" صحف إبراهيم " من الكتب المنزلة التي يجب الإيمان بها ، لا نعرف عنها إلا ما أخبرنا الله به .
:
الحمد للهةالصلاة والسلام على اشرف المرسلين
وبعد
" صحف إبراهيم " هي صحف أنزلها الله تعالى على نبيه وخليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، كانت فيها جملة من المواعظ والأحكام .
وهي من جملة الكتب السماوية المنزلة التي يجب أن نؤمن بها ، قال الله تعالى :
( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة/285 .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" نؤمن بكتب الله جميعا على الإجمال والتفصيل ، نؤمن بجميع الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ومنها التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف موسى وصحف إبراهيم ، نؤمن بكل الكتب التي أنزلها الله على رسله " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (28/ 17) .
صحف إبراهيم عليه السلام هي الصحف التي أنزلها الله على نبيه إبراهيم عليه السلام ؛ غالب ما جاء فيها ـ كما قال أهل العلم ـ مواعظ وحكم وعبر .
وقد ذكرها ربنا عز وجل في القرآن الكريم في عدة مواضع ، منها المجمل ، ومنها المبيَّن :
أما المواضع المجملة ففي قوله تعالى :
( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/136
وقوله عز وجل :
( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/84 .
وأما المواضع الصريحة المبينة ففي سورة النجم ، حيث يقول الله تعالى :
( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى . وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى . أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى . أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى . وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى . أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) إلى آخر السورة .
وفي سورة الأعلى ، حيث قال سبحانه :
( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) الأعلى/14-19.
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله :
" وأما الصحف : فإنها جمع صحيفة ، وإنما عُنِي بها : كتب إبراهيم وموسى " انتهى.
" جامع البيان " (24/377)
يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" ( وما أنزل إلى إبراهيم ) لم يبين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم ، ولكنه بيَّن في سورة الأعلى أنه صحف ، وأن من جملة ما في تلك الصحف : ( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) وذلك في قوله : ( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ) " انتهى.
" أضواء البيان " (1/45)
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تاريخ نزوله ، كما جاء عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) رواه أحمد في "المسند" (4/107) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1575)
وقد وقع في بعض الأحاديث الضعيفة ، وبعض الآثار عن التابعين نقولٌ عن صحف إبراهيم ، يغلب على الظن أنها منقولة عن كتب بني إسرائيل ، وهي – إن صحت - تدل على أن موضوع صحف إبراهيم الرئيس هو الحكمة والموعظة .
يقول داود بن هلال النصيبي :
( مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام :
يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعتِ لهم وتزينتِ لهم ، إني قد قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك ، ما خلقت خلقا أهون عليَّ منك ، كل شأنك صغير ، وإلى الفناء تصيرين ، قضيت عليك يوم خلقتُ الخلق ألا تدومي لأحد ، ولا يدوم لك أحد ، وإن بخل بك صاحبك وشح عليك ، طوبى للأبرار الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا ، وأطلعوني من ضميرهم على الصدق والاستقامة ، طوبى لهم ، ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم إلا النور يسعى أمامهم ، والملائكة حافون بهم حتى أبلغ بهم ما يرجون من رحمتي )
" الزهد " ابن أبي الدنيا (رقم/200)
جاء في " الموسوعة الفقهية " (15/167) :
" وأما صحف إبراهيم وداود فقد كانت مواعظ وأمثالا لا أحكام فيها ، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على أحكام " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" صحف إبراهيم صحف أنزلها الله تعالى على إبراهيم فيها المواعظ والأحكام " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/176)
أما طبيعة هذه الصحف ، ومن أي شيء كانت ؟ وهل كانت من ألواح أو أوراق أو جلود ؟ فهذا شيء لا يعلمه إلا الله ، وليس عندنا منه خبر ، وعلم ذلك لا يتعلق به شيء من إيمان أو عمل ، وعلمه لا يضر ، والبحث عنه إنما هو تكلف محض .
والذي ذكره الله تعالى لنا أنها صحف ، وأصل الصحيفة المبسوط من كل شيء ، فالصحيفة هي الشيء المبسوط من ورق أو جلد أو لوح ونحو ذلك مما يكتب فيه .
قال الطبري في "تفسيره" (24/ 377):
" وأما الصحف : فإنها جمع صحيفة ، وإنما عُنِي بها : كتب إبراهيم وموسى " .
وقال ابن منظور في "لسان العرب" (9/ 186):
" الصَّحِيفَةُ: الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا، وَالْجَمْعُ صَحَائِفُ وصُحُفٌ وصُحْفٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ) ؛ يَعْنِي الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَيْهِمَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا " .
ومن الغريب أن السائل يسأل عن هذه الصحف من أي شيء كانت ثم يقول : " بغض النظر عن مضمونها " ! ولو أنه سأل عن المضمون ثم قال " بغض النظر عن طبيعتها " لكان هو الأولى والأنفع .
ولله الحمد والمنه