ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: عبادة التفكر. السبت يوليو 14, 2018 7:30 pm | |
| إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن كثيراً من المسلمين أيها الإخوة يفهمون عبادات الجوارح، وأعمال اللسان، لكنهم قليلاً ما يفهمون عبادات القلب، ويسهل عليهم استيعاب أعمال اللسان وعباداته، وكذلك الشعائر التعبدية التي تقوم بها الأعضاء، لكنهم يصعب عليهم فهم أعمال القلب، ثم إذا فهموا ذلك فقليل منهم من يعمل به، فلنأخذ جولة أيها الإخوة في عمل مهم من أعمال القلب، تتوقف عليه سعادة الإنسان وتحصل له به فتوح كثيرة، ويحصل على كنوز عظيمة هي والله أعظم من كنوز الذهب والفضة، وهذا العمل القلبي، وهذه العبادة العظيمة التي غفل عنها الكثيرون هي التفكر والتأمل، إعمال الخاطر في الشيء، النظر والتثبت فيه، تدقيق النظر في آيات الله المسطورة في كتابه والمنثورة في كونه، والمنثورة في خلقه بغرض الاتعاظ والتذكر، وأخذ العبرة ومعرفة الحكم، التدبر والتأمل والتفكر. الندب إلى التفكر.
عباد الله:
إن الله سبحانه وتعالى قد ندبنا إلى التفكر والتذكر والتمعن، وذكر لنا في آياته أموراً كثيرة منها: الندب إلى التفكر في أحكامه، ولما حرم الخمر، وقال في الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ختم الآية بقوله:كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ سورة البقرة219، ثم أنزل تحريمها، وأمر وحث على التفكر في خلق السماوات والأرض، فقال عز وجل مادحاً عباده: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سورة آل عمران191، وقص علينا القصص مثل قصة الذي آتاه آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، قال في آخر القصة: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ سورة الأعراف176، ثم أعطانا أمثالاً في كتابه لأمور متعددة وأمرنا بالتفكر فيها كمثل قوله تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ سورة يونس24.
وأوجد في الأرض هذه النباتات من ماء المطر ودعانا للتفكر فيها وفيما أنبت فقال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ سورة النحل10، ترعون أنعامكم يُنبِتُ لَكُم بِهِبهذا الأنعام الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَسورة النحل11.
وخلق الدقائق من حشرات وغيرها وفاوت بينها في النفع، وجعل من النحل مجالاً عظيماً للانتفاع وأمرنا بالتفكر وحثنا على ذلك في خلقها فقال تعالى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ سورة النحل68، مساكن النحل ثلاثة، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ سورة النحل69.
وندبنا الله تعالى للتفكر في أنفسنا التي خلقها فقال: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْسورة الروم8، وفي خلقنا قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ سورة الروم20-24.
وندبنا سبحانه للتفكر في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا، من الذي يتفكر؟ من الذي يقوم بهذه العلمية أيها الإخوة؟ من الذي يفعل ذلك، مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍسورة سبأ46.
وفي وفاتنا عبرة وموتتنا الكبرى والصغرى فكرة، اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ تموت وهي نائمة وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فتعود الروح إلى النائم إذا استيقظ من نومه إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ سورة الزمر42.
ودعا الكفار للتفكر ليتوصلوا إلى وحدانيته ويرجعوا عن كفرهم، أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ سورة الأنبياء30.
ولفت نظرنا إلى السماء التي فوقنا المرفوعة بغير أعمدة خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ سورة لقمان10-11 أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ألم تر، فانظر واعتبر فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ سورة الحـج63. نماذج من تفكر النبي والصالحين.
التأمل والتفكر والتذكر، التأمل والتفكر والتدبر في آيات الله في المصحف، وفي آيات الله في الكون والواقع، من الذي يفعل ذلك؟ وقليل ما هم، فإذا نظر في المصحف فعيناه على الحروف، ولكن القلب غير عامل في المعاني، وإذا عاش في الدنيا فالحواس تتلذذ بما فيها، لكن القلب غافل عن آيات الله فيها.
وكان عليه الصلاة والسلام يتفكر ويتدبر ويأمر بذلك بل ويتوعد من لا يقوم به، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكتت، تستحضر المشاهد التي رأتها من زوجها عليه الصلاة والسلام، فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: (يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي) قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال:يا رسول الله لم تبك وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد أنزل علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سورة آل عمران190-191، الآيات من سورة آل عمران.ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بدء به الوحي كيف كان حاله؟ ألم يكن في غار حراء يتحنث، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، أي في الوضوح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: (اقرأ قال: ما أنا بقارئ)، القصة إلى أن قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُسورة العلق1-3..
