( احذر أن تكون من شَرّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
يقول الله تعالى في محكم آياته :
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) (22) الانفال
وقال تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (55) الانفال
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (6) البينة
وقال تعالى : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران 180،
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا رَآهُ قَالَ « بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » .
فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ،
فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا
إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ »
وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم –
« تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ ، الَّذِى يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ »
إخوة الإسلام
لقد رغب الإسلام أتباعه في أن يكونوا من خير الناس منزلة عند الله في الدنيا والآخرة ، وذلك بفعل ما أمر الله به ، والبعد عما نهى عنه ، وحذر الناس من أن يكونوا من شر الناس منزلة عند الله ، فيستحقوا بذلك أشد العذاب ، وسوء المنقلب والمآب .
واليوم إن شاء الله أستعرض معكم بعض أصناف الناس الذين وصفهم الله في كتابه العزيز ، وكذلك قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته أنهم : (مِنْ شَرِّ النَّاسِ)
وكلمة مِنْ شَرِّ النَّاسِ ، تعني :
أنهم شر الناس عذابا فلا تجد من يعذب عذابهم
وشر الناس منزلة فهم في أخس منزلة وأحط رتبة
وشر الناس خزيا فليس أخزى ولا أبعد منهم
وشر الناس إهانة وهوانا فليس أحد أشد إهانة منهم وليس أهون على الله منهم
وشر الناس عطشا وحرا وجحيما وفضيحة
فمعنى شر الناس : أنه لا حدود لهذا الشر فيما يلحق بأصحابه
فمن شر الناس منزلة عند الله ، من قال الله تعالى فيهم :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (6) البينة
فكل من كفر بالله ، أو أشرك معه غيره ، أو كذب برسله ، وعلى رأسهم وإمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كذب بآياته وكتبه ، وآخرها القرآن الكريم ، أو لم يؤمن بدين الاسلام ، واتخذ له دينا غيره ( يهوديا كان أو نصرانيا ) ، أو لم يستسلم لأحكام الله وشرائعه ، ورأى أنها لا تناسب هذا العصر، كل أولئك داخلون في قوله تعالى :
(أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (6) البينة
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال الله تعالى فيهم :
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ
سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران 180،
وهذا الصنف: هم من منعوا زكاة أموالهم ، وبخلوا بها ، ولم ينفقوا مما آتاهم الله من فضله ، فاستحقوا أن يكونوا من شر الناس منزلة يوم القيامة ، وقد قال الله فيهم : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (34) ،(35) التوبة
وروى مسلم في صحيحه (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ».
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ».
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ».
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ »،
وفي رواية عند الإمام أحمد (الَّذِينَ إِنَّمَا يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ ». ،
فهذا الصنف من الناس تراه فظا غليظ القلب ، غليظ الطباع ، قبيح الكلام ، سليط اللسان ، وبالجملة فهو سيئ الأخلاق ، لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شره ، ولذلك يبتعد عنه الناس ، ويتركونه ، ويتقونه ، خشية أن يصيبهم شره ، وقد يكرمونه ويلينون معه الكلام اتقاء لشره ،وقبح طباعه ، وفحش قوله .
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ » ،
وهذا الصنف من الناس يفسد ولا يصلح ، ويخون ولا يؤتمن ، ويفضح ولا يستر ، يبيح بالأسرار ، وينقل الأخبار ، ويزيد في الكلام بغرض الإفساد بين الناس ،
هذا الصنف من الناس تراه يضحك في وجهك ، وهو يخبئ لك ما تكره ، ويظهر لك الود والحب وهو يبغضك ، يتظاهر بنفعك ، وهو يتمنى ضررك ، يلبس ثوب المصلحين ، وهو إمام المفسدين ، يأتي هؤلاء القوم بوجه حسن ، ثم ينقل عنهم أسوأ ما قالوا ؟
فذو الوجهين هو المتلون الذي لا يثبت على حال واحدة وموقف واحد ، فيأتي هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه ،وهذا أبرز ما تراه في المنافقين الذين ينظرون إلى الكفة الراجحة في ميزان القوى فإن طاشت كفة أوليائه تنكر لهم، وأعطاهم دبره وحالف ضدهم وساعد عليهم كأن لم تكن بينه وبينهم مودة ، وإن رجحت ملأ الدنيا صياحا بأنه كان معهم وعلى رأسهم
وذو الوجهين يريد أن يرضي أصحابه ، ويرضي أعداءه ، فتراه عند هؤلاء بوجه ، وعند هؤلاء بوجه آخر ، وما أكثر المنافقين اليوم الذين يسعون في الأرض فسادا ويريدون هدم الدين والدولة باسم الوطنية والمحبة والمصلحة العامة ،
ولو تراهم وهم مع بعضهم البعض لرأيت أمرا تتقزز منه كل الفطر السليمة ولذلك أبى الله إلا أن يفضحهم قال الله تعالى :
“وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14)اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(15)أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ” البقرة 14 ، 16،
ولذلك فإن الإسلام لا يحب التلون، ولا يرضى بسياسة تعدد الوجوه ،لأن الحق واحد لا يتعدد ،وإن اختلفت وجهات النظر في فهمه ،أما أن يتلون المسلم كالحرباء على حساب مصلحة دينه وأمته ، فهذا الذي ليس له عند الله عذر ،ولهذا كان هؤلاء شر الناس يوم القيامة . وفي سنن أبي داود (عَنْ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ ».
