الصبر لغة يعني: التجلد وعدم الجزع، والهدوء والاطمئنان،وحبس النفس عن كل ما تحبه وتميل إليه، يقول الحق جل شأنه مخاطبا رسوله الكريم، داعيا إياه للصبر على أذى كفار قريش، وعدم الاستجابة لهم بان يكون لهم مجالس خاصة بهم، بعيدا عن المؤمنين من طبقة البسطاء والعبيد، الذين صدقوا الرسول، وآمنوا به وبدعوته، وما كان ذلك من الكفار إلا تعاليا، ومحاولة للنيل من أبناء تلك الطبقة الفقيرة، يقول تعالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" (الكهف 28)
وهذا توجيه رباني للرسول الكريم، حتى لا يصرف عيناه، ولا يتنكر لأولئك الذين استجابوا لدعوته وصدقوه، من أجل أولئك الذين تعالوا واستكبروا وغرتهم الأماني والحياة الدنيا وزينتها، ولقد وُصِف كثيرُ الصبر"بالصَبَّار" وهو الذي يجاهد نفسه على الصبر واحتمال الأذى، مصداقا لقوله تعالى: "إن في ذلك لآياتٍ لكل صبَّار شكور" (إبراهيم: 5)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ويعد
احبتى فى الله
إ عملو حفظكم الله وتقبل سومكم وقومكم وسائر أعمالكم أن الصر ليس له جزاء إلا الجنه
والصبر سمة عظيمة، ومنزلة لا يرقى إليها إلا رجال صهرهم الإيمان في بوتقته، وجعل منهم رجالا ذوي بأس شديد، قادرين على كبح جماح النفس، وصدها عن الشهوات، وقمعها عما نزعت إليه، وعمَّ اهمَّت به، وما ذلك إلا بالصبر والمكابدة خشية لله عز وجل، بالابتعاد عن مقارفة ما يغضب الله، مصداقا لقوله سبحانه: "
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوىِ" (النازعات: 40 -41)
هذا العبد الصابر المصابر المحتسب، له عند الله الجزاء العظيم، فقد وعده بالجنة، لأنه قهر نفسه الأمّارة بالسوء، وملك قيادها وترفّع بها عن الانزلاق إلى دروب الغواية، والشهوات والمعاصي، واللهاث خلف المغريات.
وما من شك، بان فضيلة الصبر لها آثار طيبة على الأفراد والأسر والمجتمعات، ولهم المنزلة الكريمة، والدرجات العلا في الجنة، مصداقا لقوله تعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" (العصر:1 -3)
ويقسم الله سبحانه في هذه الآيات بالدهر، وفي قول آخر أنه جل شأنه يقسم بعصر النبوة المحمدية، لأنه أشرف العصور، ويذكر العلماء أن المولى العظيم يقسم أنّ الإنسان المكلف بالعبادات، في خسران وهلكة، ويستثني - سبحانه - عباده المؤمنين صادقي الإيمان، الذين يمتثلون لأوامر الله، وينتهون عن نواهيه، ويتواصون فيما بينهم بالخير اعتقادا وعملا، وبالصبر عن المعاصي بالابتعاد عنها وعدم مقارفتها، ويتواصون كذلك بالصبر على الطاعات وذلك بالإكثار منها والمواظبة عليها وعلى فعلها.
إن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، رؤوف بهم، فهو جل شأنه يبصرهم ويرشدهم إلى كل ما فيه خيرهم، ويعلمهم الكيفية التي يتفاعلون بها مع الأحداث فيما إذا ما داهمتهم الخطوب، وعصفت بهم الأنواء وألمت بهم النوازل، فهو سبحانه يدعوهم إلى التحلي بالصبر والمواظبة على الصلوات لان هذا من أنجع السبل، وأمضى الأسلحة التي تمكن الإنسان من التغلب على كل ما قد يعترض سبيله من مصاعب وعقبات، ويسهل عليه تذليلها، يقول الحق جل شأنه في محكم التنزيل: "استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" (البقرة: 153) ويقول عز من قائل: "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين" (محمد: 31) والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة، وكذلك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو ،فبائع نفسه فمعتقها او موبقها" رواه مسلم.
