الحمد لله رب العالمين.. لا يسأم من كثرة السؤال والطلب...
سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب.. وإذا لم يُسأَل غضب...
يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب.. ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ورغب...
من رضي بالقليل أعطاه الكثير.. ومن سخط فالحرمان قد وجب...
رزق الأمان لمن لقضائه استكان.. ومن لم يستكن انزعج واضطرب...
من ركن إلى غيره ذلَّ وهان.. ومن اعتز به ظهر وغلب...
من تبع هواه فَرَأْي شيطان ارتآه.. ومن تبع هدى الله فإلى الحق وثب...
نحمَده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصَب...
ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وإليه المنقلب...
هو المالك.. وهو الملك.. يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب...
قبض قبضتين.. فقبضة الجنة لرحمته.. وقبضة النار للغضب...
احتجب عن الخلق بنوره.. وخفي عليهم بشدة ظهوره.. أفلح من التزم الأدب...
نخاف الله ونخشاه.. ونرجوه ونطلب رضاه.. والعفو منه مرتقب...
نحب الصلاح ونتمناه.. ونكره الفساد ونتحاشاه.. فهل ذاك يكفي لبلوغ الأرب...
تساؤل في نفوسنا تساءلناه.. وبأمل في قلوبنا رجوناه.. تبارك الذي إذا شاء وهب...
وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب...
نطق بأفصح الكلام.. وجاء بأعدل الأحكام.. وما قرأ ولا كتب...
آية الآيات.. ومعجزة المعجزات.. لمن سلم عقله من العطب...
تأمل في حياته وانظر.. وتمعن بقلبك وتدبر.. وهاك بعض النسب...
الأب يموت ولا يراه.. والأم تسلمه لغريبة ترعاه.. فلا حنان ولا لعب...
عم كفله ورباه.. وعم هو أسد الله.. وعم يَصلى نارًا ذات لهب...
تمنى الإسلام لمن رعاه.. وأراد الهدى لمن عاداه.. فما أجيب لما تمنى وطلب...
زوجة حنون تكبره بأعوام.. يعيش معها في وئام وسلام.. وفجأة تغير الحال وانقلب...
رسالة لم تتحملها الجبال، وعشيرة يرى منها الأهوال.. وتتركه الوليفة إلى بيت في الجنة من قصب...
جاءه منها البنات والبنون.. فاختطفتهم منه يد المنون.. فلا وريث ولا شقيق ولا عصب...
هموم وآلام.. ونفاق من اللئام.. وليل لا ينام.. ونهار للجهاد قد اصطحب...
لم ينعم بلذيذ الحياة.. ولم ينل فيها ما تمناه.. والموت منه قد اقترب...
وُوري في التراب وجهه الأنور، وغُطِّي بالأكفان جبينه الأزهر، بعد شديد مرض وتعب...
لم يورث منه مال.. بل علم تناقلته الأجيال.. ونور في الآفاق قد ضرب...
أضاء للمؤمنين طريقهم.. أحبهم وحبَّب إليهم ربهم.. فتنوع العطاء والحب السبب...
إمام الغر المحجلين.. وخاتم الأنبياء والمرسلين.. وجهك بدر وصوتك طرب...
سيد كل قبيلة وفريق.. بالمؤمنين رحيم وشفيق....
سيدي وحبيبي.. قدوتي وشفيعي.. الشوق مشتعل والدمع للخدِّ خضب..
فهل تنعم برؤية وجهك عيناي؟ وتهنأ بلثم قدميك شفتاي؟ فالعمر ولى والزمان قد اغترب...
فيا رب يا أكرم مسؤول.. ويا خير مُرتجى ومأمول.. صلِّ على سيد الأعاجم والعرب...
على الصحب ومن تبع وكل من إليه انتسب...
ما لاح في الأفق نجم أو غرب...
أو ظهر في السماء هلال أو احتجب...
وكلما انحنى لك في الصلاة ظهر أو انتصب...
