ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: شرح حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما "عُرضَت عليَّ الأمَمُ، فَرَأيْت النَّبِيَّ وَمعَه الرُّهيْطُ" 1 الجمعة أكتوبر 06, 2017 5:04 pm | |
| شرح حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما "عُرضَت عليَّ الأمَمُ، فَرَأيْت النَّبِيَّ وَمعَه الرُّهيْطُ" 1
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالحديث الأول الذي ذكره الإمام النووي -رحمه الله- في باب اليقين والتوكل هو حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، وهو الحديث العظيم المشهور الذي ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل هذه الأمة وشرفها على الأمم السابقة، وهو متضمن لفضله وشرفه -عليه الصلاة والسلام-، ومتضمن لبشرى عظيمة، كذلك يتضمن بيان بعض حقائق هذا الدين.
يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عُرضت عليّ الأمم...))([1])، يحتمل أن يكون ذلك في المنام، ولعله المتبادر، أنه رأى ذلك مناماً، وهذا أيضاً يدل على شرفه -عليه الصلاة والسلام-، وقوله: ((عُرضت علىّ الأمم)) يدل على العموم، بمعنى: أنه من بعد آدم -عليه الصلاة والسلام- إلى مبعثه -صلى الله عليه وسلم-، فتصور كم كان من الأنبياء والرسل الذين جاءوا إلى أقوامهم.
قول: ((فرأيتُ النبيَّ ومعه الرُّهَيط))، والرهيط تصغير للرهط، وهي لفظة تطلق على عشيرة الرجل وقومه، وتطلق على العدد القليل -ولعله هو المراد هنا، والله أعلم-، قيل: من الثلاثة إلى العشرة، وقيل: من السبعة إلى العشرة، وقيل: ما دون العشرة عموماً هم الرهط.
فتصور هذا النبي يأتي ومعه رهيط، تصغير لقلة عددهم، فهذا النبي لا ينقصه إخلاص، ولا ينقصه علم، ولا ينقصه تأييد من الله -تبارك وتعالى-، ولا ينقصه معرفة بوسائل الدعوة، وطرق التأثير في الناس، فهذه الأمور الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، هم أكمل الناس فيها، ومع ذلك يأتي ومعه الرهيط، ومن هذا نأخذ فائدة مهمة، وهي: أن الهداية بيد الله -عز وجل-، وأن القلوب بيده، فالأنبياء يأتون إلى أقوامهم فما تفتح تلك القلوب، ليس نقصاً في ذلك النبي، ولا في أسلوبه، وإنما هؤلاء أعماهم الله -عز وجل- وأذلهم وأخزاهم، فحجبهم عن هذا النور، وعن هذا الهدى.
والأمر الآخر وهو أن الدعاة إلى الله -عز وجل- هم ورثة الأنبياء، فينبغي أن يكون لهم في ذلك أسوة برسل الله -عز وجل- وأنبيائه الذين ذكرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث يأتي النبي وليس معه أحد، أو معه الرهيط، أو معه الرجل، أو الرجلان، فالداعية إلى الله -عز وجل- يبذل ما عليه، ويقدم للناس ما استطاع، ولا يكل ولا يمل، ولا يقول: الناس ما استفادوا، وما استجابوا، وما آمنوا، ونحن منذ سنين طويلة ندعوهم إلى الله -عز وجل- وما رأينا أثراً؛ لأن أجرك على الله -جل جلاله.
والإنسان ينبغي أن يكون له مزدرع، أن يكون له حقل يزرع فيه لآخرته، حتى لا يقدم على الله -عز وجل- إقدام المفاليس، فكل من يرجو لقاء الله -جل جلاله- ينبغي أن يفكر جيداً في هذا المعنى، اجعل لنفسك مزرعة، والناس في هذا بين مقل ومكثر، منهم مَن له من البساتين العظيمة، ومنهم من لا يكون له من ذلك إلا الشيء اليسير، ومنهم ما ليس له فيه شيء.
وفيح جهنم شديد، وحرها لا يطاق، فينبغي للإنسان أن يبرد مضاجعه، وأن يعد لنفسه مكاناً يجد فيه نعيماً وأنساً ولذة وراحة، وليس له لذة ولا نعيم إلا بالعمل، ومن أفضل العمل هو ما يعلمه الإنسان ويدعو به الآخرين إلى الخير، لأن هؤلاء الناس إذا استفادوا من هذا الداعية، وتعلموا شيئاً من الخير فإنه يكون له مثل أجورهم، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكون هذا الإنسان أجره ممتد، كلما تعلم أناس يكون له مثل أجورهم، يموت ولا زالت الأجور تأتيه إلى قبره.
وبالمقابل الذي علم الناس الشر والمنكر والباطل يأتيه الشر وهو في القبر؛ لأن الناس تعلموا منه، فبث علماً محرماً، وبث بدعاً، وبث باطلاً في الناس.
وهناك أشياء واضحة وسهلة وبسيطة، مثل الصلاة واجبة، كم من إنسان لا يصلي، فلا يعتذر أحد ويقول: أنا لا أعرف، أنا لست من أهل العلم، أو نحو ذلك، هناك قدر مشترك يعرفه الجميع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((بلغوا عني ولو آية))([2])، ويستطيع الإنسان اليوم أن يوصل ألوان الدعوة إلى الله -عز وجل- عن طريق المراسلة، وعن طريق كتيبات، وأشرطة، ومطويات توزع وينتفع بها، إلى غير ذلك مما لا يخفى.
فإنْ قبل الناس فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فأنت في عمل صالح عظيم، تلقى أجره عند الله -عز وجل-، ولكن إذا قل البصر أو قل الإخلاص والصدق مع الله -عز وجل- انقطع العبد.
فإما أن يكون هذا الإنسان قليل البصر، بحيث يظن أنه يعمل في غير معمل، ويعمل في مجال لا يعود عليه بطائل، فينقطع، وهذا خطأ، فأجرك على الله، وأنت في عمل صالح، حتى لو لم يستجب أحد، أو يكون قد قل إخلاصه، فإذا رأى إقبال الناس نشط، وإذا رأى إعراضهم كلّ وضعف.
نوح -عليه الصلاة والسلام- جلس يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، هذا قبل الطوفان، والله أعلم كم جلس بعد الطوفان، يعلم حقائق الإيمان وما آمن معه إلا قليل، فهذه أمور يحتاج الإنسان أن يراعيها، وأن يضعها أمام ناظره فلا يغفل عنها.
((والنبي ليس معه أحد))، ما استجاب له أحد، وهذا يدل على أن الحق لا يُعرف بالكثرة، وإنما الحق يعرف بالدليل، وإنما يعرف ما عليه الناس من حق وباطل بحسب ما ينضاف إليهم، أو بحسب ما يرجعون إليه من الحقائق أو الأباطيل فيوزنون بذلك، اعرف الحق تعرف أهله، فإذا عرفت الحق بدليله عرفت من هم الذين يتمسكون بالحق، وإلا فأهل الباطل أمم، والله -عز وجل- يقول: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، ويقول: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنعام: 116]، وهذا مشاهد في مشارق الأرض ومغاربها، أمم تعيش على الكفر، يولدون ويَنشئون على الكفر، ويشيبون على ذلك، ولهم علماؤهم، ولهم رهبانهم، ولهم قساوستهم، ولهم ألوان المضلين، ويعيشون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم، فالحق لا يعرف بالكثرة، ولا يوزن الحق بأنه ينتسب إليه فلان أو فلان، لشرفه أو نسبه، إنما اعرف الحق تعرف أهله.
نسأل الله -عز وجل- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
[1]- أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب (5/2396)، رقم: (6175)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (1/199)، رقم: (220)، واللفظ له.
[2] - أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3/1275)، رقم: (3274). | |
|