زائر زائر
| موضوع: أحداث الفتنة بين علي ومعاوية الثلاثاء فبراير 25, 2014 12:05 pm | |
| أحداث الفتنة بين علي ومعاوية لن نتوقف طويلاً -أيها الأحبة- عند حياة الإمام قبل الخلافة فإني أرى عقارب الساعة بين يدي تطاردني لنخلِّف سريعاً الأحداث المؤلمة لنعيش مع البطل في أحداث الفتنة الصماء البكماء العمياء؛ لنستخرج الحق من وسط هذا الركام الهائل من الأخبار الموضوعة والأقوال المكذوبة المصنوعة، التي شحنت بها الكتب والأسفار على أيدي الشيعة و الخوارج وغيرهم من فرق الباطل والضلال.
وأعيروني القلوب فإن هذا العنصر من أخطر عناصر اللقاء والموضوع، ولو لم أتوقف في هذا اللقاء إلا معه لكفى، فلقد شوهت حقائق التاريخ، وشوهت صور هؤلاء الأطهار الأبطال الأبرار والعدول الثقات، الذين زكاهم وعدلهم محمد صلى الله عليه وسلم
كُتَّاب التاريخ في الميزان مع الأحداث
يجب أن نعلم -أيها الأحبة- أن التاريخ الإسلامي لم يبدأ في تدوينه إلا بعد زوال دولة بني أمية، وقام على تدوينه ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: طائفة طلبت العيش والرزق والكسب بما تكتبه وما تؤلفه، بالتقرب والتودد إلى مبغضي بني أمية من دولة بني العباس. الطائفة الثانية: طائفة ظنت أن التقرب إلى الله جل وعلا لا يكون إلا بإطراء علي - رضي الله عنه - بالباطل والكذب، وبتشويه صورة أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - بل وبتكفيرهم. الطائفة الثالثة: من أهل الصلاح وأهل الدين والاستقامة؛ كأمثال الأئمة الفطاحل الكبار كـالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير. وهؤلاء رأوا أن يجمعوا التاريخ كله ويسجلوا الحق؛ أن يجمعوا أخبار الإخباريين على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم ومشاربهم، مع ذكر أسماء الرواة؛ ليرجع الباحث بعد ذلك إلى الخبر برجال إسناده؛ فيتعرف على صحة هذا الخبر من خلال معرفته بهؤلاء الرواة. ولكن من الذي سيتعرف على ذلك؟ إنه لا يتعرف على ذلك إلا جهابذة النقاد والصيارفة من علماء الجرح والتعديل، وهكذا نقلت إلينا التركة كلها على أنها التاريخ الإسلامي بغثها وسمينها، وقام من لا يجيد النزال في وسط هذا الميدان اللجب الكبير؛ لينقل من هذه التركة بغير ميزان وبدون قيد ولا ضابط، فنقل الغث والسمين والصحيح والخاطيء والباطل والكذب وهو لا يدري، على أنها سيرة الصحابة وتاريخ الإسلام، وهو بريء من كل هذه التهم ومن كل هذه الأخبار التي دس معظمها الشيعة من ناحية، و الخوارج من ناحية أخرى. فلابد من العودة إلى هذه التركة الضخمة لنستخلص الحق من الباطل والصحيح من الخطأ والصدق من الكذب، وإنها لمهمة صعبة، فإن هؤلاء الأبرار الذين زكاهم وعدلهم النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال - وهذا لفظ مسلم -: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وفي رواية الترمذي "كتاب المناقب" - وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الله الله في أصحابي؛ لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك الله أن يأخذه)، شوه تاريخهم في هذه الفترة الحرجة وكذب عليهم، وهم أهل الصدق وأهل العدالة رضي الله عنهم، وإن من أشد الفترات التي شوهت تاريخهم هذه الفترة التي تبدأ تقريباً من النصف الثاني في خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه والتي انتهت بمقتله ومقتل علي والحسن والحسين - رضي الله عنهم - ومقتل عدد كبير رهيب من المسلمين، نسأل الله جل وعلا أن يتجاوز عنا وعنهم بمنه وكرمه.
محاولات علي بن أبي طالب في إخماد الفتنة
السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دور علي - رضي الله عنه - في هذه الفتنة الصماء البكماء العمياء؟ وانتبهوا -أيها الأحبة الأخيار- فلقد بدأ علي - رضي الله عنه - بدور الوساطة الصادقة الأمينة بينعثمان بن عفان - رضي الله عنه - وبين الموتورين من الثوار المجرمين الذين حاصروا بيت الخليفة - رضي الله عنه - ولكن علياً - رضي الله عنه - رأى الفتنة تشتد، ورأى النار تتأجج وتشتعل، ورأى الموتورين من الثوار يحاصرون بيت الخليفة رضي الله عنه وأرضاه، فخرج من بيته معتماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلداً سيفه مع نفر من الصحابة من المهاجرين والأنصار؛ من بينهم عبدالله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وأبو هريرة - رضي الله عنهم - وغيرهم من موالي عثمان - رضي الله عنه - ، وكانوا تقريباً لا يزيدون على سبعمائة رجل، ولو تركهم عثمان - رضي الله عنه - لمنعوه، ولكن عثمان - رضي الله عنه - هو الذي رفض أن تهراق قطرة دم واحدة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون سبباً في الفتنة التي لم يغلق بابها بعد.
فدخل علي - رضي الله عنه - على عثمان - رضي الله عنه -في داره وقال: [يا أمير المؤمنين! ما أرى القوم إلا قاتليك فمرنا فلنقاتل] "لا تنسوا هذه العبارة" فقال عثمان - رضي الله عنه - الأواب التواب التقي الحيي النقي الذي علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشره بالشهادة بل وجاءه في الليلة السالفة الماضية ليقول له: (أفطر عندنا غداً يا عثمان) وهو ابن الثمانين فلماذا يقاتل؟ ولماذا تهراق الدماء بسببه؟ فنظر عثمان - رضي الله عنه - إلى علي - رضي الله عنه - وإلى رقيقه ومواليه وقال: [أقسم بالله على كل من لي عليه حق أن يغمد سيفه وأن يكف يده وأن يرجع إلى منزله]، ونظر إلى مواليه وقد شهروا السيوف فقال لهم: [من أغمد سيفه فهو حر]، وهكذا أعلن عثمان - رضي الله عنه - قولته الخالدة: [ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم]، وآثر الشهادة في سبيل الله وألا تبدأ الفتنة رضي الله عنه وأرضاه. وانطلق علي - رضي الله عنه - إلى المسجد فحان وقت الصلاة؛ فقال الناس: تقدم يا أبا الحسن! فصلِّ بالناس فقال: [والله ما كنت لأصلي بكم والإمام محصور] وصلّى علي - رضي الله عنه - وحده وتركهم وانصرف، ووقع ما قدر الله جل وعلا وكان؛ فقتل عثمان - رضي الله عنه - وأرضاه بعد أن حصره المجرمون في داره وكاد الظمأ أن يقتله لو أمهلوه بضعة أيام، وظلت المدينة خمسة أيام كاملة بلا خليفة، وأميرها الغافقي الوقح قاتل عثمان - رضي الله عنه - ، وحار الناس واضطرب الأمر، وقال الجميع على صوت رجل واحد: لا يصلح لهذا الأمر إلا علي - رضي الله عنه - ، وذهب المهاجرون والأنصار فأبى، ثم ذهبوا إليه مرة أخرى فأبى، ثم ذهبوا إليه مرة ثالثة فأبى، فقالوا: إنه واجب! وانقاد علي - رضي الله عنه - لضغوط المهاجرين والأنصار، وعلم أن هذه التبعة قدر عليه أن يكون هو حاملها، وأن يكون هو رجلها الآن، فمن يحملها إن لم يحملها علي - رضي الله عنه -؟ والحق يقال: إنه لم يكن على ظهر الأرض قاطبة بعد عثمان - رضي الله عنه - من هو أحق بالخلافة من علي - رضي الله عنه -.
