ثروت Admin
عدد المساهمات : 1166 تاريخ التسجيل : 18/06/2014 الموقع : خى على الفلاح
| موضوع: القرآن .. يا أمة الإسلام الجمعة يوليو 04, 2014 6:45 pm | |
|
الحمد لله الحليم الرحيم، ذي المنة والفضل العميم، له الحمدُ - سبحانه - حتى يرضى، وله الحمد إذا رضيِ، وله الحمد بعد الرضا، وله الحمد على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وخليلُه وخِيرتُه من خلقه، خيرُ من صلى الله وصام، وأفضلُ من تلا كتابَ ربه وقام، بلَّغ الرسالةَ، ونصحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى من سار على طريقهم واتبع هُداهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - بوصية الله للأولين والآخرين في مُحكَم التنزيل: (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) [النساء: 131].
احبتى فى الله
هذه هو شهر البركات والرحمات الذي تتجلَّى فيه النفوسُ الصافية، وتصعدُ فيه الهِمَم النديَّة إلى معالي الإيمان والمعرفة بالله - سبحانه -. شهرٌ تضيقُ فيه منافذُ الشياطين، فتصفُو عبادةُ المرءِ لربه، ويلَذُّ الأُنسُ بكتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه (( تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ))[فصلت: 42]. إنه شهر القرآن الكريم، شهرُ الانكسار والمُناجاة، شهرُ التدبُّر والاعتبار والخشية؛ لأن المرءَ بلا قرآن كالحياة بلا ماءٍ ولا هواءٍ، وهو بمثابة الروح للحياة، والنور للهداية. خيرُ جليسٍ لا يُملُّ حديثُه، وتَردادُه يزدادُ به المرءُ تجمُّلًا وبهاءً.
هو الكتابُ الذي من قام يقرأه كأنما خاطبَ الرحمن بالكلِم، (( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[المائدة: 15، 16].
دخل أبو جهلٍ على الوليد بن المُغيرة يُحرِّضه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى ما جاء به من القرآن، فقال أبو جهلٍ للوليد: قُل فيه قولًا يبلغُ قومَك أنك كارهٌ له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكُم رجلٌ أعلمُ بالأشعار مني، ولا أعلمُ برجَزه ولا بقصيدته مني، ولا بأشعار الجنِّ، واللهِ ما يُشبِه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إن لقولِه الذي يقول حلاوةً، وإن عليه لطلاوةً، وإنه لمُثمِرٌ أعلاه، مُغدِقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلَى، وإنه ليحطِمُ ما تحته.
نعم - عباد الله -؛ هذا هو القرآن الذي أدهشَ العقول، وأبكَى العيون، وأخذ بالألباب والأفئدة، وطأطأت له رؤوسُ الكُفر، (( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )) [المائدة: 83].
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلقَ في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عُكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسِلَت عليهم الشُّهُب، فرجعت الشياطين فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيل بيننا وبين خبر السماء. قال: ما حالَ بينكم وبين خبر السماء إلا شيءٌ حدث، فاضرِبوا مشارقَ الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟
فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حالَ بينهم وبين خبر السماء. قال: فانطلق الذين توجَّهوا نحو تِهامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنخلة وهو عامِدٌ إلى سوق عُكاظ وهو يُصلِّي بأصحابه صلاةَ الفجر، فلما سمِعوا القرآنَ تسمَّعوا له، فقالوا: هذا الذي حالَ بينكم وبين خبر السماء. فهُنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا (( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا )) [الجن: 1، 2].
هذا هو حالُ الناس مع كتاب ربهم - إنسِهم وجنِّهم، مُؤمنهم وكافِرهم -، (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )) [الإسراء: 9].
إنه ليس شيءٌ أنفعَ للعبد في معاشه ومعاده وأقربَ إلى نجاته وسادته في الدارَين من تلاوة كتاب ربِّه آناء الليل وأطراف النهار، وتدبُّره وإطالة النظر فيه، وجمعِ الفِكر على معاني آياته؛ فإن ذلكم يُطلِعُ العبدَ على جوامع الخير والشر وعلى حال أهلها، ويُريه صورةَ الدنيا في قلبه، ويُحضِرُه بين الأمم السالفة، ويُريه أيام الله فيهم والمَثُلات التي حلَّت بهم أو قريبًا من دارهم.
فيرى المُتدبِّرُ غرقَ قوم نوح، ويعِي أثرَ صاعقة عادٍ وثمود، ويعرفُ غرقَ فرعون وسف هامان، ويستوعِبُ ماهيَّة طريق الشر وعاقبة أهله، وماهيَّة طريق الخير ومآل أهله، (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) [الكهف: 49]. لقد جعل الله هذا الكتابَ فُرقانًا بين الحق والباطل، من طلبَ الهُدى منه أعزَّه الله، ومن ابتغَى الهُدى من غيره أذلَّه الله.
