أينما كان العبد وفي أي موقع كان، فإن الله تعالى ينادي الجميع..
فالعصاة ناداهم: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}.[النساء: 110].
ونادى المشركين بالتوبة: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، بل والمحاربين {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5]، {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}.
ونادى المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146].
وأمر النبى صل الله عليه وسلم بوعظهم: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63].. وفي السيرة أنه تاب نفر من المنافقين وحسن إسلامهم.
ونادى النصارى مع فُحْش أقوالهم مع نص رب العالمين أنها سبة (سبني ابن آدم وما كان له أن يسبني..) ثم فسرها في الحديث القدسي أنها ادعاء الولد.. ورغم ذلك قال بعد أن حكى أقوالهم في المسيح ( {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؟ [المائدة: 74].
ونادى اليهود مع قسوة قلوبهم وقتلهم الأنبياء وتحريف الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} [النساء: 47].
ونادى تعالى أهل الكتاب عموما: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 86- 77].
ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89].
ونادى الكفار عموما {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68-70]..
حتى أعداؤه الذين قتلوا أولياءه يقول {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، فاشترط عدم التوبة لتعذيبهم فكان نداء منه لهم للعودة..
إن الله ينتظر الجميع ويدعوهم اليه، ولم ينفض الإسلام يده من أحد، حتى مع أفحش الجرائم يأمر ببلاغ القول الى نفوس المخالفين والشاردين قولا بليغا يصل الى أعماق قلوبهم ليحركها للتوبة والعودة..
يجب أن يكون هذا واضحا، فهذا مضمون الدعوة، وقرين الجهاد،فهذا الدين قوة وسيف في يد، ودعوة للتوبة والأوبة في يد أخرى.. بل إن الله يزع بالقوة ليرد القلوب اليه ويعطيها فرصة للرؤية ويصرف عنها تأثيرات الانحراف.
إن هول يوم القيامة أكبر من إدراكنا اليوم ولهذا يقول تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} [المرسلات: 14]، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: 17]، {وما أدراك ما القارعة} [القارعة: 3].. ولهذا فنداء التوبة قائم ومبذول لكل مخلوق قبل غرغرته وقبل انهيار النظام الكوني وانتهاء الواقع المشهود..