زائر زائر
| موضوع: هل يجوز إطلاق لقب " قديسة " على الصّدّيقة مريم أم المسيح عليه السلام ؟ الجمعة أبريل 13, 2012 5:36 am | |
| هل يجوز إطلاق لقب " قديسة " على الصّدّيقة مريم أم المسيح عليه السلام ؟
السؤال: ليلة أمس كنت أقرأ القرآن فقالت لي أمي : أنهم سيعرضون فيلما للقديسة مريم ، فقلت : أنها ليست قديسة يعني لا يجب مناداتها بهذا الاسم ، فهل يصح مناداتها بالقديسة؟
الجواب : الحمد لله التقديس وإن كان معروفا في اللغة ، وهو بمعنى التطهير ، والقُدْس فيِ كَلاَم العَرَب الطَّهَارَةُ ، والقُدُّوس – من أسماء الله - الطَاهِرُ المُنَزَّه عَنِ العُيوب والنَّقائص . كما في "لسان العرب" (6/168- 169) إلا أن مريم رضي الله عنها لم يطلق عليها لقب " قديسة " لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أطلق هذا اللقب عليها النصارى من باب الغلو في تعظيمها حتى رفعوها إلى منزلة أم الإله – تعالى الله عما يقولون - . قال الله عز وجل : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) المائدة / 116 . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ... وكتب المشرقيون صحيفة ، وثبتوا فيها الأمانة الصحيحة وقالوا فيها : إن مريم العذراء القديسة ولدت إلها ربنا يسوع المسيح الذي هو مع أبيه في الطبيعة ، ومع الناس في الناسوت ، وأقروا بطبيعتين ووجه واحد ، وأقنوم واحد ، ولعنوا نسطورس " . انتهى من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (4 /248) . وينظر أيضا : "هداية الحيارى" لابن القيم (ص 178-179) "البداية والنهاية" لابن كثير(2 /121) .
وإنما وُصفت مريم رضي الله عنها في كتاب الله وسنة رسوله بالصّدّيقة والعذراء والبتول . قال تعالى : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) المائدة/ 75 . وروى أحمد (1742) ( أن النجاشي أرسل إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم الذين هاجروا إلى الحبشة أرسل يسألهم عن المسيح عليه السلام ما يقولون فيه . قالت أم سلمة رضي الله عنها : فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا نَقُولُ وَاللَّهِ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : ( نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ ) قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ ) صححه الألباني في "صحيح السيرة" .
والواجب علينا أن نقول في عيسى عليه السلام وأمه رضي الله عنها ما قال الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نتعداه إلى أقوال أهل الكتاب وأحوالهم ، سواء من غلا فيهم من النصارى ، أو جفا حقهم من اليهود . ولذلك قال الله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ) النساء/ 171 .
هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء بين المنع منه مطلقا وبين إباحته ولكن بضوابط شرعية ، وقبل ذكر الخلاف في المسألة ينبغي التنبيه على أنه ليس محل الخلاف في التمثيل الماجن والمختلط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المحرمات المشهور على الشاشات ، فهذا لا نزاع بين أهل العلم في تحريمه .
أما التمثيل المختلف فيه فهو أن يقوم اثنان أو أكثر أمام جمهور من الناس بأعمال ومحادثات ، لتعليم هذا الجمهور شعيرة أو خلقاً إسلامياً ، أو تبصيره بالواقع وما فيه من فساد ، أو الماضي وما فيه من أمجاد أو لترويح النفس ـ وقد يظهرون أنفسهم على غير حقيقتها .
وينبغي أن يكون هذا التمثيل محكوماً بضوابط ، وهي :
1- الابتعاد عن تمثيل الأنبياء والصحابة ، والشياطين والكفّار ، والحيوانات ، والمرأة من قِبَلِ الرّجل وبالعكس ، وبالغيبيات كالملائكة .
2- تمثيل المستهزئ بالله أو آياته أو رسوله أو أي شعيرة من شعائر الدين ولو بحجة تعليم الناس ، فهذا لا يجوز الوقوع فيه لا جِدّاً ولا هزلاً .
3- تمثيل أيّ دور خالطه مُحرّم من القول كالكذب والغيبة وإطالة الثوب وغيرها .
4- تمثيل العبادات كالوضوء والصلاة لا على صورتها الحقيقة الثابتة في السنة
وينبغي الابتعاد عن تمثيل وتقمُّصِ شخصية الفاجر أو الفاسق ، أو تمثيل دور أئمة الأمة وعلمائها المتبوعين خشية أن يؤدي ذلك إلى انتقاص قدرهم .
وقد قال بعض العلماء المعاصرين بتحريم التمثيل عموماً ، وقال بعضهم بإباحته بشروط ومنهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وفيما يلي فتواه في المسألة :
الحمد لله رب العالمين ، لا شك أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبادة ، كما أمر الله بها في قوله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ، والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله عز وجل أنه ممتثل لأمر الله متقرِّب إليه به ، ولا شك أيضاً أن أحسن ما يدعى به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن كتاب الله سبحانه وتعالى هو أعظم واعظ للبشرية : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يقول : " أبلغ الأقوال موعظة " فقد كان يعظ أصحابه أحيانا موعظة يصفونها بأنها " وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون " فإذا تمكَّن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة فلا شك أن هذه خير وسيلة ، أي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإذا رأى أن يُضِيف إلى ذلك أحياناً وسائل مباحة ، مما أباحه الله فلا بأس بهذا ..ولكن يشترط ألا تشتمل هذه الوسائل على شيء مُحرّم كالكذب ، أو تمثيل أدوار الكفار مثلاً ، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة ـ أئمة المسلمين من بعد الصحابة ـ أو ما أشبه ذلك مما يُخْشى منه أن يَزْدَري أحد من الناس ، هؤلاء الأئمة الفضلاء .. ومنها أيضاً ألا تشتمل التمثيلية على تَشَبُّه رجل بامرأة أو العكس ، لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يلعن المتشبِّهات من النساء بالرجال ، والمتشبِّهين من الرجال بالنساء . المهم أنه إذا أخذ بشيء من هذه الوسائل أحيانا من أجل التأليف ، ولم يشتمل هذا على شيء مُحرّم ، فلا أرى به بأسا ، أما الإكثار منها ، وجعلها هي الوسيلة للدعوة إلى الله ، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث لا يتأثر المدعُو إلا بمثل هذه الوسائل ، فلا أرى ذلك ، بل أرى أنه محرم ، لأن توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر ، لكن فِعْل ذلك أحيانا لا أرى فيه بأسا إذا لم يشتمل على محرّم " أهـ ، والله أعلم.
انظر كتاب التمثيل في الدعوة إلى الله لعبد الله آل هادي 11 -66-67 -102
ويراجع كتاب حكم ممارسة الفن في الشريعة لصالح الغزالي .
والله اعلم
|
|