اروه احمد
عدد المساهمات : 363 تاريخ التسجيل : 26/11/2011
| موضوع: شرح مقدمة الباب 2 الإثنين سبتمبر 04, 2017 7:23 pm | |
| الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3]، هذه الآية تضمنت ثمرتين من ثمار التقوى، الأولى: أن الله -عز وجل- يجعل للإنسان صاحب التقوى مخرجاً، وهذا المخرج يتخلص به من الحرج الذي لربما يقع فيه، فيتطلب كثير من الناس المخلص منه بارتكاب الحرام.
فإذا اتقى العبد ربه -تبارك وتعالى- وتحرى العدل والصدق والصواب فيما يأتي ويذر فإن الله -عز وجل- يخلصه من المخاوف، ومن الكروب في الدنيا والآخرة، يجعل له مخرجاً من كل أمر مخوف، ويجعل له مخرجاً من كل أمر ضاق عليه فطلبَ المخلصَ والمخرج منه، فالإنسان لابد أن يلم به بعض الشيء، ولابد أن يلم به بعض المصائب والآلام، فالله -عز وجل- ينجيه ويخلصه من هذه الكروب التي نزلت به إذا اتقى الله -عز وجل.
كذلك العبد لربما يبتلى، ولربما يبذل بعضهم دينه في سبيل الخلاص، فالله -عز وجل- يجعل لعبده مخرجاً ويخلصه إذا كان متقياً له؛ لأنه من عرف الله -عز وجل- في الرخاء عرفه الله -تبارك وتعالى- في الشدة، والله لا يخلي عبده، ولا يسلمه، ولا يخذله، وإنما يبتليه، ثم يرفعه بعد ذلك إذا علم منه التقوى، والصبر واليقين، لربما يُظلم الإنسان، ولربما صودر حقه، ولربما قاسى من أقرب الناس إليه ألوان الملمات، لربما لقيت المرأة من زوجها أشياء، لربما الولد من والده، لربما التلميذ من معلمه، أو الموظف من مديره، أو نحو ذلك، فلربما قابل الظلم بظلم أشنع منه، ولكن الإنسان إذا اتقى الله -عز وجل- في تصرفاته فلم يتكلم إلا بالعدل، وإذا دعا فإنه لا يظلم بدعائه، كما قال الشيخ تقي الدين -رحمه الله-: إن الإنسان قد يظلم بدعائه أعظم مما ظُلم، فيكون الدعاء أعظم من مظلمته، يعني: الدعاء صار عظيماً في أمر لا يستحق هذا الدعاء كله على هذا الإنسان الذي ظلمه، لربما ظلمه بشيء يسير فيدعو عليه بأن الله يشل أركانه، وأن يخسف به الأرض، وأن ييتم أطفاله، ويرمل نساءه من أجل أنه سرق جواله مثلاً.
لكن يقول: اللهم جازه بما يستحق، إن كان ولابد فاعلاً، وفي كثير من الأحيان الإنسان حينما يقاسي مرارة الظلم فإنه لربما يخرج عن طوره، ولربما يتصرف تصرفات لا تنضبط بالضوابط الشرعية، فالمقصود أنه إن اتقَ الله -عز وجل- قبل ذلك وفي أثناء ذلك وبعده فإن الله -عز وجل- يجعل له مخرجاً، وهكذا في القضايا المالية، من الناس من لربما يضيق عليه الحال، فإذا اتقى الله -عز وجل- فرج عنه ووسع له، ولهذا قال الله -عز وجل-: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3].
من الناس من يشتغل في عمل محرم، كأن يشتغل في بنك ربوي أو نحو هذا، وإذا قيل له: اتق الله، قال: من أين قوت العيال؟ نقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، أحياناً يكون الإنسان يشتغل في محل ذهب أو غير ذلك، وصاحب هذا المحل يلزمه بمعاملات محرمة، فنقول له: لا يجوز لك البقاء في هذا المكان، فإن قال: أين أذهب؟ لا أجد عملاً، نقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، من حيث لا يتوقع، فهذه من ثمرات التقوى.
