يريد أن يبيع شقته لمن يجعلها عيادة طبية أو مقر شركة وجاره يعترض
السؤال : لنا شقة في برج سكني ونود بيعها للانتقاع بها إداريا كأن تصبح مكتب أو محل إدارة للشركة أو نحوه وقد اشتري والدي الشقة من صاحبها السابق على أن تكون عيادة (خدمة إدارية) المشكلة أن لنا جار يرفض بيعها أو إيجارها إداريا بحجة انه سوف يصبح مجروحا( أي يتأذي من المتعاملين مع الشركة أو من كثرة الصعود والنزول ) السؤال هو : هل يجوز بيع الشقة للانتفاع التجاري أو إداري أم يقتصر بيعها للسكن؟ هل لهذا الجار حق في منع البيع أو الإيجار؟ مع العلم أنه جار واحد فقط هو من يرفض هذا البيع أو الإيجار
الجواب :
الحمد لله
يجوز بيع هذه الشقة لمن يجعلها مكتبا إداريا أو مقر شركة أو عيادة طبية، وليس لأحد من الجيران منع ذلك، إلا إن كان يترتب على ذلك أذى معتبر، فلا يجوز لكم ذلك ، لما سيدخله من الأذى على الجار، وقد روى البخاري (6016) عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ).
وروى مسلم (46) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ).
وعلى الدولة أن تمنع مثل هذا الأذى ، إن وجد.
قال عليش رحمه الله: " ابن عتاب: الذي أقوله وأتقلده من مذهب مالك رضي الله عنه أن جميع ما يضر الجار يجب قطعه إلا رفع البناء المانع من الريح وضوء الشمس وما في معناهما" انتهى من منح الجليل (6/ 327).
والذي يظهر : أنه إذا كان النشاط الذي سوف تحول إليه هذه الشقة السكنية : قد جرى العرف في بلدكم بوجوده في مثل هذه الأبراج السكنية : فلا حرج عليكم أن تبيعوها لمن يريد أن ينتفع بها في هذا الغرض .
وإن لم يجر به العرف ، أو كان الناس عادة يتضررون بوجوده في عماراتهم : فلا يجوز لكم بيع الشقة لمثل هذا الغرض ؛ فإن الضرر يزال ، فلا يجوز إيذاء الجار ، ولا إدخال الضرر عليه .
وسواء كان لكم أن تبيعوا هذه الشقة للغرض المذكور ، أو لم يكن لكم ذلك ؛ فإن لهذا الجار حق الشفعة عند بعض أهل العلم، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وهو رواية عن أحمد- اختارها جماعة من العلماء- فيما إذا اشترك الجيران في حق مشترك، والجيران هنا يشتركون في مدخل العمارة وسلّمها.
ومستند الشفعة هنا: ما روى أحمد (14253) وأبو داود (3518) والترمذي (1369) وابن ماجه (2494) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا»
والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن القيم رحمه الله: " والصواب : القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه، وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث، أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك ، من طريق أو ماء أو نحو ذلك : ثبتت الشفعة .
وإن لم يكن بينهما حق مشترك ألبتة، بل كان كل واحد منهم متميزا ملكه ، وحقوق ملكه : فلا شفعة .
وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، فإنه سأله عن الشفعة: لمن هي؟
فقال: إذا كان طريقهما واحدا، فإذا صرفت الطرق ، وعرفت الحدود : فلا شفعة .
وهو قول عمر بن عبد العزيز، وقول القاضيين سوار بن عبيد الله، وعبيد الله بن الحسن العنبري. وقال أحمد في رواية ابن مشيش: أهل البصرة يقولون: إذا كان الطريق واحدا : كان بينهم الشفعة مثل دارنا هذه، على معنى حديث جابر الذي يحدثه عبد الملك، انتهى.
فأهل الكوفة يثبتون شفعة الجوار مع تميز الطرق والحقوق .
وأهل المدينة يسقطونها مع الاشتراك في الطريق والحقوق .
وأهل البصرة يوافقون أهل المدينة ، إذا صرفت الطرق ، ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك . ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك الجاران في حق من حقوق الأملاك ، كالطريق وغيرها، وهذا هو الصواب، وهو أعدل الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية" انتهى من إعلام الموقعين (2/ 100).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يقول جابر رضي الله عنه: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) : فالحديث بيَّن أنه إذا حصلت القسمة ، ورُسمت الأرض بحدودها ، وصرِّفت الطرق، بأن كان هذا الجانب له طريق ، والجانب الآخر له طريق : فلا شفعة .
فيؤخذ من هذا : أنهما لو اقتسما ، وبقي الطريق واحداً لم يُصرَّف : فالشفعة باقية .
وهذا هو القول الراجح، أن الجار له الشفعة في حال ، وليس له الشفعة في حال، فإذا كانت الطريق واحدة، أو الماء الذي يسقى به الزرع واحداً، أو أي شيء اشتركا فيه من
الإسلام ابن تيمية رحمه الله " انتهى من الشرح الممتع (10/ 245).
وعلى هذا : فلجارك أن ينتزع الشقة ممن اشتراها منكم، لكن بمثل الثمن الذي بعتم به.
وينبغي أن تعرضوا عليه الشراء قبل أن تعرضوها على غيره، وأوجب بعض أهل العلم ذلك؛ لما روى مسلم (1068) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: (قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ).
والحاصل : أنه إن ترتب على البيع المذكور أذى ظاهر للجيران، حرم ذلك، وأن للجار حق الشفعة ما دام بينكما حق مشترك كمدخل العمارة .
فإن لم يأخذ الشقة، ولم يكن هناك أذى معتبر، فلا وجه لاعتراضه.
والله أعلم.