معاشر المسلمين: حديثنا اليوم في هذه الخطبة عن امر من أمور الدنيا هو
هم بالليل، وذلٌّ بالنهار، يشغل البال، ويكدر الحال، يكسر الفؤاد، ويستخفي صاحبه عن العباد، استعاذ منه النبي - صلى الله عيه وسلم - وتساهلنا فيه، حتى غصَّت محاكمنا من التشاكي به.
إنها قضية الديون, تلك القضية التي أخافت قلوب الأمناء، وأذلَّت كرائم الشرفاء.
قضية الدين ظاهرة فَشَتْ وعمَّت, وانتشرت وطمَّت, وارتفع سُعارها وتعالى لهيبها.
مكاتب تحصيل الديون في ازدياد, وشركات التقسيط تَعِدُ الناس بعيشٍ رغيدٍ وحياةٍ هنيئة, وعروض الاستدانة وتسهيلات الاستقراض من البنوك تؤزُّ الناس إليها أَزًّا، ناهيكم عن البطاقات الائتمانية التي تجرُّ المستهلك إلى سكرة الشراء، وشراهة الإسراف, ناسيًا أو متغافلاً مغبَّة الشراء, ومرارة التقسيط غدًا!!
وليس سرًّا أن تقول مؤسسة النقد السعودي: إن حجم قروض المواطنين لدى البنوك يقدر بنحو 277.5 مليار ريال هذا عام 2012
عباد الله:
ولنا مع ظاهرة الاستقراض والاستدانة وقفات عدَّة, علَّها تساعد في تذكير النَّفس، وإصلاح السيرة، وإكمال المسيرة.
الوقفة الأولى:
أّنَّ هذا الدِّين العظيم جاء بالحثِّ على التكافل بين أفراده، والحضِّ على التعاون بينهم, ومن صور هذا التكافل والتعاون: مشروعيَّة القرض؛ فأباح للمحتاج أن يستدين عند حاجته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ... }، وجعل الإسلام إقراض الآخرين قربةً يتقرَّب بها العبد لربه تعالى، وفي الحديث: ((ما من مسلمٍ يُقرض مسلمًا قرضًا مرَّتَيْن إلا كان كصدقتها مرَّة))؛ رواه ابن ماجه وغيره، وصحَّحه الألباني.
وخير البشر محمد - صلى الله عليه وسلم - استدان وقضى دَيْنه؛ روى مسلمٌ في "صحيحه" أنه - عليه الصلاة والسلام - استدان من رجل بَكْرًا، فقُدِّمت إليه إبلٌ من إبل الصَّدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ، فلم يجد إلا خيارًا رباعيًّا؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَعْطِهِ إيَّاه؛ فإنَّ خيار الناس أحسنهم قضاءً)).
بل وَعَدَ ربُّنا - سبحانه وتعالى - المستدين إذا صلحت نيَّته وصدق في قضاء دينه بالمعونة والسَّداد؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدَّى الله عنه، ومَنْ أخذها يريد إتلافها؛ أتلفه الله تعالى))؛ أخرَّجه البخاريُّ في "صحيحه".
وهذا الإتلاف - عباد الله - قد يكون حِسِّيـًّا؛ فيُتلف الله عليه نفسه أو مكاسبه, وقد يكون معنويًّا، بأن يمحق الله بركة ما أخذه، ويضيِّق عليه أموره، ويعسره دون أسباب الرزق.
الوقفة الثانية:
أن هذا الدَّيْن - وإن كان في أصله مباحًا - إلاَّ أنه قد حُفَّ بمخاطر مفزعة، ينبغي ألاَّ تغيب عن كل مَنْ طلب الدَّيْن وابتغى القرض.
اسمع إلى خبر ذلك الرجل الذي مشى إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قد رخصت عليه نفسه، وحداه شوقه إلى جنَّاتٍ ونَهَرٍ، وتعالت همَّته لاسترضاء مليك مقتدر، فيقف بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله؛ تُكَفَّرُ عنِّي خطاياي؟ فقال له رسول الهدى: ((نعم، إن قُتلتَ في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبِلٌ غير مُدْبِر)). فلمَّا ولَّى الرجل دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((كيف قُلْتَ؟))؛ قال: أرأيتَ إن قُتلتَ في سبيل الله؛ أَتُكَفَّر عنِّي خطاياي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، وأنت صابرٌ محتسِبٌ، مُقبِلٌ غيرَ مُدْبِرٍ، إلاَّ الدَّيْن؛ فإن جبريل قال لي ذلك)).
