ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: انتشار ظاهرة الإسراف مُؤذنٌ بعقوبةٍ الجمعة ديسمبر 23, 2016 6:07 am | |
| الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار، ولا تبلغه الأفكار، ولا تحجبه الأستار, ولا تخفى عليه الأسرار، والصلاةُ والسلامُ على صفيه وخليلِه المختار، وعلى جميع أهلِ بيتِه وأصحابِه الأخيارِ الأبرار, أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ مِن عادة الكفار المشركين, أنَّهُم إذا ركبوا البحر وماجت بهم الأمواج, وأوشكوا على الهلاك: ازْدادُوا قُرْبًا مِنَ الله تعالى, ولُجُوءًا إليه, ويتركونَ أصنامهم وآلهتهم, لِعْلِمْهِم أنه لا يُنجيهم من محنتهم إلا الواحد الأحد.
ونحن أولى منهم بأنْ نَلْجَأَ إِلَى اللهِ في هذه الأوقاتِ العصيبة, والفتن الْمُتلاطمة.
لقد تخطّفتِ الفتنُ مَنْ حولَنا, وأخذ الله من هو أشدّ قوّةً ومكانة, وعزّةً ومَنَعة, فغدا العزيز ذليلًا, والشريف وضيعًا, والأمير كسيرًا, والغنيّ فقيرًا.
ونحن آمنون مُطمئنون, ولو خرجنا شبرًا إلى مَن حولَنا لرأينا ما تشيب له الولدان, وتدمع له العينان, وحالنا كما قال تعالى عن أهل مكة: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}.
إلا أنّ الْعَجَبَ مِن بعض سفهائنا, وشِرْذِمَةٍ مِن بني جِلْدَتِنا, أبوا في هذه الفتن العصيبة إلا الغَيَّ والبَطَر, والكبر والغرور والأشر, والتّبَجُّحَ بكفران النعم, بدعوى الْمُباهاةِ والكرم.
كيف يفتخر هؤلاء الجهالُ بالإسراف والبَطَر, ومن حولنا يُتخطّفون ويُقتّلون, وكثيرٌ منهم يموت جوعًا.
ما هي نظرتهم لنا وهم يرون هذه الصور والمقاطع المخزية, سوف يظُنُّون أنّنا على ذلك, وستتقطّعُ قلُوبُهم أسىً وحسرة, ويتساءلون: أهؤلاء هم أحفاد الصحابة؟ أهؤلاء إخواننا في الدين, أهؤلاء أهل الحرمين وأُولى الْقبلتين؟
وإذا لم يردع هؤلاء دينُهم وإيمانُهم, أفلا تردعهم أخلاقهم ومكارمهم؟
والواجب أنْ يُردع هؤلاء السفهاء, وأنْ يُؤخذ على أيديهم, وقد جاء في الأثر: "والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يد المسيء, ولتأطرنه على الحق أطراً, أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض".
والتباهي بالإسراف والتبذير, كبيرةٌ من كبائر الذنوب, لما فيها من الآفات الكثيرة, منها:
أولا: كسر قلوب الفقراء والمحتاجين, فإنهم إذا رأوا مثل ذلك حقدوا على الأغنياء, وامْتَلأَتْ قلوبُهم غيظًا وكمدًا.
ثانيًا: إشاعةُ هذه المعصيةِ بين الناس, وسنُّها وتشجيعُهم على القيام بمثلها وأعظمَ منها, ولم تكن هذه الأفعال الشنيعةُ تُعرف عندنا, إلا حينما ابتدأها أحدُهم, وانْتَشر فعلُه وطار خبرُه, فعمل بعمله الكثير من ضعفاءِ الإيمان والعقول, فعليه إثمُها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة.
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ". رواه مسلم
فأيّ قبحٍ وسوء أعظم من هذا؟
ثالثًا: تعريضُ نفسِه للحسد والعين, قال ابن الجوزي رحمه الله: ومِن البليةِ أنْ يُبَذِّرَ في النفقة، وَيُبَاهِي بها لِيَكْمِدَ الأعداء، كأنه يتعرض بذلك -إنْ أكثر- لإصابته بالعين. ا.ه
ورُبّما أغرى الفقراء بسرقتِه والاعتداء عليه.
رابعًا: أنها مُجاهرةٌ بالمعصية, فيُخشى على صاحبها أنْ يدخل في قولِ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ". رواه البخاري
والإسراف في المباحات منهيٌ عنه، كما قال تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
وقال تعالى عن أصحاب النار : {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ}.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم. ا.ه
والإسرافُ في كلّ شيء لا يُحبه الله, قال تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
والمبذرون هم إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ, كما قال تعالى : {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [ الإسراء : 26، 27 ] .
أيها المبذر والمسرف, أما علمتَ أنّنا كنا قبل ثمانين سنةً أو أقلّ, في فقرٍ وجوع وذلّ, هل نسيت رَحَلات أبائنا إلى العراق والشام؟ ألم تكن هذه البلاد أغنى أرض الله؟ من الذي أغنانا وأفقرهم, من الذي جمعنا وفرقهم, من الذي آوانا وشرّدهم, من الذي آمننا وخوّفهم.
إنَّه الله القهار ذو العظمة والجلال, الذي يُغير مِنْ حالٍ إلى حال.
هل نأمن من مكر الله تعالى؟ {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
لقد أمدّهم بالنعم فما قاموا بشكرها كما يجب, ولم يُحافظوا عليها بشكرها والحفاظِ عليها.
إنَّ حالهم يُذكرنا بقول حُرَقة بنتِ النعمان بن المنذر, حينما سُئلت عن تَغَيُّرِ حالِهِم من العز إلى الذل, وقد كان أبوها من أعظم ملوك العرب, فقالت: أصبحنا وما في العرب أحدٌ إلا يرجونا أو يخافنا, وأمسينا وما في العرب أحدٌ إلا يرحمنا.
نسأل الله بمنّه وكرمِه ألا يُرينا ما أراهم.
إخوةَ الإيمان: إنّ انتشار ظاهرة الإسراف مُؤذنٌ بعقوبةٍ من الله تعالى, فمن سنته أنه يَعُمُّ بالعقاب إذا كثرتِ الْمعاصي, كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَن سأله: أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ». متفق عليه
عباد الله
ومِمَّا يُبهج الخاطر, إنكارُ الناس كلِّهم أو أكثرِهم لهذه الظاهر السيّئة, فلا تجد أحدًا يُثني عليها أو يُسَرُّ بها, بل يتناقلون ذمّها والتحذير منها, وهذا والله يدلّ على سلامة العقيدة والفطرة.
وهذا هو الواجب على كلّ من رأى مُنكرًا, ويستطيع أنْ يُغيّرَه بيده أو بلسانه أو بقلمِه.
ألا فلْنحمد الله تعالى على هذه النعم العظيمة, التي والله لا ينعم بمثلِها إلا نُدْرةٌ من الناس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
واستمعوا الى هذه القصة التي قصها الله علينا لنأخذ منها العبره
انها قصة قوم سبأ فهم قوم قد اكتملتْ نِعَمُهم، ودُفعت النقم عنهم، وكُفُوا مؤونة الطعام والشراب، وهما قيام الحياة؛ فأرزاقُهم حاضرة، وأرضهم مخضرَّة، وسماؤهم ممطرة، وثمارهم يانعة، وضروعهم دارَّة، تحيط بمساكنهم الأشجارُ والثمار، وتملأ جنبتي بلادهم؛ فلا يسيرون إلا في خضرة من الأرض، ولا يأكلون إلا أطيب الطعام والثمار، يشربون من الماء أعذبَه، ويتنفسون من الهواء أنقاه، حتى ذكر المفسِّرون خلو أرضهم وأجوائهم من الهوام والحشرات المؤذية، وهذا من أكمل ما يكون للعيش الرغيد، والراحة التامة، والنعم الكاملة.
ولم يطلب ربُّهم - سبحانه - منهم مقابلَ هذه النعم المتتابعة إلا شكرَه عليها، بإقامة دينه، وتحقيق توحيده؛ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}
فوصفها الله - تعالى - بأنها بلدة طيبة؛ فكل شيء فيها طيِّب.
فنالوا غاية ما يطلبه البَشَرُ في معايشهم من طيب الهواء، والماء، والطعام، والمسكن، والبلاد، وقد عفا الله - تعالى - عنهم ما مضى مِن كفرهم وتجاوزهم، فلم يستأصلهم به، ودعاهم - سبحانه - إلى شكره، بتذكيرهم بمغفرته ورزقه؛ {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15].
لكنهم قابلوا دعوة الله - تعالى - لهم بالإعراض والاستكبار، والإعراضُ أشدُّ أنواع الكفر، فاستحقوا العذابَ والدمار؛ {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16]، ففتح الله - تعالى - عليهم سدَّهم؛ ليغرق بلادهم، ويهلك حرثهم وأنعامهم، ويتلف أشجارهم وثمارهم، فأضحتْ بلادُهم بعد الخضرة مغبرَّةً، وبعد الجدة مقفرةً، وبعد السَّعة ضيقةً، وذهبتْ نعمهم في لمح البصر، وصاروا ممحلين لا يلوون على شيء.
فما أعظمَ قدرةَ الله - تعالى - على البشر! وما أسرعَ زوالَ النعم! وتبدُّلَ الأحوال! وذلك بما كسبتْ أيديهم؛ فإن الله - تعالى - {لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فلم تتغير نِعَم سبأ عليهم إلا لما أعرضوا عن دين الله – تعالى - ولم يشكروا له نعمه - عز وجل - ولذلك بيَّن الله - تعالى - سببَ زوال نعمتهم، بقوله - عز وجل -: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ} [سبأ: 17]
بارك الله لى ولكم | |
|