ثم قال الله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29]، ذكر ثلاثة أشياء، وعقبها بهذا التعقيب {وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
{يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}، أي: تفرقون به بين الحق والباطل، وبين معدن الحق ومعدن الشبهات، وذلك أن الإنسان كلما تلطخ بالذنوب والمعاصي كلما تكدرت بصيرته، فلا يبصر، ولا يرى الأشياء على حقيقتها صافية ظاهرة واضحة، وكلما تنقّى العبد من الذنوب والجرائم والمعاصي كلما استنارت بصيرته، فيرى ويبصر بنور الله -تبارك وتعالى.
ونحن أحوج ما نكون إلى هذا المعنى في مثل هذه الأيام التي تكثر فيها الشبهات، وتكثر فيها أيضاً الشهوات، وتكثر فيها الفتن التي لربما التبس بعضها على كثير من الناس، فإذا اتقى العبد ربه فإن الله -عز وجل- يجعل له هذا الفرقان الذي يفرق به بين الحق والباطل.
{وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} وهذه ثمرة أخرى تكفير الذنوب بتقوى الله -عز وجل-، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، فتقوى الله -عز وجل- سبب لكل خير، ومن ذلك تكفير الذنوب ورفع الدرجات، ولهذا قال: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، فعطاؤه لا يحد ولا يحصر، فلا يقتصر أثر التقوى على هذه الأمور المذكورة، بل يرفع الله -عز وجل- درجات هؤلاء المتقين في الجنة، ويفتح لهم من أبواب الفضل والخير، ويوفقهم ألوان التوفيق بسبب تقواهم، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9]، إنما كان ذلك بسبب التقوى بعد فضل الله -عز وجل- ورحمته.
يقول: والآيات في الباب كثيرة معلومة، ثم بعد ذلك ذكر خمسة أحاديث.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
| |
|
اروه احمد
عدد المساهمات : 363 تاريخ التسجيل : 26/11/2011
| موضوع: شرح كتاب رياض الصالحين 6- باب التقوى الإثنين سبتمبر 04, 2017 7:20 pm | |
| الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما فرغ المؤلف -رحمه الله- من الأحاديث المتعلقة بباب المراقبة انتقل منه إلى معنى يناسبه غاية المناسبة، ويرتبط به غاية الارتباط، فهو كالنتيجة له تماماً.
فشرع في باب التقوى، وذلك أن من راقب الله -عز وجل- بحركاته وسكناته، وفي أموره كلها فإن ذلك يورثه التقوى، فيكون متقياً لله -عز وجل.
من استحضر أن الله يراه، ويطلع عليه، ويحصي عليه القليل والكثير فإنه يتقي الله -تبارك وتعالى-، والتقوى تدل على معنى التوقي، أو التحرز، أو مدافعة شيء بشيء آخر يكون بينك وبينه، فحقيقتها أن تجعل بينك وبين عذاب الله -عز وجل- وقاية، بفعل ما أمر، واجتناب ما نهى، وهذه جملة عامة تدخل تحتها مراتب، وذلك أن الإنسان حينما يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى يمكن أن يكون ذلك بترك ما يخلده في النار، بحيث ينجو عند الله -عز وجل- فيكون من أهل التوحيد، فهذه أدنى درجات التقوى، وهي أن يحقق التوحيد الذي لا تحصل النجاة إلا به، وقد يعذب، فهذا لون من التقوى هو الأدنى، لكنه لا ينجيه من عذاب الله بإطلاق.
المرتبة الثانية وهي: أن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل الواجبات وترك المحرمات.
والمرتبة الثالثة هي: أن يفعل هذا إضافة إلى ترك المكروهات، وفعل المستحبات.
والمرتبة التي فوق هذا وهي أعلى مراتب المتقين: أن يترك ما لا يعنيه، فيكون تاركاً للمحرمات، فاعلاً للواجبات وللمستحبات، وتاركاً للمكروهات، ولا ينشغل بفضول المباحات، ولكنه يأخذ من المباح بقدر لا يشغله ولا يلهيه عما هو بصدده من الإعداد للآخرة، والاستعداد للقاء الله -عز وجل-، فالناس يتفاوتون في التقوى هذا التفاوت، فبينهم كما بين السماء والأرض، ويكون هذا التفاوت واقعاً بينهم في أرض المحشر، بما يصيبهم من النَّصَب، وطول الوقوف والعرق، وما إلى ذلك، ويكون هذا التفاوت واقعاً بينهم في سيرهم على الصراط، فإنه في الأصل يكون سيرهم على الصراط المنصوب على جسر جهنم كسيرهم على الصراط الذي نصبه الله -عز وجل- لهم في هذه الحياة الدنيا، فمن كان سيره على هذا الصراط الذي رسمه الله -عز وجل-، وهو الذي ندعو الله نقول: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، من كان سيره مستقيماً صحيحاً صح سيره على ذلك الصراط بإذن الله -عز وجل-، ومن كان سيره على الصراط متعثراً يقوم ويقع ويكبو ويلتفت يمنة ويسرة فإنه يخشى عليه أن يكون سيره على ذلك الصراط كسيره هذا، والجزاء من جنس العمل، كذلك تتفاوت مراتبهم في الجنة، فيكون بينهم كما بين السماء والأرض، فهؤلاء في أعلى الجنان، وهؤلاء دونهم بحسب تفاوتهم في التقوى، فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين.
ثم ذكر الإمام النووي -رحمه الله- جملة من الآيات كعادته في هذا الكتاب المبارك، يذكر في صدر الباب جملة من الآيات، ثم يذكر أحاديث كما ذكر هنا خمسة أحاديث.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102]، خاطب أهل الإيمان بأنهم هم الذين قد تهيئوا وتأهلوا للقبول عن الله -تبارك وتعالى-، الكافر يعلن بأعلى صوت أنه لا يقبل عن الله، وأنه معرض تمام الإعراض، أما المؤمن فإن إيمانه يقتضى أن يتقي الله -عز وجل-، وما هذا الإيمان الذي لا يحجزه عن مقارفة ما لا يليق؟ ما هذا الإيمان الذي يجرئه على ترك ما أمر الله -عز وجل- به؟ ولهذا في كثير من الأمور حينما يأمر الله بأشياء، أو ينهى عن أشياء يقول بعدها: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، أي: إن كنتم مؤمنين فافعلوا ذلك، {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال:1]، وهكذا في أمثلة كثيرة، فالإيمان يحمله على فعل هذا وترك هذا.
هذا الإيمان الحقيقي المؤثر، أما دعوى الإيمان التي لا تحرك صاحبها فإنها دعوى كاذبة، كما قال الله -عز وجل-: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، فهؤلاء أظهروا الإسلام في الظاهر، ولكن لم تذعن قلوبهم، ولم يكن عندهم من الإيمان ما يرفعهم، فالمقصود أن الله أمر المؤمنين بأن يتقوه حق تقاته، والمراد بحق تقاته كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، وهذه الآية تفسرها الآية التي بعدها، وهي ما ذكرها الإمام النووي -رحمه الله- بعدها مباشرة.
قال: وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، تقوى الله حق تقاته: أن تستفرغ الجهد في تحقيق التقوى، وإلا فلو أخذنا هذه اللفظة بمجردها فإن الإنسان لا يستطيع أن يتقي الله -عز وجل- تقوى كاملة، وأن يؤدي جميع حقوق الله -عز وجل-، هذا لا يمكن، ولهذا قال طائفة من أهل العلم: إنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وهذا لا يظهر، فهذا خبر، بل هذا أمر من الله -عز وجل-: {اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، يبينه قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فالله لا يكلفنا بما لا نطيق رحمة منه وتفضلاً، فإذا كلفنا بأن نتقيه حق تقاته على المعنى الذي قد يفهم من ظاهر الآية فمعنى ذلك أنه كلفنا بما لا نطيق، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وبناء عليه يقال: إن المراد بتقوى الله حق تقاته هو قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، بقدر استطاعتك، فإذا عجز الإنسان سقط عنه التكليف فيما عجز عنه كلًّا أو بعضاً أو إلى بدل، الإنسان إذا عجز عن القيام في الصلاة -مع أن القيام ركن- فإنه يصلي جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنب، وإذا عجز الإنسان عن الطهارة الكاملة الغسل، أو الوضوء، واستطاع في بعض الأعضاء فإنه يوصل الماء إلى الأعضاء التي استطاعها، وإذا عجز عن الماء فإنه ينتقل إلى بدل وهو التيمم، فتقوى الله -عز وجل- بحسب الاستطاعة.
لكن كون الإنسان عنده استطاعة ويقول: أنا لا أقدر، هذا كذاب، ككثير ممن يفعلون الذنوب والموبقات، تقول له: اتق الله، يقول: لا أستطيع، نفسي تغلبني، ادعوا لي أن الله يهديني، قم صل الفجر مع الجماعة في المسجد، قال: لا أقدر حاولت، وركبت الساعة، ومع ذلك لم أستيقظ، نقول: هذه دعوى كاذبة، وعذر غير مقبول، وهذا إنسان يفعل أموراً ويفجر، وله علاقات بنساء، وأمور سيئة تقول له: يا أخي اتق الله، يقول: أنا حاولت ولم أستطع.
هذه دعوى كاذبة غير مقبولة، لا ينجو بها عند الله -عز وجل-، فينبغي للإنسان أن يتلمس حاله وعمله ووضعه، فيلقى الله -عز وجل- بعذر يقبل منه، أما الدعاوى الكاذبة، تقول: أنا حاولت، وإن شاء الله أحاول، تحاول في ماذا؟ هذا المسجد أمامك، اذهب صل مع الناس، إذا كنت لا تقوم لصلاة الفجر نم بعد صلاة العشاء، وستقوم بدون منبه ولن تحتاج إليه.
عمر -رضي الله عنه- مطعون وينزف، ومغمى عليه، ولا يستطيعون إيقاظه إلا بالصلاة، يقولون: الصلاة يا أمير المؤمنين، فيفزّ ويفزع، ويقول: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
وهذا سهرات كل يوم، ويقضي يومه في القيل والقال، وأمام القنوات، وغير ذلك، ثم يأتي ينام عن صلاة الفجر، ويقول: حاولت وما استطعت، هذا كلام غير مقبول إطلاقاً.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، قال: وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم -رحمهم الله.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]، قدم بالأمر بالتقوى، فإذا تحققت التقوى استقام اللسان، ولهذا قال أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- في كلامه على التقوى: إن من التقوى أن يضبط الإنسان لسانه، لا ينطلق يتكلم في أعراض الناس، وفي القيل والقال، ويتفكه بالغيبة في المجالس، فهذا ليس من تقوى الله -عز وجل.
ولهذا الصحيح من أقول المفسرين -والله أعلم- أن المقصود بقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} لا يختص بقول: لا إله لا إله، فهذه الكلمة من جملة القول السديد، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك استقامة اللسان، فلا يقول إلا حقاً، لا يكذب، ولا يغتاب، وإذا دعته نفسه لأن يتحرك هذا اللسان بما لا يليق زمّه بالتقوى، وحبسه وضبطه، فتكلم بما يرضي الله -تبارك وتعالى.
فبدلاً من الغيبة يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هي كلمات بنفس الحروف تقريباً، وبنفس التكلفة حينما يؤديها الإنسان، لكن فرق بين هذه وبين هذه، هذه تهوي به، وهذه ترفعه، لكن الإنسان تغلبه نفسه وشهواته في أمور لا يستفيد منها، ولو فكر الإنسان ماذا يستفيد إذا اغتاب الناس؟ الجواب: لا شيء، لكن لو قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر استفاد استفادة عظيمة جداً.
وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، هنا بدأ يذكر آيات من نوع آخر، وهي التي تبين ثمرات التقوى، نترك هذا في ليلة أخرى.
أسأل الله -عز وجل- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
| |
|