بل بلغ من الترهيب من أمر الدِّين أنَّ أرحم الخَلْق بالخَلْق، وخير الخَلْق للخَلْق؛ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أُتي إليه برجلٍ متوفَّى ليصلِّي عليه؛ سأل: ((هل عليه من دَيْنٍ؟))، فإن قيل: نعم؛ سأل: ((هل ترك وفاءً؟))، فإن حُدِّثَ أنه ترك وفاءً صلَّى عليه، وإلا قال: ((صلُّوا على صاحبكم)).
تُوفِّي رجلٌ من صحابة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعليه دَيْنٌ، فلمَّا صلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفجر سأل: ((ها هنا من بني فلان أحدٌ؟)) قالها ثلاثًا. فقام رجلٌ فقال: أنا منهم؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن صاحبكم محبوسٌ عن الجنَّة بدَيْنه))؛ رواه أحمد بسندٍ صحيحٍ.
وفي لفظٍ عند أبي داود: ((نَفْس المؤمن معلَّقةٌ بدَيْنه حتى يُقضي عنه)).
ولذا - عباد الله - كان حبيبنا وقدوتنا - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يستعيذ من الدَّيْن؛ قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: كنتُ أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكثيرًا ما سمعته يقول: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجُبْن، وضَلْع الدَّيْن وغَلَبَة الرِّجال)).
ما أكثر ما تستعيذ من المَغْرَم يا رسول الله!!
بهذه الكلمات يُسأل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيأتي الجواب: ((إن الرجل إذا غرم حَدَّث فكذب، ووَعَد فأَخْلَف)).
وهاهو الفاروق - رضي الله عنه - بلغ من استشعاره لخطر الدَّيْن أنه كان كثيرًا ما ينهى الناس عنه، ومن مأثور قوله: "إياكم والدَّيْن، فإن أوَّله هَمٌّ وآخره حربٌ".
لذا - عباد الله - فإن من سعادة العَيْش وطيب الحياة أن يسلم المرء من هواجس الدَّيْن ومخاطره، وتنام عينه بعد ذلك ملء جفونها بلا دَيْنٍ مُقلِقٍ ولا غرمٍ مُنتَظر.
الوقفة الثالثة:
ما هو واقعنا مع الدَّيْن، وكيف التجأنا إليه، ولماذا طرقنا بابه؟
ليس عيبًا إخوة الإيمان أن يستدين المرء ويقترض إذا ألجأته الظروف أو نزلت به حاجة؛ فرسول الهدى استدان من حاجةٍ وقضى دَيْنَه، واشترى طعامًا من يهوديٍّ إلى أجلٍ، ورهن درعًا من حديدٍ عند اليهودي.
معذورٌ أن يستدين المرء لأجل علاج مرضه أو مداوة مريضه.
مقبولٌ أن يقترض الإنسان لإكمال أمر زواجه وإعفاف نفسه.
لا تثريب أن يستلف الرجل لإتمام بناء منزله وإكماله.
ولكن العجب من أناس ولجوا لجج الدَّيْن وذاقوا علقمه لأجل مجاراةٍ في كماليَّات، أو تنافسٍ في مظهريَّات!! فهذا يستدين من أجل تغيير أثاثه، وآخر له في كل إجازة موعدٌ مع القروض للسفر والسياحة، وثالثٌ يقترض لمواكبة كل جديد، وامتلاك ما رآه عند غيره، ورابعٌ جعل الاستدانة مهنته كلما لاحت إليه رغبة، أو هامت بخاطره نزوة، فتراه يقترض من هذا، ويستدين من ذاك، ثم لا يعبأ بعد ذلك بإراقة ماء وجهه؛ فيقرع الأبواب، ويلحف في المسألة، ويَتَمَسْكَن في الكلام، وقد كان في سَعَةٍ وغنى عن مثل هذه المواقف!!!