فكان مبدأ النبوة حين كان عليه الصلاة والسلام يجلس في غار حراء يتحنث، ويتفكر، ويتدبر، ويتأمل صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كان الصحابة، وكذلك كان الصالحون، حثوا وفعلوا، عن ابن عباس رضي الله عنه قال:ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.
وقال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة.
وكان بعض الصالحين يطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه فيقول: يا سيدي إنك تديم الجلوس وحدك، فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول: إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة.
وبينما أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: تأملت في ذهاب عمري، وقلة عملي، واقتراب أجلي.
وبكى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله مرة بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال: فكرت، الذين يشتكون من قسوة القلب ويقولون: ما هو الطريق لزيادة الإيمان، عندنا ضعف في الإيمان، ما هو السبيل لزيادة الإيمان، لإحياء القلب؟ السبيل من أعظم السبل هذا السبيل الذي لا يعمل به الكثيرون، الأكثرون أيها الإخوة صدقوني الأكثرون لا يقومون بهذه العبادة، التفكر والتدبر.
بكى يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها، فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنَّ فيها مواعظ لمن ادكر، أي: ذكر.
وعن عبد الله بن عتبة قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.
وعن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان التفكر.
وعن الحسن رحمه الله قال: إن من أفضل العمل الورع والتفكر.
وقال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
وقال محمد بن كعب: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ"إذا زلزلت" والقارعة لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إليَّ من أن أهذ القرآن ليلتي هذه هذاً أو أنثره نثراً.
من كان منطقه ذكراً، وصمته فكراً، ونظره عبرة، هذا أحرى به أن يكون من أهل الجنة.
وقال وهب: ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل.
وقال عبد الله بن مبارك: مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة، فقال: يا راهب، إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر، كنز الرجال وكنز الأموال، الأموال آخرها إلى المزبلة، وتبلى الثمار والثياب وآخرها إلى المزبلة، وكذلك الرجال آخرتهم إلى المقبرة حتى يبعث الله العباد وتقوم الساعة
مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة، فقال: يا راهب، إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر، كنز الرجال وكنز الأموال، الأموال آخرها إلى المزبلة، وتبلى الثمار والثياب وآخرها إلى المزبلة، وكذلك الرجال آخرتهم إلى المقبرة حتى يبعث الله العباد وتقوم الساعة
. في المقبرة وفي المزبلة عبر.
قال الشيخ أبو سليمان: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة.
وقال بشر: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل.
ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فالتفكر في الله ليس في ذاته، ولكن في معاني أسمائه وصفاته، وعظمته وجلاله سبحانه وتعالى.
وقال مغيث الأسود: زوروا القبور كل يوم تفكركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم، يوم القيامة، ما أتينا عليه ولا رأيناه بأعيننا، ولكن يمكن أن نشاهده بقلوبنا، بعملية تفكر وتأمل يمكن أن تشاهد القيامة بقلبك؛ لأن الله أعطاك من الآيات ما ترى به القيامة كأنها رأي عين إذا الشمس كورت، إذا السماء انشقت.
وانظروا إلى المنصرف بالفريقين، حين ينصرف الناس من الموقف بعد الحساب والجزاء، حينما ينفض اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها.
قال الشافعي رحمه الله: استعينوا على الكلام بالصمت، فإذا صمت تبين لك مواضع الكلام والمصلحة وعلى الاستنباط بالفكر، هذه الكتب التي سطرها العلماء من استنباطاتهم والاجتهادات التي خرجوا بها، كيف خرجوا بها؟ من تأمل وتدبر لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وربما كان الواحد منهم يجلس من بعد العشاء إلى طلوع الفجر يتفكر في مسألة حتى ينقدح في ذهنه جوابها.
وعن الفضيل بن عياض قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.
من أهمية هذه العملية أنها تبين لك الحسنات والسيئات التي فيك. تبين عيوبك؛ لأجل أن تصلحها.
عودوا عيونكم البكاء، وقلوبكم التفكر.
وكذلك قال أبو سليمان: الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة، والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب، هكذا ينبغي أن يكون الحال.
فكرت في الدنيا وعالمها *** فإذا جميع أمروها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا *** كل امرئ في شأنه يسعى
وقد مررت على القبور فما *** ميزت بين العبد والمولى
أتراك تدري كم رأيت من *** الأحياء ثم رأيتهم موتى
تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل التدبر وأن يحيي قلوبنا بالتفكر، وأن يجعلنا ممن يتأملون في آياته ومخلوقاته بما يصلح حالنا، اللهم أصلح قلوبنا وألف بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور إنك أنت الحي الذي لا يموت.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. | |
|