الخطبة الأولى (من أسباب المغفرة) 1
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه 82..
وقال تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم 32...
وروى الترمذي بسند صحيح عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (يا ابن آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِى وَرَجَوتَنِى غَفَرتُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنكَ وَلاَ أُبَالِى...يَا ابنَ آدَمَ لَو بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ ثُمَّ استَغفَرتَنِى غَفَرتُ لَكَ...يَا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيتَنِى بِقُرَابِ الأَرضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لا تُشرِكُ بِى شَيئاً لأَتَيتُكَ بقُرَابِها مَغفِرَةً)
اخوة الاسلام
من رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة والمغفرة ..وجعل سبحانه وتعالى للمغفرة أسبابا .. فإذا ألتزم العبد بأسباب المغفرة .. وتقرب بها إلى ربه ..غفرت ذنوبه مهما كثرت ومهما عظمت ..والحديث القدسي السابق يبين لنا أسباب المغفرة ..
ففي قوله ( يا ابن آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِى وَرَجَوتَنِى غَفَرتُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنكَ وَلاَ أُبَالِى)..
يتبين لنا السبب الأول من أسباب المغفرة وهو ( الدعاء مع الرجاء ) فإن الدعاء مأمور به العبد وموعود عليه بالإجابة..
كما قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُونِي أَستَجِب لَكُم) غافر 60..
وفى السنن (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) قَالَ « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ».
وَقَرَأَ ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ ( دَاخِرِينَ ) ..
وقالوا ( من أعطى الدعاء أعطى الإجابة ) لأن الله تعالى يقول: (أُدعُونِى أَستَجِب لَكُم) ..
(وما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة )..
أما السبب الثاني للمغفرة يتبين لنا في قوله (يَا ابنَ آدَمَ لَو بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ ثُمَّ استَغفَرتَنِي غَفَرتُ لَكَ) ..
فالاستغفار من أسباب المغفرة ..وفي الحديث عند الإمام أحمد (حَدَّثَنِى أَخْشَنُ السَّدُوسِىُّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ - أَوْ قَالَ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلأَ خَطَايَاكُمْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَغَفَرَ لَكُمْ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - أَوْ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ - لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ » ..
وفي مسند أحمد ( عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ رَجُلاً ذَرِبَ اللِّسَانِ عَلَى أَهْلِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَشِيتُ أَنْ يُدْخِلَنِي لِسَانِي النَّارَ. قَالَ
« فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةً ». قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَذَكَرْتُهُ لأَبِى بُرْدَةَ فَقَالَ « وَأَتُوبُ إِلَيْهِ » ..
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )..
وفي المعجم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أعطي أربعا أعطي أربعا وتفسير ذلك في كتاب الله ،
من أعطي الذكر ذكره الله ، لأن الله يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) البقرة 152،
ومن أعطي الدعاء أعطي الإجابة ، لأن الله يقول : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر 60 ،
ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة ، لأن الله يقول : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ابراهيم 7،
ومن أعطي الاستغفار أعطي المغفرة ، لأن الله يقول(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) نوح 10
وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ
« يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أسباب المغفرة ) 1
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما السبب الثالث من أسباب المغفرة فيبنه في قوله
(يَا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيتَنِى بِقُرَابِ الأَرضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لا تُشرِكُ بِى شَيئاً لأَتَيتُكَ بقُرَابِها مَغفِرَةً)...
فالتوحيد وهو السبب الأعظم من أسباب المغفرة فمن فقده فقد المغفرة..
ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة...قال تعالى:
(إِنَّ اللهَ لاَ يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) النساء 48 ..
فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، و ملؤها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة..
وقال بعضهم: (الموحد لا يلقى فى النار كما يلقى الكفار، ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار)..
وفى المسند عن شَدَّادِ بن أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنِّي لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ:
"انْظُرُوا هَلْ فِيكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ؟"، فَقَالُوا: لا، فَقَالَ:"أَحَفِ الْبَابَ"، فَأَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَ:
"ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ"، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا، ثُمَّ قَالَ:"ضَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَبْشِرُوا، فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ، إِنِّي بُعِثْتُ بِهَا , وَبِهَا أُمِرْتُ، وَعَلَيْهَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ)…
فعليكم أيها المسلمون بأسباب المغفرة ،تغفر خطاياكم وزلاتكم ، وتكونوا من المفلحين
الدعاء
[center]
[/center]