تولي علي الخلافة ومطالبة معاوية والناس بدم عثمان
وتولى علي - رضي الله عنه - الخلافة في وقت عصيب رهيب، وخرج إلى المسجد ليبايع الناس فبايعه المهاجرون والأنصار جميعاً، وما لبث علي - رضي الله عنه - أن بويع إلا ودخل عليه طلحة والزبير رضي الله عنهما مع رءوس الصحابة الكبار في المدينة المنورة وقالوا: يا أمير المؤمنين لا بد من قتل قتلة عثمان - رضي الله عنه -؟ -سبحان الله!- وهنا يبدأ الخلاف؛ فكل فريق له وجهة نظره، وكل فريق له اجتهاده، من الذي يقتله؟ وأي قوة تستطيع الآن أن تقتل قتلة عثمان - رضي الله عنه -؟! لقد تعصب وغضب إليهم كثير من الناس حتى زاد عددهم عن عشرة آلاف فارس مدججين بالسلاح ينتشرون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الذي يستطيع أن يقيم عليهم حد الله بالثأر لقتل دم عثمان - رضي الله عنه - في هذا الظرف؟ واعتذر علي - رضي الله عنه - وقال: [إن قتلة عثمان كثرة ولهم مدد وأعوان] والحق معه بكل المقاييس، إذاً أين القوة التي تستطيع أن تقيم عليهم الحد ولم تستطع أن تحول بينهم وبين قتل الخليفة؟ وخرج الصحابة في غضب وفي ثورة شديدة على علي - رضي الله عنه -، وكان من بين هؤلاء الذين ثاروا ثورة شديدة لدم عثمان - رضي الله عنه -، معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وحذار حذار من الخوض في هؤلاء الأطهار الأبرار، فإننا نسمع الآن ونقرأ من يتكلم على هؤلاء الأخيار كلاماً تقشعر له الأبدان وتضطرب له الأفئدة، وهم السابقون الأولون.
ثار معاوية - رضي الله عنه - وازدادت ثورته بعدما أرسلت نائلة زوجة عثمان - رضي الله عنه - بقميص عثمان - رضي الله عنه - الذي قتل فيه، ووضعت فيه أصابعها التي قطعت وهي تدافع عنه، وأرسلت بالقميص والأصابع إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - الذي كان يعتبر نفسه من أوائل الناس ومن أحق الناس مطالبة بدم الخليفة الراحل، ولما رأى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - القميص بكى، وأخذ القميص وعلق فيه أصابع نائلة، وعلق القميص على منبر المسجد الدمشقي ولما رآه الناس والصحابة بكوا بكاءً شديداً، وارتفعت الأصوات بالنحيب على موت عثمان - رضي الله عنه -، وبايعوا معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - على الثأر لـعثمان - رضي الله عنه - ولم يبايعوه على الخلافة، ما بويع معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - على الخلافة ولم يطلب معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - الخلافة قط، وإنما كان يطلب الثأر لدم عثمان - رضي الله عنه - أو أن يسلم علي - رضي الله عنه - لـمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قتلة عثمان - رضي الله عنه - ليقتص منهم لـعثمان - رضي الله عنه -، وهنا بدأ الخلاف الكبير.
فخرج طلحة والزبير رضي الله عنهما إلى مكة المكرمة إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فلقد كانت بـمكة لأداء مناسك الحج في هذا العام، ولما سمعت عائشة - رضي الله عنها - بخبر مقتل عثمان - رضي الله عنه - قامت تدعو الناس وتحث الناس للثأر لدم عثمان - رضي الله عنه -، وقد تأولت قول الله جل وعلا الذي رددته كثيراً: " لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً " [النساء:114] فخرجت عائشة - رضي الله عنها - فالتف الناس حولها وقالوا: يا أماه! نحن معك حيث سرت للمطالبة بدم عثمان - رضي الله عنه -، واتفق هذا الجمع كله على الذهاب إلى البصرة ليكونوا قريبين من معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وقد ضمن الأمر في المدينة علي - رضي الله عنه - ليستسمعوا همم الناس للمطالبة بدم عثمان - رضي الله عنه -، وخرجوا جميعاً إلى البصرة، ولما سمع علي - رضي الله عنه - بذلك عزم على أن يخرج بنفسه، فقام عبدالله بن سلام الصحابي الجليل وأخذ بعنان فرسه وقال: [يا أمير المؤمنين! لا تخرج من مدينة رسول الله؛ فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً بعد اليوم] ورفض الحسن - رضي الله عنه - أن يخرج أبوه رضي الله عنه، ولكن علياً - رضي الله عنه - قال: [والله ما خرجنا إلا لأنا نريد الإصلاح بين الناس لا نريد قتالاً].
وإن أعظم دليل على ذلك أن علياً - رضي الله عنه - خرج من المدينة مع تسعمائة رجل، فهل هذا جيش يريد القتال؟ وفي الطريق التف حوله الناس من كل البقاع واجتمع عليه عدد كبير، ولما وصل إلى البصرة، وكان قد اجتمع على عائشة - رضي الله عنها - وعلى طلحة والزبير رضي الله عنهما عدد كبير من أهل البصرة للمطالبة بدم عثمان - رضي الله عنه - أرسل علي - رضي الله عنه - إليهما -أي: إلى طلحة والزبير رضي الله عنهما القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه.
فبدأ القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقال: يا أماه! ما الذي جاء بك إلى هذه البلاد؟ فقالت: أي بني! ما جئت إلا لأصلح بين الناس.
فقال القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - : فأرسلي إلى طلحة والزبير رضي الله عنهما ليحضرا، فحضرا طلحة والزبير رضي الله عنهما.
فقال القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - : لقد سألت أمنا ما الذي أقدمك إلى هذه البلاد؟ فقالت: ما جئت إلا لأصلح بين الناس.
فنطق طلحة والزبير رضي الله عنهما وقالا: والله ما جئنا نحن إلا لذلك.
فقال القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - : إذاً فما الذي تريدون؟ نحقق ونتفق على الإصلاح فإن اتفقنا عليه اصطلحنا.
فقال طلحة والزبير رضي الله عنهما: لا نريد إلا أن نقتل قتلة عثمان - رضي الله عنه -، فإن تركنا قتلهم فقد تركنا القرآن الكريم.
فقال القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - : لقد أتيتم أنتم إلى البصرة قتلتم قتلة عثمان من البصرة، فغضب لهم ستة آلاف فارس، فتركتموهم فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن حاربتموهم وقعت مفسدة هي أربى من الأولى، فاقتنع طلحة والزبير رضي الله عنهما.
فقالت عائشة - رضي الله عنها -: فماذا تقول أنت ياقعقاع؟ فقال القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - : أقول: بأن الدواء لهذا الأمر التسكين، وكونوا مفاتيح خير ولا تضيعونا، فإن ما حدث أمر عظيم، وإن كلمة الناس قد اختلفت في جميع الأمصار، وإن علياً معذور في تأخير قتلة عثمان حتى يتمكن منهم ويقدر عليهم.
موقعة الجمل
واقتنع الجميع، واتفق الطرفان على الصلح، واصطف الفريقان للصلح في الصبح الباكر وبات الفريقان بخير ليلة وأسعد ليلة. بات قتلة عثمان - رضي الله عنه - بشر ليلة، "انظروا من أين تأتي الفتن؟" وعلى رأسهم ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي الذي قال قولة عجيبة: والله إن علياً هو أعلم الناس بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان - رضي الله عنه -، وغداً يتفق الفريقان على الصلح ويجمع علي الناس عليكم، وإن القوم جميعاً لا يطلبون إلا أنتم، فوالله لئن كان ذلك لنلحقن علياً بعثمان، فأجمعوا الأمر وفكروا ما الذي نفعل وما الذي نصنع! فاتفقوا جميعاً على أن ينقضوا في ظلمة الليل البهيم الدامس على فريق علي - رضي الله عنه - وعلى فريق طلحة والزبير رضي الله عنهما ليضربوهم وليقاتلوهم ليظن كل فريق من الفريقين في ظلمة الليل أن أمر الصلح الذي كان بالأمس إنما هو خدعة، وأن كل فريق من الفريقين قد غدر بالآخر، ونشب القتال كفوران ماء يغلي بدون أسباب منطقية إطلاقاً، ونشبت موقعة الجمل الضارية التي صرخ فيها علي - رضي الله عنه - وهو يقول: [والله لوددت أني قد مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة]. وانتهت المعركة سريعاً كما بدأت سريعاً وذهب علي - رضي الله عنه -بنفسه إلى أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها - ليطمئن عليها، فقال لها: السلام عليك يا أماه! كيف حالك؟ فقالت: بخير. فقال علي - رضي الله عنه -: غفر الله لك، وأمدها بالمراكب والمتاع وسير معها محمد بن أبي بكر رضي الله عنه إلى مكة ثم إلى المدينة.
موقعة صفين بين علي ومعاوية
رجع علي - رضي الله عنه - إلى الكوفة لتبدأ فتنة أخرى حالكة في لقاء علي - رضي الله عنه - مع معاوية - رضي الله عنه -؛ يوم أن صمم علي - رضي الله عنه - على أن يذهب بنفسه إلى الشام وشاور وأرسل رسالة إلى معاوية يطلب فيها البيعة، فقد بايع علي - رضي الله عنه - كل الناس وكل الولاة إلا معاوية رضي الله عنه. فجمع معاوية رءوس الناس في الشام وعرض عليهم رسالة علي - رضي الله عنه -، فقالوا جميعاً: لا، لا نبايع علي - رضي الله عنه -إلا إذا قتل قتلة عثمان - رضي الله عنه - ، أو سلمهم إلينا لنقتلهم، وخرج علي - رضي الله عنه - بنفسه واستعد أهل الشام ونشبت فتنة القتال مرة أخرى وإنا لله وإنا إليه راجعون.! ودارت الحرب الطاحنة -سبحان الله!- ولما رأى أهل الشام أن الحرب ضروس رفعوا المصاحف على أسنة السيوف والرماح، وقالوا: نحكم بيننا كتاب الله، وقبل الفريقان تحكيم كتاب الله جل وعلا، قبل أهل العراق مع علي - رضي الله عنه - وقبل أهل الشام مع معاوية بعدما رُفع كتاب الله جل وعلا بينهما، واختار الفريقان حكمين، اختار علي : أبو موسى الأشعري، واختار معاوية: عمرو، ولقد قال الناس ما قالوا في مسألة التحكيم، وشبهوها بلعبة سياسية حقيرة قذرة لا تتم إلا في مؤتمر من مؤتمرات الكذب والبهتان، وقالوا في أبي موسى وفي عمرو كلاماً لا ينبغي على الإطلاق أن يقال في أشراف الناس فضلاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يخلو كتاب من كتب التاريخ من هذه الأكذوبة الكبيرة، قالوا: لقد اتفق عمرو وأبو موسى على خلع علي - رضي الله عنه -ومعاوية، وهل كان معاوية خليفة أو ادعى الخلافة ليخلعه أبو موسى أو عمرو؟ كلا. انظروا إلى مغالطات التاريخ، وإنما الذي حدث أن قالوا: بأن أبا موسى وعمرو قالا: نخلع علياً ونخلع معاوية ونترك الأمر شورى للمسلمين، هذا صحيح وهذا صدق وحق، ولكن البهتان يأتي، قالوا: فلما اتفقا على ذلك واجتمعا في الموعد المضروب بينهما، قال عمرو: تكلم يا أبا موسى، فقام أبو موسى فقال: لقد اتفقت أنا وصاحبي على أن نخلع علياً ومعاوية، وعلى أن يترك الأمر شورى للمسلمين ليختاروا من يشاءون، فلما انتهى أبو موسى من بيانه، قام عمرو بن العاص وقال: لقد خلع صاحبي علياً ومعاوية، أما أنا فإني أخلع علياً وأثبت معاوية، ما هذا؟! هذا يليق بمؤتمرات الكذب والبهتان، يليق بألاعيب السياسة. أما مع هؤلاء الأطهار الأبرار؛ فلا وألف لا، ولدينا من الأدلة الصحيحة من روايات الأئمة الثقات الأثبات ما ينفي ذلك الكذب والبهتان عن هؤلاء الأطهار الأبرار والأخيار الأعلام، واقرءوا ما رواه الإمام العلم الثبت الدارقطني بسنده الصحيح أن حضير بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه أرسله معاوية إلى عمرو رضي الله عنه ليتحقق مما حدث، فذهب حضير بن المنذر ولقي عمرو، فقال: يا عمرو ما الذي صنعتماه أنت و أبو موسى؟ -أتدرون ماذا قال عمرو؟ قال: أنتركه ونذهب إلى هذا الغدر والكذب الذي لا يليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال عمرو: ماذا ترى يا أبو موسى فقال أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه: أرى أن نخلع علياً و معاوية وأن يبقى هذا الأمر في النفر الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فقال عمرو : فما تجعلني أنا و معاوية؟ فقال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - : أنتما إن طلب منكما، إن يستعن بكما ففيكما المعونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما، وانتهى الأمر… أما هذه الأكاذيب والافتراءات فلا دخل لها إطلاقاً ولا وجود لها في عالم هؤلاء الأطهار، ليس معنى ذلك -أو لا يفهم من كلامي- أنني أقول: إن العصمة للصحابة! كلا، بل إننا على يقين أن منهم من قد زل باجتهاده! وهو اجتهاد مأجور عليه حتى وإن أخطأ؛ لأنه لا ينشد إلا الحق كما قال الأئمة الأعلام كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد وجميع أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله جميعاً: إن كل فريق منهما قد اجتهد وهو مأجور على اجتهاده حتى وإن أخطأ، مع أننا نقول بيقين جازم مطلق بأن أولى الطائفتين بالحق كان علياً رضي الله عنه وأرضاه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم |
|
عنترAdmin Admin
عدد المساهمات : 201 تاريخ التسجيل : 27/10/2011
| موضوع: رد: أحداث الفتنة بين علي ومعاوية الأربعاء أغسطس 12, 2015 12:13 am | |
| السلام عليكم
جزاكم الله الخير
وانار قلبكم
وحقظكم من كل سوء | |
|