الحمد لله الواحد الأحد، مجري الليل والنهار، سبحانه هو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، دعا إلى اغتنام الأوقات في فعل الخيرات، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها المسلمون: الوقت هو عمر الإنسان وحياته، وهو من أعظم نعم الله تعالى عليه، وقد ربط المولى عز وجل بينه وبين العمل، فقال سبحانه ( والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) يقول أحد العلماء: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم. لأنها الفيصل للإنسان في اغتنام الوقت، فمن أحسن إدارة وقته فقد فاز، ومن فرط فيه وقضاه في مضيعات الأوقات فقد فاته الخير الكثير، ولذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم أن يستهل يومه بقوله
الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد على روحي، وأذن لي بذكره)
فجميل بنا أن نبدأ يومنا بذكر الله تعالى ثم نشرع في أعمالنا، لأن الإذن بالذكر اغتنام للوقت في طاعته سبحانه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على ذكر أفضال الله تعالى على العبد ليل نهار فيقول:« من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد، ولك الشكر. فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته».
فاشكروا الله عز وجل على نعمة الوقت ونعمة الحياة ونعمة الإسلام، فإنها أغلى ما يمتلكه الإنسان، والسعيد من كان بالغداة شاكرا ذاكرا عاملا، مغتنما لوقته، وبالعشي راكعا ساجدا لربه، فإن الذكر غراس الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة». فالزمان أشرف من أن يضيع المرء منه لحظة، وما هذه الأيام إلا مزرعة للآخرة.
عباد الله: تمر الأيام وتمضي الأعوام، والإنسان بين مخافتين: أجل ماض لا يدري ما الله قاض فيه، وأجل باق لا يدري ما الله فاعل فيه، فليقدم الإنسان لنفسه، وليغتنم وقته سالكا كل الطرق التي تعينه على إدارة وقته وتحقيق أهدافه،
ولا يسوف فيضيع وقته وتتراكم عليه أعماله، وما أجمل أن ينظم وقته ويلتزم بمواعيده، فلا يهدر وقته، ووقت الآخرين، فإن نجح في ذلك كان من الفائزين، ولن يكون من النادمين، فإن الأجل إذا جاء فليس بعده من مستعتب، قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما من أحد يموت إلا ندم». قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال :«إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع». أي أقلع عن الذنب وتاب.
قال الحسن البصري رحمه الله: الدنيا ثلاثة أيام: أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك أن لا تدركه, فاليوم لك فاعمل فيه.
فاغتنام الوقت فيما ينفع المرء به نفسه وينفع الآخرين أمر مطلوب، وذلك بترتيب المهام والأعمال اليومية، وتقديم الأهم على المهم، فالعمر حجة له أو عليه يوم القيامة، وهو مسؤول عن عمره كيف قضاه، وعن شبابه فيم أبلاه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».
فعلى المرء أن لا يدع الوقت يمر من غير تدبير ولا تقدير، وأن يتأمل فيما قدم لنفسه ولزوجته وأولاده ولوظيفته وآخرته، فيخصص لكل منها الوقت الذي يناسبه، فالموفق من وفقه الله لطاعته، والسعيد من اغتنم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بالطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها.
اللهم بارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.