لقِيَ عمرُ الفاروق - رضي الله عنه - نافعَ بن عبد الحارث بعُسفان - وكان عمرُ يستعملُه على مكة -، فقال: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابنَ أبزى. قال: ومن ابنُ أبزى؟ قال: مولًى من موالينا. قال عُمر: فاستخلفتَ عليهم مولًى؟! قال: إنه قارئٌ لكتاب الله - عز وجل -، وإنه عالمٌ بالفرائض. قال عُمر: أما إن نبيَّكم قد قال: «إن الله يرفعُ بهذا الكتاب أقوامًا ويضعُ به آخرين»؛ رواه مسلم.
إنه النورُ الذي لا تُطفَأُ مصابيحُه، والمنهاجُ الذي لا يضِلُّ ناهِجُه، هو معدِنُ الإيمان، وينبوعُ العلم، ومائدةُ العُلماء، وربيعُ القلوب، ودستورُ الحياة برُمَّتها، والشفاءُ الذي ليس بعده داء، (( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ))[فصلت: 44].
كتابٌ محفوظٌ بحفظ الله له، لا يُغيِّره تحريفُ المُحرِّفين، ولا تأويلُ المُبطِلين، ولا عِنادُ النكِصين، يعلُو ولا يُعلَى عليه، ويودُّ أهلُ الباطل لو غسَلوا آياته وأحكامَه بماء البحر ليُمحَى أثره عن الوجود، ولكن الله غالبٌ على أمره، وهو القائلُ: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) [الحجر: 9].
قال يحيى بنُ أكثَم: كان للمأمون - وهو أميرٌ إذ ذاك - مجلسُ نظر، فدخل في جُملة الناس رجلٌ يهودي. قال: "فتكلَّم فأسن الكلام والعبارة. قال: "فلما أن تقوَّضَ المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيليٌّ؟ قال: نعم. قال له: أسلِم حتى أفعل بك وأصنع. ووعده فانصرف.
فلما كان بعد سنةٍ جاء مُسلِمًا فدعاه المأمون وقال: ألستَ صاحبَنا بالأمس؟ قال: بلى. قال: فما سببُ إسلام؟ قال: انصرفتُ من حضرتك فأحببتُ أن أمتحِنَ هذه الأديان، وأنا مع ما تراني حسنُ الخط، فعمدتُ إلى التوراة فكتبتُ ثلاثَ نُسخٍ فزِدتُّ فيها ونقصتُ، وأدخلتُها الكنيسة، فاشتُرِيَت مني. وعمدتُ إلى الإنجيل فكتبتُ ثلاثَ نُسخٍ فزِدتُ فيها ونقصتُ، وأدخلتُها البَيعة، فشتُرِيَت مني. وعمدتُ إلى القرآن فعملتُ ثلاثَ نُسخٍ وزِدتُ فيها ونقصتُ، وأدخلُها إلى الورَّاقين، فتصفَّحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رمَوا بها فلم يشتَروها. فعلِمتُ أن هذا كتابٌ محفوظ، فكان سببَ إسلامي.
(( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) [فصلت: 41، 42].
هذا هو كتابُ الله الكريم الذي نزل ب الروح الأمين؛ فما نحن صانِعون فيه؟! أيكون رائِدَنا ودستورَنا في حلِّنا وترحالنا، وغضبنا ورضانا، ومنشطنا ومكرهنا؟! أم أنه سيكون ضيفًا على الرفوف لا يلحقُه البرُّ إلا في رمضان؟! أنعتصِمُ به ونعَضُّ على أنواره بالنواجِذ أم نكون كالعِيسِ في البيداء يقتُلها الظمَأ والماءُ فوق ظهورها محمول؟! أم تكون أسماعُنا كالأقماع فتدخل الآياتُ مع اليُمنى وتخرجُ مع اليُسرى. أخرج مسلم في "صحيحه" أن الله قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثتُك لأبتليك وأبتلِي بك، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرأه نائمًا ويقظان».
قال الحسن البصري - رحمه الله -: "إن هذا القرآن قد قرأه عبيدٌ وصبيان لا علمَ لهم بتأويله، وما تدبُّر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأتُ القرآن كلَّه فما أسقطتُ منه حرفًا، وقد والله أسقطَه كلَّه، ما يُرى له في خُلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأُ السورةَ في نفسٍ واحدٍ، والله ما هؤلاء بالقُرَّاء ولا بالعلماء ولا الحكماء ولا الورِعة".
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وأرُوا اللهَ من أنفسكم في هذا الشهر المبارك قُربًا من كتابه تلاوةً وتدبُّرًا وعملًا وهدايةً، (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ))[فاطر: 32].
باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفرُ الله إنه كان غفَّارًا.
| |
|