الوقفة الرابعة:
يا أيها العبد المؤمن، إن ألجأتك حاجتك للدَّيْن فأصلِح النيَّة، واصدق العزيمة في سداده.
تذكر يا صاحب الدَّيْن: أن الدَّيْن أمانةٌ يجب المسارعة في قضائها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
ظلمٌ شنيعٌ وجُرْمٌ فظيعٌ أن تُماطِل في قضاء دَيْنك؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَطَلُ الغنيِّ ظلمٌ)).
تذكر - يا رعاك الله - أن هذه المماطلة خُلُقٌ تأباه شِيَم النفوس العزيزة، وأنه لا حُرمة لعِرْضِك بعد ذلك؛ قال - صلى الله عيه وسلم -: ((لَيُّ الواجِد يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبته))؛ رواه البخاريُّ في "صحيحه".
لا تضجر من تظلُّم وعتاب صاحب الحقِّ عليك؛ فإن لصاحب الحقِّ مقالاً.
أعرابيٌّ استدان منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – دَيْنًا؛ فجاء يطلب من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – السَّداد؛ فقال له رسولنا - صلى الله عليه وسلم، وهو لا يملك شيئًا -: ((ليس عندنا اليوم شيءٌ، فإن شئتَ أخَّرْتَ عنَّا))؛ فصاح الإعرابيُّ: واغَدْرَاه! فنهره الناس، ودارت عينا عمر - رضي الله عنه - في رأسه، فصاح بالرجل: أيَغْدُرُ رسول الله!! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لعمر: ((دَعْهُ؛ فإن لصاحب الحقِّ مقالاً)).
فبادر أخي المَدين بوفاء دينك قبل أن تبادرك المنايا، وتذكَّر موقفًا تجثو فيه الرُّكَب، وتشيب منه مفارق الوِلْدان، وليس ثمَّة إلا الحسنات والسيِّئات.
قال - صلى الله عيه وسلم -: ((مَنْ مات وعليه دينار أو درهم؛ قُضِيَ من حسناته، ليس ثمَّ دينارٌ ولا درهمٌ))؛ رواه أحمد وابن ماجه، وهو حديثٌ صحيحٌ.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
أما بعد، فيا أخوة الإيمان:
ووقفة خامسة:
هذه الوقفة أيها الاحبة هو التأكيد الذى ذكرناه وهو كتابة الدين
فعندما يغادر الانسان هذه الحياة لا يعلم عن ديونه احد ان لم يكن قد اثبتها وكتبها
ومن أعظم ما يشغل ذمة المؤمن ويثقل كاهله ويورده المهالك يوم القيامة الدَّين بأن يقترض من أخيه مالا وتبقى ذمته مشغولة به فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين لا يغفر مهما بلغ صلاح المؤمن بل ولو جاد بنفسه في سبيل الله خلافا لسائر الذنوب والكبائر التي تطهرها الشهادة
لذلك أيها الاحبة يجب كتابة الدين وتثبيته بشكل واضح بحيث ان يفهم من يقرأه من بعده ، فبعض الناس يكتب ليفهم هو فقط فكم من الناس وجد لهم بعض الكتابات ولكنها غير معلومة ولا يوجد تاريخ ولا يعلم لمن على سبيل الجزم .
فيجب عليك أيها الحبيب لتنام في قبرك وانت مطمئن ان تكتب كل ما عليك خاصة بكل وضوح ليفهم بل يتيقن من يقرأه بعدنا بحقيقة ما كتبناه .
فكم في القبور من آهات وكم فيها من حسرات وكم فيها من اسرار وكم فيها من حقوق للناس اخذ صاحبها على غرة وانتقلو من الحياة فجأة فإن لم يسامحوا فسوف يرتهن في دينه حتى وإن كان من أصحاب الجنة
فاحرصوا أيها الاحبة أولا على قضاء ديون موتاكم ولا تشغلكم أشياء عن قضائها فهى التي ينتفع بها الميت بإذن الله