رحمه الله في البحر الرائق (3/ 214): " والإذن في العزل عن الحرة لها ، ولا يباح بغيره ؛ لأنه حقها .
وفي الخانية [ من كتب الأحناف ] : ذكر في الكتاب أنه لا يباح بغير إذنها ، وقالوا في زماننا يباح ؛ لسوء الزمان .
قال في فتح القدير - بعده - : فليُعتَبَرْ مثلُه من الأعذار مسقطا لإذنها" انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية (30/ 81): " العزل عن الزوجة الحرة:
اختلف الفقهاء فيها على رأيين:
الرأي الأول: الإباحة مطلقا أذنت الزوجة أو لم تأذن، إلا أن تركه أفضل ، وهو الراجح عند الشافعية ؛ وذلك لأن حقها الاستمتاع ، دون الإنزال . إلا أنه يستحب استئذانها.
الرأي الثاني: الإباحة بشرط إذنها، فإن كان لغير حاجة: كُرِه . وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود ومالك، وهو الرأي الثاني للشافعية، وبه قال الحنفية، إلا أنهم استثنوا ما إذا فسد الزمان ، فأباحوه دون إذنها ...
والعذر في العزل يتحقق في الأمور التالية:
1 - إذا كانت الموطوءة في دار الحرب وتخشى على الولد الكفر.
2 - إذا كانت أمة ويخشى الرق على ولده.
3 - إذا كانت المرأة يمرضها الحمل أو يزيد في مرضها.
4 - إذا خشي على الرضيع من الضعف.
5 - إذا فسد الزمان وخشي فساد ذريته" انتهى.
والله أعلم.