مخطئ وواهم، ذاك الذي تصور له أحلامه أن الحياة سهلة، وان دروبها مفروشة بالرمال الناعمة، وأنها مزروعة بالورود والرياحين، والحقيقة التي لا مراء فيها إن دروب الحياة مليئة بالأشواك، ومليئة بالمصاعب والعقبات والعراقيل، ولا يكاد امرؤ أن يخلو من البلايا والنوازل، ولقد قيل إن المؤمنين هم الأكثر ابتلاء دون غيرهم.
إن من حكمة الله جل شأنه أن يبتلي عباده، وان يمتحن صدق إيمانهم في كثير من الأمور، كالخوف، والجوع، والفقر، وفقد الأحبة، والفراق، والخسارة في التجارة، ونقص الأموال، وغير ذلك من الأهوال والمصائب والشدائد، التي تحتاج إلى نفوس قوية بإيمانها، وعزائم جبارة تستطيع حمل هذه الأهوال والتعايش معها، والصبر عليها، دون تبرم ودون أي اعتراض أو شكوى، بل رضا واحتسابا لله، مصداقا لقوله تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" (البقرة: 155- 157).
لقد أثنى الله على هؤلاء الذين اختبر إيمانهم فثبتوا وصبروا وصابروا، وقد تحروا الهداية من الله وقبلوها وعملوا بها، فكانت لهم المغفرة، وقد وعدهم الله بالفوز العظيم، وبأنه سبحانه وتعالى سيوفيهم أجورهم، وسيعطيهم بتوسعة وبلا حساب، وبلا نهاية عظمى، يقول سبحانه: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" (الزمر- 10).
وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة، تدعو المؤمنين إلى التحلي بالصبر وفي مواضع كثيرة يوصي الحق جل شأنه رسوله الكريم بالصبر، وباتخاذه عدة وسلاحا في مواجهته المشركين، وأعداء الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله، وعدم الشرك به سبحانه وتعالى، مصداقا لقوله تعالى: "فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم" (القلم: 48) وقوله تعالى: "فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل" (الأحقاف: 35)
وهذا سيدنا يعقوب عليه السلام، يضرع إلى الله، ويتوسل إليه من أجل أن يهبه الصبر، حتى يستطيع تجاوز المحنة التي عصفت به جراء تلك المكيدة التي كادها أبناؤه لأخيهم "يوسف" عليه السلام، وتلفيقهم لقصة الذئب الذي فتك بأخيهم، وما أن جاؤوه يتباكون في المساء، وقصوا عليه القصة حتى جأر بالدعاء إلى الله "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" (يوسف18) وهذا شأن المؤمن الصادق، فلا ملجأ له إلا الله، ولا تكون الاستعانة على الدهر ونوائبه إلا بالله سبحانه وتعالى، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.. الخ" روان الترمذي وقال حديث حسن، وفي رواية غير الترمذي "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا".
وهذا رسولنا الكريم، الذي بعث رحمة للعالمين، يدعونا إلى التحلي بالصبر لما في ذلك من الثواب والأجر العظيم من الله عز وجل، عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" رواه مسلم.
ومن الثابت، أن في الصبر والاحتساب تكفير عن خطايا الإنسان، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" ولنستمع إلى الأمام علي كرم الله وجهه يوصي ولده الحسن بالصبر فيقول:
تردّ رداء الصبر عند النوائب تنل من جميل الصبر حسن العواقب
وهذا لقمان الحكيم يوصي ابنه بالصبر، والثبات على الشدائد والمحن، وذلك في قوله تعالى على لسان لقمان "... واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور" (لقمان 17)
وهذا شاعر يقول:
اصبر كل مصيبة وتجلد واعلم بان المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد
الصبر شاق على النفوس، والمرء بحاجة إلى مجاهدة نفسه، وكبح جماحها، وكفها عما تهواه وتميل إليه، والصبر المحمود منه: صبر على طاعة الله عز وجل، وصبر عن معاصيه، وصبر على أقداره، والصبر على الطاعات، وعن الحرمات، أفضل بكثير من الصبر على الأقدار المؤلمة.
الصبر من أعظم الطاعات، وأكثرها أجرا عند الله، وهو دليل أكيد على صدق إيمان الإنسان، إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره..