علم التوحيد :
علم التوحيد مركب إضافي ، جعل علماً على العلم المعهود ، فينبغي تعريفه باعتبار كونه مركباً إضافياً ، وباعتبار كونه علماً ، للإحاطة بالمعنى من جميع الوجوه ، وبجميع الاعتبارات.
التوحيدلغة :
التوحيد لغة : مصدر وَّحَدَ يُوَحِّدُ ، وهو العلم بأن الشيء واحد ، وفي الاصطلاح: إفراد الله – جل وعلا – بالعبادة ، مع الجزم بانفراده في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، فلا نظير له ولا شبيه .
معنى العلم :
يطلق العلم في اللغة بإزاء معنيين :
أ- الاعتقاد الجازم
قال الله – جل جلاله - : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} من سورة محمد – صلى الله عليه وسلم – 19 ، ومما ينبغي التنبيه له أن الاعتقاد الجازم تارة يكون حقاً، وذلك بمطابقته للواقع عن دليل ، كاعتقاد المسلمين بأن الله – جل وعلا – واحدٌ لا شريك له.
وقد يكون الاعتقاد الجازم باطلا ً ، وينحصر ذلك في عدم مطابقة الاعتقاد للواقع، كاعتقاد النصارى بأن الله ثالثُ ثلاثةٍ – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -.
ب- ويأتي العلم بمعنى غلبة الظن
، ومنه قول الله – تبارك وتعالى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}الممتحنة الآية 10.
فالمراد من قوله – جل وعلا - :
"فإن علمتموهن"
أي : غلب على ظنكم إيمانهن عن طريق الأمارات ، وذلك بأن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما خرجت من بغض زوجها ، ولا عشقها لرجل في غير بلدها ، ولا رغبة من أرض إلى أرض ، ولا التماساً لدنيا بل هاجرت حباً لله – جل جلاله ، ولرسوله – صلى الله عليه وسلم
وإنما كان العلم هنا بمعنى غلبة الظن ؛ لأن الركن الأعظم لقبول الإيمان محله الجنان ، وذلك مما لا يطلع عليه إنس ولا جان ، إنما استأثر بعلمه الرحيم الرحمن ، فلا يطلع على ما في القلوب إلا علام الغيوب – سبحانه وتعالى - .
"العلم" في الاصطلاح :
تنوعت عبارات العلماء في تحديد معنى العلم في الاصطلاح إلى أقوال كثيرة وأولاها بالقبول أن يقال في تحديده : هو صفة ينكشف بها المطلوب .
معنى "علم التوحيد" باعتباره علماً مركباً على العلم المعهود :
علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية ـ من أدلتها الثابتة اليقينية .
ثمرة علم التوحيد ، وفائدته :
أعظم ثمرات "علم التوحيد" وأبرز فوائده ثلاث ، وهي :
1- معرفة الله – تبارك وتعالى – معرفة حقيقية.
2- انشراح الصدر ، وطمأنينة القلب عن طريق الوقوف على الأدلة القطعية.
3- الفوز بالسعادة الأبدية .
"علم التوحيد" ومنزلته :
علم التوحيد أشرف العلوم رتبة ، وأرفعها منزلة ، وأعلاها درجة.
وبيان هذا : أن منزلة كل علم تتبين بالنظر في خمسة أمور ، فإن تمت فيه ، فمقام ذلك العلم ليس شيء يضاهيه ،وتلك الجوانب هي :
1- موضوعه :
وعلم التوحيد أشرف العلوم موضوعاً ، لتعلقه برب العالمين ، وبصفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين – عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم – وبما يتعلق بيوم الدين ، ومن المعلوم أن المتعلِق يشرف بشرف المتعلَق
2-ومعلومه
وعلم التوحيد أشرف العلوم معلوماً ، كيف لا ، وهو مراد الله الشرعي الدال عليه وحيه ،
م التوحيد أقوى العلوم دليلاً ، حيث يدل عليه صرائح العقول والنقل الصحيح المتلقى بالقبول.
4- غايته وفائدته :
وعلم التوحيد أعلا العلوم غاية ، وأعظمها فائدة ، وهي باختصار حصول السعادة في جميع الأحوال والأطوار.
5- شدة الاحتياج إليه :
التوحيد في ذلك نصيب لا يدانيه فيه علم من العلوم حيث طولب به جميع المكلفين ، فحاجتهم إليه ضرورية ماسة ، ولا يسقط عنهم في حين من الأحايين .
وإنما اشتدت الحاجة إلى علم التوحيد ، لعظم غايته ، وعدم الاستغناء عن فائدته ، فسعادة المرء في الدارين متوقفة عليه ، فالجنة لا يدخلها إلا الموحدون الأبرار ، ولن ينال المشرك رحمة العزيز الغفار ، قال الله – عز وجل –
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }غافر10
وقال – جل وعلا - إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}المائدة72.
وفي الدنيا لن يستريح فكر الإنسان ، ولن يهدأ باله إلا إذا أزيلت عنه العقدة الكبرى عن طريق تبصيره بمن أوجده ، ولم أوجده ، وإلى أي شيء سيصير وما صلته بهذا الكون الفسيح ، وما الذي كان قبل هذا الكون ، وماذا سيكون بعده؟.
فإذا بصر بذلك عن طريق الأدلة اليقينية المقنعة انشرح صدره واستنار فكره ، واطمأن قلبه ، فيحيى حياة طيبة.
وإذا لم يهتد لإزالة العقدة الكبرى عن طريق الأدلة المقنعة إما لعدم بلوغه ذلك ووقوفه عليه ، أو لعناده وجحوده ، فالعجماوات خير منه
قال الله – تبارك وتعالى - : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}الأنعام122 ،
وقال – جل وعلا - {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}الأعراف179.
ولقد بين لنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – حال المؤمن الموحد ، وحال المشرك الجاحد في هذه الحياة الدنيا فقال : "عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خيرٌ وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" . [ رواه مسلم ]
وهذه الخيرية ، وتلك السعادة هما جنة الله العاجلة قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول :
[ إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. ]
الجنة هي
محبة الله تعالى ، ومعرفته ودوام ذكره ، والسكون إليه ، والطمأنينة إليه وإفراده بالحب ، والخوف ، والرجاء ، والتوكل ، والمعاملة ، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإراداته ، هو جنة الدنيا ، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عين المحبين ، وحياة العارفين.
ولو لم يكن للموحد جزاء إلا ما يحصله في عاجلة من اللذة والانشراح والراحة والطمأنينة والأنس والبهجة ، لكفى به جزاءً ، وكفى بفوته حسرة وعقوبة ، فوالله ، ثم والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفته ومحبته وطاعته ، وما طابت الجنة إلا برؤيته ومشاهدته ، وأهل الدنيا هم المساكين خرجوا منها وماذا ذاقوا أطيب فيها وهم وإن هملجت بهم البراذين ، وطقطقت بهم البغال ، إن أثر ذل المعصية لفي قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه .
ولتلك الاعتبارات كان علم التوحيد أصل العلوم الدينية ، وما سواه من علوم الشرع فرع ،
فهلموا أيها المكلفين لتعلم أصل الدين حتى تدخلوا جنة الموحدين وتكونوا مع سيد المرسلين محمد الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم