الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أمّا بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : إنَّ الفرار إلى الله عز وجل أمٌر يتجدد مع المؤمن بتجدد الليالي والأيام ؛ فإن الفتن تلاحقه ، والصوارف والصواد تطارده ، والشيطان من جهته قاعد له بالمرصاد ، وهناك نفس أمارة بالسوء ، وهناك أبوابٌ على كل باب منها شيطان يدعو إليه ؛ فالمقام مقامٌ عظيم جدا يحتاج من العبد المؤمن صادق الإيمان أن يحسن الفرار إلى الله الرحمن ، طالبًا بفراره إلى الله عز وجل أن يخرج من هذه الحياة الدنيا وقد نجا من سخط الله عز وجل وفاز برضوانه جل في علاه .
هذا التجدد في الفرار إلى الله عز وجل هو تجددٌ في الإيمان وحسن الصلة بالله جل في علاه ، وتأملوا في هذا المقام «مقام الفرار إلى الله عز وجل» هذا الحديث العظيم العجيب وهو في الصحيحين ؛ عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلِ : «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ )) .
تأمل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء العظيم «لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ» ؛ لتعلم يقينًا يتكرر معك هذا العلم كل ليلة عندما تؤوي إلى فراشك مجدِّدًا بذلك إيمانك أن لا مفرَّ لك من الله إلا إلى الله ، فإن كل شيء تخافه تفر منه إلا الله عز شأنه وجلَّ أمره سبحانه ؛ فإن من عظُم خوفه من الله فر إلى الله عز وجل ، لأنه لا ملجأ من الله إلا إليه .
هذا وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين . اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان يا حي يا قيوم ، وانصر يا ربنا جنودنا المرابطين على حدود البلاد، واجزهم عنا خير الجزاء يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، اللهم وفِّقه وولي عهده يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين