زائر زائر
| موضوع: إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ الأحد يناير 26, 2014 7:30 pm | |
| الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ . وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ "
لا تُنكِرُ عَينٌ مَبصِرَةٌ وَلا تَجحَدُ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ، مَا يُحِيطُ بِالأُمَّةِ مِن فِتَنٍ قَد وَقَعَ عَدَدٌ مِنهَا وَأُخرَى مُحتَمَلَةُ الوُقُوعِ ، فِتَنٌ يَشُبُّ أُوَارَهَا كَفَرَةٌ وَمُنَافِقُونَ ،
وَيُذكِي نَارَهَا جَهَلَةٌ مَفتُونُونَ ، وَيَقَعُ في سَعِيرِهَا أَغرَارٌ مُغَفَّلُونَ ، وَلأَنَّ السَّعِيدَ مَن وَعِظَ بِغَيرِهِ ، فَإِنَّ المُؤمِنَ الَّذِي أُعطِيَ بَصِيرَةً وَتَوفِيقًا ، يَسعَى جُهدَهُ
أَن يَجتَنِبَ الفِتَنَ وَيَبتَعِدَ عَن مَوَاقِعِهَا ، فَإِذَا وَقَعَت وَبُلِيَ بها ، حَرِصَ عَلَى مَا يُخَلِّصُهُ مِنهَا ، لا أَن تَكُونَ الأُخرَى كَمَا يَفعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ ، حَيثُ
يَتَصَرَّفُونَ في أَوقَاتِ الفِتَنِ وَعِندَ حُلُولِهَا قَاصِدِينَ أَو عَن غَيرِ قَصدٍ ، تَصَرُّفَاتٍ تَدفَعُهُم إِلى مُوَاقَعَتِهَا وَالارتِكَاسِ في أَوحَالِهَا ، بَل قَد تَجعَلُهُم أَوَّلَ وَقُودٍ لِمَا
أَضرَمُوا ، وَلِنَاصِحٍ لِنَفسِهِ وَمَن حَولَهُ أَن يَتَأَمَّلَ قَولَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ :
" إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ ، وَلَمَنِ ابتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . إِنَّ في هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ لَتَنبِيهًا إِلى أَنَّ الوُقُوعَ في الفِتَنِ وَالتَّعَرُّضَ لها شَقَاءٌ ، وَأَنَّ لِلمُسلِمِ مَعَ الفِتَنِ مَوقِفَينِ لا ثَالِثَ لَهُمَا : إِمَّا اجتِنَابُهَا وَالبُعدُ عَنهَا وَالعَمَلُ عَلَى تَلافِيهَا ، وَهُوَ الأَولى بِالمُسلِمِ وَالآكَدُ في حَقِّهِ ، وَإِمَّا الصَّبرُ عَلَيهَا إِذَا وَقَعَت ، وَأَمَّا المُسَارَعَةُ إِلَيهَا وَالتَّعَرُّضُ لها ، فَمِمَّا لا يَصِيرُ إِلَيهِ إِلاَّ جَاهِلٌ مُتَسَرِّعٌ أَو مُنَافِقٌ مُغرِضٌ .
إِنَّ لِلمُسلِمِ في أَزمِنَةِ الفِتَنِ مَنهَجًا ثَابِتًا ، لا تَحكُمُهُ الأَهوَاءُ وَالرَّغَبَاتُ ، وَلا تُسَيِّرُهُ النَّزَعَاتُ وَلا النَّزَغَاتُ ، وَلَكِنَّهُ مَنهَجٌ ذُو مَبَادِئَ رَاسِخَةٍ وَأُصُولٍ عَمِيقَةٍ ، يُمِدُّهُ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَيَضبِطُهُ هَديُ سَلَفِ الأُمَّةِ ، وَمِن سِمَاتِ هَذَا المَنهَجِ القَوِيمِ ، الحِرصُ عَلَى جَمعِ القُلُوبِ وَلَمِّ الشَّملِ وَتَوحِيدِ الوُجهَاتِ ، وَتَجَنُّبُ مَا يُثِيرُ الاختِلافَ أَو يَدعُو لِلفُرقَةِ وَالشَّتَاتِ ، عَمَلاً بِأَمرِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا
ـ حَيثُ قَالَ : " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " وَلأَجلِ تَحقِيقِ هَذَا الهَدَفِ النَّبِيلِ وَالوُصُولِ إِلى تِلكَ الغَايَةِ السَّامِيَةِ ، فَإِنَّ المُؤمِنَ المُتَّقِيَ لِرَبِّهِ ، لا يُرَى في حَالِ الفِتَنِ إِلاَّ حَلِيمًا مُتَأنِيًّا ، غَيرَ مُتَعَجِّلٍ وَلا طَائِشٍ ، حَرِيصًا عَلَى الرِّفقِ في تَعَامُلِهِ مَعَ مَن حَولَهُ ، سَوَاءٌ في ذَلِكَ المُحِبُّونَ المُوَالُونَ أَوِ الشَّانِئُونَ المُبغِضُونَ ، وَهُوَ في ذَلِكَ يَنطَلِقُ مِن نَحوِ قَولِ رَبِّهِ ـ
جَلَّ وَعَلا ـ : " فَقُولَا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشَى " وَقَولِهِ : " فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضُّوا مِن حَولِكَ "
وَقَولِ نَبِيِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَمَا في صَحِيحِ مُسلِمٍ : " إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ , وَلا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ " مُتَذَكِّرًا مَدحَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لأَشَجِّ عَبدِ القَيسِ حَيثُ قَالَ لَهُ : " إِنَّ فِيكَ لَخَصلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ : الحِلمُ وَالأَنَاةُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِن سِمَاتِ مَنهَجِ المُسلِمِ في أَوقَاتِ الفِتَنِ لُزُومُ العَدلِ وَالإِنصَافِ في الأَمرِ كُلِّهِ ، مَعَ المُوَافِقِ وَالمُخَالِفِ ، وَالصَّدِيقِ وَالعَدُوِّ ، يَفعَلُ ذَلِكَ انطِلاقًا مِن عِلمٍ بِأَنَّ الجَورَ وَالظُّلمَ سَبَبٌ في الخِذلانِ ، وَيَقِينًا بِأَنَّ العَدلَ سَبَبٌ لِبَقَاءِ الأُمَمِ وَارتِفَاعِهَا وَانتِصَارِهَا ، وَامتِثَالاً لِلتَّوجِيهِ الرَّبَّانيِّ في ذَلِكَ حَيثُ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربى " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنٌ قَومٍ عَلَى أَلاَّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى " وَإِنَّ المُسلِمَ وَهُو يَحرِصُ عَلَى العَدلِ لَيَعلَمُ أَنَّ الحُكمَ عَلَى الشَّيءِ فَرعٌ عَن تَصَوُّرِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ في سَبِيلِ اكتِمَالِ التَّصَوُّرِ الصَّحِيحِ لِلأَشيَاءِ في ذِهنِهِ وَرُؤيَتِهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا ، يَحرِصُ عَلَى التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ وَاستِجلاءِ الحَقَائِقِ مِن مَصَادِرِهَا ، وَكَشفِ القِنَاعِ عَن كُلِّ مَا يُنقَلُ إِلَيهِ مُصَوَّرًا أَو مَسمُوعًا ، عَمَلاً
بِقَولِ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ " وَقَولِهِ : " وَلا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ " وَمِن سِمَاتِ مَنهَجِ المُسلِمِ في وَقتِ الفِتَنِ التَّخَلُّقُ بِالصَّبرِ ، إِذْ هُوَ العُدَّةُ في الشَّدَائِدِ وَالمِحَنِ ، وَالسِّلاحُ الَّذِي تُوَاجَهُ بِهِ الابتِلاءَتُ وَالفِتَنُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاصبِرْ وَمَا صَبرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلَا تَحزَنْ عَلَيهِم وَلَا تَكُ في ضَيقٍ مِمَّا يَمكُرُونَ . إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ "
وَقاَل َ: " وَاصبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهجُرْهُم هَجرًا جَمِيلاً " وَقَالَ : " وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بما يَعمَلُونَ مُحِيطٌ "
وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الصَّبرِ وَأَثقَلِهِ عَلَى النُّفُوسِ في أَوقَاتِ الفِتَنِ ، الكَفَّ عَنِ الخَوضِ فِيهَا في أَمرِ العَامَّةِ ، وَتَركَ التَّصَدُّرِ وَالتَّرُؤُّسِ ، والإِقبَالَ عَلَى النَّفسِ وَاستِصلاحَهَا
وَتَربِيَتَهَا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي ، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَن تَشَرَّفَ لها تَستَشْرِفْهُ ، فَمَن وَجَدَ مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ،
وَعَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : بَينَمَا نَحنُ حَولَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ ذَكَرَ الفِتنَةَ فَقَالَ : " إِذَا رَأَيتُمُ النَّاسَ قَد مَرِجَت عُهُودُهُم وَخَفَّت أَمَانَاتُهُم وَكَانُوا هَكَذَا ـ وَشَبَكَ بَينَ أَصَابِعِهِ ـ " قَالَ : فَقُمتُ إِلَيهِ فَقُلتُ : كَيفَ أَفعَلُ عِندَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ؟! قَالَ : " اِلزَمْ بَيتَكَ ، وَابكِ عَلَى نَفسِكَ ، وَاملكْ عَلَيكَ لِسَانَكَ ، وَخُذْ مَا تَعرِفُ وَدَعْ مَا تُنكِرُ ، وَعَلَيكَ
بِأَمرِ خَاصَّةِ نَفسِكَ وَدَعْ عَنكَ أَمرَ العَامَّةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَمِن سِمَاتِ مَنهَجِ المُسلِمِ في أَوقَاتِ الفِتَنِ وَكَثرَتِهَا
وَاشتِدَادِهَا ، الاشتِغَالُ بِالعِبَادَةِ وَالاستِكثَارُ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ ، وَالحَذَرُ مِمَّا عَلَيهِ كَثِيرٌ مِنَ الهَمَجِ الرَّعَاعِ ، الَّذِينَ تَصرِفُهُم الفِتَنُ عَن عِبَادَةِ رَبِّهِم ، وَتَشغَلُهُم عَنِ التَّزَوُّدِ لأَنفُسِهِم ، وَتُوقِعُهُم في المِرَاءِ وَالجَدَلِ وَالخُصُومَاتِ وَالمُلاسَنَاتِ ، وَالَّتي لا تَزِيدُهُم إِلاَّ ضَلالاً وَغَيًّا ،
وَلِذَا قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا ضَلَّ قَومٌ بَعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِن سِمَاتِ مَنهَجِ المُسلِمِ في أَوقَاتِ الفِتَنِ كَثرَةُ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَسُؤَالِ اللهِ ـ تَعَالى ـ بِإِلحَاحٍ أَن يَكشِفَ الكُربَةَ وَيُزِيلَ الغُمَّةَ ، وَأَن يُعِيذَهُ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، وَهُوَ في هَذَا يَستَصحِبُ مَا صَحَّ عَنِ الإِمَامِ المَعصُومِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ
حَيثُ قَالَ : " تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِن فِتنَةِ الدَّجَالِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّكُم في وَقتٍ أَطَلَّت
فِيهِ الفِتَنُ بِرُؤُوسِهَا ، وَتَعَدَّدَت مَصَادِرُهَا وَتَنَوَّعَت أَشكَالُهَا " فَمَن أَحَبَّ أَن يُزَحزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ ، فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ،
وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ ، وَمَن بَايَعَ إِمَامًا فَأَعطَاهُ صَفقَةَ يَدِهِ وَثَمرَةَ قَلبِهِ ، فَلْيُطعِهِ إِنِ استَطَاعَ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ عَمَلاً بِالحَسَنَاتِ ،
وَتَركًا لِلمُنكَرَاتِ ، وَإِذَا أَرَدتَ في قَومٍ فِتنَةً وَنَحنُ فِيهِم فَاقبِضْنَا إِلَيكَ غَيرَ مَفتُونِينَ .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في أَنفُسِكُم فَاحذَرُوهُ " وَأَنَّهُ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ، وَأَنَّ كُلَّ نَفسٍ بما
كَسَبَت رَهِينَةٌ ، وَسَيَتَبَرَّأُ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا حِينَ يَرَونَ العَذَابَ ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن مُثِيرِي الفِتَنِ وَمُؤَجِّجِي نِيرَانِهَا ، مِمَّن رَكِبُوا في ذَلِكَ وَسَائِلَ
الإِعلامِ وَالقَنَوَاتِ ، وَبَرَامِجَ التَّوَاصُلِ في الشَّبَكَاتِ ، فَنَشَرُوا الكَذِبَ بِلا رَوِيَّةٍ ، وَرَوَّجُوا لِلشَّائِعَاتِ بِلا تَثَبُّتٍ ، وَشَرَّقُوا في كُلِّ قَضِيَّةٍ وَغَرَّبُوا بِلا زِمَامٍ وَلا
خِطَامٍ ، فَمَا أَحسَنَهُ بِالمَرءِ وَأَجمَلَهُ ، أَن يَضَعَ قَولَ الحَبِيبِ النَّاصِحِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَمَامَ عَينَيهِ حَيثُ قَالَ :
" مِن حُسنِ إِسلامِ المَرءِ تَركُهُ مَا لا يَعنِيهِ " وَلْيَترُكْ قَضَايَا الأُمَّةِ الكَبِيرَةَ لِكِبَارِ عُلَمَائِهَا وَقَادَتِهَا ، وَلْيَبتَعِدْ عَنِ اتِّخَاذِ العَاطِفَةِ الجَيَّاشَةِ مُوَجِّهًا لِكُلِّ مَا يَقُولُ أَو يَكتُبُ أَو يَفعَلُ ، وَلْيَأخُذِ المُعَافَونَ العِبرَةَ مِنَ الفِتَنِ الَّتي عَصَفَت بِبَعضِ بِلادِ المُسلِمِينَ ، فَاختَلَفَت فيها الرَّايَاتُ وَتَنَوَّعَتِ المَنَاهِجُ وَتَعَدَّدَتِ المَشَارِبُ ، وَانفَلَتَ الزِّمَامُ وَاختَلَطَتِ الأُمُورُ وَالتَبَسَ الحَقُّ ، حتى وَصَلَ الخِذلانُ بِبَعضِ الأَحزَابِ إِلى السِّبَاحَةِ في دِمَاءِ المُسلِمِينَ وَتَركِ العَدُوِّ الظَّاهِرِ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَاعلَمُوا أَنَّ جِمَاعَ الخَيرِ وَسَبِيلَ النَّجَاةِ في أَوقَاتِ الفِتَنِ ، التَّسَلُّحُ بِالعِلمِ الشَّرعِيِّ وَالحِرصُ عَلَيهِ اكتِسَابًا لَهُ وَإِنفَاقًا مِنهُ ،
فَاحرِصُوا عَلَى ذَلِكَ وَالزَمُوهُ ، فَمَن لم يَستَطِعْ أَن يَكُونَ مِن أَهلِ العِلمِ فَلْيَتَمَسَّكْ بِأَهلِهِ الرَّاسِخِينَ ، وَلْيَصدُرْ عَن رَأيِهِم وَلْيَعتَمِدْ أَقوَالَهُم ، وَخَاصَّةً مَن
عُرِفَ مِنهُم بِتَقوَاهُ وَخَشيَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنِ اتِّخَاذِ الجَهَلَةِ رُؤُوسًا أَوِ اتِّبَاعِ المَجَاهِيلِ
، فَقَد قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ :
" إِنَّ اللهَ لَا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لم يُبقِ عَالمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرَيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ ، اِهدِنَا لما اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِكَ ، إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ . |
|