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا » رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري .
فالواجب أن الأمور السرية في البيوت ،وفي الفرش ،وفي غيرها تحفظ ،وألا يطلع عليها أحدا أبدا ،فإن من حفظ سر أخيه حفظ الله سره ،فالجزاء من جنس العمل ، فيحْرم إفْشَاءِ الرَّجُلِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوَقَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ ، وَمَا يَجْرِي مِنْ الْمَرْأَةِ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِهِ ،
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(وَإِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ رَجُلاً فَاجِرًا يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ لاَ يَرْعَوِى إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ » رواه أحمد والنسائي بسند صحيح .
وكيف لا يكون هذا من شر الناس ،وقد ضيع أفضل الكلام – كلام الرحمن – واتخذه وراءه ظهريا ، واستخف بحلاله فاجتنبه ،وبحرامه فتجرأ عليه،
إن القرآن لم ينزل للتبرك فقط ، ولا لتُحفَظَ حروفه وتُضَيَّعَ حدوده ، ولا ليوضع على (تابلوهات) السيارات ، أو الجد ران ، وفوق الأرفف، ولكنه نزل ليكون منهج حياة ، ودستور أمة ، وهادي الدنيا بأسرها ، وسائق البشرية إلى رحاب رب البرية ،
وقد تربى صحابة رسول الله في مدرسة القرآن على هذا الأساس (فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ :
كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ نَتَعَلَّمْ مِنَ الْعَشْرِ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَهَا حَتَّى نَعْلَمَ مَا فِيهِ قِيلَ لِشَرِيكٍ مِنَ الْعَمَلِ قَالَ نَعَمْ) رواه البيهقي
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
( احذر أن تكون من شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ » رواه ابن ماجة بسند فيه ضعف .
ومن أمثلة هؤلاء من يَضِّلون في الفتوى ادعاء للخوف من الظالمين أو اتقاء لشرهم
أو من يقف مع أهل الباطل ويواليهم على حساب دينه لأجل مصلحة دنيوية
فمن أعظم الحمق أن يبيع المسلم دنياه بآخرته وذلك لبعد الفرق ما بين الدارين، فالدنيا زائلة والآخرة باقية، ومتاع الدنيا تخالطه الغصص والكدر ومتاع الآخرة لا كدر فيه ولا غصة ، فالعصاة لله عز وجل في غاية الحمق لأنهم يبيعون الفاني بالباقي ،قال الله تعالى
(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (16)، (17) الاعلى
وإذا كان ذلك مع من باع دنياه بآخرته ، فالخسارة كل الخسارة من باع آخرته بدنيا غيره : فهو( لا نال الدنيا ، ولا الآخرة) ،وأصناف هذا النوع من الناس كثيرون ، ومنهم :
الذين يشهدون كذبا وزورا لأجل اقتطاع حق الغير للغير سواء على مستوى الدولة أو على مستوى الأشخاص ، فقد باع آخرته بدنيا غيره
والذين يجورون في الوصية فيورثون هذا ويمنعون ذاك أو يكتبوا ميراثهم قبل موتهم زاعمين محافظتهم على أواصر أبنائهم بعدهم ،أو يورثوا الذكور ويحرموا الأبناء ، أو يكتبون ميراثهم لبناتهم حتى لا يرث معهم أعمامهم ، فهؤلاء باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ » رواه الترمذي
والذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، ويستكثرون نعمة الله على خلقه وهم لا يملكونها فقد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم
والذين يناصرون أهل الباطل ويقفون خلفهم ويعينونهم على باطلهم ، وتنظر إلى استفادتهم من ذلك فلا تراها تذكر إلى جانب ما يحققونه لمناصريهم هذا بيع لآخرتهم بدنيا غيرهم
والذين يتوسطون أو يشهدون على عقود الربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل ممن يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم ،
وهذا الموظف الذي يفرط في الأمانة لأجل غيره ، باع آخرته بدنيا غيره
ومن أخذ المال بغير حق ، لأجل أولاده وزوجته والمحافظة على مستواهم الاجتماعي وحياتهم الرغدة ، باع آخرته بدنيا غيره
والخلاصة : أن من باع آخرته بدنيا غيره :
هو كل من عصى الله لأجل نفع يصل إلى غيره سواء أصابه بعضه أم لم يصبه شيء
ومن شر الناس منزلة عند الله ، من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«شر الناس الذي يسأل بالله ثم لا يعطي» صحيح الجامع الصغير للألباني .
فمن سألك بالله ، فعليك أن تعطيه ما سأل بقدر الامكان وذلك تعظيما لاسم الله الذي سألك به ، ما لم يترتب على ذلك مضرة ، أو معصية ، وفي صحيح الترغيب للألباني:
«ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا»